حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 323: غَيبة الإمـــام المهـــدي أرواحنــا فـــداه (2) – رؤى ومواقف من الحوار – لا مؤشرات تدفع نحو التفاؤل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آله الهداة المعصومين وبعد فمع أكثر من عنوان.


نتابع الحديث حول غَيبة الإمام المهدي أرواحنا فداه:
القيادة في الإسلام تتشكَّل – وفق منظور مدرسة أهل البيت – على النحو التالي:


(1) القيادة الأولى: قيادة النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وآله كانت بيده صلَّى الله عليه وآله القيادة الفكرية والفقهية والروحية والاجتماعية والسِّياسية…


(2) القيادة الامتدادية: قيادة الأئمَّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السَّلام..
وقد ثبت عن النبي صلَّى الله عليه وآله أنَّه قال: «الخلفاء بعدي اثنا عشر».
وقد دوَّنت هذا الحديث أهم المصادر المعتمدة لدى المسلمين السُّنة والشيعة بما فيها الصحيحان (البخاري ومسلم).


وفي فهم هذا الحديث توجد قراءتان: قراءة اعتمدتها المدرسة السُّنية وقراءة اعتمدتها المدرسة الشيعية.
وحينما نتحدَّث عن قراءة سنية وقراءة شيعية لا نريد أنْ نكرِّس الحسّ الطائفي، فهذا الحس مرفوض ويجب أنْ نحاربه جميعًا في عصر تحاول القوى المعادية للأمَّة أنْ توظِّف الصراعات الطائفية المدمِّرة لوحدة المسلمين…


ما نهدف إليه هو ممارسة علمية تتعاطى مع الرؤى الإسلامية المتعدِّدة بعيدًا عن لغة الإثارات ولغة التأجيج الطائفي…


فأمامنا في فهم الحديث المذكور «الخلفاء من بعدين اثنا عشر» قراءتان أو فهمان:
القراءة الأولى (أو الفهم الأول):
ونجد هذه القراءة أو الفهم لدى علماء المسلمين السُّنة.
ومن خلال استقراء المصادر الحديثيَّة السُّنية لم نعثر على قراءةٍ موَّحدة أو فهمٍ موَّحد، بل تعدَّدت التفسيرات، بل اعترف البعض من شرَّاح هذا الحديث عن عجزه في فهم أيّ معنى له…
كما صرَّح بذلك ابن العربي الأندلسي المالكي في شرحه على (سنن الترمذي) حيث قال بعد محاولته لتفسير الحديث: «ولم أعلم للحديث معنى» هذا نص كلامه…


وأمَّا ابن قيِّم الجوزية فقد قال في شرحه على سنن أبي داوود: «وأمَّا الخلفاء اثنا عشر فقد قال جماعة منهم أبو حاتم بن حيان وغيره أنَّ آخرهم عمر بن عبد العزيز فذكروا: الخلفاء الأربعة، ثمَّ معاوية، ثمَّ يزيد ابنه، ثمَّ معاوية بن يزيد، ثمَّ مروان بن الحكم، ثمَّ عبد الملك ابنه، ثمَّ الوليد بن عبد الملك، ثمَّ سليمان بن عبد الملك، ثمَّ عمر بن عبد العزيز…».


وأمَّا جلال الدين السيوطي فقد قال في كتابه (تاريخ الخلفاء): «فقد وجد من الاثني عشر خليفة: الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أنْ يضم إليهم المهدي من العباسيين لأنَّه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية، وكذلك الظاهر لما أوتيه من العدل، وبقي الاثنان المنتظران، أحدهما المهدي لأنَّه من آل بيت محمَّد [صلَّى الله عليه وآله]


وهكذا تستمر محاولات التفسير، دون أنْ نجد فهمًا موحدًا يعبِّر عن قراءة موَّحدة، ولا يضير التعدَّد إذا كانت القراءة وفق المعايير العلمية…
ولست هنا في صدد مناقشة هذه القراءة، فقد تناولت هذه المسألة بالتفصيل في كتابي (الإمام المنتظر قراءة في الإشكاليات) في الجزء الثالث…


والقراءة الثانية (الفهم الثاني) لهذا الحديث:
وقد اعتمد هذه القراءة (أو هذا الفهم) علماء المسلمين الشيعة الإمامية…
وتتجه هذه القراءة (أو هذا الفهم) إلى تفسير الحديث بـ (منظومة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السَّلام).


