حديث الجمعة 427: الزَّهراءُ القدوةُ في العِفَّةِ والسِّتر (6)
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد للهِ ربِّ العالمين وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهداةِ الميامين، وبعد فمع هذا:
العِفَّة والسِّتر في حياة المرأة المسلمة:
لا يُزينُ المرأة أجملُ مِن (العِفَّةِ والسِّتر) وإذا فقدتْ المرأةُ ذلك فقدَتْ كلَّ الجمالِ، وخسرتْ كلَّ البهاء، رُبَّما تملك جَمالَ خُلْقَةِ، وربَّما تمارسُ كلَّ أشكالِ (المكيجة) إلَّا أنَّ ذلك لا يُعوِّضُها ما فقدتْ من (عفَّةٍ وسِتْرٍ وحياء) فأيّ جَمالٍ لمن فقدتْ بهاء الإيمان والطاعة.
•في الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام):
«جمالُ العبدِ الطاعة» و«جمالُ المؤمنِ ورعُهُ».
•وفي الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
«الحياءُ هو الدِّين كُلُّه».
•وفي الكلمة عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام):
«إنَّ الحياءَ والعفافَ من الإيمان».
فالمرأة وإنْ عظم جمالُها الجَسَدي فهي بلا عِفةٍ وسترٍ وحياءٍ، وبلا طاعةٍ وورع، وبلا دينِ وإيمانٍ في غابة القبح والسَّماجة والابتذال…
ومهما تبرقعتْ بكل (البراقع الزائفةِ) التي أنتجَتها مَدنَيِةُ هذا العصرِ، واخترقتْ حتَّى مجتمعات المسلمين…
والكارثةُ حينما تاهتْ مساراتُ بعضُ نساءِ هذه الأمة فرحن يبحثن عن (قُدْواتٍ مُستَورَدةٍ) إنَّها لكارثةٌ، وأيُّ كارثةٍ!!!
إنَّ أمةً تملكُ (فاطمةَ بنتَ محمدٍ (صلَّى الله عليه وآلِهِ))
وتملكُ (خديجةَ بنتَ خويلد أم المؤمنين)
وتملكُ (زوجاتِ النبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) الصَّالحات)
وتملكُ (زينبَ ابنة أمير المؤمنين بَطَلة كربلاء)
وتملكُ (آمِنَةَ الصدر بنت الهُدى شهيدةَ هذا العصرِ)
وتملكُ (قِمَمَا من نساءٍ شامخات)
إنَّ أمةً هذا رصيدُها من السَفَهِ أنْ تَلْهثَ بعضُ نسائِها باحثةً عن (قُدْواتٍ مستوردةٍ) مِن الغرب والشرق وأيُّ قُدْوات مستوردة؟
إنَّها قُدْوَاتٌ مُصَنَّعةٌ وِفْقَ أسْوَءِ المعايير، التي أنْتَجْتَها مَدَنِيَةٌ تنكَّرَتْ لكلِّ قِيَم الأديانِ السَّماوية، فجاءت تلكَ القُدْوات مُشَوَّهةً أسوءَ تشويهٍ، وهكذا كانَ استنساخُها وتمثّلُها أنتج نماذجَ أكثرَ تشوُّهًا وسوءًا…
من العارِ على أمةٍ غنيَّةٍ بالقمم الشامخةِ من رجالٍ ونساءٍ أنْ تستجديَ (مُنتجاتٍ بشريةٍ) في غايةِ التفاهةِ والسُّوء لتجعل منها (بدائل) لتلك القِمم، ألَا يُشكِّلُ هذا لَوثةً في العقلِ وفي الضميرِ، وفي المعايير؟!!
