حديث الجمعة 389: الحُبِّ في الله والبُغضِ في الله – الحَرَاك والخيار الأمني – إدانة الاعتداء على الشيخ الجد حفصي..
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ المعصومين وبعد:
الحُبِّ في الله والبُغضِ في الله..
في الجمعة قبل الماضية طرحنا حديثًا نَبَويًّا حول (الحُبِّ في الله والبُغضِ في الله) والموضوعُ في حاجةٍ إلى متابعةٍ وهذا يفرضُ أنْ أعيدَ إلى ذاكرتكم الحديث.
• قال صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«أيُّ عُرَى الإيمانِ أوثق؟
قالوا: الله ورسوله أعلم – ثمَّ بدأوا يعبِّرون عن آرائهم –
قال بعضُهم: الصَّلاة، وقال بعضُهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصِّيام، وقال بعضُهم: الحج والعمرة، وقال بعضُهم: الجهاد.
فقال صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم: لكلِّ ما قلتم فضل وليس به، ولكن أوثق عرى الإيمانِ الحبُّ في اللهِ والبغضُ في اللهِِ وتوالي أولياءِ الله والتبرِّي من أعداء الله».
(1) تطبيقاتٌ للحبِّ في الله:
هذه بعضُ تطبيقاتٍ للحُبِّ في الله:
1- أنْ تحبَّ إنسانًا تقيًّا ورعًا صالحًا مطيعًا لله تعالى لا تُحبُّه إلَّا لذلك، فهذا حبٌّ في الله، ولن أتحدث هنا حبِّ الأنبياء والأوصياء فذلك أرقى ألوان الحبِّ في الله.
2- أنْ تُحِبَّ إنسانًا يُدُّلكَ على الله، يهديك إلى طريقِ الله، يُعلِّمكَ ما يُقرِّبُكَ إلى الله…
لا تحبُّهُ إلَّا لذلك، فهذا حبُّ في اللهِ.
3- أنْ تُحِبَّ إنسانًا مجاهدًا في سبيل اللهِ، داعيةً إلى الله، عاملًا من أجلِ إعزازِ دين الله، مُدافعًا عن الإسلامِ وقيم الإسلام ومبادئِ الإسلام…
لا تحبُّه إلَّا لذلك، فهذا حبٌّ في الله.
4- أنْ تحبَّ إنسانًا آمرًا بالمعروفِ، ناهيًا عن المنكر، لا يفعل ذلك إلَّا تقربًا إلى الله…
لا تحبُّهُ إلَّا لذلك، فهذا حبٌّ في الله..
5- أنْ تُحِبَّ إنسانًا عاشقًا لحضورِ المساجدِ والجماعاتِ والجُمعَاتِ طمعًا في ثواب الله…
لا تحبُّهُ إلَّا لذلك، فهذا حبٌّ في الله.
6- أنْ تُحِبَّ إنسانًا يذوبُ شوقًا إلى مجالسِ الإمام الحسين عليه السَّلام طمعًا في الأجرِ والثوابِ…
لا تَحبُّهُ إلّا لذلك، فهذا حبٌّ في الله.
7- أنْ تُحِبَّإنسانًا نافعًا للمؤمنين، بمالِهِ، وجاهِهِ، وخدماتِهِ، لا يريد بذلك إلَّا وجهَ اللهِ، لا يريد شهرةً أو جاهًا، أو أغراضَ دُنَيا…
لا تحبُّهُ إلَّا لذلك، فهذا حبٌّ في الله.
8- أنْ تُحِبَّ إنسانًا يَحملُ روحانيةً إيمانيةًَ تتجلَّى في صلاتِهِ، ودعائِهِ، وذكرِهِ، وتلاوتِه…
لا تحبُّهُ إلَّا لذلك، فهذا حبٌّ في الله.
9- أنْ تُحِبَّ إنسانًا مملوءًا خُلقًا ربانيًا، يُشدُّك إلى الله، وإلى حبِّ الله…
لا تحبُّهُ إلَّا لذلك، فهذا حبٌّ في الله.
10- أنْ تُحِبَّ إنسانًا لا يأكلُ حَرَامًا، ولا مُشتبهًا بالحرام، ورعًا، وخوفًا من الله…
لا تحبُّهُ إلَّا لذلك، فهذا حبٌّ في الله.
