حديث الجمعة 362: الزهراء والحوراء ويوم المرأة العالمي – تشهدُ البحرين هذه الأيَّام استنفارًا أمنيًا استثنائيًا
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آله الهداة الميامين وبعد فمع بعض العناوين…
الزهراء والحوراء ويوم المرأة العالمي:
نستقبل مناسبة شهادة الصِّديقة الزهراء عليها السَّلام، ومرَّت قبل أيام مناسبة ولادة الحوراء زينب عليها السَّلام، واحتفل العالم في الثامن من مارس بـ (يوم العالمي للمرأة) ومجتمعات المسلمين هي الأخرى عاشت بشكلٍ أو آخر احتفاء بـ (يوم المرأة)، لا يعنينا كثيرًا كيف احتفل العالم بهذا اليوم الخاص بالمرأة، ما يهمّنا كيف تتعاطى مجتمعاتنا العربية والإسلامية مع يوم المرأة العالمي، وكم هو حضور نماذجنا الكبرى كالزهراء والحوراء في يوم خُصِّص للمرأة.
ممَّا يؤسف له غياب هذه المثل العليا على مستوى نساء الدُّنيا كلُّ الدُّنيا في خطاب الاحتفاء بيوم المرأة.
استعرنا مُثُلًا مستوردةً، دخيلةً، مناقضةً لديننا، وقِيمنا، ومُثُلِنا، وأصالتِنا، وأصبحت هذه المُثُل الممجوجةُ المستوردةُ (معالم) في طريق بناء الأجيال من نساء أمَّتنا العربية والإسلامية، الأمر الذي عبَّر عن إفلاس خطير لدى مستوردي ثقافة التغريب من مؤسَّساتٍ حاكمةٍ، ورجال إعلام، ومواقع تعليم وتربية، وحملة فكر وثقافة وأدب، وجمعيات، ومنتديات، إنَّنا لا نرفض الاستفادة من (منتجات العصر) و(مكوِّنات الحداثة) و(معطيات التطوُّر) إلَّا أنَّ هذا مشروط بأنْ لا يكون مصادمًا (لضروراتنا وثوابتنا الدِّينية)، وأنْ لا يكون منافيًا (لقيمنا الرُّوحية) وأنْ لا يكون متجاوزًا لـ (ضوابطنا الشَّرعية)…
وما كانت هذه الضرورات والثوابت والقيم والضوابط في يوم من الأيَّام سببًا في تعطيل المسار الحضاري والعلمي عند المسلمين، تاريخنا حافل بأرقى النماذج من رجال علم وفكر وثقافة أثروا العالم بما أبدعته عقولهم في شتَّى مجالات العلم والطب والهندسة والكيمياء والفيزياء والفلك دون أنْ يتنازلوا عن (هويَّتهم الدِّينية) و(انتمائهم الإيماني)، بل وجدنا عالمًا عملاقًا كجابر بن حيَّان أحد تلامذة الإمام جعفر بن محمَّد الصَّادق عليه السَّلام اشتهر في علم الكيمياء حتَّى أنَّ نظرياته أصبحت محل اهتمام الغرب…
ما أردت قوله أنَّ الحفاظ على الهويَّة والأصالة الدِّينية لا يشكِّل معوِّقًا للاستفادة من معطيات العصر، ومنجزات التطوُّر.
ما نشاهده – والحديث عن المرأة في هذا العصر – أنَّ دعوات (النهوض بالمرأة) مقترنة دائمًا بالتحلُّل من (القيم الدِّينية) و(الضوابط الشَّرعية) وكأنَّ نهوضَ المرأة وتقدُّمها مشروطٌ بالتمرُّد على الدِّين والشرع والقيم والأخلاق.
إنَّها مؤامرة كبرى على المرأة المسلمة تتبناها كيانات حاكمة وجمعيات ومواقع في داخل مجتمعات المسلمين، مغلَّفة بعناوين كاذبة كالدفاع عن حقوق المرأة، ومحاربة العنف ضدَّ المرأة، ومساواة المرأة بالرجل، وتمكين المرأة في كلِّ المجالات العلمية والوظيفية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والتعليمية، والسِّياسية.
ربَّما تكون عناوين جميلة ومغرية، إلَّا أنَّ الواقع الذي تُساق إليه المرأة في هذا العصر هو واقع مأسور لمعطياتٍ منفلتةٍ، ومعطياتٍ فيها ظلم فاحش، وفيها توظيف مسيئ لشرف المرأة وكرامتها من خلال استخدامها وسيلة للدعاية والإعلان والتجارة.
أمَّا على مستوى الواقع السِّياسي ففي ظل الأنظمة الفاسدة، تتعرَّض المرأة إلى امتهان كبير في سياق ما تتعرَّض له الشعوب من امتهانات صارخة، ولعلَّ نصيب المرأة هو الأوفر، فها هي المرأة المناضلة من أجل العدالة والكرامة والحرية، تعتقل، وتزج في السجون، وتعذَّب، ويُساء إلى شرفها وعفَّتها على مرأى ومسمع من منظمات وجمعيات تحمل اسم الدفاع عن المرأة، وعن حقوق المرأة وعن كرامة المرأة.
