حديث الجمعة 400: نستقبل شهر الله – ثقافةُ الكراهية والتحريض تدمِّر الأوطان – نداءٌ من أجل الوطن – رحيل العالم الرَّباني آية الله الشيخ الآصفي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّد وعلى آله الهداة المعصومين.
نستقبل شهر الله:
خطب النبيُّ صلَّى الله عليه وآله في آخر جمعة من شعبان خطبته المعروفة، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان،مذكِّرًا بأهميةِ هذا الشهر المبارك، وقيمتِهِ ومنزلتِهِ عند الله تعالى.
فقال صلَّى الله عليه وآله:
«أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة».
هكذا سمَّاه «شهر الله» وكلُّ الشهور هي شهور الله إلا أنَّ هذا الشهر اختصَّ بهذه التسمية، لِما لَهُ من الخصوصية والشرف والمكانة العظيمة، بما لا يتوفَّر في بقية الشهور، ففيه من البركة ما لا يوجد في غيره من الشهور، وفيه من الرحمةِ والمغفرةِ ما يجعلُه متميِّزًا على كلِّ الشهور.
• فأبواب الجنان في هذا الشهر مُفتَّحة…
• وأبواب النيران مغلقة…
• والشياطين مغلولة…
وذكَّر النبي صلَّى الله عليه وآله المسلمين بالضيافة الربانية في هذا الشهر حيث قال صلَّى الله عليه وآله:
«شهرٌ دُعِيتُمْ فيه إلى ضيافةِ الله، وجُعلتم من أهل كرامة الله».
ومن أجل أن نكون ضيوفًا لله في شهر الله يجب:
أوَّلًا: أن نُطَّهرَ النوايا والقلوب:
فما لم تتطهَّر النوايا والقلوب، لا يمكن أن نتأهَّل للضيافة الربانية في هذا الشهر الفضيل، ضيوف الله هم الصَّادقون المخلصون، وهم الأنقياءُ المطهرَّة قلوبُهم من كلِّ الشوائب والتلوثات، ومن الضغائن والأحقاد، وهم المنفتحةُ نفوسهم وأرواحهم على حبِّ الله، وحبِّ الخير، والقيم، وكلِّ معاني الطهر…
لذا قال النبيُّصلَّى الله عليه وآله في خطبته الرَّمضانية:
«فاسألوا ربَّكم بنياتٍ صادقة وقُلوبٍ طاهرةٍ أن يوفِّقكم لصيامِهِ، وتلاوةِ كتابه، فإنَّ الشقيَّ مَنْ حُرِمَ غفرانَ اللهِ في هذا الشهر العظيم».
فالذين لا يُنَقُّونَ نياتِهم،ولا يُطهِّرون قلوبَهم لا يتوفَّقُون لصيام هذا الشهر، الصيام الحقيقي، ولا يتوفَّقُون لتلاوةِ كتابِ اللهِ، التلاوة الحقيقية، ومن فَقَد هذا التوفيقِ الرَّباني فقد حُرِم من غفرانِ الله، ومَنْ كان كذلك فهو من الأشقياء، وكيف لا يكون شقيًا وقد فاتتهُ فيوضاتُ الله، ورحماتُه، وألطافُهُ في هذا الشهر العظيم.
ثانيًا: ولكي نكون ضيوف الله في هذا الشهر الفضيل يجب أنْ نُطهِّر بطونَنَا عن أكلِ الحرام أو المشتبهِ بالحرام فإنَّ اللُقمةَ الملَّوثة تلوِّثُ الروحَ، وتُميتُالقلبَ، وتأسرُ الإرادةَ، وتمنع الإجابة…
• في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«من أكل الحرام اسوَدَّ قلبُهُ، وضعفتْ نفسُهُ، وقلَّتْ عبادتُهُ».
وفي المقابل نقرأ هذا الحديث:
• «مَنْ أكَلَ الحلالَ أربعين يومًا أجرى اللهُ ينابيع الحكمة في قلبهِ على لسانِهِ».
ثالثًا: ولكي نكونَ من ضيوف الله في شهر الله يجب أنْنتجنَّبَ المعاصي والذنوب، فهي تقتل الإحساسَ بلذة العبادة، وتحرق الطاعات.