والتطبيقات كثيرة كثيرة والمعيار أنْ يكونَ حبُّك بدافعٍ ربَّاني.
(2) تطبيقاتٌ للبُغضِ في الله:
1- أنْ تبغضَ إنسانًا عاصيًا، فاسقًا، متمرِّدًا على الله، وعلى أحكامِ الله…
(دين الله لا يؤسِّس لبغض الإنسان، فالإنسان صنيعة الله، وإنِّما هو البغض للقيم التي تدمِّر الإنسان وتدمِّر الحياة كما سنرى)
لا تَبْغَضُهُ إلَّا لذلك، فهذا بغضٌ في الله…
2- أنْ تَبْغَضَ إنسانًا، يُبْعدُ النَّاس عن الله، يقودُهُم إلى الشيطان، ينشرُ الفسادَ والمنكر، يُروِّجُ للباطلِ والضَّلال والانحراف…
لا تبغضُهُ إلَّا لذلك فهذا بُغضٌ في الله.
3- أنْ تبغض إنسانًا ظالمًا، مُضرًّا للعباد، مُنتهِكًا للحُرمات، لا يخشى الله طرفة عين…
لا تَبغَضُهُ إلَّا لذلك فهذا بُغضٌ في الله.
4- أنْ تبغَضَ إنسانًا، مُبتعدًا عن المساجدِ ومجالسِ الذكرِ والطاعةِ والإيمانِ، ومَشدُودًا إلى مجالسِ الباطلِ واللهوِ والعبث…
لا تَبغَضُهُ إلَّا لذلك فهذا بُغضٌ في الله.
5- أنْ تبْغَضَ إنسانًا همُّهُ الغيبةُ والبهتان وهتك الأعراض، مُستهينًا بأوامر اللهِ..
لا تَبغَضُهُ إلَّا لذلك فهذا بُغضٌ في الله.
6- أنْ تَبْغضَ إنسانًا يمارسُ إنتاجَ العَداواتِ والخلافاتِ والصِّراعاتِ بين الناس، بلا خوفٍ من الله.
لا تَبغَضُهُ إلَّا لذلك فهذا بُغضٌ في الله.
7- أنْ تَبْغَضَ إنسانًا مواليًا لأعداءِ اللهِ معاديًا لأولياءِ الله…
لا تَبغَضُهُ إلَّا لذلك فهذا بُغضٌ في الله.
8- أنْ تَبْغضَ إنسانًا مداهنًا لأهلِ الباطلِ ولأهلِ المعاصي…
لا تَبغَضُهُ إلَّا لذلك فهذا بُغْضٌ في الله.
9- أنْ تَبْغَضَ إنسانًا متهاونًا بصلاتِه، بأوقاتِها، بكيفيته أدائها، بتعلم أحكامها…
لا تَبغَضُهُ إلَّا لذلك فهذا بُغضٌ في الله.
10- أنْ تَبْغَضَ إنسانًا يأكل الحرام، غير عابئ بأحكام الشَّرع..
لا تَبغَضُهُ إلَّا لذلك فهذا بُغضٌ في الله.
والتطبيقات كثيرةٌ كثيرةٌ، والمعيار أنْ يكونَ الدافعُ لبغضك دافعًا ربانيًا.
(3) ماذا أعدَّ اللهُ لِمَنْ أحبَّ في اللهِ وأبغضَ في الله؟
وما مقاماتُ مَنْ أحبَّ الله وأبغضَ في الله؟
1- مِن أحبَّاءِ الله:
• قال رسول الله صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«المرءُ مع مَنْ أحبَّ، فمَنْ أحبَّ عبدًا في اللهِ فإنَّما أحبَّ الله تعالى، ولا يحبُّ الله تعالى إلَّا مَنْ أحبَّهُ الله».
مكانةٌ عظمى أنْ تكونَ مُحبًّا لله، وأن يكونَ اللهُ محبًّا لك.
• عنه صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«يقول الله تبارك وتعالى: إنَّ أحبَّ العباد إليَّ المتحابونَ مِنْ أجلي، المتعلِّقة قلوبهم بالمساجد، والمستغفرونَ بالأسحار».
• وفي الحديث:
«إذا أحبَّ اللهُ عبدًا لم يضرُّه ذنبٌ».
2- من أصفياء الله:
• قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّام:
«ألا وَمَنْ أحبَّ في الله، وأبغضَ في الله، وأعطى في الله، ومنعَ في اللهِ، فهو مِنْ أصفياء الله».
– أصفياء الله: هم الصفوة من عباد الله.
3- زُرْ أخًا تحبُّه في الله تكُنْ مِن زوَّار الله..
• في الحديث عن الإمام الصَّادقِ عليه السَّلام قال:
«مَنْ زار أخاهُ في الله قال اللهُ عزَّ وجلَّ: إيايَ زرتَ، وثوابُكَ عليَّ، ولستُ أرضى لكَ ثوابًا دونَ الجنَّة».
• وفي حديث آخر عن الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«مَنْ زارَ أخاهُ في اللهِ في مرضٍ أو صحةٍ لا يأتيه خداعًا أو استبدالًا، وكَّلَ اللهُ به سبعينَ ألفَ مَلَكٍ ينادونَ في قفاه: أنْ طِبْتَ وطابت لك الجنَّة».
4- صافح أخًا في الله تولد من جديد:
• عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«ما تصافح أخوان في اللهِ عزَّ وجلَّ إلَّا تناثرتْ ذُنُوبَهُما حتَّى يعودانِ كيومِ ولدتهما أمهما».
5- أفضلُ الناسِ بعد النبيِّين:
• قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«أفضلُ النَّاسِ بَعدَ النَبيِّين في الدُّنيا والآخرة المُحبُونَ للهِ، المتحابونَ فيه».
6- آمانُ من العذاب:
• قال رسول الله صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«إنَّاللهَ عزَّ وجلَّ إذا رأى أهلَ قريةٍ قدْ أسرفوا المعاصي، وفيها ثلاثَ نفرٍ من المؤمنين، ناداهم جلَّ جلالُهُ وتقدَّستْ أسماؤهُ: يا أهلَ معصيتي، لو لا فيكم من المؤمنين المتحابين بجلالي، العامرينَ بصلاتِهم أرضي ومساجدي، والمستغفرين بالأسحار خوفًا منِّي لأنزلتُ بكم عذابي ثمَّ لا أبالي».
• وفي حديث عن الإمام الصَّادق عليه السَّلام قال:
«إنَّ الله عزَّ وجلَّ إذا أراد أنْ يصيبَ أهلَ الأرضِ بعذاب يقول: لو لا الذينَ يتحابُونَ فيَّ، ويُعمرُنَ مساجدي، ويستغفرونَ بالأسحار، لو لا هُمْ لأنزلتُ عليهم عذابي».
7- أكمل الناسِ إيمانًا:
• قال الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«مَنْأحبَّ في اللهِ، وأبغضَ في اللهِ وأعطى للهِ فهو ممن كمل إيمانه».
• وتقدَّم حديث النبيِّصلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«أوثق عُرَى الإيمانِ الحبُّ في اللهِ والبغضُ في اللهِِ».
• وفي حديث آخر:
«وُدُّ المؤمِنِ للمؤمنِ في اللهِ أعظمُ شُعبِ الإيمان».
8- أفضلُ الأعمال:
• قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وآلهِ وسلَّم:
«أفضل الأعمالِ الحُبُّ في اللهِ والبغضُ في الله تعالى».
• وقال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«إنَّأفضلَ الدِّينِ الحبُّ والبُغضُ في اللهِ والأخذ في الله، والبكاءُ في الله».
• إنَّ الله قال لموسى عليه السَّلام:
«هل عملتَ لي عملًا قط؟ قال: صلَّيتُ لك، وصمتُ لكَ، وتصدَّقتُ [لكَ وذكرتُ لكَ]…
قال الله تبارك وتعالى: أمَّا الصَّلاة فلكَ بُرهانٌ، والصوم جنَّةُ، والصَّدَقَةُ ظلٌّ، والذكر نور، فأيَّ عملٍ عملت لي؟
قال مُوسى عليه السَّلام: دُلَّني على العملِ الذي هُوَ لكَ..
قال [الله]: يا مُوسى هَلْ واليتَ لي وليًّا وهَلْ عاديتَ لي عَدُوًا قط؟
فعَلِمَ موسى: أنَّ أفضلَ الأعمالِ الحبُّ في اللهِ والبُغضُ في الله».