أين شعار محاربة العنف ضدَّ المرأة؟
مطلوب أنْ نواجه العنف ضدَّ المرأة، وأنْ نواجه العنف ضدَّ الرجل.
إذا كان اعتداء زوج على زوجته يُشكِّل عنفًا مرفوضًا، وعنفًا يجب التصدِّي له، لأنَّه عنف تحرِّمه الشريعة، ويحرِّمه القانون، وتحرِّمه القيم والمبادئ الإنسانية.
فإنَّ ما تمارسه أنظمة السِّياسة الفاسدة من عنف ضدَّ المرأة هو الأسوأ، وهو الأشدُّ حرمةً، وتجريمًا.
لماذا نجد مؤسَّسات ترفع صوتها عاليًا في مواجهة العنف الأسري ضدَّ المرأة، وهو عنف يجب علينا جميعًا أنْ نصرخ ضدَّه، حسب توجيهات ديننا وشرعنا ومبادئنا وقيمنا وأخلاقنا إلَّا أنَّ هذه المؤسَّسات تلوذ بالصمت أمام عنف الأنظمة الحاكمة ضدَّ المرأة، وأمام بطش الأنظمة الذي يطال المرأة، وأمام الانتهاكات التي تمس شرف وعفاف المرأة؟!!
لا نريد أنْ نفتح هنا ملف العنف الأمني والسِّياسي ضدَّ المرأة في بلداننا العربية والإسلامية، الأمر الذي أردنا أنْ نؤكِّد عليه أنَّ شعارات الدفاع عن المرأة لا تحمل الصدقية بقدر ما هي للاستهلاك والمتاجرة باسم المرأة، ولا يمكن الانتصاف للمرأة إلَّا من خلال المنهج الحقّ، وليس المنهج الذي يوظِّف الدِّين توظيفًا مزوَّرًا، كما تمارسه (جماعات التكفير) التي حوَّلت المرأة إلى سلعة رخيصة في (مزادات المتاجرة بعفَّة المرأة وكرامتها) استجابة للأهواء الشَّيطانية التي تحكم هؤلاء المتلبِّسين عنوان الدِّين كذبًا وزورًا.
الاستنفار الأمني:
تشهدُ البحرين هذه الأيَّام استنفارًا أمنيًا استثنائيًا، ممَّا أدخل البلد في شبه حالة طوارئ، ومبرِّرات السُّلطة ارتفاع وتيرة العنف في الشَّارع، بلغ ذروته في (حادث الديه) الذي ذهب ضحيَّته بعض رجال الأمن.
والسؤال المطروح هنا: ماذا بعد الاستنفار؟
حدث الاستنفار، انتشرتْ نقاط التفتيش، اختنقت الشوارع، ارتبكت المشاوير، تذمَّر النَّاس، ضاعت الأوقات.
لسنا ضدَّ فرض الأمن، مطلوب ذلك، لقد أدنَّا بشدَّة كلَّ أشكال العنف والإرهاب والتطرُّف ولا زلنا ندين، جرَّمنا بقوَّة ما حدث ولا زلنا نجرِّم…
لن نقف صامتين حينما تتعرَّض أرواح النَّاس كلّ النَّاس وحينما تسفك الدماء كلّ الدماء، فهذا من الجرائم التي لا يسمح لنا الدين والشرع والضمير والقانون أنْ نهادن فيها أو نهادن عليها…
إلَّا أنَّ ردود الفعل الأمنية والتي تحوَّلت إلى استنفار طال كلَّ أبناء هذا الوطن، ليست هي الحلّ لمواجهة العنف والإرهاب.
كرَّرنا ولا زلنا نكرِّر أنَّ الإصلاح السّياسي هو الحلّ، ولا حلَّ سواه، وإذا غاب هذا الحلّ فلا تقوى كلُّ وسائل الاستنفار الأمني أنْ تعالج الأوضاع، إنَّ هذا الاستنفار الأمني لا شكَّ سوف يُعطِّل أيَّ خطوة في اتجاه الحلِّ السِّياسي، فدائمًا هما متنافيان، الخيار الأمني والخيار السِّياسي، فبمقدار ما يتواجد أحدهما يتوارى الآخر، وإذا قُدِّر لأحدهما أنْ ينتصر فمن الطبيعي أن يهزم الآخر، لا يجتمع الانتصارُ للخيارين معًا، وواهم مَنْ يظن أنَّ أزمة هذا الوطن سوف يعالجها خيار أمني متشدِّد.
إنَّ المخلصين لهذا البلد يريدون له أنْ يخرج من أزمته، ومن محنته، ومن كلِّ معاناته وآلامه، ولا يوجد أحد صادق في ولائه وحبه لأرضه ووطنه يعمل من أجل أنْ يطول عمر المحنة، وعمر الأزمة، وعمر المعاناة.
مطلوبٌ العملُ الجادُّ الصَّادق في الدَّفع نحو الحلِّ السِّياسي الحقيقي، ولا أظن أنَّ الخطوات في هذا الاتجاه مجهولة، ولا عسيرة، لو صدقت النوايا، والهمم، والعزائم، والإرادات، وتآزرت القوى والقدرات والإمكانات.
إنَّ أيَّ عملٍ لإعاقة هذا الحلّ السِّياسي هو جناية في حقِّ الوطن، فأي نزوع نحو العنف والتطرُّف صدر من سلطة أو من شارع، صدر من مواقع رسمية أو من مواقع شعبية، صدر من عناوين واضحة، أو من عناوين مجهولة، هذا النزوع مرفوض بشدَّة وفق كلِّ المعايير الدِّينية والأخلاقية والإنسانية والقانونيَّة، وإنَّ أيَّ محاولة لإعطاء الشرعية للعنف والإرهاب والتطرُّف هي محاولة مدانة ومجرَّمة حسب هذه المعايير.
والمسألة ليست مجرَّد شعارات تطلق، أو خطابات تقال، إنَّما هي الممارسة الجادَّة، والعمل الصَّادق لإنجاح خيار الحلّ السِّياسي المنقذ والمخلِّص، أمَّا أنْ نبقى نلعن العنف والإرهاب والتطرُّف على مستوى الإعلام وعلى مستوى المنابر، ثمَّ نمارس كلَّ التكريس له على الأرض ثمَّ نُصنِّع منتجاتِه، ثمَّ نحرِّك أدواتِه، فهذا تناقض فاحشٌ، ومغالطةٌ مكشوفةٌ.
والحديث هنا موجَّه إلى السُّلطة أوَّلًا وبالذات ثمَّ إلى كلِّ القوى الدِّينية والسِّياسية والثقافية والاجتماعية، وإلى كلِّ الشارع بجميع مكوِّناته، وانتماءاته ومساحاته.
لنتَّفق جميعًا على رفض العنف والتطرُّف والإرهاب.
ولنتَّفق جميعًا على إدانة كلِّ الممارسات التي تجسِّد هذه العناوين.
ولنتَّفق جميعًا على العمل من أجل تجفيف كلِّ المنابع المنتجة للعنف والتطرُّف والإرهاب.
ولنتَّفق جميعًا على السعي الجادِّ لإنجاح الحلِّ السِّياسي، وهذا أكبر ضمانة لحماية الوطن من كلِّ منزلقات العنف والتطرُّف والإرهاب، ولحماية الوطن من أيِّ جنوح طائش يقود إلى الدمار والخراب.
وأكرِّر أنَّ السُّلطة تتحمَّل القسط الأكبر والأوفر لإنجاح هذه الاتفاقات، لا يعني أنَّ الأطراف الأخرى لا تتحمل شيئًا من المسؤولية، بل إنَّ نجاح أيَّ اتفاق لإنقاذ الوطن تساهم فيه كلُّ القوى الرَّسميَّة والشعبيَّة، مع تفاوت في حجم المساهمة، وهذا ناتج من تفاوت في حجم القدرات والإمكانات والأدوات.
ونعود مرَّة أخرى للقول الذي بدأنا به الكلام أنَّ الخيار الأمني كلَّما اشتدَّ وقسى كان ذلك مُعطِّلًا لأيّ خطوة في اتجاه الحلِّ السِّياسي، فلا يمكن أنْ يتحرَّك حلٌّ سياسي في ظلِّ غليان أمني، إنَّ نجاح أيَّ مساعٍ للدفع بالحلِّ السِّياسي في حاجة إلى أجواء ملائمة تزرع الثقة والاطمئنان، لا إلى أجواء مشحونة بالفوران الأمني، الأمر الذي يقتل الثقة، ويعقِّد الخطوات، ويزرع اليأس ويدفع في اتجاه التأزيم والتعقيد والتوتير.
ومهما وُضعت من مُبرِّرات ومسوِّغات لاعتماد الخيار الأمني فهي غير قادرة أنْ تعطيه الشرعية، وغير قادرة أنْ تمنحه قناعة الشارع، وقناعة القوى السِّياسية الناشطة من أجل المطالب العادلة، والمعتمدة للطرق السلمية في حراكها ونشاطها، وإذا وجدت بعض نزوعات محدودة نحو العنف لدى أفراد أو جماعات فهذا لا يسوِّغ أنْ يتحوَّل الخيار الأمني هو نهج السُّلطة في التعاطي مع كلِّ أشكال الحراك وأنْ يتحوَّل الخيار الأمني هو اللَّون الذي يصبغ المشهد السِّياسي في هذا البلد، وهكذا سوف يبقى الحلُّ السِّياسي ضائعًا في زحمة هذه الاختناقات الأمنية التي تحاصر أيَّ مسعى نحو الانفراج، وتحاصر أيَّ خطوة في اتجاه الحلِّ…
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.