حديث الجمعة 350 : ضرورة المراجعة بعد كلّ موسم عاشورائي (1) المنبر الحسيني
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّدٍ وعلى آله الهداة المعصومين وبعد فهذه بعض عناوين:
ضرورة المراجعة بعد كلّ موسم عاشورائي:
انتهى موسم عاشوراء بكلّ مكوّناته ومفاصله وفعّالياته وممارساته، فمن الضروري أنْ نمارس مراجعةً جادّةً وحقيقيةً وجريئةً لأداءاتِ الموسم العاشورائي..
(1) المنبر الحسيني:
المنبر الحسيني المفصلُ الأهم والأبرزُ في موسم عاشوراء، فإنّ نجاح الموسم العاشورائي أو فشله يرتبط بدرجةٍ كبيرةٍ بنجاح المنبر الحسيني أو فشلِهِ، فإذا أردنا أنْ نحاسب مستوى الأداء العاشورائي فيجب أنْ نحاسب أداء المنبر الحسيني أوّلًا…
-وكيف نحاسب أداء المنبر الحسيني؟
– ومَنْ الذي يحاسبُ هذا الأداء؟
– وهنا نحتاج أنْ نحدّد (معايير المحاسبة) للمنبر الحسيني، ما هي هذه المعايير؟
المُشارع لدى النّاس أنَّ أهم معيار هو ((المهارة الصوتية)) لدى الخطيب فمن توفّر على هذه المهارة الصوتية هو الخطيب الناجح، وهذا يعني أنّ منبره منبرٌ حسينيٌ ناجح…
لا نشك أنّ المهارة الصوتية شرط أساسي لنجاح الخطيب الحسيني، لأنّ من أهم أهداف المنبر الحسيني ((التأثير الوجداني)) على الجمهور من خلال تصوير مأساة عاشوراء، ومن خلال إنتاج الحزن العاشورائي، ومن خلال استدرار الدمعة العاشورائية، الخطيب الذي لا يحقّق هذه المنتجات بلا إشكال هو خطيب حسيني فاشل، فمن الضروري أنْ يتوفّر خطيب المنبر على ((مهارة صوتية)) و((شجاوة صوتية)) لكي يمارس واحدة من أهم أهداف المنبر…
وإذا تحدّثنا عن ((المهارات الصوتية)) عند الخطباء فيجب أنْ نؤكّد على:
النقطة الأولى: لا يجوز شرعًا استخدام الألحان الغنائية المحرّمة، حتّى وإنْ كان المضمون صحيحًا، فالغناء المحرّم لا يسمح شرعًا استخدامه في العزاء الحسيني، كما لا يسمح شرعًا استخدامه في تلاوة القرآن، فيجب على خطباء المنبر الحسيني، وعلى الرواديد والمنشدين الحذر كلّ الحذر من الألحان الغنائية المحرّمة، فهذه الألحان تتنافى مع أهداف عاشوراء، فمن أهداف عاشوراء التصدّي للفسق الأموي، والفجور الأموي، والذي تمظهر في الكثير من الممارسات المحرّمة، ومن أبرزها ((الغناء والطرب)) فهل يجوز أنْ نمارس غناءً وطربًا ونحن نحي عاشوراء الحسين والتي ثارت على كلّ أشكال الفساد والانحراف والعبث بالقيم…
النقطة الثانية: لا يجوز اعتماد الكذب من أجل إنتاج الحزن واستدرار الدمعة، هذا الهدف المشروع يجب أنْ يعتمد أسلوبًا مشروعًا، وإنَّ في حوادث عاشوراء الثابتة الصحيحة ما يكفي لإبراز حجم الفاجعة العظمى التي حدثت في كربلاء وهذه الحوادث المفجعة قادرة أنْ تحرّك الحزن والدمعة مهما كانت المشاعر قاسية وجامدة، فاللّجوء إلى قصص مختلقة، لا واقع لها لا مبرر له، وربّما اندرج ذلك تحت عنوان ((الحرام)) خاصة حينما تنسب القصة المختلقة فعلًا إلى (المعصوم) أو حينما تؤدّي إلى التوهين بشخصية المعصوم أو بواحدة من شخصيات عاشوراء، إذا كان إنتاج الحزن والدمعة يحمل قيمة كبيرة، فإنّ الحفاظ على الواقع التاريخي الصحيح، والحفاظ على قدسية الموقف العاشورائي هو الأهم والأكبر قيمة…
وأخشى ما نخشاه أن تتراكم القصص المختلقة بصورة تؤدّي إلى مصادرة الحقائق العاشورائية أو إلى تشويهها….
