حديث الجمعة 366: المرأة القمَّةُ في تاريخ النساء – السّيدة بنت الهُدى تاريخ من الجهاد – حول الضغوط الموجَّهة ضدَّ آية الله الشيخ النجاتي لمغادرة البلاد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آله الهداة المعصومين…
المرأة القمَّةُ في تاريخ النساء:
إنَّها الصدِّيقة الكبرى فاطمةُ بنتُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله.
وفي ذكرى مولدها دعونا نطوف بتاريخ نساءٍ مثَّلنَ مواقع جهاد وعطاء…
بدأ التشكلُ البشريُّ الذي ننتمي إليه برجلٍ وامرأة، الرجل هو (آدم) أبو البشر، والمرأة هي (حواء) أم البشر…
وكما خلق الله آدم من طِينٍ ونفخ فيه من روحه، كذلك خلق الله حواء من طين ونفخ فيه من روحه…
هكذا يشترك الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية، ولا يتمايزان…
حاولت بعض الرؤى أنْ تصوِّر المرأة مخلوقًا أدون من الرجل…
واعتمدت هذه الرؤى بعض مروياتٍ مكذوبة على النبي صلَّى الله عليه وآله تقول: أنَّ الله تعالى خلق (حواء) من ضلع أعوج من أضلاع (آدم).
نقرأ في هذه المرويات: (استوصوا بالنساء فإنَّ المرأة خلقت من ضلع – يعني من أضلاع آدم – وإنَّ أعوج شيئٍ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإنْ تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء).
وأمَّا ما روي عن الأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام فهو يُكذِّب هذه الرؤية…
أورد صاحب الميزان السَّيد الطباطبائي في تفسيره (الميزان) هذه الرواية:
«عن أبي المقدام قال: سألت أبا جعفر عليه السَّلام – يعني الإمام الباقر -: من أيِّ شيئٍ خلق الله حواء؟
فقال عليه السَّلام: أي شيئٍ يقولون هذا الخلق.
قلت: يقولون إنَّ الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم.
فقال عليه السَّلام: كذبوا أكان الله يُعجزه أنْ يخلقها من غير ضلعه؟
فقلت: جعلت فداك من أيِّ شيئ خلقها؟
قال عليه السَّلام: أخبرني أبي عن آبائه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله:
إنَّ الله تبارك وتعالى قبض قبضةً من طين فخلطها بيمينه – وكلتا يديه يمين – فخلق منها آدم، وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء…».
فالرواية تؤكِّد تساوي الرجل والمرأة في أصل الخلقة والتكوين وإن تمايزا في الوظائف، وهذا التمايز في الوظائف لا يعطي تفاضلًا بينهما، فإذا كان الرجل أُعدَّ لوظائف جعلته الأفضل فإنَّ المرأة أُعدَّت لوظائف جعلتها الأفضل فيما أُعدَّت له…
وهذا ما نفهمه من قوله تعالى ﴿بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ…﴾ {النساء/34}، فلكل من الرجل والمرأة خصائص ومميزات لا يملكها الآخر، وهكذا تتكامل مسيرة الحياة حسب ما أراد الله تعالى لها…
فالقول أنَّ المرأة أدون من الرجل في أصل الخلق والتكوين جناية في حق المرأة، وكم جنحت رؤى إلى التجنِّي على المرأة والإساءة إليها…
هكذا بدأت مسيرة الحياة البشرية برجل وامرأة…
واستمرت في الحياة كذلك تُنجبُ رجالًا ونساءً…
فكما في تاريخ الرجال عظماء، كذلك في تاريخ النساء عظيمات…
حدَّثنا القرآن عن (آسية بنت مزاحم) زوجة فرعون والتي ضربها الله مثلًا لكلِّ أجيال البشرية رجالًا ونساءً
• ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ…﴾. {التحريم/11}
كان فِرعونُ رمزَ الطُغيان والكفرِ والتمرُّد على الله وقد بلغ به الطغيان أنْ ادَّعى أنَّه (الربُّ الأعلى).
﴿فَحَشَرَ فَنَادَى، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾. {النازعات/23-24}
استعبد البشر، وعذَّبَ وفتكَ وذبح وأفسد ودمَّر.