9- المتحابُّونَ في اللهِ يَدْخُلونَ الجنَّةَ بغير حساب:
• قال الإمامُ زين العابدين عليه السَّلام:
«إذا جمع الأوَّلينَ والآخرين نادى منادٍ بحيث يسمعُ النَّاسُ فيقول: أين المتحابُّون في الله؟
فيقوم عُنُقٌ مِن النَّاسِ فيقال لَهُمْ: اذهبوا إلى الجنَّةِ بغير حساب فتستقبلهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟
فيقولونَ: إلى الجنّةِ بغير حساب.
فيقولونَ: أيُّ حزبٍ أنتم مِن النَّاس؟
فيقولونَ: نحنُ المتحابون في الله.
فيقولونَ: فأيَّ شيءٍ كانت أعمالكم؟
فيقولون: كُنَّا نُحبُّ في اللهِ ونَبْغضُ في الله.
فيقولون: فنعم أجر العاملين».
10- على منابر مِن نور:
• قال الإمامُ الصَّادقُ عليه السَّلام:
«إنَّ المتحابّين في اللهِ يومَ القيامةِ على منابِرَ مِن نورٍ، وقدْ أضاءَ نورُ وجوهِهم، ونورُ أجسادِهم، ونورُ منابِرهم كلَّ شيئٍ، حتّى يُعَرَفُوا به، فيقال: هؤلاءِ المُتَحابُونَ في الله».
11- على أعمدةٍ من ياقوتٍ أحمرَ في الجنَّة:
«المتحابونَ في اللهِ عزَّ وجلَّ على أعمدةٍ من ياقوتٍ أحمرَ في الجنَّةِ، يُشْرِفونَ على أهلِ الجنَّةِ، فإذا اطلع أحدهم ملأ حسنُهُ بيوتَ أهلِ الجنَّةِ، فيقول أهلُ الجنَّةِ: أخرجوا ننظرُ المتحابِّين في الله فيخرجونَ وينظرونَ إليهم، أحدهُم وجهُه مثل القمرِ في ليلةِ البدرِ على جباهَهُم (هؤلاء المتحابونَ في الله عزَّ وجلَّ)».
12- في ظلِّ عرش الله:
• قال صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«المتحابونَ في اللهِ يوم القيامةِ على أرضٍ زبرجدةٍ خضراء في ظلِّ عرشِهِ عنْ يمينِهِ – وكلتا يديه يمين- وجوهُهم أشدُّ بياضًا، وأضوءُ مِن الشمسِ الطالعة، يغبطهُمُ بمنزلتِهم كلَّ مَلَكٍ مًقَّربٍ، وكلُّ نبيٍّ مُرسَلٍ. يقول النَّاسُ: مَنْ هؤلاء؟ فيقال: هؤلاءِ المتحابونَ في الله».
الحَرَاك والخيار الأمني:
حَرَاكُ الشارع منذُ انطَلَقَ لازالَ مستمرًا..
والخيارُ الأمنيُّ منذُ بَدأ لازَالَ قائمًا..
والسؤالُ المطروحُ: هل المطلوبُ أنْ يتوقفَ الحراكُ أو أنْ يتوقفَ الخيارُ الأمنيُّ؟
النظام يُطالبُ بأنْ يتوقفَ الحَراكُ.
وقوى الشارع تُطالب بأنْ يتوقفَ الخيارُ الأمني.
ولكي يتحدَّدَ الموقفُ الصَّائبُ يجب أنْ نتعرَّفَ على المبرِّرات.
باختصارٍ شديدٍ يَطرحُ الحَراكُ مُبرِّراتِهِ على النحو التالي:
إنَّ خللًا كبيرًا في المَسارِ السِّياسي، أنتج وضعًا خاطئًا، فرضَ على الشارعِ وعلى قواه التَّحرّك طلبًا للإصلاح…
أمَّا النظامُ فيرى أنَّ الحَرَاكَ أوجَدَ وضعًا أمنيًا مُرتبكًا، ممَّا أضطرَّ قُوى الأمنِ أنْ تُمارسَ مسؤوليتَها حِفاظًا على أمنِ البلدِ، وإذا كانتْ قُوى المعارضةِ ترى وجودَ خلَلٍ في العمليةِ السِّياسيةِ فالقنواتُ الرسمية كالبرلمانِ هي الطريقُ للتصحيحِ والتغييرِ وليسَ الشارع.
