حديث الجمعة 413: تنَّوع أدوارِ الأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام – أما آنَ لأزمة هذا الوطن أنْ تنتهي؟
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيّد الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهداة الميامين، وبعد فتتابع الكلمةُ الحديثَ عن:
تنَّوع أدوارِ الأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام:
ولماذا حدَثَ هذا التنَّوع؟
تقدَّم القول أنَّ هناك عدةَ تفسيرات خاطئة، وتناولت الكلمة أولَ تلك التفسيرات والذي أرجع التنوُّع إلى الاختلاف في الرؤية الاجتهادية وهذا تفسير مرفوض تمامًا.
(التفسير الثاني)
الاختلافُ في الكفاءاتِوالقدراتِ:
هذا التفسير هو الآخر مرفوض تمامًا، ولا يحمِل أيَّ فهمٍ للأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام.
وِفق هذا التفسير فإنَّ الإمام الحسن صالح لأنَّه لا يملك (كفاءة عسكرية وحربية).
والإمام الحسين ثار؛ كونه يملك (قدرات عسكرية وحربية).
والإمام السجَّاد اعتمد (أسلوب الدعاء) لأنَّه لا يملك (كفاءة سياسية وحربية).
والإمامان الباقر والصَّادق اعتمدا (الخيار العلمي والفقهي) لأنَّهما متميِّزان في هذا المجال، ولاخبرة لهما بشؤون السياسة والتصدي الثوري.
أصحاب هذا التفسير كحاطبي ليل، يخبطون بلا فهم، ولا بصيرة، ولا يعرفون شيئًا عن أئمَّة أهل البيت، أو أنهم يتعمدون التشويه والإساءة والتزوير، والعبث بالحقائق…
أئمة أهل البيت جميعًا وبدون استثناء يملكون كل الكفاءات والقدرات التي أهلتهم أن يكونوا أئمَّةً وقادةً وساسةً وهداةً، وأدلاء على طريق الحق…
فلا تنقص الإمام الحسن (الكفاءة العسكرية والحربية).
ولا تنقص الإمام الحسين (كفاءة المصالحة والمسالمة).
ولا تنقص الإمام السجاد(كفاءة التصدي والمواجهة).
ولا تنقص الإمام الباقر (كفاءة السياسة والثورة).
وهكذا الإمام الصادق، وبقية الأئمَّةمن أهل البيت (عليهم السَّلام)…
فحينما اختار أحدهم (النهج السلمي) أو (النهج الثوري) أو (النهج السياسي) أو (النهج الروحي) أو (النهج العلمي) فليس لأنه لا يملك إلا كفاءة هذا النهج، إنما هي الظروف الموضوعية التي فرضت اعتماد هذا الأسلوب دون غيره من الأساليب، ويأتي المزيد من الشرح والتوضيح.
(التفسير الثالث)
ويعتمد (التفسير النفسي) لظاهرة التنوع في أساليب الأئمَّةمن أهل البيت عليهم السلام.
فمن الأئمَّة مَنْ يملك (مزاجًا سلميًا) لذلك اعتمد (أسلوب المسالمة).
ومنالأئمَّة مَنْ يملك (مزاجًا ثوريًا) لذلك اعتمد (أسلوب الثورة).
ومنالأئمَّة مَنْ يملك (مزاجًا سياسيًا) لذلك اعتمد (النهج السياسي).
ومنالأئمَّة مَنْ يملك (مزاجًا روحيًا) لذلك اعتمد (النهج الروحي).
ومن الأئمَّة مَنْ يملك (مزاجًا علميًا) لذلك اعتمد (النهج العلمي).
هذه مجرد أوهام وتخرُّصات، وليست قراءة علمية بصيرة، فيها الكثير من الخبط والتجنِّي والتشويه، فالأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام لا ينطلقون من (حالات مزاجيةٍوانفعاليةٍ)، فهم وفق الرؤية التي تبنَّتها مدرسة أهل البيت (أئمَّة معصومون) ووفق الرؤية التي تبنَّتها مدرسة الخلفاء (نماذج في أعلى درجات الصَّلاح والتقوى والورع)، فلا يمكن أنْ تحكم مواقفَهم وخياراتِهم وقناعاتِهم (مؤثراتٌ نفسيةٌ وذاتيةٌوانفعاليةٌ، ومزاجية…)، بل هي الرؤية الشرعية البصيرة؛ فيما يملكونه من علم لا يملكه سواهم، وهم تراجمة القرآن، وحملة السنة، وأبواب العلم.
• قال النبي صلَّى الله عليه وآله:
«أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب».
• وقال صلَّى الله عليه وآله:
«إنِّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتابَ اللهِ وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلُّوا بعدي، وإنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».
حديث الثقلين بلغ حدَّ التواتر عند المسلمين، فقد دوَّنته كتب الحديث والتفسير والتاريخ والسير والتراجم واللغة، وقامت دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة بإصدار رسالة ألَّفها بعضُ أعضائها باسم (حديث الثقلين) وقد استوفى فيها مؤلفُها ما وقف عليه من أسانيد الحديث في الكتب المعتدة لدى أهل السُّنة.
الكلمة لها تتمة إنْ شاء الله تعالى…
أما آنَ لأزمة هذا الوطن أنْ تنتهي؟
لقد طالَ أمدُ هذه الأزمة، وتعقَّد مشهدُها، وبهظت أثمانها، وتعدَّدت تفسيراتُها، هل هي أزمة سياسية، أم هي أزمة حقوقية، أم هي أزمة أمنية؟
فإنْ كانت أزمة سياسيةٍ فيجب أنْ يكون الحلُّ سياسيًا.
