ونبقى عشَّاقًا للحسين (ع) | كلمة ليلة الحادي عشر من شهر محرم 1434هـ بمأتم النعيم الغربي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ وعلى آله الطيِّبين الطاهرين…
السَّلام عليكم أيُّها الأحبة ورحمة الله وبركاته..
عظم الله أجورنا وأجوركم..
ونبقى عشَّاقًا للحسين (ع)
• ونبقى عُشَّاقَ الحسين
• وتبقى دماؤُنا فداءً للحسين
• ويبقى شعارُنا (لبَّيكَ يا حسين)
• لنْ يقوى كلُّ طغيان الدنيا أنْ يُسكتَ شعارَنا (لبَّيكَ يا حسين)
• لنْ يقوى كلُّ سلاحِ الدُّنيا أنْ يُسكتَ شعارَنا (لبَّيكَ يا حسين)
• لنْ تقوى كلُّ إغراءاتِ الدُّنيا أن تُسكتَ شعارَنا (لبَّيكَ يا حسين)
• سوف تبقى كلُّ نبضةٍ في قلوبنا تصرخُ (لبَّيكَ يا حسين)
• سوفَ تبقى كلُّ آهةٍ في ضمائرنا تصرخ (لبَّيكَ يا حسين)
• سوف تبقى كلُّ دمعةٍ في عيوننا تصرخُ (لبَّيكَ يا حسين)
• سوفَ تبقى كلُّ قطرةِ دمٍ في عروقنا تصرخُ (لبَّيكَ يا حسين)
• سوف تبقى كلُّ آلامنا، كلُّ أوجاعنا، كلُّ عذاباتنا، كلُّ مآسينا تصرخ (لبَّيكَ يا حسين)
• سوف يبقى كلُّ صمودِنا، كلُّ جهادِنا، كلُّ نضالنا، كلُّ حراكنا، كلُّ مواقفنا تصرخُ (لبَّيكَ يا حسين)
• سوف تبقى كلُّ منابرنا، كلُّ مواكبنا، كلُّ شعائرنا، كلُّ شوارعِنا، كلُّ قُرانا، كلُّ مُدنِنا، كلُّ منازلنا تصرخ (لبَّيكَ يا حسين)
• سوف يبقى كلُّ رجلٍ فينا، كلُّ امرأةٍ، كلُّ شيخٍ، كلُّ كهلٍ، كلُّ شابٍ، كلُّ شبلٍ، كلُّ طفلٍ، كلُّ رضيعٍ كلُّ جنين، كلُّ مَنْ في الأصلابِ والأرحام يصرخ (لبَّيكَ يا حسين)
• كلَّما ظلمونا، كلَّما قمعونا صرخنا (لبَّيكَ يا حسين)
• كلَّما سجنونا، كلَّما عذَّبونا صرخنا (لبَّيكَ يا حسين)
• كلَّما قطعوا منا الأيدي والأرجل صرخنا
لو قطعوا أرجلنا واليدين
نأتيك زحفًا سيدي يا حسين
• قوَّتُنا أنْ يبقى شعارُنا (لبَّيكَ يا حسين)
• عزُّنا أنْ يبقى شعارُنا (لبَّيكَ يا حسين)
• نصُرنَا أنْ يبقى شعارُنا (لبَّيكَ يا حسين)
• يُرعبُ الاستكبارَ أنْ يبقى شعار (لبَّيكَ يا حسين)
• يُرعبُ صُنَّاعَ الجريمة أنْ يبقى شعار (لبَّيكَ يا حسين)
• يُرعبُ جلادي الشعوب أنْ يبقى شعار (لبَّيكَ يا حسين)
من هنا نفهم لماذا يصرُّون أنْ تنتهي عاشوراء
من هنا نفهم لماذا يريدون لنا أنْ ننسى الحسين
ولكن لا لا لا لن ننسى الحسين
ومهما صنعوا، وبطشوا، وقالوا فلن ننسى الحسين ولن ننسى عاشوراء
• كلَّما تضرّج لنا شابٌ بدمه صرخنا (أبد والله ما ننسى حسينا)
• كلَّما سقط لنا شهيد في عمر الزهور صرخنا (أبد والله ما ننسى حسينا)
• كلَّما قدَّمنا قُربانًا على مذابح العزَّة والكرامة صرخنا (أبد والله ما ننسى حسينا)
• كلَّما ذُبح لنا طفلٌ بريئ صرخنا (أبد والله ما ننسى حسينا)
• وكلَّما هتكوا حرائرنا صرخنا (أبد والله ما ننسى حسينا)
• وكلَّما قمعوا شعائرنا صرخنا (أبد والله ما ننسى حسينا)
