حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعة 462: مسؤوليَّتُنا حينما نواجه أوضاعًا خاطئة – كيف يجب أنْ نتعاطى مع الأوضاع الخاطئة

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُدَاةِ الميامين.

مسؤوليَّتُنا حينما نواجه أوضاعًا خاطئة

إذا حاولنا أنْ نمارس قراءةً لواقع مجتمعاتنا، فسوف نواجه أوضاعًا خاطئةً كثيرة.
ففي المساحات الدِّينيَّة ظهرت بدعٌ، وخرافاتٌ، ومنكراتٌ، وخلافاتٌ، وصراعات.
وفي المساحات الثَّقافيَّة راجتْ أفكار، ورؤى، ومفاهيم تصطدم مع مسلَّمَات الدِّين.
وفي المساحات الاجتماعيَّة انتشرت أعراف وعادات دخيلة.

وفي المساحات السِّياسيَّة سادتْ ممارساتٌ فاسدة، وسلوكيَّاتٌ خاطئة، وخياراتٌ باطشة، وأوضاعٌ متأزِّمة، وعلاقات متوتِّرة.

هنا نطرح هذا السُّؤال؟
•كيف يجب أنْ نمارسَ مسؤوليَّاتنا في مواجهة هذه الأوضاع الخاطئة في كلِّ المساحاتِ الدِّينيَّةِ، والثَّقافيَّةِ، والاجتماعيَّةِ، والسِّياسيَّة؟

سؤالٌ في غايةِ الحساسيَّة والخطورةِ، وبِقَدْرِ ما تكون الإجابةُ عنه صريحةً، وجادَّةً، وصادقةً، وواعيةً، ومتحرِّرةً من كلِّ الضُّغوطاتِ والمؤثِّراتِ يتحدَّد الموقف القادر على مواجهة هذه الأوضاعِ الخاطئة دينيَّةً كانت، أو ثقافيَّةً، أو اجتماعيَّةً، أو سياسيَّة.

وإنْ كان التَّعاطي مع الشَّأن السِّياسيِّ هو الأكثر تعقيدًا، وصعوبةً، وخطورة، فمعالجة أخطاء هذه المساحة في حاجةٍ إلى درجاتٍ عالية من الرُّشد السِّياسيِّ، والقراءة الموضوعيَّة البصيرة، والجرأة في مقاربة الأخطاءِ، والقدرة على ممارسة النَّقد والمحاسبة، وإنتاج الرُّؤى الصَّائبة.
الحاجة إلى معالجات جادَّة للمفاصِل الفاعلة

وهنا أنبِّه إلى أنَّني حينما أتحدث عن (أوضاع سياسيَّة) في حاجةٍ إلى (معالجات جادَّة)، فأعني:
أوَّلًا: أوضاع الأنظمة.
ثانيًا: أوضاع الشُّعوب.
ثالثًا: أوضاع القوى، والجماعات النَّاشطة.

فهذه المفاصل الثَّلاثة تشكِّل مكوِّنات الواقع السِّياسيِّ في كلِّ الأوطان، فهي في حاجة إلى مستوياتٍ عاليةٍ من الرَّقابة، والمحاسبة، والمراجعة.

ولا أريد – هنا – أنْ أُساوي بين هذه المفاصل فيما هي المسؤوليَّات، وفيما هي الإمكانات والقُدُرات، وفيما هي المراقبات والمحاسبات.

فالمفصل الأوَّل هو (هيكل الوضع السِّياسي) في الأوطان، وهو الأكبر مسؤوليَّة، والأشدُّ ضرورة إلى المراجعة، والمراقبة، والمحاسبة، والمعالجة، والتَّصحيح.
فإذا صلحت الأنظمة فبالتَّأكيد تصلح الشُّعوب، وتصلح كلُّ القوى، والأحزاب، والجماعات السِّياسيَّة النَّاشطة.

ولا أريد أنْ أقلِّل من ضرورة مراقبة، ومحاسبة، وتوجيه، وإصلاح الجماهير، والقوى السِّياسيَّة النَّاشطة دفعًا لكلِّ الإرباكاتِ والتَّوتُّرات، ولكيلا تتشكَّل (مبرِّراتٌ) تحمل الشُّعوب، وقواها النَّاشطة (مسؤوليَّات) الإعاقة، والعرقلة لمشروعاتِ التَّغيير والإصلاح.

نعم، الدَّور الأساس في إصلاح أوضاع الأوطان هو دور الأنظمة الحاكمة، وخاصَّة في تهيئة المناخات السِّياسيَّة، وكما أكَّدت في كلمة الجمعة الماضية من الحاجة إلى ستِّ ضرورات:

•الضَّرورة الأولى: التَّأسيس لإنتاج الثِّقة بين الأنظمة والشُّعوب.
•الضَّرورة الثَّانية: إنهاء كلِّ المؤزِّمات.
•الضَّرورة الثَّالثة: اعتماد خَيارات الحوار بدلًا من الخَيارات الأمنيَّة القاسية.
•الضَّرورة الرَّابعة: إيقاف خطابات التَّأزيم الرَّسميَّة والشَّعبيَّة.
•الضَّرورة الخامسة: عدم غياب، أو تغييب الرُّموز السِّياسيَّة الرَّاشدة، وكذلك قوى السِّياسة الفاعلة.
•الضَّرورة السَّادسة: وجود خطابات رسميَّة قادرة على طَمْأَنَةِ الشُّعوب.