وإنْ كانت أزمة حقوقٍ فيجب أنْ يكون الحلُّ حقوقيًا.
وإنْ كانت أزمة أمنٍ فيجب أنْ يكون الحلُّ أمنيًا.
هذاالاختلاف في القراءة هل يُعقِّدُ المشهدَ في علاج هذه الأزمة؟
ربَّما أنتج الاختلافُ تعقيدًا، وإرباكًا في مسارِ العلاج، حيث تختلط الأسباب بالنتائج، والمشكلة بالتداعيات.
فمن يعتقد أنَّ الأزمةَ سياسية، فإنَّه يرى أنَّ الارتباكات في الحقوق وفي الأوضاع الأمنية في نتائج وتداعيات للمشكل السِّياسي، ومن الخطأ الانشغال بالنتائج والتداعيات وترك الأسباب، ممَّا يفاقم من الأزمة ومن كلِّ منتجاتها وتداعياتها.
ومَنْ يعتقد أنَّ الأزمةَ حقوقية، فسوف تتحول الأوضاع السِّياسية السيِّئة والتأزُّمات الأمنية نتائج وتداعيات.
وينسحب الكلام على القول بأنَّ الأزمة أمنية، ممَّا يجعل التأزُّمات السياسية والحقوقية نتائج وتداعيات للارتباكات الأمنية.
لا شكَّ أنَّ المساراتِالسِّياسيةَ والحقوقيةَ والأمنيةَ متشابكةٌ كلّ التشابك، ومترابطةٌ كلَّ الترابط، ومتداخلة كلّ التداخل، الأمر الَّذي سبَّب الاختلاف في القراءة لأزماتِ الأوطان.
وإنْ كان الغالب أنَّ قوى المعارضة السِّياسية تتَّجه إلى القراءة الأولى والتي تعتبر الأزمة سياسية.
وأمَّا نشطاء الحقوق فيتَّجهون إلى القراءة الثانية والتي تعتبر الأزمة حقوقية.
وأمَّا أنظمة الحكم فغالبًا ما تعتمد القراءة الثالثة والتي تعتبر الأزمة أمنية، لهذا فالحل لديها هو الخيار الأمني.
لقد جرَّبتْ أنظمةُ الحكم في كلِّ البلدان الخياراتِ الأمنية في معالجة أزمتها السِّياسية والحقوقية والاقتصادية، وكانت النتائج مزيدًا من التأزيمات، ومزيدًا من الارتباكات، ومزيدًا من الاحتقانات، ومزيدًا من التداعيات والإخفاقات…
فالعلاجات الأمنية لا تحلُّ الأزمات السِّياسية، والأزمات الحقوقية، والأزمات الاقتصادية، وبقية الأزمات، بل تزيدها تعقيدًاوتجذُّرًا واتساعًا…
فلماذا لا تجرِّب أنظمةُ الحكم العلاجاتِ السِّياسية، لتكتشف أنَّ هذا هو الخيار الأصوب، ولتكتشف أنَّ الأثمان أقلَّ كلفةً، وأنَّ النتائج باهرةٌ جدًّا، ولتقتنع أنَّ هذه العلاجات هي التي تزرع الأمن والأمان في كلِّ الأوطان، وهي التي تزرع الثقة بين الحكَّام والشعوب، وهي التي تنشر المحبَّة والتسامح،وهي التي تطهِّر البلدان من أخطار العنف والتطرف والإرهاب…
هل أنَّأنظمة الحكم عاجزة في أنْ تعتمد العلاجات السِّياسية؟
أم أنَّها غير واثقة بهذه العلاجات؟
أم أنَّ هناك منْ يرى أنَّ مصالحه لا تبقى إلَّا إذا بقيت الأزماتُ في الأوطان؟
ها النمط من أصحاب المصالح لا شكَّ أنَّهم لا يحملون حبًا للأوطان، ولا وفاء للشعوب…
أمَّا أنَّ أنظمة الحكم عاجزة في أنْ تعتمد العلاجاتِ السياسية فهذا غير وارد إطلاقا، فإمكانات هذه العلاجاتِ متوفرة، وبيد الأنظمة الحاكمة كلّ القدراتِ والإمكانات لإنجاح العلاجات السِّياسية القادرة على إنقاذِ الأوطان من أزماتها.
وكون الأنظمة غير واثقة بالحلول السِّياسية فمسألة تعالج من خلال الحوارات الجادَّة والصَّادقة وليس من خلال المعالجات الأمينة المتشدِّدة، وليس من خلال الضغط على الحريات، وليس من خلال محاصرة الفعاليات السِّياسية الرشيدة وليس من خلال ملاحقة النشطاء المعتدلين.
إنَّغيابَ الحلولِ السِّياسية، وتعطّلَ الحوارات الجادَّة الصَّادقة وهيمنةَ العلاجاتِ الأمنيةِ..
كلُّ ذلك يخلُقُ مناخاتٍ وبيئاتٍ تفرِّخُ العنف، وتدفعُ نحو التشدّد، وتؤسِّس لخياراتٍ متطرفة…
فمسؤولية الأنظمة الحاكمة أنْ تبادر إلى اصلاحاتٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ، وإلى معالجاتٍ فاعلةٍ، وإلى خيارات صائبةٍ، وإلى حواراتٍ قادرة أنْ تردم كلَّ الفجوات بين الأنظمة والشعوب، وأنْ تخلِّص الأوطان من المحنِ والأزمات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين