حديث الجمعة 438: العمل التطوعي – حُقُوقُ الوَطنِ والمُواطنةِ
بسم الله الرحمن الرَّحيم
الحمد للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهداةِ الميامين وبعد:
فهذه بعض عناوين:
العمل التطوعيُّ وفقَ المنظورِ الدِّيني
احتفل العالمُ الأسبوعَ المنصرم بـ (اليوم العالمي للعمل الإنساني التطوعي)، وهذا عنوانٌ جميلٌ جدًّا ويكرِّسُ (الحسَّ الإنساني) المتجاوز لكلِّ (المصالح الذاتية) في اتجاه (الأهداف العامة) التي تزرعُ الخيرَ والعطاء في حياة الناس.
وإذا أردنا أنْ نعالج هذا العنوانَ وفق المنظور الدِّيني الإسلامي، فالمسألة لها بعدُها الأعمق، وهدفُها الأكبر، حيث يتحوَّل (العملُ التطوُّعيُّ) عِبَادةً وجِهادًا، بما للعبادة والجهادِ من قيمة عظمى في منظور الدِّين.
ومن أجلِ تأصيلِ (الدوافع) في أعمالِ (الخير التطوعية) أكَّدَ الدِّينُ على مجموعة عناوين:
(1)عملُ الخيرِ لهُ قيمته مهما كان حجمُهُ
•﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة/7-8]
قيمةُ العملِ ليس في حجمِهِ المادي، وإنَّما بما هِيَ نتائجُهُ الإيجابيةُ أو السَّلبِيةُ، وبما هي جزاءاتُه وعقوباتُه.
•في الحديث: «افعلوا الخيرَ ولا تحقِّروا منه شيئًا، فإنَّ صغيرَهُ كبير، وقليلَهُ كثير».
(2)المسارعة في الخيرات
•﴿وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ [آل عمران/114]
•﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة/148]
من صفات المؤمنين أنَّهم يُسارعون في الخيرات، وهم سبَّاقونَ دائمًا في ميادين العطاء.
•في الكلمةِ عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) قال: «مَنْ فتح له بابُ خيرٍ فلينتهزه، فإنَّه لا يدري متى يُغلق عنه».
•وفي الكلمةِ عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) قال: «إذا هَمَمت بخير فلا تؤخره، فإنَّ الله تبارك وتعالى ربَّما اطَّلعَ على عبدِهِ وهو على الشيئ من طاعتِهِ فيقول: وعزَّتي وجلالي لا أعذِّبُكَ بعدها».
(3)الدّالُ على الخيرِ كفاعله
قد لا يملكُ الإنسانُ مالًا يُشارك به في أعمالِ البر، ولكنَّه يحث الناسَ على أعمال البرّ، فيكون بذلك قد شاركهم في أعمالهم.
وقد لا يملك الإنسانُ علمًا ينيرُ به درب الجاهلين، ولكنَّه يدفع القادرين على أنْ يمارسوا عطاءَهم العلمي والتربوي فيعطى أجر المعلمين المربين.
وقد لا يملك الإنسانُ جاهًا يوظِّفَهُ في خدمةِ الآخرين، ولكنَّه يُحرِّك أصحاب الوجاهاتِ في هذا الاتجاه فيعطى ما يُعطون من الأجر والثواب.
•قال النبي (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «الدَّال على الخير كفاعلِهِ».
•وقال (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «مَنْ دَلَّ على خير فلَهُ مثلُ أجر فاعله».
نماذجُ من أعمال الخير الإنساني
(1)السعي في حاجة مريض:
•عن النبيِّ (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «مَنْ سعى لمريض في حاجةٍ، قضاها أم لم يقضها خرج من ذنوبه كيومِ ولدتُه أمُّهُ».
قال رجلٌ من الأنصار: بأبي وأمي يا رسول الله، فإنْ كان المريض من أهل بيته أو ليس أعظم أجرًا إذا سعى في حاجة أهل بيته؟
قال: نعم».
(2)قضاء حاجة مسلم:
•قال النبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «مَنْ قضى لمؤمن حاجةً قضى الله حوائج كثيرةً، أدناها الجنة».
•قال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «والذي بعث محمدًا (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم) بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا لقضاءُ حَاجةِ امرئ مُسْلمٍ وتنفيسُ كُربتِهِ أفضل عند اللهِ من حجة وطوافٍ وعمرة، وحجةٍ وطوافٍ وعمرةٍ -حتَّى عدَّ عشرًا- ثم قال: اتقوا الله ولا تملُّوا من الخير، ولا تكسَلُوا، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ ورسولَهُ غَنِيَّان عنكم وعن أعمالِكم، وأنتم الفقراء إلى اللهِ، وإنَّما أراد الله عزَّ وجلَّ بلطفِهِ سَبَبًا يدخلكم الجنَّةَ به».
(3)إعالةُ أسرةٍ فقيرةٍ:
•قال الإمام الباقر (عليه السَّلام): «لأن أعول أهلَ بيتٍ من المسلمين أسدُّ جوعتَهم، وأكسو عورتَهم، وأكفُّ وجوهَهُمُ عن النَّاسِ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أحجَّ حجَّةً وحجَّةً وحجَّة ومثلَها ومثلَها ومثلها -حتَّى بلغ عشرًا- ومثلَها ومثلَها -حتَّى بلغ السَّبيعن-“.
(4)الإصلاح بين النَّاس:
•قال رسول (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «إصلاحُ ذاتِ البين أفضل من عامةِ الصَّلاة والصيام».
•وقال (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «ما عمل امرؤ عملًا بعد إقامةِ الفرائض خير من إصلاحٍ بين الناس، يقول خيرًا ويتمنى خيرًا».
•وقال (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «يا أبا أيوب! ألا أخبرك وأدلُّكَ على صدقةٍ يحبُّها اللهُ ورسولُه؟ تصلح بين النَّاسِ إذا تفاسدوا وتباعدوا».
حُقُوقُ الوَطنِ والمُواطنةِ:
للوطن حقوق على المواطن، وللمواطن حقوق على الوطن، ويجب أنْ تتوازنَ هذا الحقوق، فلا يجوز أنْ يُفرَّطَ في حقوق الوطنِ بأيِّ حالٍ من الأحوال، وكذلك لا يجوز أنْ يُفرِّطَ بحقوق المواطن مهما كانت المبررات…
ولا أريد أنْ أدخلَ في جدلية (حقوق الوطن أسبق أم حقوق المواطن) المهم أنْ يلتزم المواطن بما للوطن من حقوق، وأنْ يحصل المواطن على ماله من حقوق، بهذا التكامل تبنى العلاقة بين الوطنِ والمواطنِ، وتُحصّن الأوطانُ والشعوب في مواجهة كلِّ الهزَّات والأزمات والمآزق.
حقوق الوطن:
(1)حُبُّ الوطنِ:
•جاء في الحديث المأثور: «حُبُّ الوطن من الإيمان».
•وفي الكلمةِ عن الإمام عليٍّ (عليه السَّلام): «عمرتْ البلدان بحبِّ الأوطان».
(2)الحِفاظُ على مقدَّسات الوطن:
(الدِّينُ ومبادئهِ وأحكامِه وقيمُهُ وشعائرِهِ).
•قال النبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «إنْ عرض لك بلاءٌ فاجعل مالَكَ دون دَمِكَ، فإن تجاوزك البلاء فاجعلْ مالَكَ ودَمَكَ دون دينِكَ، فإنّ المسلوبَ مَنْ سُلِبَ دينُهُ»
(3)الحِفَاظُ على أمْنِ الوطن:
ومن أجلِ الحِفاظِ على أمنِ الوطنِ أكَّد الدِّين على الإعتدالِ والتسامحِ والرّفقِ ونبذ التطرفِ والعنفِ والإرهاب…، كما أكَّد على سياسة العدلِ والإنصاف…
•﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران/159]
•وقال النبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفق، قد يُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العنفِ».