﴿فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾. {النازعات/25}
في قصر فِرعونَ كانت تعيشُ امرأةٌ آمنت بالله، إنَّها (آسية) زوجة فِرعونَ…
متى آمنت آسية بنت مزاحم؟
آمنت حينما شاهدت معجزة موسى عليه السَّلام أمام السحرة…
• ﴿وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ، قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾. {الأعراف/113-114}
هكذا يتزلَّفُ أصحابُ المطامع والأهواء إلى الطغاةِ الحكام، وهكذا يشتري هؤلاء الطغاة والمتسلطون الضمائر بأثمانٍ مغموسةٍ بالذلِّ والعار والمهانة والحقارة…
وبدأ المشهدُ في معركة الحق والباطل فألقى السحرة عُصِيَّهم ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾. {الأعراف/116}
إنَّها أدواتُ الباطلِ لها بريقٌ كاذبٌ وخادع، وكم سقط في هذا الكذب والخداع خلق كثير، وكم سقطت في أضاليل الإعلام الزائف شعوبٌ وشعوب…
إلَّا أنَّ الحقَّ يبقى هو الأقوى مهما تفرعن الطغاة، ومهما ملكوا من أدوات الزيف والضلال يبقى الحقُّ هو المنتصر…
• ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ﴾. {الأعراف/118-119}
إنَّها إرادةُ الله التي لا تقهر، فمهما تعملق الطغاة والجبابرة، فالهزيمة هي مصيرهم، وهي نهايتهم…
وماذا كان موقف سحرة فرعون، وهم يشهدون هذا الانتصار الرَّباني الكبير؟
• ﴿وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾. {الأعراف/120-121-122}
في زحمة كلِّ ركامات الباطلِ والضَّلال ينبلج نور الهداية مهما كانت العتمةُ حالكةً مظلمةً
آمنت السحرة بالله وبرسالة موسى نبي الله وكانت الصَّدمة، وكانت الطَّامة وفرعونُ المملوء كبرياءً، وجبروتًا، وطغيانًا يجد سحرتهُ الذي كان يراهن على عبوديتهم المطلقة له، يجدهم قد أعلنوا الانتماء إلى خطِّ الإيمان متحدِّين (الربَّ الأعلى المزيَّف) فأصابه الخبال وراح يُعربد ويتوعد ويُهدِّد:
• ﴿آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ…﴾. {الأعراف/123}
• ﴿لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ…﴾. {الأعراف/124}
• ﴿ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾. {الأعراف/124}
إنَّها أحكامٌ طائشة ومجنونة وفاقدة لكلِّ معايير العدل والحق، هكذا دائمًا أحكام الطغاة المتجبِّرين…
وكانت الصدمة الأكبر، والتحدِّي الأعنف حينما جاء الجواب من هؤلاء المؤمنين الصَّادقين الصامدين ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا…﴾. {طه/72-73}
في هذا الجو المعبأ بالتحدِّي والعنفوان انضمت إلى خط الإيمان امرأةٌ تتربع على الحرير والديباج في قصر فرعون إنَّها زوجتُه (آسية بنت مزاحم) تحدَّت كلَّ مغريات القصر، وكلَّ الذهب، وكلَّ المالَ، وكلَّ اللذائذ، وكلَّ الدنيا…
وصدرت الأوامر من فرعون بإنزال أشرس العقاب وأعنف العذاب بهذه المؤمنة الصالحة الصَّامدة:
– أمر فِرعون أنْ تثبت يداها ورجلاها بالمسامير.
– أنْ يوضع فوق صدرها صخرة كبيرة.
– أنْ تُترك تحت أشعة الشمس الحارقة.
– أنْ يمارس معها كلّ ألوان التعذيب.
وكان في وهم فرعون أنَّ كلَّ هذا سوف يجعلها تتراجع، وتتخلَّى عن معتقدها الجديد…
إلَّا أنَّ الجواب جاء صاعقًا لفرعون، ولكبرياء فِرعونَ، ولطغيان فرعون، ولكلِّ دنيا فرعونَ، فكانت آسية بنت مزاحم وهي في ذروة المعاناة والعذاب والقهر والبطش والدماء تملأ كلَّ موقع في جسدها الضعيف كانت تخاطب ربَّها بكلِّ ثقةٍ واطمئنان، وبكلِّ صبرٍ واحتسابٍ، وبكلِّ عشق وانصهار:
• ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾. {التحريم/11}
نتابع الحديث – إنْ شاء الله – لنقف مع نماذج من نساء كن مُثلًا عُليا ومواقع عطاءٍ وخير وفضيلة…
السّيدة بنت الهُدى تاريخ من الجهاد:
ما دمنا في ذكرى مولد الزهراء عليها السَّلام وما دام الحديث عن (المرأة النموذج) في تاريخ المسيرة البشرية، فهذه وقفة مع امرأة هي بحقّ (زهراء العصر) وهي بحق (زينب العصر) إنَّها (آمنة الصدر) (بنت الهدى) شقيقة الشهيد السَّيد محمد باقر الصدر الذي نعيش هذه الأيام ذكرى شهادته وشهادة أخته العَلَوية بنت الهُدى…
ولدت السَّيدة آمنة الصَّدر في عام 1357هـ – 1937م وسمِّيت بـ (آمنة) تيمنًا باسم أم الرَّسول الأعظم صلَّى الله عليه وآله…
شهادتها مع أخيها السَّيد الصَّدر في الثامن من إبريل سنة 1980م.