وهذه المنظومة تتشكَّل من:
(1) الإمام عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السَّلام.
(2) الإمام الحسن بن عليّ الزكي عليه السَّلام.
(3) الإمام الحسين بن عليّ الشهيد عليه السَّلام.
(4) الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السَّلام.
(5) الإمام محمَّد بن عليّ الباقر عليه السَّلام.
(6) الإمام جعفر بن محمد الصَّادق عليه السَّلام.
(7) الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السَّلام.
(8) الإمام عليّ بن موسى الرِّضا عليه السَّلام.
(9) الإمام محمَّد بن عليّ الجواد عليه السَّلام.
(10) الإمام عليّ بن محمَّد الهادي عليه السَّلام.
(11) الإمام الحسن بن عليّ العسكري عليه السَّلام.
(12) الإمام محمَّد بن الحسن المهديّ المنتظر عليه السَّلام.


وإذا أردنا أن نقارن بين القراءتين أو الفهمين فسوف نجد:
أوَّلًا: يطغى على القراءة الأولى التشويش، والارتباك، والتكلُّف، والحيرة، والاختلاف، وعدم التجانس.
وأمَّا القراءة الثانية فتضم منظومة عددية متلاحمة متكاملة ضمن نسق فكري روحي عملي واحد متجانس.


ثانيًا: في القراءة الأولى لا مصداقية للكثير من الأسماء المطروحة في الحفاظ على الإسلام، والقيمومة على الدِّين، والحماية للشريعة، والحصانة للأمَّة في مواجهة الضلال.


بينما الأسماء المطروحة في القراءة الثانية فتمثِّل منظومة ذات قيمة متميِّزة، حيث يشكِّل وجودها المعنى الكبير في عزَّة الإسلام، والدِّين والأمَّة.


ثالثًا: ويبدو الفرق كبيرًا وواضحًا بين أسماء القراءتين فيما هي الخصائص والمواصفات المؤهلات الإيمانية والروحية والفكرية والسلوكية والقيادية..
ولا شكَّ أنَّ الأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام يمتلكون خصائص ومواصفات وكفاءات لا يمتلكها غيرهم كما أكَّدت ذلك:
• النصوص القرآنية.
• الأحاديث النبوية المدوَّنة في أهم مصادر المسلمين.
• الواقع التاريخي الذي عاشه الأئمَّة عليهم السَّلام.
• التصريحات الصادرة عن رجال الفكر من علماء ومؤرخين وباحثين، فقد أجمعت هذه الكلمات على الاعتراف للأئمَّة من أهل البيت عليهم السَّلام بالموقع المتفرد في العلم والورع والخلق والفضل والشرف، ولست في حاجة إلى ذكر الشواهد.
نتابع الحديث إنْ شاء الله تعالى…


 


رؤى ومواقف من الحوار:


الاختلاف في الرأي السِّياسي حقٌّ مشروعٌ، بشرط أنْ لا يتحوَّل إلى خلاف وصراع يضعف أو يُشتت أو يُسقط الموقف…
ماذا إلى تحوَّل كذلك؟
رغم مشروعية الاختلاف، إذا كانت القناعات محكومة لبصيرة سياسية وشرعية، وليست نتاجًا لانفعالات، ومزاجات، وعصبيات…


أقول رغم مشروعية هذا الاختلاف، إلَّا أنَّ حماية الموقف مطلوبٌ ولا يجوز أنْ يزاحمه أيّ اعتبار آخر، فالحذر الحذر من تشتيت الموقف أو إسقاطه، لأنَّ في هذا ضياع لكلِّ الجهود، وإفشال للحراك، وقضاء على الأهداف، فإذا كانت هناك مواقع اختلاف، فإنَّ المساحات المشتركة أكبر، فيجب تعزيز وتقوية هذه المساحات لكي لا يخسر الجميع، وهنا يأتي دور القيادة الشرعية البصيرة في معالجة هذا الاختلاف وفي تحديد الخيار الأصلح وفق المعايير الفقهية والموضوعية…


بعد هذه المقدمة نعرض هنا إلى بعض الرؤى والمواقف:
(1)  في القوى المعارضة وفي الشارع مَنْ لا يعترف أساسًا بأيِّ حوار مع النظام، انطلاقًا من قناعات سياسية في التعاطي مع هذا النظام، ولكلٍّ الحقُّ في أن يعبّر عن رأيه وموقفه، ما دامت الأدوات المعتمدة مكفولة قانونًا، ولا يجوز أنْ يعاقب أحد على أساس الرأي السِّياسي، ولذلك تدين المنظمات الدولية، والحقوقية كلَّ الاعتقالات والمحاكمات التي تطال نشطاء الرأي.
من حقِّ النظام أو أيّ قوى أخرى أنْ تناقش القناعات السِّياسية لهذا الفصيل أو ذاك وفق الأسس العلمية والموضوعية، وأن تبرهن على فساد تلك القناعات وخطأها، ولكن ليس مِن حقِّ النظام أو أيّ قوى أخرى الاتهام أو الإدانة أو العقاب ما لم تتوفَّر الأدلة القطعية على ذلك.


(2)  اتجاه آخر في المعارضة وفي الشارع يؤمن بالحوار مع النظام، إلَّا أنَّه يرى أنَّ ما يجري ليس حوارًا حقيقيًا ولا جادًّا، لغياب مكوِّنات الحوار، ومناخاته، وشروطه، فهو ولد ميِّتًا، ولا يمكن أنْ تنفع معه وسائل الإنعاش، والتعاطي معه إضاعة للوقت والجهد، وهو لعبة أراد من خلالها النظام أنْ يلمِّع صورته، وأن يحسِّن سمعته، وأراد منه الاستهلاك الإعلامي، والالتفاف على مطالب الشعب، وإحداث شرخ في داخل قوى المعارضة وفي الشارع… فمن الغباء السِّياسي اللهث وراء هذا النمط من الحوارات الفاشلة الميِّتة.
 
(3)  الاتجاه الذي يؤمن بالحوار، ويرى أنَّه من المصلحة لقوى المعارضة أنْ تتعاطى بإيجابية مع هذا الحوار وفق ثوابت معينة لا يمكن التنازل عنها إطلاقًا، وهذا التعاطي يمنح قُوى المعارضة مصداقية دولية، كما يوفِّر الفرصة لإبراز نوايا النظام فيما هو الموقف من مطالب الشعب، وفيما هي الصدقية في دعوى الحوار، في ظل إصرار دول كبرى ومنظمات دولية على أن يتحرك الحوار لإنقاذ البلد من مأزق سياسي بات يهدِّد أوضاع المنطقة، ويدفع في اتجاه المزيد من التأزيم والتوتير.


والإشكالية التي واجهت حوار العرين وهو في مراحله الأولى في حجم التمثيل الرسمي، وهل الطرف الذي تحاوره المعارضة يمثِّل الحكم أو الحكومة، والفرق كبير بين العنوانين، لذلك أصرَّت قوى المعارضة أن يكون الحكم مُمثَّلًا في هذا الحوار وليس الحكومة، في حين يصر الحضور الرسمي أنَّه يمثِّل الحكومة، في الوقت الذي صدرت تصريحات من جهات رسمية أنَّ هذا الحضور ليس من أجل المشاركة في الحوار وإنَّما لترتيب الحوار فقط، فهذا الارتباك أدخل الحوار في مسارات تائهة، وفي تعقيدات تهدِّد استمراريته، وليس جزافًا أنْ يقال: أنَّ الحوار أريد له أن يبدأ مأزومًا، وأن ينطلق كسيحًا، وعلى كلِّ حال، أبقي الحوار على هذا الحال أم استطاع أن يتخلص من واقعه المأزوم والمرتبك، فإنَّ منتجاته لن تكون لها قيمة ما لم يصادق عليها الشعب في استفتاءٍ يملك كلّ النزاهة، وهذا ما يصرّ النظام وقوى الموالاة على رفضه، وعجيب هذا الإصرار على الرفض رغم النص الصريح في الدستور والميثاق بأنَّ الشعب هو مصدر السلطات، فلماذا يصادرون هذا الحقّ، رغم كلّ التبجحات عن الحرية والديمقراطية، فأيّ حرية وأيّ ديمقراطية إذا كنتم تضيقون من كلمة الشعب، وماذا يعني هذا الرعبُ من الاستفتاء؟


لا مؤشرات تدفع نحو التفاؤل


لا مؤشرات تدفع نحو التفاؤل، فمتى يستيقظ العقل، وتستيقظ الحكمة في معالجة الأوضاع، لا يأتي يوم إلَّا وهو الأسوء من سابقه، ونزيف الدم لا زال مستمرًا، والعقاب يطال حتَّى الأموات، وإلَّا فما معنى احتجاز جثة الشاب محمود الجزيري طيلة هذه المدة، رغم المطالبات والمناشدات، والنداءات، هكذا تمتهن كرامة الإنسان حيًّا وميِّتًا، أين الدين، والضمير، والقيم، والمبادئ، والقانون، وحقوق الإنسان…؟!


إنَّ هذا النهج لن يزيد هذا الشعب إلَّا إصرارًا، وثباتًا، واستمرارًا في حراكه، مهما كلَّفه ذلك من أثمان… أما آن أن يراجع النظام حساباته من أجل صالح هذا الوطن، ومن أجل خلاص هذا الشعب، إنَّ شعبًا كهذا الشعب يملك كلَّ الأصالة والطيب والنقاء والصفاء لا يستحق كلّ هذا العقاب، وكلّ هذا البطش، وكلّ هذا القتل…


ليست أمينة على مصالح هذا الوطن تلك الأصوات التي تحرِّض على العقاب، والبطش، والقتل، بلا وازع من دين أو ضمير أو قيم إنسانية…
لن تغفر لهم كلّ الأجيال، وعقاب الله سبحانه أشدّ وأقسى…
عصمنا الله من الزيغ والتيه وسوء المصير…


وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.  
 

Show More

Related Articles

Back to top button