•وقال الإمام علي (عليه السَّلام): «الرّفقُ يؤدِّي إلى السِّلمِ».
•في الحديث: «العدل جُنَّةُ الدُّول».
•وفي الحديث: «ما عمرت البلدانُ بمثل العدل».
•وفي الحديث: «بالعدل تصلح الرعية وتتضاعف البركات».
•وفي الحديث: «الإنصاف يرفع الخلاف، ويوجب الائتلاف».
•وفي الحديث: «لا عدل كالإنصاف».
(4)الحِفاظ على وحدة الوطن:
حذَّر الدِّين من الفرقة والخلاف والعصبية، وهذه من أخطر العوامل التي تمزق الأوطان.
•﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [آل عمران/103]
•﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال/46]
•وقال النبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «ليس منَّا مَنْ دعا إلى عَصَبيَّة، وليس منَّا مَنْ قاتَل على عَصَبيَّةٍ، وليس منَّا مَنْ مات على عصبيَّة».
•وقال (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «مَنْ تعصَّبَ أو تُعصِّبَ له فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».
•وقال الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) – لما سئل عن العصبيَّة-: «العصبيَّة التي يأثم عليها صاحبُها أنْ يرى الرجلُ شرارَ قومِهِ خيرًا من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيَّة أنْ يحبَّ الرجلُ قومَهُ، ولكن من العصبيَّة أنْ يعين قومه على الظلم».
(5)الدِّفاعُ عن الوطن:
من حقِّ الوطنِ على أبنائه أنْ يدافعوا عنه حينما يتعرض لأي اعتداء…
•قال رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «خيركُمْ المدافعُ عن عشيرته ما لم يأثم».
ويتَّسعُ عنوانُ العشيرة إلى (الوطن) الَّذي ينتمي إليه الإنسان ولادةً وتاريخًا، وتجذُّرًا ووجودًا…
•وفي الكلمةِ عن الإمام عليٍّ (عليه السَّلام): «فو اللهِ ما غُزِيَ قومٌ قط في عقر دارِهم إلَّا ذلُّوا».
حقوقُ المُواطنِ:
(1)أنْ يكون آمنا على دينه ونفسِهِ وعرضِهِ وماله:
•قال رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وألِهِ وسلَّم): «لا خير في الوطن إلَّا مع الأمنِ والسُّرور».
•وقال الإمامُ عليٌّ (عليه السَّلام): «شرُّ الأوطانِ ما لم يأمن فيه القُطَّان».
(2)أنْ تتوفَّر له حياةٌ معيشيةٌ كريمة فيما هو العمل والسكن والخدمات التعليمية والصحبة وبقية الضمانات الحياتية…
•قال الإمامُ عليٌّ (عليه السَّلام): «الغنى في الغُربة وطنٌ، والفقرُ في الوطنِ غربة».
•وقال (عليه السَّلام): «ليس في الغربة عار، إنَّما العار في الوطن الافتقار».
•وقال (عليه السَّلام): «العقل في الغُربة قربةٌ، الحمق في الوطن غربةٌ».
(3)التوفُّر على كافةِ الحقوقِ السِّياسيةِ المشروعة:
وبقدر ما تتوافق الشعوبُ والأنظمةُ في منظومةِ الحقوق تتحصَّن الأوطان في مواجهةِ كلِّ الأزماتِ والتواتراتِ والاحتقاناتِ، وكلَّما تباعدتْ المسافاتُ وتعقَّدت العلاقاتُ كانت المآلاتُ ليستْ في صالح الأوطانِ، وليستْ في صالح الأنظمةِ والشعوب.
فالرُّشدُ كلّ الرُّشدِ أنْ تتعاطى الأنظمة مع هموم الشعوب بكلِّ انفتاحٍ وسماحةٍ ومحبَّةٍ، وهذا ما يدفع الشعوبَ أنْ تبادلَ الانفتاح انفتاحًا، والسَّماحة سماحةً، والمحبَّةَ محبَّةَ، وهذا ما يفتح مساراتِ المعالجة لكلِّ الإشكالاتِ والتعقيدات.