كيف يجب أنْ نتعاطى مع الأوضاع الخاطئة
بكلِّ امتداداتها الدِّينيَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة.
حينما نقرأ واقعنا، فسوف تبرز أمامنا أربعةُ مواقف في كيفيَّة التَّعاطي مع الأوضاع الخاطئة:
1- الموقفُ المُسانِدُ للأوضاع الخاطئة.
2- الموقفُ المُداهن للأوضاعِ الخاطئة.
3- الموقفُ الصَّامت تجاه الأوضاع الخاطئة.
4- الموقفُ المعارض الرَّافض للأوضاع الخاطئة.

نحاول أنْ نقرأ هذه المواقف.
1- الموقف المساند للأوضاع الخاطئة
وليس بالضَّرورة أنْ تكون المساندة للأوضاعِ الخاطئة في كلِّ المساحات.
فقد يمارس البعض (مساندة، وتأييدًا) للأوضاع الخاطئة في المساحاتِ الدِّينيَّة، والمساحاتِ الثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة إلَّا أنَّه بالنِّسبة للأوضاع الخاطئة في المساحات السِّياسيَّة يكون معارضًا، ورافضًا.

وقد يحدث العكس، فيمارس البعض (رفضًا، ومعارضةً) للأوضاعِ الخاطئة في المساحات الدِّينيَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة إلَّا أنَّه بالنِّسبة للأوضاع الخاطئة في المساحات السِّياسيَّة يكون (داعمًا، ومساندًا، ومؤيدًا).

ماذا تعني المساندة للأوضاع الخاطئة؟
هل تعني الممارسة لهذه الأوضاع الخاطئة؟
هل تعني السُّقوط في مستنقعاتها؟

قد لا نمارس أعمالًا الخاطئة دينيًّا، أو ثقافيًّا، أو اجتماعيًّا، أو سياسيًّا، ولكنَّنا ندعمُها، نساندُها، نؤيِّدُها، نباركُها، نروِّجُ لها، فنكونَ بذلك شركاءَ في هذه الأعمال الخاطئة، وشركاءَ في كلِّ آثارها ونتائجها، وفي كلِّ آثامها، وعقوباتها الدُّنيويَّة والأُخرويَّة.

قد لا نمارس (البدعة في الدِّين)، وقد لا نمارس (الخُرافات)، وقد لا نمارس (الكبائر والموبقات) لكنَّنا ندعمها، نباركها، نروِّج لها، فنكون شركاء في هذه البدع، والخُرافات، والمنكرات، وشركاء في كلِّ آثارها، وآثامها، وعقوباتها.
وهكذا الأمر بالنِّسبة للأخطاء الثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة.
وكذلك الأخطاء السِّياسيَّة، فقد لا نمارس ظلمًا سياسيًّا، ولا فسادًا سياسيًّا، ولا عبثا سياسيًّا، ولا خيانة سياسيَّة، ولا طغيانًا سياسيًّا، إلَّا أنَّنا ندعم، نبارك هذا الظُّلم، هذا الفساد، هذا العبث، هذه الخيانة، هذا الطُّغيان.
ندعم كلَّ هذا، ونباركه، ونروِّج له!!
فنحن شركاء في كلِّ هذه، وشركاءُ في آثامها، وعقوباتها.
تطوَّرتْ أدواتُ الدَّعم والتَّرويج
في هذا العصر تطوَّرت وسائل التَّواصل، وهكذا تطوَّرت أدواتُ الدَّعم، والتَّرويج للأوضاع الفاسدة والمنحرفة والخاطئة.
وكذلك توسَّعت مساحات التَّأثير.
وبالتَّالي كبُر حجم المسؤوليَّات، وحجم العقوبات.
أصبح الكثيرون من حيث يدرون أو يدرون (أدوات ترويج) لبدع، لخُرافات، لمنكراتٍ، لأفكار خاطئة، لأخبار كاذبة، لأوضاع سياسيَّة فاسدة، لفتن طائفيَّة مدمِّرة، لحساسيَّاتٍ مُفرطةٍ، لاتِّهاماتٍ باطلة.

إنَّها كلمةٌ، فكرةٌ، لقطةٌ، صورة تصلك، فتمارس أنت – وفي لحظاتٍ – إرسالها، نشرها، ترويجها، بلا تأنٍ، بلا تروّي، بلا تفكير، بلا سؤال، فيحصل الانتشار والامتداد، وفي زمنٍ قياسيٍّ.

هنا تكون الطَّامَّة عليك، وعلى دينك، وعلى مذهبك، وعلى آخرتك!
حينما تكون الكلمة سيِّئةً كلَّ السُّوء.
وحينما تكون الفكرة زائغة كلَّ الزَّيغ.
وحينما تكون اللَّقطة فاسقة كلَّ الفسق.
وحينما يكونُ الخبرُ مُسَّوَقًا لأهداف مشبوهةٍ، ولأغراض فاسدة.
وتتَّسع مساحات العقوبة الإلهيَّة باتِّساع مساحات الانتشار، والامتداد، وباتِّساع مساحات الاستقطاب والتَّأثير.

فقد يقوم أحدنا بإرسال كلمةٍ سيِّئة، أو فكرةٍ خاطئة، أو لقطةٍ مشبوهة، أو خبر كاذب، أو إشاعة مغرضة، أو قضيَّة مفبركة يقوم بإرسالها إلى مائةِ إنسانٍ، وكلُّ واحدٍ من هؤلاء المائة يمارس إرسالها إلى مائة، فتكون المساحة امتدَّت إلى عشرة آلاف إنسان، فإذا قام كلُّ واحد من هؤلاء بإرسالها إلى مائة، فيصل العدد إلى مليون إنسان، وهكذا يتضخَّم، ويتضَّخم العدد، فَيَصِل إلى أرقامٍ خياليَّةٍ في زمن خياليٍّ، وبجهدٍ في غاية الضَّآلة!

فإذا كانت الكلمةُ التي تمَّ إرسالُها إلى هذا العدد الكبير كلمةً كاذبةً، أو تحمل فكرةً خاطئةً، أو تدعو إلى عصبيَّةٍ، أو تؤجِّج فِتَنًا عمياء ربَّما يكون حصادُها أرواحًا، ودماءً، وأعراضًا، وأوطانًا، وشعوبًا.

فكم هِيَ منتجاتٌ خطيرة وخطيرة يشارك مَنْ أرسلها، وروَّج لها في كلِّ أوزارها، وآثامها، ومسؤوليَّاتها، وبحجم ما امتدَّتْ، واتَّسعتْ، وانتشرت، وأضرَّت بالنَّاسِ.
وفي المقابل:

إذا كانت التي تمَّ إنتاجُها، وإرسالُها، والتَّرويجُ لها:
كلمةً تدعو إلى سُنَّةٍ حَسَنةٍ، وفكرةٍ خيِّرةٍ، وعلمٍ نافعٍ، وخُلُقٍ نظيف.
وكلمةً طيِّبةً تزرع محبَّةً وتسامحًا، ووحدةً وتآلفًا.
وكلمةً نقيَّةً صادقةً نظيفة هادفةً تحمل همومَ أوطان، وقضايا شعوب، وصرخات محرومين.
هذا النَّمط من الإنتاجِ، والإرسالِ، والتَّرويج يُمثِّل نمطًا راقيًا حضاريًّا له معطياتٌ كبيرةٌ من الخير، والإصلاحِ والبناء، وحراسة القِيم، وتكريس المُثُل، وبحسب ما يكبر، ويتَّسع، ويمتدُّ هذا العطاء، تكون القيمة، ويكون الثَّواب الأُخرويُّ.

•نقرأ في حديث عن النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم) قوله: “الدَّالُ على الخير كفاعله” ( مَن لا يحضره الفقيه4/380، الشَّيخ الصَّدوق).

•ونقرأ في حديث آخر قوله (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلّم): “مَنْ دَلَّ على خيرٍ، فله مِثْلُ أجرِ فاعلِهِ” ( كنز العمال15/774، المتقي الهندي).

فكونوا أيُّها الأحبَّة، أدِلَّاءَ على الخير، وأوصلوا إنْ استطعتم عبر أدواتِ التَّواصل، وإلى أكبرِ مساحةٍ:
•كلمةً تدعو إلى المحبَّةِ، والتَّسامحِ.
•كلمةً تدعو إلى التَّقارب، والتَّآلف.
•كلمةً تدعو إلى التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، وليس على الإثم والعدوان.
•كلمةً تدعو إلى العدل، والإنصاف.
•كلمةً تدعو إلى الصَّلاحِ، والإصلاح.
•كلمةً تدعو إلى الرِّفقِ، والاعتدالِ.
•كلمةً تدعو إلى الأمنِ، والأمانِ.
•كلمةً تدعو إلى حصانةِ الدِّماء، والأرواح.
•كلمةً تدعو إلى المُثُل، والقِيم.

والكلماتُ الدَاّلةُ على الخير كثيرة كثيرةٌ، فما أحوج أوطاننا إلى كلماتٍ خيِّرةٍ، بشرط أنْ تتحوَّل أفعالًا وممارساتٍ خيِّرةً، وأنظمة الحكم تتحمَّلُ أكبر المسؤوليَّات في إنتاجِ الأفعالِ والممارسات، والشُّعوبُ وقوى الشَّارعِ معنيَّةٌ أيضًا أنْ تحوِّل الكلمات إلى ممارسات.
للحديث تتمَّة إنْ شاء الله تعالى.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

Show More

Related Articles

Back to top button