الجوابُ الذَي تَطْرَحُهُ قُوَى المُعارضَةِ: أنَّها مارستْ اللُّجوءَ إلى القَنَواتِ الرَّسميَّةِ، وشاركتْ في الانتخاباتِ، ودَخَلتْ البرلمانَ في أكثر من دورةٍ إلَّا أنَّها لم تتمكَّن مَن إحداثِ أيّ تصحيحٍ أو تغييرٍ، كونَ الصِّيغةِ البرلمانية نفسِها في حاجةٍ إلى تصحيحٍ، بدءًا مِن توزيعِ الدَّوائرِ الانتخابية، وانتهاءً بصلاحياتِ مجلسِ النوابِ الخاضعِ لهيمنة مجلس الشورى المعيَّن.
يُضافُ إلى ذلك أنَّ الشَّارعَ نَفسَهُ تشكَّلتْ لديه القناعةُ بأنَّ هذا النمطَ من الممارسةِ السِّياسيةِ لا يُمثِّلُ إرادتَه تمثيلًا حقيقيًا، فوجدَ أنْ لا طريقَ أمَامَهُ للتعبيرِ عن رأيْهِ إلَّا المَسيراتِ والاعتصاماتِ والتجمعاتِ، فاعتمد هذا الطريق وهو حقٌ مكفولٌ دُستُوريًا وقانونيًا…
يُجيبُ النظامُ بأنَّ التعبير عن الرأي حقٌ مكفولٌ حَسْبَ الميثاقِ والدستورِ، إلَّا أنَّ ما حدَثَ عَبَثٌ وإرْباكٌ للوضع الأمني…
وترفضُ قُوى المعارضةِ هذا التوصيفَ، وتعتبره ظُلمًا فاحِشًا للحَراكَ السِّياسي، فكلّ تاريخِ هذا الحَراكِ يَشْهَدُ بأنَّه اعتمد السِّلمية شعارًا وسُلوكًا، ومِنْ الطبيعي في حراكاتٍ جماهيريةٍ كبيرةٍ أنْ تحدث بعضُ خُروقاتٍ واستثناءاتٍ لا تعبِّر عن مَسار الحَراك، وخاصة وأنَّ الخطابَ الذي اعتمدتْهُ قُوى المُعارضة هو خطابٌ عاقلٌ رشيدٌ أدانَ ولا يزالَ يُدينُ كلَّ أشكالِ العُنْفِ والعبثِ والإضرارِ بمصالح النَّاسِ.
لو سُلِّمَ بوجودِ خللٍ في الحراكِ السِّياسيَ ولو سُلِّم بوجودِ خللٍ في مُمارساتِ الشَّارع…
فهلْ اعتمادُ الخيارِ الأمنيِّ بكلِّ ما يحملُ من قَسْوةٍ هو الحلُّ، هو العلاجُ، هو الموقفُ الصّائب؟
بكلِّ تأكيدٍ الجوابُ هو النفي، ليس انطلاقًا مِنْ مُكابرةٍ وإصرارٍ على الخطأ، إنّما هي القراءةُ البصيرةُ، والرؤيةُ الرَّشيدةُ لكلِّ ما يجري في المشهد السِّياسي…
فهاهي السَّنواتُ تمرُّ، والخيارُ الأمنيُّ يزدادُ ضَرَاوةً وشِدَّةً وقسْوَةً فما هي النتيجةُ؟
هلْ توقَّف الحراكُ في الشَّارع؟
هل تصحَّحت الأوضاع؟
كلَّا، الحراكُ زاد إصْرارًا، الخسائر ارتفعت حصيلتُها، الأوضاع أصبحت أكثر تأزمًا، والمشهدُ السِّياسيُّ أصبح أكثر قلقًا…
مَنْ المتضرِّرُ؟ الوطنُ، النظامُ، الشعبُ…
فالمنطقُ الرشيدُ يفرضُ أنْ تُعادَ قراءةُ كلِّ الحساباتِ من أجلِ صالحِ هذا الوطنِ…
أنْ يكونَ هناك تفاهمٌ وتواصلٌ وحِوار…
خارطةُ الطريقِ لإنقاذ الأوضاع ليستْ غامِضةً وليستْ عَسِرةً.
ما هو المطلوب؟
• المطلوبُ أوَّلًا:
أنْ تُعادَ قراءةِ كلِّ حساباتِ الخيار الأمني، وما يقودُ إليه مآلاتٍ خَطيرةٍ، ومُضاعَفاتٍ ضارّةٍ بأوضاعِ هذا الوطن…
• والمطلوبُ ثانيًا:
أنْ يتمَّ شجبُ ورفضُ وبشكلٍ جادٍّ كلَّ أشكالِ النزوعِ نحو العنفِ في ممارسةِ حقِّ التعبيرِ عن الرأي، فهذا الحقُّ مشروعٌ ومكفولٌ ولا يجوز مصادرتُه، إلَّا أنَّه يجب أنْ يُحصَّن بالسِّلمية كلَّ التحصين، وأنْ يبتعدَ عن مساراتِ التطرّف كلَّ البعد.
• والمطلوبُ ثالثًا:
أنْ تتجمّدَ كلُّ الخِطاباتِ والكلماتِ الاستفزازيةِ فيجب على أدوات الإعلام أنْ لا تُمارسَ قذفًا وتخوينًا وسبًّا، وإساءةً لأيِّ مُكوِّنٍ في هذا الوطنِ أو لرموزه الدِّينية والسِّياسية…
وكذلك يجبُ أنْ لا يتحرَّكَ في الشَّارعِ المعارضِ أيُّ خطابٍ أو شعارٍ يعتمدُ لغةَ السَّبِّ والقذفِ والتسقيط، فهذه اللغةُ لا تُعبِّرُ عن حضاريةٍ في ممارسةِ المعارضةِ السِّياسيةِ والحقوقية.
فالخطاباتُ والكلماتُ الاستفزازيةُ صدرتْ من أيِّ جهةٍ رسمية أو شعبية ضارَّةٌ كلَّ الضَّررِ بأمنِ هذا الوطنِ، وبوحدةِ مكوِّناتِهِ، فالشحنُ المضادُ غير الملتزم بالضوابطِ الأخلاقية والعلمية والموضوعيةِ أمرٌ غيرُ مشروع وله آثارٌ سيئةٌ جدًا…
• والمطلوبُرابعًا:
أنْ يبدأ حِوارٌ جادٌّ وحقيقيٌّ، يملكُ إمكاناتِ النجاحِ، لا أنْ يكونَ مجرَّدَ لقاءاتٍ لا ترقى إلى مستوى الحوار، ولا تحملُ اشتراطاتِ النجاح، فلا يُرادُ للحوارِ أنْ يكونَ للاستهلاكِ الإعلاميّ، أو للمزايداتِ والمغالباتِ، وإنِّما هو طريقٌ لإنقاذِ الوطنِ، وتصحيحِ الأوضاع، وإنتاجِ الأمنِ والأمانِ…
وإذا غابَ الحوارُ فالبديلُ قطيعةٌ ومواجهةٌ: وعُنْفٌ وقَسَوةٌ، وتأزمٌ وتَوتُّر، وضغائنُ وأحقاد، وأتعابٌ وأوصاب، وخسائرُ في الأموالِ والأرواح.
إدانة الاعتداء على الشيخ الجد حفصي..
إنَّنا نُدين بشدّة الاعتداء الآثم على سماحة الشِّيخ علي الجدحفصي، إنَّه عمل شائن وسيِّئ يدفع إلى مزيد مِنْ التأزيم وتوتير الأوضاع ولا يجوز إطلاقًا إهانة أيّ مواطن فضلًا عن أنْ يكون رمزًا دينيًا.
ويجب أنْ تتحمَّل أجهزة الأمن مسؤولية حماية كرامة المواطنين ومحاسبة من يعتدى على هذه الكرامة.
حمى الله هذا الوطنَ وكلَّ أوطانَ المسلمين من كلِّ الشدائدِ والمحنْ، والمكائِدِ والفِتن، والبلايا والمصائب، كما نسأله تعالى أنْ يجمع القلوبَ على المحبَّةِ والتسامحِ، والألفةِ والتقارب، وأنْ يُصلحَ أوضاعَ البلادِ والعباد.
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ.