يوم القدس العالمي: كيف يجب أن يتعاطى المسلمون مع يوم القدس العالمي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
سؤال كبير يطرح نفسه.
٭ كيف يجب أن يتعاطى المسلمون مع يوم القدس العالمي؟
وقبل الإجابة عن السؤال أودّ أن أسجل الأسف الكبير لهذا التغافل المتعمد الذي يواجه به إعلام الدول العربية والإسلامية هذا اليوم، فلا نجد ولو «صدىً باهتاً» ليوم القدس العالمي في صحافة هذه الدول أو في إذاعاتها أو محطاتها التلفازية ولا في خطاباتها السياسية والثقافية.
٭ لماذا هذا التغافل المقصود؟
هل لأنّ هذا اليوم هو «أطروحة الدولة الإسلامية في إيران »؟
ربّما يكون ذلك، وربّما تكون هناك أسباب أخرى مجهولة لدينا، وإذا كان لأنظمة الحكم والسياسة في بلدان المسلمين، مبرراتها المعلومة أو المجهولة، فما هي مبررات علماء المسلمين، وما هي مبررات المثقفين، والسياسيين والأحزاب، والمؤسسات غير الرسمية، ما هي مبررات هؤلاء جميعاً في التغافل والإهمال لهذا اليوم، تلك تساؤلات نطرحها، ونحن متأكدون أنّها لن تجد إجاباتٍ واضحة أو غير واضحةٍ، هكذا غُيّبت «هذه الإطروحة الدينية السياسية» بالغة الأهمية والخطورة في الإعلام الرسمي، وفي الخطاب السياسي، وفي الخطاب الثقافي.
إنّنا ندعو مؤسسات الإعلام والثقافة والسياسة في بلداننا العربية والإسلامية أن تعيد النظر في مواقفها السَّلبية من هذا اليوم الذي يحاول أن يعطي للقدس حضورها الحقيقي في واقع المسلمين، كما ندعو كل القدرات والكفاءات والفعاليات الأهلية أن تنفتح على هذا اليوم، من خلال التعاطي الواعي والجاد مع أهدافه ودلالاته.
نعود للسؤال المطروح.
كيف يجب أن يتعاطى المسلمون مع يوم القدس العالمي؟
لكي يتعاطى المسلمون مع هذا اليوم «التعاطي الحقيقي» يفترض أن يتوفروا على مجموعة عناصر:
العنصر الأول:أن يملكوا رؤية واعية بأهداف ومعطيات يوم القدس العالمي
إنّ غياب هذه الرؤية ينتج إحدى السلبيتين التاليتين:
٭ السلبية الأولى: غياب الإهتمام بهذا اليوم، وإلغاء التعاطي معه.
٭ السلبية الثانية: التعاطي البليد، الذي يفرّغ هذا اليوم من دلالاته ومضامينه ومعطياته.
من الضرورة لإنتاج «التعاطي الحقيقي» أن تتوفر «الرؤية الواعية» و «الفهم الناضج» لأبعاد وأهداف ومعطيات يوم القدس العالمي.
٭ ما هي أهم أهداف هذا اليوم؟
1ـ إعادة الحضور الحقيقي لقضية القدس في وعي المسلمين، وفي وجدانهم، وفي واقعهم الروحي والثقافي والاجتماعي والسياسي
2ـ صياغة «الهوية الحقيقية» لقضية القدس في زحمة الصياغات التي تحاول أن تصادر «الهوية الإسلامية» لهذه القضية.
3ـ إعطاء القضية امتدادها الأوسع و الأشمل الذي يتجاوز محاولات «التحجيم» لقضية القدس في الدائرة الفلسطينية أو في الدائرة العربية.
وغير ذلك من الأهداف، ربما أتناول هذه الأهداف بشكل أكثر تفصيلاَ في مشاركات قادمة – إنشاء الله تعالى-.
العنصر الثاني: التعاطي الوجداني مع يوم القدس العالمي.
ونعني بالتعاطي الوجداني «التفاعل النفسي والعاطفي»، وضرورة هذا اللون من التفاعل كونه يخلق «حرارة التعاطي» بما تختزنه هذه الحرارة من فاعلية وحيوية وحركية، إنّ غياب «التفاعل النفسي والعاطفي» ينتج شكلاً من التعاطي البارد والراكد والفاقد للنبض والحرارة والفاعلية، الإنفتاحات الفكرية والثقافية المجردة الخالية من المخزونات العاطفية والشحنات النفسية، تعتبر إنفتاحات خاملة، وفاترة، ومشلولة.
إنّ هذه الإحتفالات والمهرجانات بيوم القدس العالمي تساهم في تعبئة الأمة عاطفياً للتعاطي مع هذا اليوم، وقيمة هذه الإحتفالات والمهرجانات الجماهيرية أن تمارس دور التعبئة بكل مكوّناتها الروحية والفكريّة والعاطفيّة والسياسيّة والجهاديّة.
العنصر الثالث: الانصهار الروحي مع يوم القدس
»المضمون الروحي «عنصر هام من عناصر تشكّل وتكوّن العلاقة مع يوم القدس، وهنا تتميّز الأطروحة الإسلامية ليوم القدس عن بقيّة الأطروحات، فمهما حاولت الأطروحات الأخرى أن تعبّئ الجماهير فكريّاً واجتماعيا وسياسياً في اتجاه التعاطي مع قضية القدس، فإنّ خطابها الثقافي والسياسي لا يملك القدرة على خلق الانصهار والحماس عند جماهير الأمة، كما هو الخطاب الإسلامي الذي يعتمد المضمون الروحي في صياغة هذا الانصهار والحماس.
الفارق كبير وكبير جداً بين أن تحاول أن تدخل قضية القدس في وعي الأمة وفي وجدان الأمة وفي واقع الأمة من خلال المضمون الثقافي البحت أو من خلال المضمون السياسي البحت، وبين أن تحاول أن تدخلها في هذا الوعي وهذا الوجدان وهذا الواقع من خلال «المضمون الروحي بما يختزنه هذا المضمون من معطيات إيمانيّة وزخم عقيدي، واندماجات عبادية.
العنصر الرابع: الصياغات العملية للتعاطي مع يوم القدس.
قد تكون» الاحتفالات والمهرجانات والمسيرات «هي أبسط هذه الصياغات، ورغم أهمية هذه الاحتفالات والمهرجانات والمسيرات بما تحمله من معطيات كبيرة إذا توفّرت على الإخلاص والوعي والبرمجة الهادفة الجادة فإنّها تشكل إحدى الصياغات العملية بل من أبسطها – كما قلنا- .
إذا أريد ليوم القدس أن يحقق أهدافه الكبيرة، فيجب أن يتحوّل إلى مشروع عملي يختزن برنامجاً شاملاً لصياغة الموقف في التعاطي مع قضية القدس.
ورغم ما للعناصر الثلاثة الأولى من أهميّة وخطورة فإنها تبقى فاقدة المضمون إذا لم تترجم إلى «صياغة عملية» متحركة، هذه الصياغة العملية المتحركة هي التي تضع المسلمين أمام مشروع «التضامن الحقيقي» مع قضية القدس، فلا يكفي التضامن من خلال الكلمات والخطابات والمؤتمرات، رغم ما للمسألة الإعلامية من أهميّة كبيرة، بل يجب أن يتحول التضامن إلى ممارسات عملية صادقة وإلى دعم حقيقي.
فيجب على المسلمين جميعاً أن يوظّفوا كل إمكاناتهم وقدراتهم الاقتصادية والسياسية، والإعلاميّة، والثقافية، في خدمة قضية القدس، وفي دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني.
إن أشكال الدعم المادي والمعنوي والسياسي كثيرة جداً، وهي التعبير الحقيقي للتعاطي مع قضية القدس، وللتضامن مع الانتفاضة المباركة التي أصبحت تشكّل التحدّي الحقيقي للكيان الصهيوني الغاصب، مما أوقع هذا الكيان وقياداته السياسية في مأزق كبير، وما هذه الاعتداءات الطائشة إلا دليل صارخ على هذا الارتباك والتأزم والقلق.
أيها الإخوة في الله.
إنّ إعطاء يوم القدس العالمي دوره الفاعل والحقيقي في حركة الأمة مسؤولية كبيرة يتحملها جميع المسلمين، وخاصة القادرين على تفعيل وتنشيط أهداف هذا اليوم على كل المستويات الروحية والثقافيّة والاجتماعية والسياسيّة.
إنّ هذه المسؤوليّة لا تنطلق من حسابات وطنيّة أو قوميّة أو سياسيّة بحتة، وإنّما هو التكليف الإسلامي، والواجب الديني، والالتزام الشرعي، مما يعطي لهذه المسؤولية مضمونها الإيماني المقدس، وأبعادها الرسالية الكبيرة، ودورها الجهادي الفاعل.
وعند هذا المنعطف من الحديث أودّ أن أثير مسألة «المركزية في الاحتفال بيوم القدس العالمي، إننا لا نشك في أهمية أن يرتفع صوت هذا اليوم في كل قرية، وفي كل مدينة، وفي كل موقع، لإيجاد زخم فكري ونفسي وعملي كبير يتحرك في كل الساحات، إلاّ أنّ التوفر على احتفالات ومهرجانات مركزية يعطي لهذه المناسبة هيبتها الحقيقية وعنوانها الأقوى، وتوظيفها الأفعل، كما أن هذه المركزية تعبّر عن التوحد والتلاحم، وتجميع القوى والطاقات والقدرات، فما أحوج هذه المرحلة إلى وحدة الصف، والتقاء الجهود، وتكتيل القدرات، وانّ أيّ محاولة لتفتيت القوى، وتشتيت الطاقات، وبعثرة الإمكانات، وزرع الفرقة والخلاف والصراع في داخل الصف، هي خيانة كبيرة، وجناية لا تغتفر مهما كانت المبرّرات المطروحة.
لا إشكال في أن تختلف الرؤى والتصورات والآراء والاجتهادات، ولكن أن يتحول هذا الاختلاف إلى خلافات وصراعات ومواجهات ومهاترات وإسقاطات، فهو أمر مرفوض ولا يقرّه العقل والدين والقانون النظيف.