حديث الجمعة 392: النِّسَاءُ الفُضليات – وسائلُ التفقُّهِ في الدِّين – هكذا قال سماحته في بيانِهِ الأخيرِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ المعصومين، وبعد فمع العناوين التالية:
النِّسَاءُ الفُضليات
تقدَّم الحديثُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم أنَّ النساءَ الفضليات أربعٌ: مريمُ ابنةُ عِمران، وآسيةُ بنتُ مزاحم، وخديجةُ بنت خُويلد، وفاطمةُ بنتُ محمّدٍ صلَّى الله عليهِ وآلِهِ وسلَّم، وأفضلهُنَّ فاطمة.
نحاولُ أنْ نقرأ شيئًا من سيرةِ هؤلاءِ النِّساءِ الفضليات واللواتي يُمثِّلنَ (قُدْوَاتٍ) لا للنِّساءِ فقط، بل للرجالِ أيضًا.
(1) مريمُ بنتُ عِمران مثال المرأةُ العابدة:
هكذا تحدَّثَ القرآنُ عن هذهِ المرأةِ العظيمةِ:
• ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ {آل عمران/44}
فبعد أنْ تقبَّلَ الله تعالى مريمَ بنت عِمْرانَ للعبادةِ والخدمةِ في بيت المقدس، جاءتْ بها أمُّها (زوجة عِمْران) إلى المعبد وهي ملفوفةٌ في قطعةِ قماشٍ وخاطبت الكهنةَ وعلماءَ بني إسرائيل قائلة: هذه المولودة قد نذرتْ لخدمة بين الله، فليتعهد أحدكم بتربيتها ورعايتها… وحيث كانت من أسرة (آل عمران) المعروفة، وكفالتها تُمثِّل امتيازًا وشرفًا كبيرين، فتنافسوا واختلفوا اختلافًا شديدًا…
وأخيرًا اتفقوا على الرجوع إلى (القُرْعَة) فجاءوا إلى شاطئ نهرٍ، وأحضروا معهم الأقلامَ التي يقترعونَ بها، وكتب كلُّ واحدٍ اسمه على قلمٍ من هذه الأقلام، واتَّفقوا أنْ يُلقوهَا في الماء، والرابِحُ مَنْ يطفوا قلمُهُ على الماء، ألقَوُا الأقلامَ فغطسَتَ جميعها في الماءِ إلَّا القلم الذي عليه اسمُ (زكريا) فإنَّه غطَسَ ثمَّ عادَ وطفا على سطح الماء، حيث أرادَ الله تعالى أنْ يكونَ هو الكفيلَ لمريمَ ابنة عِمْران، وزكريا هو الأجدرُ والأكفأ والأصلح، كونهُ نبيًّا من أنبياءِ الله تعالى، وكونه زوجَ خالةِ مريم، حيث أنَّ زكريا وعمران تزوّجا أختين.
وهكذا أصبحَ نبيُّ اللهِ زكريا هو الكافل لمريم…
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا…﴾ {آل عمران/37}
هنا سؤالٌ يُطرح:
هل يمكن اعتماد (القُرْعَة) لحلِّ المنازعات والخصومات؟
الجواب نعم: في الحالات التي لم يُحدِّد الشرع طريقًا للحلِّ، ولم يكن هناكَ اتفاقٌ على شيئ معيَّنٍ لحلِّ الخصام، ووصلتْ الأمور إلى طريق مسدود فلا مانع من اعتماد القرعة، بأيّ طريق يُتَّفقُ عليه…
وقد جاءَ ذكرُ القرعةِ في القرآن وفي الروايات منها:
• هذا الموردُ الذي تحدَّثَ على كفالة مريم.
• ما حَدَث ليونسَ عندما اقترع الركابُ في السفينة لتحديد الشخص الذي يُقدَّم للحوتِ الذي يُهدِّد السفينة بالغرق، إلَّا إذا قُدّم إليه أحدُهم ليلتقِمَهُ…
قال تعالى في سورة الصَّافات (الآية 141):
﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {*} إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {*} فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ {*} فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ {الصافات/139 – 142}
إنَّ يونسَ أحد أنبياءِ الله، عاش في قومِهِ زمنًا طويلًا لم يستجب له منهم إلَّا القليل القليل، فخرج مغاضبًا واحتجاجًا، فوجد سفيةً مملوءةً بالنَّاسِ، فركبها كفرد من النَّاسِ من دون أنْ يعرفُوا شخصيتَهُ، فعرض حوتٌ للسَّفينة وكانت مهدَّدة بالغرق إلَّا إذا قدَّموا لهذا الحوت أحدَ ركابِ السفينةِ ليبتلعه، ويذهب بعيدًا عنهم، ولا يهاجم السَّفينة أو يغرقها…
فاتفقوا على الاقتراعِ، فأيُّهم أصابته القرعة يُلقى إلى البحر، اقترعوا ثلاث مرات، فكانت القرعة تقع على يونس، فألقوه في البحر، فالتقمه الحوت…
وقيل: إنَّ الله سبحانَهُ أوحى إلى الحوتِ إنِّي لم أجعلْ عبدي رزقًا لكَ، ولكنِّي جعلتُ بطنَكَ مسجدًا له، فلا تكسرنَ له عظمًا، ولا تخدشنَّ له جلدًا…
وتستمر الآيات في ذكر قصة يونس…
• وروي أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليهِ وآلِهِ وسلَّم يقترع بين نسائه عندما يريد السفر، لاختيار واحدة منهنَّ لصحبته…
• وقال الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«ما تقارعَ قومُ ففوَّضُوا أمرَهم إلى الله تعالى إلَّا خرج سهمُ المُحقِّ».
• وعن الإمام الكاظم عليه السَّلام:
«كلُّ مجهولٍ ففيه القرعة».
قيل له: إنَّ القرعةَ تُخطئ وتُصيب، فقال: «كلّ ما حكم الله به فليس بمخطئ».
مريمُ ابنةُ عِمْرانَ في محراب العبادة:
﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ {آل عمران/37}
المحرابُ مكان خاص في المعبد، يُعدُّ لإمام المعبد، أو لأفراد من النخبة.
وما وجه هذه التسمية؟
توجد ثلاث تفسيرات كما جاء في تفسير (الأمثل):
1- إنَّ المِحرابَ من الحرب سمي بذلك لأنَّه موضع محاربَة الشيطان والأهواء.
2- إنَّ المحرابَ صدرُ المجلس ثمَّ أطلق على صدر المعبد، وكان اليهود يَبنُون المحرابَ مُرتفعًا عن سطح الأرض بعدة درجاتِ بين حائطين مرتفيعن يحفظانه، بحيث تصعب رؤية من بداخله.
3- أنْ يُطلقَ على كلِّ المعبد، وهو المكان الذي يُخصَّصُ للعبادةِ ومجاهدة النفس والشيطان.
والخلاصة أنْ (المِحرابَ) في مصطلحهم، أو في مصطلح المسلمين يرتبط بالمعبد الروحي والعبادي.
يتحدَّثُ المقطع المتقدِّم من سورة آل عمران، عن (مريم) المرأة الغارقة في العبادة والتعبد، المملوءة عُشقًا لله تعالى، الذائبة في طاعته، فكانت كما في بعض الرِّوايات تصومُ النهارَ، وتقومُ الليلَ، وبلغت إلى درجةٍ عاليةٍ من التقوى ومعرفة الله فاقت الأحبارَ والعُلماءَ في زمانِها…
وكان نبيُّ الله زكريا عليه السَّلام يتردد باستمرار على زيارتِها في محرابِ عبادتِها، فيجد عندها طعامًا تفوح منه الرائحة الطيِّبة المتميزة، فيسألها: ﴿يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا…﴾ {آل عمران/37} أي من أين لكِ هذا الطعام؟
وهذا السؤال من زكريا الذي يحملُ التعجبَّ يدل على أنَّ الطعام ليس طبيعيًا ومألوفًا، وإلَّا لما أوجب السؤالَ والتعجبَّ عند زكريا عليه السَّلام.
أجابت مريمُ عليها السَّلام: ﴿هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ {آل عمران/37} قالوا في تفسير قولها ﴿هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ…﴾ أي من الجنَّة كرامة لهذه المرأة الصَّالحة العابدة.
ويؤيِّدُ هذا التفسيرَ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم دخل يومًا على ابنتِهِ فاطمةَ عليها السَّلام وهو يعلم أنَّها لم تكن تملك طعامًا يُذكر منذ أيامٍ، فوجد عندها طعامًا وافرًا خاصًا، فسألها عنه، قالت: هُو مِنْ عند الله إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ…
فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم لعليٍّ عليه السَّلام: ألَا أحدِّثُكَ بمثَلَكَ ومثَلِهَا؟ قال عليه السَّلام: بَلى، قال: مثل زكريا إذ دخل على مريم المحرابَ فوجد عندها رزقًا، قال: يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا؟ قالتْ: هُو مِنْ عند الله إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ.
نتابع عنوان (النِّسَاءُ الفُضليات) إنْ شاء الله تعالى…
وسائلُ التفقُّهِ في الدِّين:
تقدَّم الحديث عن أولى وسائلِ التفقُّهِ في الدِّين وهي وسيلةُ (السُؤال)، وتوقَّفَ الحديثُ عند إشكالية (الخجل).
هنا أحاولُ أنْ أعطي الموضوع مزيدًا من البحث…
الخجلُ في شكلِهِ السَّلبي ظاهرةٌ نفسيةٌ تُعقِّد الموقفَ عند الإنسان، وتصادر لديه الجرأة.
أطرحُ أمثلةً للخجلِ المذمومِ المرفوض:
1- الخجلُ في السُّؤالِ، حيث تكونُ الحاجةُ للسؤال، سواءً أكانت الحاجةُ دينيةً أو ثقافيةً أو اجتماعيةً أو صحيةً أو غيرها، الخجلُ هنا ظاهرةٌ سلبيةٌ توقعُ الإنسانَ في الأخطاءِ والمنزلقاتِ والمخالفاتِ الشرعية.
2- الخجلُ في قول الكلمةِ الحقَّةِ أو الناصحةِ، فالكثيرون لا يأمُرونَ بمعروفٍ ولا ينهونَ عن منكر، ولا يواجهونَ أوضاعًا خاطئة، لا يفعلون ذلك لأنَهم يخجلون أو لا يملكون الجرأة في أنْ يقولوا الكلمة، وهنا أيضًا يقعونَ في مخالفات شرعية حينما يجب عليهم أنْ يقولوا الكلمة.
3- الخجلُ في ممارسةِ الالتزام الشرعي، كأنْ تترك المرأة المسلمة (الحجاب الشرعي) خجلًا حينما تكونُ في أوساطٍ غير ملتزمة.
أو يترك الشاب المسلم الصَّلاة حينما يكون مع رفقاء لا يصلون، أو يأكل إنسانٌ مسلمٌ لحمًا محرَّمًا لأنَّه لا يملك الجرأة أنْ يمتنع…
هذه ألوانٌ من الخجل مذمومة ومرفوضة.
وهناك (الحياءُ الممدوح) حسب ما جاء في الرِّوايات، ونذكر هنا نماذج لهذا الحياء وآثاره:
1- الحياءُ مِن اللهِ تعالى:
• قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«استحِ من الله استحياءَك من صالحي جيرانِك، فإنَّ مِنها زيادة اليقين».
• وقال صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«استحيوا من الله حقَّ الحياءِ، فقيل: يا رسول اللهِ ومَنْ يستحيي من الله حقَّ الحياء؟ قال صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم: مَنْ استحيى من اللهِ حقَّ الحياء فليكتب أجلَهُ بين عينيه، وليزهد في الدنيا وزينتها، ويحفظ الرأسَ وما حوى والبطن وما وعى، ولا ينسى المقابر والبلى».
• قال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«أفضلُ الحياءِ استحياؤكَ من الله».
• زليخة حينما همَّت بيوسف عمدت إلى صنمها فغطت وجهه، فقال لها يوسف:
«إنْ كنت تستحين من الصنم، فأنا أستحي من الله الواحد القهار».
2- الحياءُ من الملكين:
• قال رسول الله صلَّى الله عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«ليستحِ أحدُكم من ملكيهِ اللذين معه كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه، وهما معه بالليل والنهار».
3- الحياءُ من النفس:
• قال الإمام علي عليه السَّلام:
«من تمام المروءة أن تستحي من نفسك».
• وقال عليه السَّلام:
«من أفضلِ الورع أنْ لا تبدي في خلوتِك ما تستحيي من إظهاره في علانيتِك».
4- الحياء خلق الإسلام والإيمان:
• في الحديث: «إنّ لكلِّ دين خُلقًا وخُلُقُ الإسلام الحياء».
• وفي حديث آخر: «الحياءُ هو الدِّين كلّه».
• وفي حديث ثالث: «لا إيمان لمن لا حياء له».
5- المرأة التي تحملُ الحياءَ والعفَّة:
• قال الله تعالى في سورة القَصص متحدِّثًا عن إحدى ابنتي شعيب النبي حينما جاءت إلى موسى: ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا…﴾ {القصص/25}
وقد حدَّثنا القرآنُ عن خروج موسى من مصر متوجهًا إلى (مَدْين) وحينما وصلها وجد أعدادًا كبيرة من الرُعاة يتزاحمون عند بئر ماءٍ ليسقوا أغناهم، ووجد امرأتين منعزلتين، فسألهما فأجابتا أنَّهما تنتظران أنْ يسقي الرعاة، فهما لا تريدان أن تزاحما الرجال، وأبوهما شيخ كبير، فسقى لهما موسى، ثمَّ مال إلى ظلٍّ ليستريح، وبعد مدَّةٍ من استراحته جاءته إحدى الامرأتين وكانت الامرأتان بنتي شعيب النبي، وقالت: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا…﴾ {القصص/25}
وموضع الحاجة في الاستشهاد بهذا المقطع القرآني هو قوله تعالى: ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء…﴾ أي بخطوات تحمل كلَّ الحياءِ والعفَّةُ والطُهر، ولم تزد في كلامها أن قالت: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا…﴾.
فأجمل ما يزين المراة الحياءُ والعفَّةُ، ويوم تفقد المرأة ذلك فقد فقدت كينونتها وطهرها ونظافتها، وإذا كانت صيحات هذا العصر تبحث عن هُوية المرأة، وكرامتها، وحقوقِها فإنَّ ذلك كلَّهُ حينما تنصنعُ المرأةُ وفق (القيم والمثل العليا) وبهذا تتحصَّنُ المرأةُ ضد كلّ مشروعاتِ الابتذالِ والانسحاقِ والضياع والتخلُّف، والانئسار لكلِّ المعاني الهابطة.
وإذا كان مطلوبًا أنْ تتحرَّر المرأة من كلِّ أشكال الظلم الأسري والاجتماعي والسِّياسي، فإنَّ أخطر ظلمٍ يواجه المرأة في هذا العصر هو (العبثُ بهويتِها الرُّوحية والأخلاقية).
فالحديث عن المرأة وعن قضايا المرأة إذا تفرَّغ من المضمون الروحي والأخلاقي تحوَّل حديثًا استهلاكيًا، رخيصًا، خاويًا، منخورًا، مهما تبرقَعَ بعناوينَ كبيرةٍ، وجذَّابةٍ ومثيرةٍ، إنَّنا لا نتعقَّد من شعارِ المطالبة بحقوقِ المرأة، وشعارِ الدفاعِ عن قضايا المرأة، ولكننا نصرُّ أنْ يكون هذا الشعار وفق منظور الإسلام والدِّين، كون المرأة على هذه الأرضِ تنتمي إلى الإسلام وتحمل هوية هذا الدِّين.
ربَّما يقول هؤلاء الناشطونَ والناشطياتُ في الدفاعِ عن قضايا المرأة إنَّنا ننظلق من وثيقة حقوق الإنسان، ومن دساتير أكَّدت المساواة بين الرّجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ونقول لهؤلاء: إنَّنا نحترم هذه العناوين والمنظلقات بشرط أنْ تنسجم مع مُقرَّرات الدِّين والشَّريعة.
المرأةُ في كلِّ أوطاننا تنتمي إلى الإسلام فلا يَصحُّ أنْ تُصاغ أوضاعُها وفق قيم تتنافى مع هذا الانتماء، وإذا كانَ البحثُ عمَّا يُعطي للمرأة كرامتِها وإنسانيتِها وحُقوقِها العادلةَ، فلن يتوفَّر ذلك أكثرَ مما يتوفَّر في قيم الدِّين، ولا أصدقَ ولا أرقى، مهما تضخَّمتْ العناوينُ، وتعدَّدتْ الأسماء، وتنوَّعتْ المؤُتمراتُ والمُلتقيات، وكَثُرتْ البياناتُ والقراراتُ، واحتفل العالمُ بيومٍ خاصٍ للمرأة…
أمَّا في خطاب الدِّين فالمرأةُ حاضرة في كلِّ يوم.
لنا متابعة إنْ شاء الله حول (وسائل التفقُّه في الدِّين).
هكذا قال سماحته:
في بيانِهِ الأخيرِ تحدَّثَ سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم حفظه الله عن مسألةِ الإصلاحِ في هذا الوطن، وأكَّد على نقطةٍ في غايةِ الأهميةِ جديرةٍ بالتأملِ والإهتمام،
وكانت كلماتُ البيانِ قويةً كلَّ القوة إلَّا أنَّها هادئةٌ كلّ الهدوء…
وصَريحةً كلَّ الصراحةِ إلَّا أنَّها مرنةٌ كلُّ المرونة…
وجريئةً كلَّ الجرأةِ إلَّا أنَّها مهذَّبة كلَّ التهذيب…
وصُلبةً كلَّ الصَّلابة إلَّا أنَّها متسامحةٌ كلَّ التسامح…
(1) أكَّد البيانُ أنَّه لا يوجدُ أحدٌ في العالم يُصرِّحُ بأنَّه داعيةٌ للإفسادِ، وعدوٌ للإصلاح.
(2) كما لا يُوجد أحدٌ في العالم يدعُو بصراحةٍ إلى تأجيلٍ الإصلاح، وإلى إطالةِ عُمْرِ الأوضاعِ الفاسدة وهل يتصدَّى لِهذا مَنْ يملكُ رُشدًا، وحبًّا للإنسان، وولاءً للأوطان؟
(3) ولا يتجرأ أحدٌ من أبناء هذا الوطن – البحرين – أنْ يدَّعي أنَّ الأوضاعَ السِّياسيةَ هنا صالحةٌ كلّ الصَّلاح، ونقيَّةٌ كلّ النقاء، فلا حاجة إلى إصلاح أو تغيير، فلو تجرأ أحدٌ وادَّعى هذا الإدعاء لافتضح كلَّ الافتضاح، فالواقع المعاشُ، والمكشوفُ أمامَ العالم يقول خلاف ذلك، وحتى النظام لا يتردَّد في بعضِ المساحاتِ من الاعتراف.
(4) الدعوة للإصلاح السِّياسي والحقوقي في هذا البلد لا تنطلق فقط في الدَّاخل من ناشطين ومطالبين بل نسمع هذه الدعوةَ من مؤسَّساتٍ ومنظَّماتٍ حقوقيةٍ دوليةٍ، ومن مواقعَ سياسيةٍ متقدِّمةٍ في عدةِ دولٍ صديقةٍ للبحرين، كما أكَّدتْ جهاتٌ حقوقيةٌ دوليةٌ إدانتها لاعتقالِ الناشطين السِّياسيين وفي مقدمتهم سماحة الشيخ علي سلمان، وطالبت بإطلاق سراحه مبررةً ذلك بأسباب موضوعية عادلة.
(5) ولفت البيان إلى مسألة عبَّر عنها بأنَّها تزيد في مصيبة هذا الوطن، وهي أنَّ مَنْ يُنكرُ الوضع الفاسد أو يُطالبُ بحقٍ من حقوقِ الشعب وفئاتِهِ ينتظره العقاب المشدَّد.
(6) واختتم سماحتُهُ البيانَ بتأكيدِ الأمورِ التالية:
أوَّلًا: إنَّ المطالبةَ بالإصلاحِ ضرورةٌ، لها منظلقاتُها العادلةُ…
ممَّا يعني أنَّ الحَراكَ السِّلميَّ المطالبَ بهذا الإصلاح السِّياسي ليس حَرَاكًا مزاجيًا، ولا عبثيًا، ولا طائشًا، ولا متطرِّفًا، ولا مُسيئًا لمصالحِ هذا الوطن، ولا لأمنِهِ، ولا مضرًّا بأوضاعه، ويوم ينزعُ الحراكُ إلى ذلك فهو مرفوضٌ كلَّ الرفض.
ثانيًا: إنَّ هذا الإصلاحَ المطالبَ به له سقف وهذا السَّقف لا يستهد الإضرارَ بأحدٍ أو تهميشهُ وهو متلائم مع كلِّ الظروف الموضوعية التي ينبغي ملاحظتها.
ثالثًا: السِّلميةُ هو خيارُ الأوساطِ المطالبةِ بالإصلاح، ولا يجوز العدولُ عنه، وأنَّ أيَّ نزوع نحو العنف والتطرُّف والإرهاب فهو مُجرَّم ومُدانٍ.
رابعًا: إنَّ مقاومةَ الإصلاحِ، والعملَ على تعطيلِهِ وتأجيلِهِ، فضلًا عن إغلاق أبوابِهِ، له نتائجُهُ الخطيرة على هذا الوطنِ في حاضِرِه ومستقبلِهِ ولا يوجد غيورٌ على وطنِهِ يرضى أنْ يتعرَّض الوطن إلى هذه الأضرارِ والخسائر.
خامسًا: إنَّ حركةَ العالم، على مستوى كلِّ شُعوبِهِ تُصرُّ على الإصلاحِ، وتتجهُ نحوه، والله تعالى المهيمنُ على كلِّ شيئ لا يريد إلَّا الإصلاح، وهو مؤيِّد لمن طلبه، ومبلِّغه إلى ما سعى إليه.
والخلاصةُ التي انتهى إليها البيان هي:
(أنَّه لا يُظنُ بالسُّلطةِ أنَّها ترى أنَّ الأوضاعَ يُمكنُ أنْ تبقى على ما هي عليه إلى ما لا نهاية، وأنْ لا إصلاحَ على الإطلاق، وإذا كان الإصلاح لا بدَّ من قُدوُمِهِ، فأيُّ يومٍ يتأخرُ يُشكِّلُ كارثةً وطنيةً، وضررًا بالغًا يَطال جميع الأطراف، فلماذا الانتظار به إلى غدٍ، ولماذا لا يكون اليومَ، انطلاقًا من مقتضياتِ الدِّينِ، ورعايةً للحقِّ والعدلِ، واستجابةً لسننِ التاريخ، وإصغاءً للصوتِ العالمي، ودَرْأ للأخطارِ، وطلبًا لمصلحةِ الوطنِ، وتداركًا للأمور، واستغناءً عن الاستعانةِ بالخارج… إنَّ وقت الإصلاح في الحقِّ والعدلِ اليوم وليس غدًا بكلِّ تأكيد).
هذا البيانُ صرخةٌ صادقةٌ، مخلصةٌ، محبَّةٌ لهذا الوطن، إنَّه صرخةٌ رشيدةٌ، واعيةٌ، بصيرةٌ، وهكذا هو هذا الرمزُ الكبيرُ كانَ ولا يزالُ يحملُ كلَّ الصِّدقِ، وكلَّ الإخلاصِ، وكلَّ الحبِّ لهذا الوطن، ويحملُ كلَّ الرُشدِ، وكلَّ الوعي، وكلَّ البصيرة فيما يقولُ، وفيما يطرحُ، وفيما يعملُ…
نتمنَّى أنْ يُقرأ هذا البيانُ جيدًا، أنْ يقرأَهُ النظامُ جيدًا، أنْ يقرأَهُ الشعبُ جيدًا، أنْ يقرأَهُ العالم جيدًا…
وإذا لم يقرأه أحدُ هذه المكوِّناتِ جيدًا فقد أساءَ الفهَم، أو أساءَ الظنَّ…
وما أحوج الوطنَ في هذه المرحلةِ التي ازدحمت فيها التحدِّياتُ الصَّعبةُ، والأخطارُ المُرعبةُ، إلى أنْ تصدقَ النوايا، ويتحرَّكَ الرشد، وتتجذَّرَ الثقةُ، وتَسُودَ المحبَّةُ، وتتآزرَ الجُهودُ، وتتقاربَ الرُؤى، وتتآلفَ الإراداتُ، ويبدأ مِشوارُ الإصلاحِ، وكما قال سماحته (اليومَ وليس غدًا) كم هو جميلٌ أنْ نحملَ جميعًا هذا الشّعِارَ، لنختصرَ المسافاتِ، ونُقلِّلَ من العَناءاتِ، وننتصرَ على المُعوِّقاتِ، ونتحرَّرَ من المثبِّطات، ونتخلَّصَ من كلِّ التعقيدات…
(اليومَ وليس غدًا) شعارٌ مملوءٌ بالأملِ، بالتفاءلِ، بالإرادةِ، بالعزيمةِ، بالإصرارِ، بالتحدِّي لكلِّ أشكالِ اليأسِ، والضعفِ، والشَّكِّ، والرِّيبةِ، والخوفِ، والقلقِِ…
من كلماتِه حفظه اللهُ ورعاه نتعلّمُ الكثيرَ الكثيرَ، نسأل اللهَ سبحانه له كلَّ الصِّحةِ، وكلَّ السَّداد، وكلَّ التوفيق.
وَآخِرُ دَعوَانا أَنِ الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.