• في الحديث:
«كيف يجد لذةَ العبادة مَنْ لا يصوم عن الهوى».
• وفي الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«ما جفَّتْ الدموعُإلَّا لقسوةِ القلوبِ، وما قَسَتْ القلوبُإلَّا لكثرةِ الذنوب».
ثمَّإنَّ الصوم هو صوم الجوارحِ عن المحرمات، وليس مجرد الصوم عن الطعام والشراب..
• قال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«الصيام اجتنابُ المحارمِ كما يمتنع الرجلُمن الطعامِوالشرابِ».
• وقال النبيُّصلَّى الله عليه وآلهوسلَّم:
«يا جابر هذا شهر رمضان مَنْ صام نهارَهُ وقام وِردًا من ليلِهِ، وعفَّ بطنَهُ وفرجَهُ، وكفَّ لسانَهُ، خرجَ مِن الذُّنوب كخروجِهِ من الشهر…
فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآلهوسلَّم: يا جابر وما أشدَّ هذه الشروط».
نتابع خطبة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله الرمضانية وهو يتحدَّث عن ثوابِ الأعمال في هذا الشهر الفضيل:
(1) «أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة».
فكم هي ألطافُ اللهِ في هذا الشهر كبيرة كبيرة، وكم هي عطاءاتُه عظيمة وجزيلة،أن يتحوَّل كلُّ نَفَسٍ من أنفاس الصَّائمين عبادةً وتسبيحًا.
كم هي عددأنفاسنا في الدقيقة الواحدة؟
كم هي عددأنفاسنا في اليوم الواحد؟
كم هي عددأنفاسنا في كل شهر رمضان؟
علمًا بأنَّ الأنفاس لا تتوقف في يقظةٍ أو في منام…
هذه الأنفاس التي لا نملك فيها اختيارًا هي عبادة وتسبيح بمنِّ اللهِ ولطفِهِ وكرمِهِ، وكذلك نوم الصائمين ذكرٌ وعبادة، هذه هي فيوضات الله تعالى في هذا الشهر الكريم.
(2) أن نفطِّر صائمًا مؤمنًا يعدلُ عتق رقبة، ومغفرةً للذنوب.
• «أيُّها النَّاسُ مَنْ فطَّرَ منكم صائمًا مؤمنًا في هذا الشهر كان له بذلك عند اللهِ عتقُ رقبةٍ، ومغفرةٌ، لما مضى من ذنوبِهِ.
قيل: يا رسول الله وليس كلّنا يقدر على ذلك.
فقالصلَّى الله عليه وآلهوسلَّم: اتقوا النَّار ولو بشقِّ تمرة، اتقوا النَّار ولو بشربة ماء، فإنَّ الله تعالى يهبُ ذلك الأجر لمن عمل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه».
(3) حَسِّنُوا أخلاقكم في هذا الشهر لتجوزوا على الصراط.
• «يا أيُّها النَّاسُ مَنْ حسَّنَ منكم في هذا الشهر خُلُقَه كان له جواز على الصِّراط يوم تزلُّ فيه الأقدام».
(4) «ومَنْ كفَّ فيه شرَّه كفَّ الله عنه غضبه يوم يلقاه».
(5) «ومَنْأكرمَ فيه يتيمًاأكرمه الله يوم يلقاه».
(6) «ومَنْوَصَلَ فيه رَحِمَهُ وَصَلَهُ الله برحمتِه يوم يلقاه».
(7) «ومَنْتطوَّع فيه بصلاةٍ كتب الله له براءةً من النَّار».
(8) «ومَنْأدَّى فيه فَرْضًا كان له ثواب من أدَّى سبعين فريضةً فيما سواه من الشهور».
(9) «ومَنْأكثر فيه من الصَّلاة عليَّ ثقَّلَ اللهُ ميزانَهُ يوم تخفّ الموازين».
وقد تكاثرت الأحاديث التي تؤكِّد على قيمة الصَّلاة على النبيِّوآلهصلَّى الله عليه وآلهوسلَّم.
• عنه صلَّى الله عليه وآلِهِوسلَّم:
«أكثروا من الصَّلاة عليَّ، فإنَّ الصَّلاة عليَّ نور في القبر، ونور على الصِّراط، ونور في الجنَّة».
• وقال صلَّى الله عليه وآلِهِ:
«جاءني جبرئيل فقال: يا محمَّد لا يصلِّي عليك أحدٌ من أمَّتِكَإلَّا صلَّى عليه سبعون ألف مَلَك، ومَنْ صلَّتْ عليه الملائكة كان من أهلِ الجنَّةِ».
• وروي عن الامام الصَّادق عليه السَّلام أنَّه قال:
«إذا ذُكِرَ النبيُّصلَّى الله عليه وآلِهِ فأكثروا من الصَّلاة، فإنَّ مَنْصلَّى على النبيِّصلَّى الله عليه وآله مرةً واحدةًصلَّى الله عليه ألفَ صلاةٍ في ألفِ صفٍّ من الملائكةِ، ولم يبق شيئٌ ممَّا خَلَق اللهُإلَّا صلَّى على العبدِ لصلاةِاللهِ عليهِ وصلاةِ ملائكتِهِ،فمن يرغبُ عن هذا فهو جاهلٌ مغرورٌ قد برئ اللهُ منه ورسولُهُ وأهلُ بيتِهِ».
(10) «ومَنْ تلا فيه آيةً من القرآنِ، كانَ له مثلَ أجرِ مَنْ ختم القرآنَ في غيرِهِ من الشهور».
وجاء في الحديث:
«لكلِّ شيئٍ ربيعٌ وربيعُ القرآن شهر رمضان».
فأكثروا –أيُّها المؤمنون –من تلاوة كتاب الله في شهر الله.
ثقافةُ الكراهية والتحريض تدمِّر الأوطان:
هذه الثقافة تنتج (الفتن) والتي إذا اشتعلتْ نارُها أحرقتْ كلَّ أخضر ويابسٍ، وأزهقتْ أرواحًا، وسفكتْ دماءً، وهتكتْ أعراضًا، وأرعبتْ قلوبًا، ورمَّلتْ نساءً، ويتَّمتْ أطفالًا، وطالتْ كبارًاوصغارًا،ومزَّقتْ شعوبًا، ودمَّرت أوطانًا، وخرَّبتْمساجدَ يُذكر فيها اسم الله…
هكذا تصنعُالفتنُ العمياءُ، لأنَّ من منتجاتِها عنفٌ، وتطرفٌ، وإرهاب… عناوين أصبحتْ تُرعبُ العالم، وتسرقُ السِّلْمَ والأمنَ والاستقرار، وتقتلُ الحبَّ والتسامح والخير في الأرض.
لماذا تتشكَّل هذه الشراسة في داخلِ الانسان؟
لماذا يقتل الإنسانُ الإنسانَ؟
لماذا يتلذَّذ الإنسانُ بعذابات الإنسانِ؟
الجواب واضح… حينما يتوحَّشُ الإنسانُ لا يبقى في داخلِهِ أيُّ شيئٍ من قيم الإنسان، ويصبح سَبُعًا ضاريًا، ينهشُ العظامَ، ويمتصُّ الدِّماءَ، ويفترسُ البشر…
هنا الحاجة إلى الدِّين الذي جاء من عند الله تعالى وليس الذي زوَّرتْهُ أهواءُ الإنسان، المشكلة حينما يصبح الدِّين مزوَّرًا.
وعندها نجد مَنْ يحتز رؤوسَ الأبرياء باسم الدِّين.
ومَنْ يفخِّخونَ ويفجِّرونَ ويدمِّرونَ ويقتلون حتى العُبَّاد في بيوت الله، باسم الدِّين، وطمعًا في الجنَّة ومعانقة الحور العين…
ومَنْ يمارس أسوءَ أشكالِ العنفِ والتطرُّفِ والإرهابِمتمترسًا بشعارات الدِّين…
أيّدين هذا؟ إنَّه دينٌ من إنتاج الشيطان.
الدِّين الذي يملأ الحياة فتنًا، ودَمارًا، وعُنفًا، وتطرُّفًا، وإرهابًا، هو ليس دينَ لله.
كيف صُنِّعَ هذا الدِّين، وكيف فرَّخ إرهابًا وإرهابيين؟
وكيف أنتج فتنًا وصراعات وحروبًا وعداوات؟
تشكَّل كلُّ هذا في بيئاتٍ حاضنةٍ، ولولاها ما وُجِدَإرهاب ولا إرهابيون، ولا نشأ تطرُّف ومتطرفون.
فإذا كان هناك إصرارٌ جادٌّ، ونوايا صادقةٌ في محاربة الإرهابِ والتطرُّف فيجب أنْ تُقتلع البيئاتُ الحاضنة، وهذه مسؤولية أنظمةِ حكمٍ، وكياناتِ دينٍ، وقوى ثقافة، وسياسة، واجتماع…
وإنْ كانت أنظمة الحكم تتحمَّل المسؤولية الأكبر، فبيدها (المناهج) و(الإعلام) و(كلَّ المنابر الرسمية)، فإذا نُقِّيت هذه المواقع من ثقافة التكفير والتحريض والكراهية، ومن كلِّ منتجات التطرُّف والإرهاب، وكذلك إذا كانت سياسات الأنظمة عادلة، ومنصفة،ولا تُمايز بين مواطنٍومواطن، ولا بين طائفةٍ وطائفة،ولا بين مكوِّنٍ ومكوِّن…
فإنَّ هذا يؤسِّسُ لإنتاج المحبَّةِ والتسامحِ والتآلفِ والتقارب، وهذا هو الذي يحاصر ويدمِّر كلَّ البيئاتِ والمحاضن التي تُفرِّخُ الإرهاب والإرهابين، والتطرُّف والمتطرِّفين…
أمَّا دورُ خطباءِ الدِّين،ووعاظِ المنابر، ورجالِ الثقافةِ والسِّياسة، ومؤسَّسات المجتمع، وجماهير الأمَّة، فدور كبير وكبير جدًا في التصدِّي لكلِّ أشكال التطرُّفِ والعنفِ والإرهاب، حينما يُعتمدُ خطابُ المحبَّةِ والتسامحِ والوحدةِ والتآلف، ويتوقَّفُ خطابُ الكراهية والتشدُّدِ، والفرقةِ، والتخالف… وتتجذَّرُ الغيرةُ على الأوطان والإنسان، وتكرّسُ قيم الخير، ويُزرعُ الأمنُ والأمانُ، ولا تُقتلُ البسمةُ على شفاهِ الأطفالِ، ولا يُغتَالُالأملُ في كلِّ العيون، ولا يُنشر الرُعبُ في البلدان ولا تُزوَّر المبادئُ والأديانُ، ولا يُتاجرُ بالشعاراتِ…
هكذا تُحصَّنُ الأوطان، واذا غابَ ذلك تحوَّل الجميعُرعاةَ عنفٍ وتطرُّفٍ وإرهابٍ، شاءوا أم لم يَشاؤوا، كانوا أبرياء أو متَّهمين.
نداءٌ من أجل الوطن:
أطلق العلماءُ نداءً طالبوا فيه بإيقافِ محاكمة الأمين العام لجمعية الوفاق سماحة الشيخ علي سلمان وإطلاق سراحه، كون كلِّ الحيثيات تؤكِّدُ براءَتَهُ، فما جاء في حيثيات الاتهام لا يصمدُ أمام الطعنِ كما أكَّد فريقُ الدفاع عن سماحته، وكما أعلنت الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية والتي طالبت بالإفراج عنه، واعتبرتْ محاكمته سياسيةً بامتياز، وأنَّه من سجناء الرأي.
والعلماء حينما أطلقوا هذا النداءَ ليسوا محرِّضينومؤزِّمين، وموتِّرين، بقدر ما يعتبرون الإفراج خطوةً رشيدةً، ومُنصفةً، وعادلةً، وقادرةً أن تفتح أفاقًا جديدة من التواصل والتفاهم من أجل إيجاد حلٍّ يخلِّص هذا الوطن من واقع مأزومٍ، أثقل كاهل الشعب، وأربك الكثير من أوضاع البلد.
وإنَّأيَّ حكمٍ مجحفٍ يصدر بحق سماحة الشيخ سوف يدفع الى المزيد من التأزيم، والاحتقان، والتوتر، لأنَّ مساحةً كبيرةً من أبناء هذا الشعب تعتقد كلَّ الاعتقاد أنَّ اعتقال أمين عام جمعية الوفاق كان ظلمًا فاحشًا، كونه بريئًا من كلِّ التهم الموجَّهةإليه، فالخير كلُّ الخير لهذا الوطن، ولهذا البلد أن تعلن المحكمة براءته، لكي تتوحد الجهود في مواجهة مخاطر المرحلة، وتحدِّياتها، وعلى رأسها الاستنفار المجنون لمشروعات العنف والتطرُّف والإرهاب، هذه المشروعات التي باتت تهدِّد كلَّ الأوطان، وكلَّ المكوِّنات، وكلَّ الطوائف.
ولا خيار أمام الأنظمة والشعوب إلَّا أنْ تنهي كلَّ أزماتِ الأوطان، وتتجنَّب كلَّ التوترات والصراعات، وبيد الأنظمة الكثير من مفاتيح هذه الأزمات والصراعات،وبيد الشعوب القدرة على حماية الأوطان، والتخفيف من التوترات.
نكرِّر القول إنَّ إطلاق الشيخ علي سلمان خيارٌ موفق،وخطوةٌ صائبةٌ، وموقف رشيد، سوف تكون له معطياتُه الفاعلة على كلِّ المستويات الدِّينية والسِّياسية والأمنية والاجتماعية، وإذا كان الأمر على العكس، فالصدمة سوف تكون قاسية جدًّا، ولها تفاعلاتها الصعبة وهذا ليس في صالح الوطن.
رحيل العالم الرَّباني آية الله الشيخ الآصفي:
بكلِّ أسف وألم فقدت الأمة في هذا الأسبوع عالمًا ربانيًا كبيرًا وهو سماحة آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي رضوان الله تعالى عليه، وبرحيله خسرت السَّاحة أحد رجال الفكر المتميزين، وواحدًا من أقطاب الجهاد في هذا العصر، ورجلًا من رجال العطاء، وقامةً شامخة من قامات العلم والفقه والاجتهاد, ورمزًا من رموز السِّياسة، ونموذجًا جسَّد قمَّة التقوى والورع والزهد، ورجلًا صالحًا خيِّرًا روحانيًا، ووجودًا مباركًا زرع الهدى والخير والطهر في كلِّ أرض حلَّ فيها.
فلا عجب أن أحبَّه كلُّ الذين عرفوه، وعشقه كلُّ الذين خالطوه، واحترمه كلُّ الذين جالسوه، وانجذب إليه كلُّ الذين انفتحوا عليه، وانحنى أمام علمه كلُّ الذين قرأوه وكلُّ الذين سمعوه…
والسِّرُّ كلُّ السِّرِّ في شخصية هذا الإنسان أنه ذاب في الله كلَّ الذوبان، وأخلص مع ربِّه كلَّ الإخلاص وتفانى في دينه كلَّ التفاني، وأعطى كلَّ وجوده من أجل الحقِّ، وبذل كلَّ طاقاتِه وقدراتِه في الدفاع عن الإسلام، وضحَّى بكلِّ راحته في خدمة المحرومين والمعذَّبين وكلَّ النَّاس…
هذا هو العلَّامة الكبير آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي، والذي سوف يبقى في ذاكرة الأجيال، وفي وعيها، وفي وجدانها، وفي حياتها، وفي كلِّ حراكها وجهادها وعطائها.
تغمده الله بوافر الرحمة والرضوان، وحشره مع الصفوة من الأخيار والأبرار، وجعله من رفقاء الأنبياء والأولياء والشهداء، وفي زمرة الصِّديقين والصَّالحين…
ونقرأ الفاتحة لروحه، ولأرواح الفقهاء والعلماء وجميع المؤمنين والمسلمين
وآخر دعوانا أن الحمدلله ربِّ العالمين.