حدبث الجمعة 440: زمنُ الفتنِ والعُنفِ والرُّعبِ – الإيمان بالشِّعارات له مساران
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهداةِ الميامين.
وبعد: فمع هذا العنوان
زمنُ الفتنِ والعُنفِ والرُّعبِ
يعيشُ الإنسانُ في هذا العصرِ زمنَ الفِتنِ والعُنفِ والرُّعبِ، بكلِّ ما تحملُهُ هذه العناوين من مُنتجاتٍ مُدمِّرةٍ.
ماذا نشاهِدُ حينما نفتح مَحطَّات التِّلفاز؟
وماذا نسمعُ حينما نتابعُ الإذاعات؟
ماذا نقرأ في عناوين الصَّحافة؟
المساحةُ الأكبرُ مخصَّصةٌ لأخبار الحرب، والقتل، والعُنف، والإرهابِ.
لماذا هذا الجنونُ المسعورُ؟
ولماذا هذا الطَّيش؟
ولماذا هذا الاسترخاصُ للدِّماءِ؟
ولماذا سكتَ الضمير؟
كلُّ العالم يُعاني من هذا الواقع المُرعب الذي طال الدُّولَ، وطال الإنسانَ بكلِّ انتماءاته الفكريَّة، والدِّينيَّة، والسِّياسيَّة.
أَلا يَفرضُ هذا أنْ يكونَ العالمُ جادًّا في مواجهة هذه الطُّوفانات المدمِّرة؟
هذا تساؤل منطقيٌّ.
إلَّا أنَّ حسابات المصالح تضعُ السِّياساتِ في مساراتٍ تتصادمُ مع الأهداف الكبرى في حياة البشر.
أليسَ العالمُ كلُّ العالمِ يحملُ (شِعارَ السَّلام)؟
أليسَ العالمُ كلُّ العالمِ يحملُ (شِعارَ التَّسامح)، و(شِعارَ المحبَّة)؟
أليسَ العالمُ كلُّ العالمِ يحملُ (شِعارَ العدل، والحرِّيَّة)؟
أليسَ العالمُ كلُّ العالمِ يحملُ شِعارَ الإصلاح؟
أين مصداقيَّة هذه الشِّعارات؟
لا يكفي أنْ تُطلق الشِّعارات، مهما كانت قيمة هذه الشِّعارات، ومهما كان سموُّ هذه الشِّعارات.
مسارا الإيمانُ بالشَّعاراتِ
الإيمانُ بالشِّعاراتِ له مساران:
المسار الأوَّل: أنْ يكون الإيمانُ استهلاكيًّا
الإيمانُ الاستهلاكيُّ هو الذي يُطلق الشِّعارات؛ من أجلِ أهدافٍ مصلحيَّه، ونفعيَّةٍ، ودعائيَّةٍ.
هذا ليس إيمانًا بالشِّعارات، وإنَّما هو إيمانٌ بالمصالح، والأغراضِ الذَّاتيَّة.
هذا النَّمطُ من حَمَلةِ الشِّعاراتِ هدفهم أنْ تطلق هذه الشِّعارات في الخطاب فقط، في الإعلام فقط.
وليس مهمًا لديهم أنْ تتحرَّك الشِّعاراتِ على الأرضِ، أنْ تتحرَّك في الواقع، أنْ تتحوَّل أعمالًا، وأفعالًا.
المسار الثَّاني: أنْ يكون الإيمان حقيقيًّا
هنا يكرِّسُ حَمَلَةُ الشِّعاراتِ؛ لكي تتحوَّلَ أفعالًا، ولكي تتجسَّدَ أعمالًا، ولكي تُترجَم سلوكًا وممارساتٍ، وهذا ما أكَّدته تعاليم دينِنا، وإسلامِنا، وقرآنِنا.
•قال الله تعالى في (سورة فصِّلت: الآية 30): ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
﴿قَالُوا رَبُّنَا اللهُ﴾ هذا هو الشِّعارُ الذي يحملُهُ المنتمونَ إلى خَطِّ الإيمان.
هذا الشِّعار له قيمته العظمى، وله مركزيَّته العَقيدِيَّة.
إلَّا أنَّه لا يكفي أنْ يبقى شِعارًا، وأنْ يبقى قولًا، بل يجب أنْ يتحوَّل سلوكًا، وممارسةً، وحركةً، منضبطةً في خطِّ الشِّعار.
وهذا ما تعنيه عبارة: ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾.
فإذا كانت عبارة: ﴿قَالُوا رَبُّنَا اللهُ﴾ تعني الانتماء إلى خط الإيمان، فإنَّ عبارة ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ تعني أنْ تتحوَّل مضامين الانتماءِ إلى واقع عمليٍّ متحرِّك على مستوى الأفكار، والعواطف، والأفعال، والمواقف، والممارسات، وعلى مستوى الثَّباتِ، والاستمرار في مواجهة كلِّ التَّحدِّيات.
هؤلاء الذين زاوجوا بين الشِّعار ﴿قَالُوا رَبُّنَا اللهُ﴾ والممارسة ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ يحظون ببشارة الملائكة ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
متى ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾؟
قيل: عند خروج الرُّوح.
وقيل: في القبر.
وقيل: حين الخروج من القبر.
وقيل: في يوم القيامة.
ويمكن أنْ تكونَ البشارةُ في جميع هذه المواطن، فهي مواطن مُرعبة، ومخيفة، ورهيبة تحتاج طَمْأَنَة الملائكة.
نعود إلى (شعار السَّلام)، و(شعار التَّسامح)، و(شعار المحبَّة).
هذه الشِّعارات التي أصحبت عناوين كبيرة وبارزة في خطاب هذا العصر، خطاب المنظَّمات العالمية، وخطاب الأنظمة الحاكمة، وخطاب القوى والأحزاب، وخطاب المؤسَّسات الإنسانيَّة والحقوقيَّة.
فكم تحرَّكتْ هذه الشِّعارات على الأرض؟
وكم تحوَّلت إلى أفعالٍ وممارسات؟
حينما نقرأ واقع العالم في هذا العصر لا نجد لتلك الشِّعارات حضورًا كبيرًا وفاعلًا.
لا نجد لها تموقعًا إلَّا في الخُطب، والكلمات، والبيانات، والأُمنيات.
فما عادتْ عناوينُ (السَّلامِ، والتَّسامحِ، والمحبَّةِ) قادرةً أنْ تتمركز، وأنْ تتحرَّك في زحمةِ موجاتِ العنف، والتَّطرُّفِ، والإرهابِ، والرُّعبِ، والفتنِ، والحروبِ، والصِّراعات.
ما السَّبب في انقهار تلك العناوين، وانهزامها أمام الموجات المضادَّة؟
ما السَّبب في انقهار (السَّلام) أمام الفتن، والحروب، والصِّراعات؟
ما السَّبب في انقهار (التَّسامح) أمام طغيان العنفِ، والإرهابِ، والتَّطرُّف؟
ما السَّبب في انقهار (المحبَّة) أمام موجات ودعوات (الكراهية)؟
المسألة في الأساسِ مرتبطةٌ بالقدرةِ على إيقاظ (الضَّمير، والوجدان) في داخل الإنسان.
الضَّمير والوجدان من صنع الله تعالى، إلَّا أنَّه قد يتكلَّس، وَيَضْمُر، فيحتاج إلى إيقاظ، وإلَّا أصيبت كلُّ القِيَم الفاضلة بالتَّكلُّس، والضُّمور.
من هنا نفهم لماذا أصيبت قِيم (السَّلام، والتَّسامح، والمحبَّة) بالتَّكلُّس، والضُّمور حينما غاب (الضَّمير والوجدان) غابت هذه القِيم، ولم يعد خطاب العصر الثَّقافيِّ، والحقوقيِّ، والسِّياسيِّ قادرًا أنْ يوقظ (الضَّمير، والوجدان)، ولم تعد (القوانين والأنظمة) قادرة أنْ تُهيمن على (الضَّمائر)، و(الدَّوافع)، وإذا كان لها هيمنه، فعلى (المظاهر) فقط!
هنا يبرز الفارق الكبير بين (تربية الدِّين) و(تربية النُّظُم البشريَّة).
وحينما نتحدَّث عن الدِّين، نتحدَّث عن الدِّين الذي أنزله الله سبحانه على أنبيائه (عليهم السَّلام)، وليس عن الدِّين الذي حرَّفته أهواء الإنسان، فأصبح مصدر عنفٍ وإرهاب، وتطرُّف، وفِتَن، وحروب، ودماء.
نعم، الفارق كبير بين (تربية الدِّين الحقِّ) و(تربية النُّظُم البشريَّة).
تربية النُّظُم البشريَّة:
سَمِّها تربية وطنيَّة.
سَمِّها تربية حقوقيَّة.
سَمِّها تربية سياسيَّة.
سَمِّها تربية إنسانية.
فهي لا تملك القدرة أنْ تكون البديل عن (تربية الدِّين).
من الممكن أنْ تصنعَ تلك التَّربياتُ ضميرًا وطنيًّا، أو ضميرًا حقوقيًّا، أو ضميرًا سياسيًّا، أو ضميرًا إنسانيًّا، إلَّا أنَّ هذا الضَّمير لا يقوى أنْ يصمد عند الأهواء، والإغراءات، والتَّحدِّيات، والمنزلقات.
لماذا لا يصمد هذا الضَّمير؟
ولماذا يسقط أغلبُ السَّاسةِ، والقادةِ، والنَّاشطون، وحَمَلة الشِّعارات حينما تواجههم المنزلقات، والتَّحدِّيات؟
الحاجة كبيرة جدًّا إلى (ضمير مرتبط بالله)، فهذا الضَّميرُ وحدَه هو القادر على أنْ يحصِّن السِّياسة، وأنْ يراقب ضميرَ السِّياسة، ومساراتِ السِّياسة، ومنزلقاتِ السِّياسة، وأهواءَ السِّياسة.
أنا لا أتحدَّث هنا عن إقحام الدِّين في السِّياسة، – فهذه مسالة أخرى، لها حديث آخر، لستُ هنا في صدد تناوله -، ما أعنيه ضرورة أنْ يكون للدِّين دوره في صنع ضمير السَّاسة، وضمير السِّياسة.
هذا الضَّمير يعني (النَّظافة السِّياسيَّة) في أرقى مستوياتها.
ويعني (الأمانة السِّياسيَّة) في أعلى درجاتها.
ويعني (الاستقامة السِّياسيَّة) في أصدق مساراتها.
ويعني (الواقعيَّة السِّياسيَّة) في أغنى مصاديقها.
وحتَّى أرقى الأنظمةِ السِّياسيَّةِ في هذا العصر، وأرقي القوانينِ الحقوقيَّةِ، وأرقى المبادئ الوطنيَّةِ لا تملك ما يملك الدِّين في صنع (ضمير السَّاسة، والسِّياسة)، والإسلام هو (النَّموذج الأرقى للأديان)، وينتظم في تشريعاته أسمى المبادئ والتَّعاليم في صنع (السَّلام والتَّسامح والمحبَّة) بين أبناء البشر.
(السَّلام) هو شعار الإسلام.
و(السَّلام) تحيَّة المسلمين في الدُّنيا والآخرة.
•﴿… وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ …﴾ (سورة يونس الآية: 10).
•وقال نبيُّنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “ألا أخبركم بخير أخلاقِ أهل الدُّنيا والآخرة؟
قالوا: بلى، يا رسول الله!
فقال (صلَّى الله عليه وآله): إفشاء السَّلام في العالم” (مستدرك الوسائل8/362، ميرزا حسين النُّوري الطَّبرسي).
•وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “إذا تلاقيتم، فتلاقوا بالتَّسليم، والتَّصافح.
وإذا تفرَّقتم، فتفرَّقوا بالاستغفار” (وسائل الشيعة 12/222، الحر العاملي).
•وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): “السَّلام تحيَّةٌ لِمِلَّتِنا، وأمانٌ لذمَّتنا” (بحار الأنوار73/12، ح46، العلَّامة المجلسي).
– وقال الإمام عليٌّ (عليه السَّلام): “السَّلام سبعون حسنة، تسعةٌ وستون للمبتدئ وواحدةٌ للرَّاد” (بحار الأنوار73/11، العلَّامة المجلسي).
هكذا جعل الإسلام (السَّلام) عنونًا متحرِّكًا، يملأ حياة النَّاسِ أمنًا واطمئنانًا، ويزرع في قلوبهم المحبَّة، والتَّآلف، والتَّسامح.
وفي سياق التَّأسيس للأمن والسَّلام بين النَّاس نجد الدِّين يعرِّف (المُسِلمَ) بأنَّه: “مَنْ سلم النَّاس من يده ولسانه” (صفات الشِّيعة، الصَّفحة 31، الشَّيخ الصَّدوق).
ويعرِّف المؤمن بأنَّه: “… مَن ائتمنته النَّاس على أموالهم، وأنفسهم” (معاني الأخبار، الصَّفحة 239، الشَّيخ الصدوق).
•وفي حديث آخر عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله): “ألا أنبئكم لِمَ سُمِّي المؤمن مؤمنًا؟؛ لإيمانِه النَّاس على أنفسهم، وأموالهم” (علل الشرائع2/ 523، ب300/ ح2، الشَّيخ الصَّدوق).
•وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “الخَلق عيالُ الله، فأحبُّ الخَلْق إلى الله مَن نفع عيالَ الله، وأدخل على أهلِ بيتٍ سرورًا” (الكافي2/164، الشَّيخ الكليني).
الحديث – هنا – يتحدَّث عن الخَلْق كلِّ الخَلْق مسلمين كانوا أم غير مسلمين.
هذه صورة الإسلام في نقائها، وطهرها، وجمالها، وانفتاحها، وتسامحها.
والأسفُ كلُّ الأسفِ أنَّ حَمَلَةً للإسلام مُزيَّفين قدَّموا للعالم صورةَ إسلامٍ في غايةِ القُبحِ والتَّشويه: إسلامَ التَّطرُّف، والعُنفِ، والإرهابِ!
إسلامَ الفِتَنِ، والكراهيةِ، والصِّراعاتِ!
إسلامَ الرُّعبِ، والذَّبحِ، والدَّماءِ!
هكذا قدَّمت الإسلامَ للعالمِ جماعاتُ التَّكفيرِ الإرهابيَّةُ، وبقَدَر ما أساءت هذه الجماعاتُ للإسلام والمسلمين، فإنَّ مَن غَذَّى فكرَ الإرهاب يتحمُّل المسؤوليَّة الأكبر.
هذا الفكر الذي أنتجته، وفرضته مناهجُ دراسيَّة، ومؤسَّساتٌ إعلاميَّة، ومنابرُ خطابة.
إنَّ احتضانَ هذه المناهجِ، والمؤسَّساتِ، والمنابر هو الذي أسَّس لإنتاج مشروعات التَّشويه، والتَّزوير، والإساءة لسمعة الإسلام قبل أنْ تتحمَّل ذلك جماعات التَّكفير نفسُها.
لا نريد أنْ نبرِّئ هذه الجماعات، فهي الأدواتُ العابثةُ والمنفِّذةُ، غير أنَّ الحواضن لجماعات التكفير والإرهاب هي المُنشِّطةُ، والمُفعِّلةُ لهذه الأدوات.
وربما تكون (السِّياساتُ الفاسدةُ) في بعض أوطان المسلمين هي من أكبر العوامل؛ لإنتاج (جماعات التَّمرُّد، والتَّطرُّف، والإرهاب)، فكلما تحصَّنت هذه السِّياسات ضدَّ الفساد كانت قادرة على حماية الأوطان من كلِّ الهزَّات، ومبرِّرات التَّطرُّف.
فالسِّياساتُ السَّيِّئةُ توفِّر (بيئات حاضنة) لجماعات التَّكفير، والتَّطرُّف.
وهذا لا يعني أنَّ كلَّ حراكاتٍ رافضةٍ يجب أنْ تصنَّف ضمن جماعات التَّطرُّف، فهناك الحراكات المطالِبَة بالحقوق العادلة، والمعتمدة للأدواتِ المعتدِلة، فالخلط هو محاولة تشويشٍ، وإساءة، ورغبة في بَعْثَرَة الأوراق؛ من أجل تسويقاتٍ مُلْتَبِسةٍ، وخاطئةٍ، وربما ظالمة!
إنَّ من أهم وسائل الحماية للأوطان أنْ تتعاون إراداتُ الأنظمة والشُّعوب في الدَّفع بخيارات الإصلاح الجادَّة، والحقيقيَّة، والقادرة على إنهاء كلِّ أشكال التَّأزُّمات، والتَّوتُّرات، والتي تكلِّف الأوطان أثمانًا باهظةً جدًّا، ومآلاتٍ مرهِقَةً ومدمِّرة.
وليس عسيرًا على أنظمةٍ صادقةٍ وشعوبٍ مخلصةٍ أنْ تتوفَّر على الخيارات الصَّالحة التي يتمُّ التَّوافق عليها؛ من أجل حماية الأوطان، وأمنها، واستقرارها، وازدهارِها؛ ومن أجل مواجهة تداعياتِ مرحلةٍ في غاية الصُّعوبةِ والتَّعقيد، وتحمل أخطارًا مُعبَّأةً بالفتن العمياء، وبكلِّ أسباب الرُّعب، والقلق، واليأس، والضَّياع.
كم هي الضَّرورةُ كبيرةٌ في هذه المرحلة إلى المراجعةِ والمحاسبةِ، فيما هي سياساتُ الأنظمة، وفيما هي خَيارات الحلول، بعيدًا عن كلِّ أشكالِ الانفعالِ، والارتجالِ، والمغالباتِ، والمزايداتِ، وبعيدًا عن لغةِ العنفِ، والتَّحريض، والانتقام.
وحينما تعود لغةُ الحبِّ، والتَّسامح، والانفتاح سوف تُكسح كلُّ التَّراكمات، والمعوِّقات، والتَّعقيدات، وتتهيَّأ كلُّ المناخاتِ؛ من أجلِ إنتاج أوضاعٍ صالحةٍ متحرِّرة من عواملِ التَّأزيم، وبقدر ما تكون الحلولُ والمعالجاتُ لأزماتِ الأوطانِ محصَّنةً كلَّ التَّحصين، ومُسَيَّجَةً كلَّ التَّسييج تملك القدرةَ على البقاءِ، والثَّبات، والاستمرار.
وأمَّا إذا كانت هذه الحلولُ، والمعالجاتُ تحتضن في داخلها فراغاتٍ، ونواقص، فسوف تكون مهيَّأةً؛ لإنتاج أزماتٍ من جديد، وربما تكون هذه الأزمات أسوء، وأعقد، وأضرى، وأصعب.
فكلَّما تضافرتْ، وتآزرتْ الجهودُ المخلِصةُ، والصَّادقةُ، والرَّشيدةُ في البحث عن حلول قادة على النَّجاح، والاستمرار كان ذلك هو السَّبيل لحماية الأوطان، وصيانة البلدان.
فما أحوج المسلمين – وهم يعيشون عيد الأضحى المبارك، وانتهاء موسم الحجِّ – أنْ يراجعوا كلَّ الحساباتِ؛ من أجل إنتاج واقع جديد متحرِّرٍ من كلِّ أشكال الفتن، والمحن، والتَّأزُّم، والتَّوتُّر، وأسباب الخلافِ، والصِّراعِ، ومن كلِّ منتجات التَّطرُّف، والعنف، والإرهاب.
فموسم الحجِّ هو موسم الأمن، والسَّلام، والوحدة، والتَّآلف.
ويوم العيد هو يوم المحبَّة والتَّسامح، فإنْ عجزنا أنْ ننفتح على هذه المعاني الكبيرة في موسم من أغنى المواسم في حياة المسلمين، وفي يوم عظيم من أيَّام الله تعالى، فمتى سوف يستيقظ الضَّمير؟
ومتى سوف تتحرَّك العزائم الخَيِّرَة لدى هذه الأمَّة؟
ومتى نتمكَّن من الانتصار على سماسرة الحروب والفتن، وباعةِ التَّطرُّف، والإرهاب، وصُنَّاع الكراهية، والطَّائفيَّة؟
أعاد اللهُ العيدَ على أوطانِ المسلمين وهي في حالٍ أحسنَ من هذا الحال، وفي أمن وأمان، ومحبَّة وسلام، بل ونسأل الله الخير لكلِّ إنسان في هذا العالم.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.