مَنْ الذي صَنَّعَ لأمَّتِنَا هذه (المنتجاتِ المتعفِّنةِ)، وغذَّى بها أجْيَالَنَا، وروَّج لها، وبرقَعها بعناوينَ خادعةٍ، وَوَفَّر لها كلَّ الإمكاناتِ والقُدراتِ لتخترقَ مساحاتٍ واسعةً في مجتعاتِ المسلمين، وتَسْرِقَ أعدادًا كبيرةً من شبانِ وشاباتِ هذه الأمةِ التي جعلَها اللهُ خيرَ أمةٍ أُخرجتْ للنَّاسِ: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران/110] وجعلَها الله أمَّةً وَسَطًا: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة/143].
لا شَكَ أنَّ سِيَاسَاتٍ متنفِّذةً في بلدانِ المسلمين كان لها الدُّورُ الأساسُ في هذا الاختراقِ بما وَفَّرتْهُ مِن مناخاتٍ وبيئاتٍ حاضنةٍ لمشروعاتِ التغريب الثقافي والأخلاقي معتمدةً مجموعة أدواتٍ:
1-وَسَائلَ إعلامٍ مِن تِلفازٍ، وإذاعاتٍ، وصحافةٍ، ومجلاتٍ، وإصداراتٍ، ومواقع تواصل.
2-مُؤسَّساتٍ، وجمعياتٍ، ونوادي، وفُرَقٍ، وصالاتِ فنٍ هابطٍ، وسَهْراتِ رقصٍ وطَرَبٍ وغناء..
3-الترويجَ للدَّعارةِ المُقنَّنةِ والمشرعنةِ رسميًا في العديد من دولِ المسلمين، حتى أصبحتْ مُدُنٌ إسلامية تحتلُّ مواقعَ الصَّدارةِ في إحصائياتِ مُدُنِ الرَّذيلةِ في العالم، فيما يتشدَّد إسلامُنا في محاربة (الزِّنا والدَّعارةِ والعُهرِ والعبثِ بالأعراضِ).
•جاء في الكتاب المجيد قولُهُ تعالى:
﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً﴾ [الإسراء/32].
•وقوله تعالى واصفًا عبادَ الرَّحمنِ:
﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الفرقان: 68-70]
هذا النصُّ القرآني وضع (الزِّنا) في سياق (الشِّرك باللهِ تعالى) و(سَفْكِ الدِّماءِ بغيرِ حَقٍّ).
وعَقَّبَ على ذلك بأنَّ مَنْ يمارسُ هذه الموبقاتِ (لشِّرك، القتل، الزّنا):
-﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾: أي عقوبة في الآخرة.
وربَّما المراد به (غضب الله وسخطه).
وقال بعضُهم: (الآثام): اسم وادي أو صحراء أو جبل أو بئر في جهنَّم..
ونظرًا لخطورة هذه الذنوب (الشّرك، القتل، الزِّنا) قال تعالى: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان/69]
وهنا يُطرح سؤالان:
السُّؤال الأول: لماذا يُضاعفُ العذاب بالنسبة لهؤلاء، ويفترض أنْ تكون العقوبةُ على قدر الذَّنب؟
في الإجابة عن هذا السؤال ذُكرتْ عدة أقوال أوجهها: القولُ بأنَّ كلَّ ذنب من هذه الذُّنوب الثلاثة المذكورة في الآية سيكون له عقابٌ منفصلٌ، فتكون العقوبات بمجموعها عذابًا مضاعفًا (ذكر هذا القول صاحب مجمع البيان، وصاحب الأمثل).
السُّؤال الثاني: هل أنَّ القتلةَ والزُّناة مخلدون في النَّار كما الكفارُ والمشركون كما يُوحي ظاهر قولِهِ تعالى: ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ وهذا يتنافى مع الآية: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء/48] التي تدلُّ على اختصاصِ الخلودِ في النَّار بالمشرك، وأمَّا غيره فإنَّ المغفرةَ تلحق في نهاية الأمر بالإضافة إلى ما اشتهر بين العلماء بأنَّ المسلم لا يخلد في النَّار [يُقرأ: من وحي القرآن].
