حديث الجمعة 431: في ذكرى ميلادِ المخلِّص أرواحنا فداه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ الميامين، وبعد فمع هذه الكلمة في ذكرى ميلادِ المخلِّصِ الإمامِ المهديِّ المنتظرِ أرواحنا فداه.
إنَّنا في عَصْرٍ تأزَّمت كلُّ أوضاعِهِ السِّياسيةِ والأمنيةِ والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وارتبكتْ فيه كلُّ معاييرِ المُثُلِ والقيمِ والطهرِ والفضيلة، وتاهتْ كلُّ المسارات وامتلأتْ حياةُ الإنسان بالمآسي والمحنِ والعذابات والعناءات والابتلاءات.
فلا ترى ولا تسمعُ إلَّا حُرُوبًا، وقتلاً، وَدمَاءً، وَدَمارًا، ورُعبًا، وقَلَقًا، ويأسًا، وعُنفًا، وتَطرُفًا وإرهابًا، وفتنًا كقطع الليل المظلم، وهَرَجًا ومَرَجًا، وظُلمًا، وجورًا، وفسادًا، وفُسْقًا، وفجورًا، وعَبَثًا بالأعراض، وهَتْكًا للحرماتِ، ونَهْبًا للأموال والثروات، وخيانةً للعهود والمواثيق، وكِذْبًا، وُزُورًا، وبُهتانًا… وبقية المشهدِ أسوءُ وأسوءُ…
نقرأ في أخبارِ النبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) وأهلِ بيته (عليهم السَّلام) استشرافًا صادقًا لهذا العصر بكلِّ أوضاعه الموبوءة…
•عن ابن عباس قال: حَجَجنا مع رسولِ اللهِ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) حجةَ الوداعِ، فأخذ بحلقةِ بابِ الكعبةِ ثمَّ أقبَلَ علينا بوجهِهِ فقال: «ألا أخبركم بأشراطِ السَّاعة؟» وكان أدنى النَّاسِ منه يومئذٍ سلمان رحمة الله عليه فقال: بلى يا رسولَ الله!
فقال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «إنَّ من أشراطِ السَّاعةِ إضاعَةِ الصَّلواتِ واتباعَ الشَّهواتِ، والميلَ إلى الأهواءِ، وتعظيمَ أصحابِ المال، وبيعَ الدِّينِ بالدُّنيا، فعندها يَذُوبُ قلبُ المؤمنِ في جوفِهِ كما يذَابُ الملحُ في الماءِ ممَّا يرى من المنكر فلا يستطيع أنْ يُغيِّره».
قال سلمانُ: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسولَ اللهِ؟!
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلّم): «إي والذي نفسي بيده يا سلمان! إنَّ عندها يكونُ المنكرُ معروفًا، والمعروفُ منكرًا، ويؤتمن الخائن، ويُخوَّن الأمينُ، ويُصدَّقُ الكاذبُ، ويُكذَّبُ الصَّادقُ».
قال سلمانُ: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسولَ اللهِ؟!
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «إي والذي نفسي بيده! فعندها يليَهُم أقوامٌ إنْ تكلَّموا قتلوهم، وإنْ سكتُوا استباحوا حقَّهُم، ليستأثِرُنَ أنفسَهم بفيئهم، وليطؤنَ حرمتَهُم، وليسفكنَّ دماءَهم، وليملأن قلوبَهم دَغَلاً [الحقد والضغينة] ورُعْبًا، فلا تراهم إلَّا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين».
قال سلمانُ: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسولَ اللهِ؟!
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «إي والذي نفسي بيده يا سلمان!
إنَّ عندها يؤتى بشيئ من المشرقِ وشيئ من المغرب يُلِّونُ أمتي، فالويل لضعفاء أمتي منهم، والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيرًا ولا يوقِّرون كبيرًا، ولا يتجاوزون من مسيئ، جثتُهم جثة الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين».
والخبر طويل كما أورده القمي في تفسيره.
والسؤال الَّذي يُطرح هنا:
إذا كانَ إنسانُ هذا العصرِ يعيشُ الشقاءَ، والضياعَ، والبؤسَ والحرمانَ، والرُعبَ، والعذاب… فهل لكلِّ هذا نهاية؟
لابدَّ له من نهاية، ولابدَّ أنْ يتحقق الوعدُ الإلهي، ولابدَّ أنْ تنتصر قُوى الإيمان، كما أكَّدت آياتُ الكتاب، وأحاديث السُّنة، فالصالحون من عباد اللهِ هم الوارثون للأرض…
ولا زالت البشريةُ تنتظر الوعد الإلهي، وتنتظر دولة الحقِّ الكبرى، وتنتظر القيادة الصالحة المؤهلة التي تحقق وعد الله في الأرض، وتقيم حكومة القرآن في العالم.
والإسلامُ يُقدِّم الإمام المهدي (عليه السَّلام) من آل الرسولِ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) على أنَّه الإنسان الذي يُحقِّق أملَ البشرية في الخلاص ويحقِّق وعد الله في الأرض، هكذا تواترت الروايات عند جميع المسلمين، ودوَّنتها أوثقُ مصادرهم.
أكثر من (مائة وعشرين) من كبار الحفاظ والعلماء السُّنة دونوا أحاديث الإمام المهدي وهذه الأحاديث رواها خمسون صحابيًا…
ورواها جميع أئمة أهل البيت (عليهم السَّلام).
فمسألة المهدي المنتظر من المُسلَّمات الإسلامية.
بل إنَّ انتظار المخلص عقيدة يؤمن بها جميع أصحاب الديانات.
ويؤمن بها كلَّ الفلاسفة والمفكرين…
يقول الفيلسوف الإنجليزي رسل: “إنَّ العالم في انتظار مصلح، يُوحِّد العالم تحت علمٍ واحدٍ وشعارٍ واحدٍ”.
ويقول اينشتاين صاحب النظرية النِّسبية: “إنَّ اليومَ الَّذي يَسُودُ العالمَ كلَّه الصُلحُ والصفاء، ويكون الناسُ متحابين متآخين ليس ببعيد”.
وإذا كانت الدُّنيا تنتظر هذا المخلِّص والمنقذ فهل لظهوره زمنٌ محدَّد؟
الرواياتُ الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السَّلام) حذَّرت من التوقيت:
•قال مهزَّم للإمام الصَّادق (عليه السَّلام): جُعلتُ فداكَ، أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر متى هو؟«
فقال (عليه السَّلام):
«يا مهزم! كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون».
•وعن أبي بصير عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) قال: سألته عن القائم (عليه السَّلام) فقال: «كذب الوقَّاتون، إنَّا أهل بيتٍ لا نوقِّت»
•وعن الفضيل قال: سألت أبا جعفر (عليه السَّلام) [يعني الإمام الباقر] هل لهذا الأمر وقت؟
فقال [عليه السَّلام]:
«كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون».
•وفي حديث للإمام الصَّادق (عليه السَّلام):
«مَنْ وقَّت لمهدينا وقتًا فقد شارك الله في علمه».
نعم هناك علاماتٌ عامةٌ، وعلاماتٌ خاصةٌ لظهوره…
العلاماتُ العامة تُعبِّر عن اقتراب (عصر الظهور) ولا تعبِّر عن (اقتراب يوم الظهور)، فعصر الظهور قد يطول زمانُه…
من العلامات العامة:
(1)امتلاءُ الأرضِ بالظلمِ والجور.
(2)ظهور الفتن وكثرةُ القتل.
(3)المحنُ والشدائد والابتلاءات.
(4)انتشارُ الفسادِ والانحرافِ والفسوق والفجور.
(5)غربة الإسلامِ وهيمنة قوى الكفر.
وأمَّا العلامات الخاصة مقترنة بأيام الظهور.
•عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «
خمسُ علاماتٍ قبلَ قيام القائم: الصَّيحةُ، والسَّفياني، والخسفُ، وقتلُ النفسِ الزكيّة، واليماني».
فأولُ العلاماتِ الخاصة: الصَّيحة…
وهي حَدَثٌ كونيُّ له صداه في كلِّ العالم..
•عن الإمام الصّادق (عليه السَّلام) قال:
«الصيحة في شهر رمضان ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان».
•وعنه (عليه السَّلام) قال:
«ينادي منادٍ باسم القائم (عليه السَّلام).
قلت: خاص أو عام؟
قال (عليه السَّلام): عامٌ يُسمعُ كلَّ قومٍ بلسانِهم.
قلت: فمنْ يخالف القائم (عليه السَّلام) وقد نودي باسمه؟
قال (عليه السَّلام): لا يدعهم إبليس حتى ينادي [في آخر الليل] ويُشكِّك النَّاس».
ويكونُ الإمام المهدي (عليه السَّلام) في المدينة المنورة وقبل أنْ يتوجه إلى مكة ليعلن بداية الظهور العام يرسلُ شابًا من أرحامه وهو (النفس الزكية) إلى مكة في أواخر ذي الحجة، ويتجه إلى المسجد الحرام ويقف بعد الصَّلاة، ويبدأ بقراءة رسالة الإمام المهدي فيثبوا عليه، ويقتلوه بوحشية بين الركن والمقام، ويكون لشهادتِه المفجعة أثر في الأرض وفي السَّماءِ.
ولمَّا يصل الخبر إلى الإمام المهدي (عليه السَّلام) يُقرَِّر التوجه إلى مكة، ويصلها في التاسع أو العاشر من المحرم…
•في الخبر عن الإمام الباقر (عليه السَّلام) متحدثًا عن بداية الظهور:
«فيهبط [يعني الإمام المهدي] من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدَّة أهل بدر، حتى يأتي المسجد الحرام، فيصلِّي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ثمَّ يحمد الله ويثني عليه، ويذكر النبيّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ) ويصلِّي عليه، ويتكلم بكلام لم يتكلَّم به أحد من الناس، فيكون أول مَنْ يضرب على يديه ويبايعه جبرئيل ومكائيل، ويبايعه الثلاثمائة وقليل من أهل مكة».
وهكذا تنطلق حركة الإمام المهدي (عليه السَّلام) من أجلِ إقامة دولته الكبرى في العالم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.