• وكلَّما هدَّدوا منابرنا صرخنا (أبد والله ما ننسى حسينا)
• وكلَّما أرعبوا جماهيرنا صرخنا (أبد والله ما ننسى حسينا)
وهكذا تبقى عاشوراء تلهم صمودَنا، إصرارنا، شموخنا…
وهكذا تبقى عاشوراء بلسمًا لكلِّ أحزاننا، لكلِّ جراحاتنا
لن ننسى يوم عاشوراء…
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد ذبحوا رضيع الحسين
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد بقي الحسين وحيدًا فريدًا
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد خسف الحجر الطائش جبهة الحسين
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد اخترق السهم المثلث قلب الحسين
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد جثم الشمر اللعين فوق صدر الحسين
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد حزَّ الشمر نحر الحسين
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد هشَّمت الخيل أضلاع الحسين
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد تزاحموا على سلب الحسين، سلبوا سيف الحسين ودرعه، سلبوا قميص الحسين، سلبوا سروال الحسين، سلبوا ثوب الحسين، سلبوا نعل الحسين، سلبوا عمامة الحسين…
وحاول بجدل أنْ يسلب خاتم الحسين، فوجد الدماء قد جمدت عليه، فقطع أصبع الحسين مع الخاتم…
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد أضرموا النيران في خيام الحسين…
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد امتدت الأيدي الآثمة تنهب وتسلب وتلاحق النساء والأطفال بالسِّياط…
• لن ننسى يوم عاشوراء وقد بقيت زينبُ الصمود والشموخ والصبر
تتابع مشهد المأساة…
– قلبٌ مشدودٌ إلى الجسد المقدَّس، وجراحاته الدامية…
وإلى الأجساد الراقدة على رمال كربلاء، مصبوغة بالدماء..
– وعينٌ تتابع الصور المؤلمة: طفلةٌ يُنزعُ قُرطُها، امرأة تُسلبُ ملحفتُها، صغيرةٌ هائمةٌ في البيداء، يتيمةٌ تسقط تحت حوافر الخيل، عليلٌ يتوكَّأ على عصا…
فما عسى أن تصنع زينب؟
لكِ الله يا بنت الزهراء وأنتِ تحملين في قلبكِ كلَّ المأساة، كلَّ الأحزان، كلَّ الآلام…
لكِ الله يا بنت الزهراء وأنتِ تقتلين الدمعةَ في عينيك لكي لا يسقط الموقف، والإرادة، والتحدِّي…
لكِ الله يا بنت الزهراء، والدربُ أمامكِ طويل طويل، وصعب صعب، هناك الكوفة، وهناك الشام، وما أدراك ما الشام…
وفي زحمة هذه الصور المؤلمة، وفي زحمة هذه الخواطر الحزينة، شدَّ زينبَ الشوقُ إلى جسد أخيها الحسين، فانحدرت – في الليل- تتخطى أشلاء القتلى، حتى وقفت عند الجسد المقدَّس، وقد سربل بالدماء، وازدحمت عليه الرماح والأسنَّة، والحجارة، والسِّهام، ألقت على الجسد الطاهر نظراتٍ مفجوعة، وأرسلت عبرات ساخنة، وآهات كئيبة، ومدَّت يدها إلى الجسد المقدَّس، وشدَّت طرفها إلى السَّماء «اللهمَّ تقبَّل منَّا هذا القربان».
أيُّها الأحبَّة يا عُشَّاقَ الحسين
هذه ذاكرةُ عاشوراء، ونحن حينما نصرُّ على استرجاع هذه الذاكرة العاشورائية لا من أجل أنْ نستسلم للأحزان والدموع، لا من أجل أنْ نستسلم للضعف والانكسار، لا من أجل أنْ نستسلم للظلم والقهر…
إنَّ ذاكرة عاشوراء تفجِّرُ فينا الغضب العاشورائي
إنَّ ذاكرة عاشوراء تفجِّرُ فينا الرفضَ العاشورائي
إنَّ ذاكرة عاشوراء تفجِّرُ فينا العنفوانَ العاشورائي
لماذا يحاربون عاشوراء؟
لماذا تُرعبُهم عاشوراء؟
إذا كانت عاشوراء تصنع ضعفًا، وانكسارًا، وهزيمةً في الواقع الشيعي…
إذا كانت عاشوراء تصنع لدى الإنسان الشيعي الاستسلام أمام الظلم، والقهر، والاستبداد…
فلماذا يُحاربون عاشوراء؟
فلماذا تُرعبُهم عاشوراء؟
هم يفهمون كلَّ الفهم ماذا تعني عاشوراء..
هم يعلمون تمامَ العلم ماذا تصنعُ عاشوراء..
عاشوراء ليست حدثًا في التاريخ قد انطوت صفحاته، وانغلقت ملفاتُه…
عاشوراء ليست مأساةً قد انتهت فصولُها وأحداثُها..
عاشوراء ليست جريمة مات صُنَّاعُها التاريخيون..
هم يفهمون ويعلمون أنَّ عاشوراء حدثٌ لا زالت صفحاته وملفَّاته مفتوحةً..
هم يفهمون ويعلمون أنَّ عاشوراءَ مأساةٌ لم تنتهِ فصولُها وأحداثُها..
هم يفهمون ويعلمون أنَّ عاشوراءَ جريمة يتجدَّدُ صُنَّاعُها ورموزُها…
لهذا يحاربون عاشوراء..
لهذا يريدون أنْ تُغلق ملفاتها..
لهذا تُرعبُهم عاشوراء..
إنّ عاشوراء تمثلُ المشروعَ المضاد لكلِّ مشروعٍ يستنسخ (النموذج اليزيدي) الذي أنتج مأساة كربلاء…
إنَّ عاشوراء تنتج أجيالًا تترسم (النموذج الحُسين)
هنا تتشكَّلُ المفاضلة الدائمة..
هنا يتشكَّلُ الرفض الدائم للظلم، للطغيان، للفساد، للانحراف…
هذا ما دفعهم إلى أنْ يتَّهمونا – ونحن نستحضر عاشوراء الحسين – بالعنف، والإرهاب، والتطرُّف، والطائفية…
هذا كذبٌ وافتراء…
فما دمنا عاشورائيين حسينيين لا يمكن أنْ نكونَ عنيفين، وإرهابيين، ومتطرِّفين، وطائفيِّين..
الذين صنعوا مأساة عاشوراء هم الذين مارسوا العنف، والإرهاب، والتطرُّف، والطائفيَّة…
ماذا تُسمِّي أنْ يُذبح طفلٌ رضيعٌ من الوريد إلى الوريد؟
ماذا تُسمِّي أنْ يُبضَّع جسدُ غلام لم يبلغ الحلم؟
ماذا تُسمِّي أنْ يُمزَّق جسد شابٍ في عمر الزهور إربًا إربًا؟
ماذا تُسمِّي أنْ يمزَّق سهمٌ مثلث قلب الحسين؟
ماذا تُسمِّي أنْ أن يصعد شمر فوق صدر الحسين؟
ماذا تُسمِّي أنْ يُحزَّ نحر الحسين؟
ماذا تُسمِّي أنْ يُسلب الحسين؟
ماذا تُسمِّي أنْ تُحرق خيام الحسين، أن تُسبَى نساء الحسين، أنْ تروَّع أطفال الحسين؟
هذا هو أشرس ألوان العنف والإرهاب والتطرُّف والطائفيَّة…
هناك صنَّاعٌ للعنف والإرهاب والطائفيَّة يتكرَّرون عبر التاريخ…
وهناك ضحايا يتكرَّرون…
إنَّنا كعاشورائيين الحسينيين لسنا صنَّاعَ عنفٍ وإرهاب وتطرُّف وطائفيَّة، إنَّنا ضحايا…
لا يمكن في يومٍ من الأيام أنْ نمارس العنف أو ندعو إليه… لأنَّ العنف جريمة…
أنْ نمارس الإرهاب أو ندعو إليه، لأنَّ الإرهاب ظلم…
أنْ نمارس التطرُّف أو ندعو إليه لأنَّ التطرُّف فساد…
أن نمارس النهج الطائفي أو ندعو إليه لأنَّ الطائفيَّة فتنة…
علَّمتنا عاشوراء الحسين أن نحارب الجريمة، والظلم، والفساد، والفتنة…
فكيف يمكن أنْ نمارس عنفًا، وإرهابًا، وتطرُّفًا، وطائفيَّة؟ إلَّا أن نخونَ رسالة عاشوراء الحسين، وأهداف عاشوراء…
ظلموه فاتَّهموه واستهدفوه
الرمز، الأب، القائد، الفقيه آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم تعرَّضَ ولا زال يتعرَّض إلى استهدافٍ ممنهج، ظالم، وقح…
لقد واجه سماحته ثلاثة أشكالٍ من الاستهداف:
(1) استهدفوا هويَّته الشخصيته، فسلبوا انتماءه التاريخي لهذا الوطن، وقالوا إنَّ جذوره لا تنتسب إلى هذه التربة، وقد تفضَّلوا عليه وجنَّسوه كما يُجنَّس الدُّخلاء على هذا الوطن…
أنا لا أذكر هذا الهراء الوقح لكي أعطيه قيمة، إنَّما لأبيِّن كم هي وقاحة هذا الاستهداف…
يا للعجب أنْ يتحوَّل الأصلاء الذين تجذَّر وجودهم العقيدي بوجود الإسلام في هذه الأرض وأما وجودهم العرقي فهم ينتسبون إلى قبائل عربية قطنت هذه الأرض قبل الإسلام، أنْ يتحوَّل هؤلاء الأصلاء دخلاء، ويتحوَّل الدُّخلاء أصلاء… هذا هو الظلم، والتزوير والعبث بالحقائق.
(2) استهدفوا خطابه، فقالوا عنه:
• إنَّه خطاب عنف
• وخطاب تحريض
• وخطاب تطرُّف
• وخطاب فتنة
• وخطاب طائفي
لسنا في حاجةٍ أنْ ندافع عن خطابه… فقد عرفته السَّاحة منذ أنْ تصدَّى لممارسة مسؤوليته الدينية، عرفَته:
• داعية إصلاحٍ وبناءٍ، وليس داعية هدمٍ ودمار.
• داعية تهدئةٍ وليس داعية تأزيمٍ.
• داعية محبَّةٍ وأخوَّةٍ وليس داعية فرقةٍ وخلاف.
• داعية سلمٍ وليس داعية عنف.
نعم في قاموسهم:
إنَّ كلَّ خطابٍ يحارب ظلم السلطة هو عنف..
إنَّ كلَّ خطابٍ يواجه بطش السلطة هو إرهاب..
إنَّ كلَّ خطابٍ يرفض عبث السلطة هو تطرُّف..
إنَّ كلَّ خطابٍ يحاسب فساد السلطة هو فتنة..
إنَّ كلَّ خطابٍ يكشف أخطاء السلطة هو تحريض..
إنَّ كلَّ خطابٍ يطالب بالحقوق هو طائفية..
إنَّ كلَّ خطابٍ يخالف مزاج الحكم هو خيانة..
ولكي يرضى النظام عن الخطاب:
فيجب أنْ يبارك هذا الخطاب كلَّ سياسات النظام ولا ينجيه حتى الصمت، لأنَّه ينتمي إلى طائفةٍ متَّهمة فلا خيار إلَّا المباركة والمداهنة، وفي ظني أنَّه سوف يتهم حتى في مباركته ومداهنته لأنَّه من قوم يؤمنون بالتقيَّة وهكذا، فلا مكان له إلَّا أنْ يُقذف به ليس في خارج الحدود فحسب، بل إلى كوكبٍ آخر لا حياة فيه…
(3) استهدفوا جمعته وصلاته:
في استنفارٍ غير مسبوقٍ حوصرت كلّ الطرق والمنافذ المؤدِّية إلى صلاة الجمعة في الدراز، ولوحق كلّ المتوجِّهين لأداء هذه الفريضة الدينية…
ماذا هناك في الدراز؟
عالم دين، متواضع كلّ التواضع في زيِّه ولبسه وهيئته…
لا يملك سلاحًا ولا عتادًا
وإنَّما يملك فقط (الثقة بالله) و(التوكّل على الله)
وإنَّما يملك جماهير (عشقته في الله)
ماذا يريدون من هذا الشيخ؟
• أرادوه أنْ يكون ذليلًا صاغرًا، فكان شعاره شعار الإيمان والعزَّة (هيهات منَّا الذِّلة)
• أرادوه أن يخضع ويخنع ويركع، فكان شعاره شعار العبَّاد الصالحين (لن نركع إلَّا لله)
• أرادوه أن يضعف، أن ينكسر، أنْ ينهزم، فارتفع صوته شامخًا يردِّد شعار القوَّة والكبرياء (الله أكبر)
• أرادوه أنْ يسكت خطابه المدافع عن الإسلام الحقيقي، فصرخ بكلِّ عنفوان (نفديك يا إسلام)
• أرادوا أن يقتلوا في داخله صرخة الحسين، فكان شعاره (لبَّيك يا حسين)
• أرادوا أنْ يفصلوا جماهيره عنه وعن خطِّ العلماء فصرخت الجماهير (لبّيك يا فقيه) وصرخت الجماهير (معكم معكم يا علماء)
فبوركت جماهير تحمل كلَّ الوفاء، وكلَّ الصدق، وكلَّ الصمود، وكلَّ الإصرار…
ماذا وراء هذه الإجراءات؟
أقدمت السلطات في البحرين على إجراءاتٍ غير مسبوقةٍ ضدَّ موسم عاشوراء، باعتقال علماء، واستدعاء خطباء، ورواديد ومنشدين، ومسؤولي مآتم، واعتداء على مراسيم عاشورائيَّة، وملاحقة ناشطين في هذا الموسم…
ماذا وراء هذه الإجراءات؟
ربَّما تكون هناك بعضُ أهدافٍ سياسيَّة، في مواجهة أيَّ حضورٍ لهذا الموسم في قضايا السَّاحة، وفي خطوة استباقية خشية أن يكون لخطاب وفعاليات عاشوراء دور في المشهد السِّياسي.
وربَّما تكون وراء ذلك بعضُ أهدافٍ أمنيَّة، في سياق الاستنفار الأمني الضاغط على أوضاع هذا الشعب.
ولكنَّ الدلالة الأوضح لهذه الإجراءات هي (الاستهداف الطائفي الممنهج) من خلال:
1- محاولة الاستضعاف المذهبي (على عدَّة مستويات)..
2- مصادرة حقِّ ممارسة الشعائر الدينية..
3- إرباك فعَّاليات عاشوراء..
4- الاستفزاز النفسي لأتباع المذهب..
وهذا يكشف عن نزعةٍ طائفيَّةٍ متطرِّفة، فمنذ تاريخٍ طويلٍ جدًا وهذه الممارسة العاشورائيَّة قائمة في هذا البلد لم يتجرَّأ أحدٌ على إيقافها، أو الإساءة إليها، أو التشويش عليها…
إنَّ استمرار هذا النهج سوف تكون عواقب خطيرة جدًا…
ولن تقنعنا الأمور التي طرحتها السُّلطة تبريرًا لهذه الإجراءات، فدعوى أنَّ المنابر الدينيَّة تحرِّض على العنف أو تبثّ الكراهية أو تثير الطائفية أو تمارس التسييس المفرط والمباشر، هذه دعوى لا مصداقية لها إطلاقًا، وتقدَّم القول أنَّ منابرنا لا يمكن أن تحرِّض على العنف أو تبثّ الكراهية، أو تثير الطائفيَّة…
أمَّا مسألة التسييس للمنابر الدينيَّة، فتحتاج إلى وقفةٍ طويلة – لا تتَّسع هذه الكلمة – ويكفي أنْ القول إنَّ التسييس المحرَّم في نظر السلطة هو محاسبة الوضع السِّياسي والأمني في هذا البلد، وإلَّا لو كانت المنابر الدينيَّة تبارك كلَّ سياسات السلطة، وكلَّ إجراءاتها الأمنية، لكان هذا من صميم وظائف الخطاب الديني…
ونقطة أخرى أثيرها هنا: إنَّ الاستجوابات التي واجهت كلَّ مَنْ تمَّ استدعاءهم من خطباء ورواديد ومسؤولي مآتم لم تثبت وجود مخالفات أمنية، أو إثارات طائفية أو ممارسات غير مألوفة في هذا الموسم، وبعض هذه الاستجوابات مثيرة للدهشة والاستغراب، فمتى كان الخطاب العاشورائي يُحاسب لكونه أساء إلى يزيد بن معاوية أو لكونه عرَّض بالدولة الأموية..
يا للعجب ويا للسخرية متى كان يزيد بن معاوية الذي قتل الحسين بن علي سبط رسول الله صلَّى الله عليه وآله، واستباح مدينة الرسول الأعظم صلَّى الله عليه وآله، وهدم الكعبة قبلة المسلمين، ومارس ما مارس من العبث بالدين والقيم والمقدَّسات، وارتكب الفواحش والموبقات، متى كان هذا الإنسان محل احترام أحدٍ من البشر؟
ونِعمَ ما قاله أحد الشعراء:
رافع الصوت داعيًا للفـــلاح اخفض الصوت في أذان الصباح
وترفَّق بصاحب العرش مشغولًا عن الله بالقيان الملاح
ألف الله أكبر لا تساوي بين كفي يزيد نهلة راح
ومتى كانت الدولة التي ارتكبت ما ارتكبت من ظلمٍ وإرهاب، وسفكٍ للدماء وهتكٍ للأعراض، وعبثٍ وفسادٍ، وجرائم، وفواحش، وموبقات، والتاريخ شاهدٌ على ذلك… متى كانت الدولة عنوان مجدٍ لهذه الأمة…
رحم الله السَّيد الوردي الذي تصدَّى لأحمد شوقي حينما قال قصيدةً يترنَّم فيها بمجد الأمويين، أجاب السَّيد الوردي:
هـذا هـو المجـد، لا مـا قـال قائلهـم: (قُمْ ناجِ جُلَّقَ وانشدْ رَسمَ مَـن بانـوا) (1)
بُورِكَـت «شَوقـيُّ» هـل أغـراك بارِقُهـم إذ رُحتَ تبكي ودمـعُ العيـنِ هَتَّانُ؟! (2)
مَـرَرتَ بالمسجـد المَـحـزونِ تَسـألُـهُ: هل في المصلَّى أو المحرابِ مَـروان؟
أأنت أعمى فيا عوفيـتَ مِـن عَمـَهٍ فكيـف يُوجَـد فـي المحـرابِ شيـطـانُ؟!
أنَّى لهـم بـأُصـولِ الـديـن معـرفـة؟! هـل يَعـرِف الديـنَ خَمّـارٌ ودَنّـانُ؟! (3)
الطـاسُ والـكـاس والطُّنـبُـورُ دينُـهـمُ فَجَـدُّهـم نـاقـرٌ والابـنُ سـكــرانُ!
فيـا «أميـرَ القـوافـي» إن أردتَ عُـلًا قِفْ في رُبا الطفِّ وانشدْ رسمَ مَن بانوا
ودَعْ أُمـيَّةَ فـالـتـاريـخُ يَـعـرِفُـهُـم ولا يَـغُـرَّنْـك سـلـطـانٌ وتـيـجــانُ
ليست رؤيتنا خاطئة للتاريخ، كما زعمت أحد الجمعيات الدينيَّة في هذا البلد، حيث أصدرت بيانًا يقطر الطائفية، ويحرِّض بشراسة على شعائر عاشوراء، ويتَّهم الذين يمارسون إحياء هذا الموسم بتهمٍ باطلة، فنحن لا نسمح بسبِّ الصحابة الذين هم محلُّ احترام المسلمين، ولا نسمح بقذف أم المؤمنين، نعم نحاسب قضايا التاريخ محاسبة علمية موضوعية، نعم نحن لا نضع معاوية ويزيد والحجَّاج وأضرابهم ضمن رموز التاريخ الذين لا يجوز المساس بهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
الهوامش:
(1) جُلَّق: اسم مدينة دمشق قديمًا، بانوا: بعدوا.
(2) هتّان: كثير القَطْر.
(3) الدنّان: صانع الدِّنان، وهي أوعية ضخمة تُتَّخَذ للخمر.