في الإجابة عن هذا السؤال ذكر المفسرون عدة أقوال:
1-إنَّ الخلود في النَّار لمن يرتكب هذه الذُّنوب الثلاثة معًا (الشرك، القتل، الزِّنا).
2-إنَّ بعض الذنوب عظيم إلى درجة يكونُ عندها سببًا في الخروج من الدُّنيا بلا إيمان كما في مسألة سفك الدِّماءِ المحرَّمةِ، والزِّنا بالمحصنات.
3-المراد بالخلود في قوله تعالى: ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ هو البقاء الطويل في النَّار وليس البقاء الدائم.
4-إنَّ الخلود هنا محمولٌ على اقتضاء طبع المعصية لذلك، فالقاتل والزَّاني يستحقَّان الخلود في النَّارِ، باعتبار أنَّ الزِنى وقتل النفس المحترمة من الكبائر ولكنَّ المغفرة تلحقهما.
وخلصت الآياتُ إلى القول: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ {الفرقان/70}
وهكذا يبقى بابُ التوبة مفتوحًا لكلِّ المذنبين حتى لو كانوا مشركين وقتلةً وزناةً بشرط أنْ تكونَ التوبةُ حقيقيةً، ومن علاماتِ هذه التوبة:
أ-الإيمان: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ﴾: أي ندم واستغفر وآمن بربِّه.
ب-العمل الصالح: ﴿وَعَمِلَ عَمَلًا﴾، فلا يكفي الاستغفار والندم وإعلان الإيمان إذا لم يتحوَّل ذلك إلى (أعمالٍ صالحةٍ) وممارساتٍ ملتزمةٍ بأوامرِ اللهِ ونواهيَه.
وإذا تحقََّقتْ التوبةُ الصَّادقةُ بدَّلَ الله تعالى (السَّيئاتِ) (حسناتٍ) ﴿فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾.
ما معنى تبديلِ السَّيئاتِ حسناتٍ؟
وردت عدة تفسيرات:
التفسير الأول: إنَّ سبحانه وتعالى بلطفه وكرمه يمحو سيئاتِ العبدِ إذا تاب صادقًا، ويضع مكانَها حسنات.
•في الحديث عن النبيِّ (صلَِّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
«يؤتى بالرجلِ يومَ القيامةِ، فيقال: اعرضوا صغارَ ذنوبه، وتخبأ كبارُها [ونَحُّوا عنه كبارَها]، فيقال: عملت يوم كذا وكذا وكذا وهو يُقرُّ غير منكر، وهو مُشْفِقٌ من الكبائر أنْ تجيئ، فإذا أراد الله به خيرًا قال: اعطوه مكانَ كلِّ سيئةٍ حسنةً.. فيقول: إنَّ لي ذنوبًا ما أراها ها هنا؟
قال: ولقد رأيتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآلِهِ وسلّم) ضحك حتَّى بدتْ نواجذه، ثمَّ تلا: ﴿فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾.
التفسير الثاني: إنَّ الإنسان إذا تابَ توبة نصوحًا وعاد عودةً حقيقيةً إلى الله فإنَّه يتحوَّل إنسانًا جديدًا، وتحدث لديه تحوُّلاتٌ ذهنيةٌ ونفسيةٌ وسلوكيةٌ وفي ضوء هذه التحولاتِ تتبدَّلُ سيئات أعمالِهِ في المستقبل حسنات، فإذا كان سابقًا مشركًا كافرًا يتحوَّل مؤمنًا مدافعًا عن التوحيد وقضايا العقيدة، وإذا كان سابقًا قاتلاً للنفس المحترمة سافكًا للدماء بغير حقٍّ يتحول إنسانًا مدافعًا عن المظلومين، ومواجهًا للظالمين العابثين بالأرواح، وسفَّاكي الدِّماء…
وإذا كان سابقًا ممَّن مارَسَ الزِّنا وهتَك الأعراض فإنَّه يتحوَّل إنسانًا صالحًا عفيفًا طاهرًا مدافعًا عن العفَّةِ والشرفِ ونظافة الأعراض.
التفسيرُ الثَّالثُ: إنَّ الله سبحانه إذا تاب العبد توبةً حقيقيةً يمحو كلَّ آثار المعاصي السَّابقةِ، ويعطيه بأعماله الصالحة التي حدثت بعد التوبة حسناتٍ ويغفر له ما تقدَّم من معاصي وذنوب، فلا يبقى شيئ من نتائج المعاصي والذُّنوب.
التفسيرُ الرابع: ليس المقصود من السَّيئات نفس الأعمال التي يقوم بها الإنسان، بل آثارها في روحِهِ ونفسِهِ، فحينما يتوبُ ويؤمنُ تجتث تلك الآثار السَّيئة من روحِهِ ونفسِهِ، وتبدَّل بآثار الخير.
التفسير الخامس: المقصود تبديل الملكات في داخل الإنسان، فملكات المعاصي السَّابقة تتبدَّل إلى ملكات الطاعة، وهنا تتشكل لدى الإنسان بعد التوبة (دوافع جديدة) و(إرادة جديدة) و(غايات جديدة) وفي ضوء هذا التغيُّر في الدَّوافع والإرادة والغايات تتشكل لديه (ملكات صالحة خيِّره) بدل (الملكات الفاسدة الشريرة).
واستطردنا في الحديث عن مسألة (الزنا) أو ما يُسمَّى في مصطلحات هذا العصر (الدَّعارة) أو (الرَّذيلة)، هذا الاستطراد من أجل التأكيد أنَّ من أخطر ما يهدِّد (العفَّة والشرف والطهارة الأخلاقية) في مجتمعات المسلمين هو هذه الموبقة الخطيرة: (موبقة الزِّنا والدَّعارة).
ولهذا تشدَّدت نصوص الدِّين في محاربة هذه الموبقة كما تقدَّم في النصين القرآنيين، وكما جاء في الروايات:
•في الكلمة عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
«لنْ يعمل ابنُ آدمُ عَمَلاً أعظمَ عِنْدَ اللهِ تباركَ وتعالى مِن رَجُلٍ قتل نبيًّا أو إمامًا، أو هَدَمَ الكعبةَ التي جَعَلها اللهُ عزَّ وجلَّ قِبْلةً لعباده، أو أفرغ ماءً في امرأةٍ حرامًا».
•وفي الكلمة عن الإمام الرِّضا (عليه السَّلام):
«حُرِّم الزِّنا لما فيه من الفسادِ، من قتلِ الأنفسِ، وذهابِ الأنسابِ، وتركِ التربية للأطفال، وفسادِ المواريث، وما أشبهَ ذلكَ من وجوه الفساد».
وختامًا نقول لأولئك الذين يحملون شعاراتِ الدِّفاع عن المرأة في مجتمعاتنا، طالبوا بإيقاف (الدَّعارة) فلا يوجد عبث بكرامة المرأة أشدُّ من هذا العبث ولا يوجد ظلم للمرأة أعظم من هذا الظلم، فلا جدوى من استدعاء (قرارات مؤتمرات باسم المرأة) ولا جدوى من الانضمام إلى (اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضدَّ المرأة (سيداو))…
فما لم تُطهَّر (بيئات المسلمين) من (التلوُّثات الأخلاقية) ومن أخطرها (حواضن الدَّعارة) والمُحصَنَّة بسياجاتٍ رسمية، وما لم تنقَّ هذه البيئات وما لم تلغ هذه الحواضن، فإنَّ المرأة في مجتمعات المسلمين تبقى مهدَّدة في عفَّتها وكرامتها وقيمها وإنسانيتها وهويَّتها…
للحديث تتمَّة إنْ شاء الله تعالى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.