فإذا كانت أجيالنا الماضية تسلّم بكلّ ما يطرح على المنابر، فأجيال الحاضر ما عادت تسلّم بكلّ شيء، والخوف أنْ تتشكّل حواجز تدفع بهذه الأجيال للانفصال عن المنبر، وهذا أمر في غاية الخطورة…
يجب التأكد من صحة (المرويات) التي تطرح من خلال المنبر، بالاعتماد على المصادر الموثوقة، وليس على أيّ مصدر وربّما تكون (المرويات) من إنتاجات ((الخيال المنبري)) وليس لها أيّ مصدر…
ربّما يقال: ما يطرحه الخطباء في الغالب حكاية عن لسان الحال، فلا يندرج تحت عنوان ((الكذب)) ..
نعلّق على هذا الكلام:
أوّلًا: إنّ الكثير من ((المرويات المنبرية)) تُطرح وتُقدّم كوقائع تاريخية حادثة بالفعل، هكذا يتلقّاها حُضّار المجالس الحسينية وهكذا يتلقّاها الجمهور…
ثانيًا: وحتّى ما يُطرح حكاية من لسان الحال لا بدّ من أنْ يراعى فيه:
1- أنْ يكون من اللّوازم العرفية للحدث…
2- أنْ لا يكون في ذلك توهين لشخصية الإمام الحسين عليه السَّلام أو لأحد من شخصيات كربلاء…
صحيح أنّ الخطيب لا يقصد التوهين والإساءة إلّا أنّ طبيعة بعض المرويات تنتج هذا التوهين والإساءة…
لا يجوز أنْ ننسب إلى الإمام الحسين أو إلى الإمام زين العابدين أو إلى بطلة كربلاء زينب أو إلى أحد من رموز معركة الطّف موقفًا فيه انكسار وضعف ومهانة وذلة، ولا يبرّر ذلك أنْ يكون الهدف نظيفًا أو إبكاء النّاس وتحريك مشاعر الحزن لديهم…
الإبكاء وتحريك مشاعر الحزن يجب أنْ يكون بأساليب مشروعة، وليس منها افتعال ((مرويات)) و((حكايات)) أو ((تصويرات)) تسيء إلى عاشوراء…
وكلّما تراكمت هذه المرويات والحكايات والتصويرات أنتج تراثًا عاشورائيًا مشحونًا بالأوهام وبالرؤى المغلوطة، وفي هذا كلّ الظلم وكلّ الإساءة إلى عاشوراء…
واقع عاشوراء بكلّ حقائقه وثوابته ورواياته الصحيحة قادرة أنْ ينتج كلّ الأحزان وأن يحرّك كلّ الدموع، وأنْ يعطي لعاشوراء كلّ العظمة…
كم هي خطيرةٌ وخطيرة رسالة المنبر الحسيني، فيجب أنْ يكون خطاب هذا المنبر في مستوى هذه الرسالة…
وهذا ما يفرض أن تحدّد بكلّ دقّةٍ ووضوح ((معايير المحاسبة)) لخطاب المنبر…
وإذا كان ((المعيار المهارة الصوتية)) هو المعيار الشائع لدى النّاس، فهذا يجب أنْ يعدّل…
لا نرفض اعتماد هذا المعيار، وإنّما ندعو إلى تطبيق بقية ((المعايير))، إنّ غياب المعايير الأخرى وهي في غاية الأهمية ينتج منبرًا لا يعبّر عن مسؤولية وأهداف عاشوراء، وإذا عبّر فهو يعبّر عن شطر من هذه المسؤولية والأهداف…
فما هي بقية المعايير؟
فَهْمُ هذه المعايير أمر في غاية الأهمية، وتطبيق هذه المعايير هو الذي يحمي منبر عاشوراء، من هنا تكون الضرورة لإنتاج ((ثقافة)) لدى الجمهور العاشورائي قادرة أنْ تقوّم خطاب المنبر، وهل هذا يعني أنْ نُعطي للجمهور حقّ النقد والمحاسبة لخطاب المنبر الحسيني، ألا يترتب على هذا مجموعة سلبيات خطيرة؟
نتابع الحديث في اللقاء القادم إنْ شاء الله تعالى…