عمرها حين استشهادها: 43 سنة.
وأمَّا عمرها أخيها الصّدر حين استشهاده فقد تعدَّدت فيه الأقوال نظرًا لتعدد الأقوال في ولادته:
القول الأول: أنَّ ولادته سنة (1353هـ – 1935م) فيكون عمره يوم استشهاده : 45 سنة.
القول الثاني: أنَّ ولادته كانت سنة (1351هـ – 1933م) فيكون عمره يوم استشهاده: 47 سنة.
القول الثالث: أنْ ولادته كانت سنة (1350هـ – 1932م) فيكون عمره يوم استشهاده: 48 سنة.
القول الرَّابع: أنَّ عمره حين استشهاده 49 سنة.
ولا يهمّنا كثيرًا تعدّد الأقوال في عمر الشهيد الصدر، فإنَّه رضوان الله أصبح رمزًا خالدًا أكبر من كلِّ الزمن، وأصبح عنوان تجاوز مساحات السنين…
نعود إلى الحديث عن الشهيدة بنت الهدى…
ولدت السَّيدة آمنة الصدر في مدينة الكاظمية…
ونشأت بها، ولم تدخل المدارس الرَّسمية، وتعلَّمت القراءة والكتابة على يد والدتها العابدة النقيَّة الصَّالحة الصَّابرة بنت آية الله الشيخ عبد الحسين آل ياسين، وأخت الفقيه الكبير الشيخ مرتضى آل ياسين…
في هذا المحضن الإيماني تربَّت الشهيدة بنت الهدى، وقد اهتم بها اهتمامًا بالغًا أخواها (السّيد محمد باقر الصدر)، والسَّيد إسماعيل الصَّدر، فدرست على يديهما علوم الحوزة، ومعارف الإسلام، وتغذَّت من توجيهاتهما الرُّوحية والفكرية والرسالية والجهادية…
وبرزت لديها مؤشرات النبوغ في وقت مبكر، وخاصة قدراتها الكتابية، وكان لها ولع شديد بالقراءة والمطالعة ليس في الكتب الدينية فقط، بل في شتى الثقافات…
لن استرسل في الحديث عن سيرتها الذاتية، وإنَّما أود أنْ أقف مع بعض لقطات من جهادها السِّياسي في آخر أيامها:
• اللَّقطة الأولى: بعد انتفاضة رجب 1399هـ صدر أمر باعتقال السَّيد الصدر، وجاء جلاوزة النظام مدجَّجين بالسلاح، وبأعداد كبيرة، وأخذوا السَّيد الصدر
وهنا وقفت زينب العصر السَّيدة بنت الهدى مخاطبة هذا الحشد الكبير من قوات الأمن وبكلِّ شموخ وعنفوان:
“انظروا – وأشارت إلى الجلاوزة المدجَّجين بالسلاح والرَّشاشات – أخي وحده بلا سلاح، بلا مدافع، بلا رشاشات… أمَّا أنتم فبالمئات مع كلِّ هذا السِّلاح وهل سألتم أنفسكم لِمَ هذا العدد الكبير، ولِمَ كلّ هذه الأسلحة؟
أنا أجيب، والله لأنَّكم تخافون، ولأنَّ الرُّعب يسيطر على قلوبكم… واستمرت في كلامها…
ثمَّ وجهت خطابها إلى أخيها السَّيد الصدر: اذهب يا أخي، فالله حافظُك، وناصرُك، فهذا طريقُ أجدادِك”.
• اللقطة الثانية: لمَّا أخذوا السَّيد الصدر إلى بغداد…
فكَّرتْ السَّيدة بنت الهدى، ماذا يجب عليها أنْ تفعل…
فما أنْ أشرقت الشمس حتَّى خرجت إلى حرم جدِّها أمير المؤمنين عليه السَّلام ونادت بأعلى صوتها: “الظليمة الظليمة… يا جداه يا أمير المؤمنين، لقد اعتقلوا ولَدك السَّيد الصدر.. يا جدَّاه إنِّي أشكو إلى الله وإليك ما يجري علينا من ظلم واضطهاد…”.
ثمَّ خاطبت مَنْ كان في الحرم الشريف:
“أيها الشرفاء المؤمنون هل تسكتون وإمامكم يُسجن ويعذَّب؟ ماذا ستقولون غدًا لجدي أمير المؤمنين إنْ سألكم عن سكوتكم وتخاذلكم”.
وقد أحدث هذا الخطاب ردودَ فعلٍ جماهيرية غاضبة، وخرجت مظاهرات حاشدة.
• اللقطة الثَّالثة: في يوم السبت (5/4/1980م) تمَّ اعتقال السَّيد الصدر الاعتقال الأخير وأخذ إلى بغداد وهو يحمل عنفوان وشموخ جدِّه الحسين عليه السَّلام..
في صباح اليوم الثاني طوَّقوا البيت من جديد فقالت السَّيدة بنت الهدى: لقد جاءوا لاعتقالي فاستعدَّت وتهيَّأت وهي تحمل عشق الشهادة…
قال الجلاوزة: عَلَوية إنَّ السَّيد الصدر طلب حضورك إلى بغداد…
قالت: نعم سمعًا وطاعةً لأخي إنْ كان قد طلبني، ولا تظنوا إنِّي خائفة من الإعدام، والله إنِّي سعيدة بذلك، إنَّ هذا طريق آبائي وأجدادي…
ثمَّ جاءت إلى الشيخ النعماني في داخل البيت وقالت له: “أخي أبا عليّ لقد أدَّى أخي ما عليه، وأنا ذاهبة لكي أؤدِّي ما عليَّ، إنَّ عاقبتنا على خير.. أوصيك بأمِّي، وأولاد أخي، ولم يبق لهم أحد غيرك، وإنَّ جزاءك على أمي فاطمة الزهراء”.
قال النعماني: لا تذهبي معهم…
قالت: “لا والله حتَّى أشارك أخي في كلِّ شيئ حتَّى في الشهادة”.
ومضت ونالت الشهادة مع أخيها السَّيد الصدر رضوان الله عليهما، فقد أعطيا دمهما ثمنًا من أجل الدفاع عن الإسلام، وعن قيم الدِّين، وعن مبادئ الحقِّ، ومن أجل الدفاع عن الشعب المظلوم الذي عانى أقسى العذابات والويلات وأسوء السياسات في ظلِّ نظام هو الأشرس والأعنف في العصر والحاضر…
فمن حقِّ الشهيد الصدر، والشهيدة بنت الهدى، وجميع شهداءِ الحقِّ والعدلِ أنْ يبقوا حاضرين في ذاكرة الأجيال وفي وعي الأجيال، وفي وجدانِ الأجيال، وفي سلوك الأجيال، وفي جهادِ الأجيال…
إنَّه خيانة لدماء الشهداء حينما تنساهم الأجيال، وحينما تتخلَّى عنهم الأجيال، وعن عطاءاتهم، وجهاداتهم، وبقدر ما يكون الشهداء حاضرين، يكون الوفاء كلّ الوفاء لهؤلاء الشهداء.
تغمَّد الله شهداءنا الأبرار بالرحمة والمغفرة…
كلمة أخيرة:
ما حدث لآية الله الشيخ النجاتي من مداهمة مكتبه بطريقة فيها استفزاز كبير، وإساءة واضحة، وما تبع ذلك من استدعاء اثنين من العلماء العاملين في المكتب، واللذين واجها إهاناتٍ متعمدة… وبعد ذلك تمَّ استدعاء سماحة الشيخ نفسه، ومورس ضدَّه الكثير من الضغوط لكي يغادر البلد وقد أعطيت له مهلة (48 ساعة) لمغادرة البحرين…
إنَّ هذا الذي حدث يشكِّل انتهاكًا صارخًا لحقِّ المواطنة، ويُمثِّل استهدافًا طائفيًا سافرًا، ويعبِّر عن سياسة الضغط والمصادرة للدور الشرعي لعلماء الدِّين…
إنَّ هذا العمل مُدانٌ وفق كلِّ المعايير الدينية والإنسانية والقانونية، ممَّا يفرض على منظمات العالم المعنية بقضايا الإنسان أنْ تستنكر ما حدث وتطالب بإيقافه…
ليس في صالح أمن هذا الوطن، ولا استقرارهِ، ولا وحدةِ شعبه أنْ تصدر هذه الممارسات والانتهاكات في وقت يتطلَّع أبناءُ هذا الوطن إلى مبادرات لإنقاذ الأوضاع السائرة في اتجاه المزيد من التأزيم والتعقيد والتدهور…
نؤكِّد استنكارنا للضغوط الموجَّهة ضدَّ سماحة آية الله الشيخ النجاتي مطالبين السُّلطة أنْ تعيد النظر في ذلك من أجل خير هذا الوطن ومن أجل أمنه واستقراره.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.