حديث الجمعة 296: في رحاب شهر شعبان – علاقة الشَّأن السِّياسي بالعبادة – رحل المحقِّق الكبير الشيخ القرشي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وآله الهداة المعصومين وبعد: فمع هذا العنوان:
في رحاب شهر شعبان:
شعبان شهرٌ له مكانته الكبيرة، بما يملكه من خصوصيَّات متميِّزة:
أوَّلُ هذه الخصوصيات:
أنَّه شهر رسول الله صلَّى الله عليه وآله..
• كان صلَّى الله عليه وآله إذا رأى هلال شعبان أمر مناديًا ينادي في المدينة: «ألا إنَّ شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري» يعني بصومه.
• وفي الدعاء الوارد عن الإمام زين العابدين عليه السَّلام في زوال كلِّ يومٍ من أيام شعبان: «وهذا شهر نبيِّك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان».
وثاني الخصوصيات:
إنّه شهر تتشعَّبُ فيه الخيرات..
• في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«سمَّاه ربُّنا شعبان لتشعُّبِ الخيراتِ فيه، وشُعَبُ خيراته الصَّلاة والزكاةُ، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، وبرُّ الوالدين والقراباتِ والجيرانِ، وإصلاحُ ذات البين، والصَّدقةُ على الفقراء والمساكين… إلى آخر الحديث».
وثالث الخصوصيات:
أنَّه يحتضنُ مناسباتٍ شريفةً مباركةً:
في الثالث من شهر شعبان (السنة الثالثة للهجرة) كانت ولادةُ الإمام الحسين عليه السَّلام.
وفي الرابع من شعبان (السنة السادسة والعشرين) كانت ولادةُ أبي الفضل العباس بن علي عليه السَّلام.
وفي الخامس من شعبان (سنة 38هـ) كانت ولادةُ الإمام علي بن الحسين السَّجاد عليه السَّلام.
وفي النصف من شعبان (سنة 255هـ) كانت ولادةُ إمام العصر المهدي المنتظر أرواحنا فداه.
ورابعُ الخصوصيات:
إنَّه فيه ليلة تلي ليلةَ القدرِ في الشرف والفضل.
• سئل الإمامُ الباقرُ عليه السَّلام عن فضلِ ليلةِ النصف من شعبان؟ فقال عليه السَّلام: «هي أفضل الليالي بعدَ ليلةِ القدر، فيها يمنح اللهُ العبادَ فضلَهُ، ويغفر لهم بمنِّهِ، فاجتهدوا في القربة إلى اللهِ فيها، فإنَّها ليلةٌ آلى اللهُ على نفسِهِ أنْ لا يردَّ سائلًا فيها، ما لم يسأَلِ اللهَ المعصيةَ، وإنَّها الليلةُ التي جعلها اللهُ لنا أهل البيت بإزاءِ ما جعلَ ليلةَ القدرِ لنبيِّنا صلَّى الله عليه وآله، فاجتهدوا في دعاءِ الله والثناء عليه».
وخامسُ هذه الخصوصيَّات:
إنَّه شهرٌ يهيِّئ لشهر الله شهر رمضان…
فمن خلال التزوُّدِ والتعبّأ بالشحنات الروحية الكبيرة في شهر شعبان نتهيَّأ لأنْ نكونَ ضيوفَ الله في شهر الله شهر رمضان، وبقدر ما نرتقي في هذا التهيُّؤ والتعبّأ نكون أكثر استعدادًا وتأهلًا للضيافة الربانية في الشهر الفضيل، فاستثمروا – أيُّها المؤمنون- شهر شعبان، وجدّوا واجتهدوا في طاعة الله، وفي عبادته، والتقرّبِ إليه بصنوف القربات وأعمال الخير…
وقد جاء التأكيد على مجموعة أعمال لها قيمتها الكبيرة عند الله سبحانه، نذكر منها:
(1) الصيام:
وهو من المستحبات المؤكَّدة في هذا الشهر، حيث كان رسول الله صلَّى الله عليه وآله يدأب على صيام شعبان ويوصل صومه بصوم شهر رمضان.
• روى ابن طاووس في الإقبال أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله قال: «شعبانُ شهري ورمضانُ شهر الله، فمَنْ صامَ يومًا من شهري كنت شفيعَهُ يوم القيامةِ، ومَنْ صام يومين من شهري غَفَر اللهُ له ما تقدَّم من ذنبِهِ، ومَنْ صامَ ثلاثةَ أيامٍ من شهري قيل له (طهرتَ من ذنوبك) استأنف العمل».
• وجاء في الإقبال عن أمير المؤمنين عليه السَّلام أنَّه قال: «ما فاتني صومُ شعبانَ منذُ سمعتُ منادي رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله ينادي في شعبان، ولن يفوتني أيامَ حياتي صومُ شعبانَ إن شاء الله تعالى».
• وروى المجلسي في زاد المعاد عن الإمام الصَّادق عليه السَّلام أنَّه قال:
«كان السَّجادُ عليه السَّلام إذا دخل شعبانُ جمعَ أصحابَهُ وقال عليه السَّلام: يا أصحابي أتدرون ما هذا الشهر؟ هذا شهرُ شعبانَ، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله يقول: (هذا شهري) فصوموا هذا الشهر حبًّا لنبيِّكم، وتقرُّبًا إلى ربِّكم، أقسمُ بمَنْ نفسي بيده لقد سمعتُ أبي الحسين عليه السَّلام يقول: سمعت أمير المؤمنين عليه السَّلام يقولُ: مَنْ صامَ شعبانَ حُبًّا لرسول اللهِ صلَّى الله عليه وآله، وتقرُّبًا إلى الله تعالى أحبَّهُ الله، وقرَّبَهُ إلى كرامتِهِ يومَ القيامةِ وأوجبَ له الجنَّة».
(2) الإكثارُ من الاستغفار:
يظهر من الروايات أنَّ أفضل الأذكار في هذا الشهر «الاستغفار».
إنَّ الاستغفار بشكلٍ عام مؤكَّدٌ عليه قرآنيًّا، وفي الأحاديث الكثيرة:
• ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. (الذاريات/ 18)
• ﴿… وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. (آل عمران/ 17)
• ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾. (نوح/ 10)
• ﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. (الأنفال/ 33)
• ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾. (النساء/ 110)
• وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله: «لكلِّ داءٍ دواء، ودواءُ الذنوب الاستغفار».
• وقال صلَّى الله عليه وآله: «طوبى لمَنْ وُجِدَ في صحيفته استغفارٌ كثيرٌ».
• وقال صلَّى الله عليه وآله: «أكثروا من الاستغفار، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يُعلِّمكم الاستغفار إلَّا وهو يريد أنْ يغفرَ لكم».
• وقال صلَّى الله عليه وآله: «إنَّ اللهَ تعالى يغفرُ للمذنبينَ إلَّا مَنْ لا يريدُ أنْ يُغفرَ له.. قالوا: يا رسول الله! مَنْ الذي يريد أنْ لا يُغفرَ له؟! قال صلَّى الله عليه وآله: مَنْ لا يستغفر».
والاستغفار في المناسبات الشريفة له خصوصيَّته الكبيرة كالاستغفار في شهر رمضان، وفي شهر شعبان، وفي شهر ذي الحجَّة، وفي ليالي وأيام الجمع، وأوقات السحر…
وأمَّا عن الاستغفار في شهر شعبان:
• فعن الإمام الصَّادق عليه السَّلام: أنْ تقول في كلِّ يومٍ سبعين مرَّة «أستغفر الله وأسأله التوبة».
• وقد جاء في زاد المعاد للشيخ المجلسي: أنَّ مَنْ استغفر كلَّ يومٍ [من أيام شعبان] سبعين مرَّة كمَنْ استغفر في غيره سبعين ألف مرَّة».
أيُّها الأحبَّة؛ الاستغفار الذي يحقِّق أهدافه:
– هو الاستغفار الخالص لله تعالى.
– هو الاستغفار الذي يعبِّر عن ندمٍ حقيقي.
– هو الذي يمثِّل إقلاعًا جادًّا عن الذنوب والمعاصي.
– هو الذي يدفع إلى إعادة كلِّ الحسابات…
(3) الإكثار من الصَّلاة على محمدٍ وآل محمدٍ صلَّى الله عليه وآله..
ففي ذلك أعظم الأجر والثواب…
هناك تأكيداتٌ عامةٌ مكثَّفة على الصَّلاة على محمدٍ وآل محمد في كلِّ الأوقات والأزمان:
• ففي الكتاب المجيد:
﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. (الأحزاب/ 56)
• وعن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله:
«أكثروا الصَّلاة عليَّ فإنَّ الصَّلاة عليَّ نورٌ في القبر، ونورٌ على الصِّراط، ونورٌ في الجنَّةِ».
• وعنه صلَّى الله عليه وآله قال:
«جاءني جبرائيل فقال: يا محمد لا يصلِّي عليكَ أحدٌ من أمَّتك إلَّا صلَّى عليه سبعون ألف مَلك، ومَنْ صلَّتْ عليه الملائكةُ كان مِنْ أهل الجنَّة».
• وفي الحديث عن الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«إذا ذُكر النبيُّ صلَّى الله عليه وآله فأكثروا من الصَّلاة فإنَّ مَنْ صلَّى على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله مرَّةً واحدةً صلَّى الله عليه ألف صلاةٍ في ألف صفٍ من الملائكة، ولم يبق شيئٌ ممَّا خلق الله إلَّا صلَّى على العبد لصلاة الله وملائكته، فمَنْ يرغب عن هذا فهو جاهلٌ مغرور قد برئ اللهُ منه ورسولُه وأهلُ بيته».
• وعن الإمام الرِّضا عليه السَّلام:
«مَنْ لم يقدر على ما يكفِّر به ذنوبَه، فليكثر من الصَّلاة على محمدٍ وآل محمدٍ فإنَّها تهدم الذنوب هدمًا».
• وعنه صلَّى الله عليه وآله:
«كلُّ دعاءٍ محجوبٌ حتى يصلَّى على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله».
• وعنه صلَّى الله عليه وآله:
«حيثما كنتم فصلُّوا عليَّ فإنَّ صلاتكم تبلغني».
• وعنه صلَّى الله عليه وآله:
«إنَّ أبخلَ الناسِ مَنْ ذكرتُ عنده ولم يُصَلِّ عليَّ».
• وعن الإمام الباقر أو الإمام الصَّادق عليهما السَّلام:
«أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصَّلاة على محمد وعلى أهل بيته».
والأحاديث كثيرة كثيرة مدوَّنة في مصادر المسلمين..
وأمَّا كيفية الصَّلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله فقد أكَّدت الروايات على إضافة (الآل) وإلَّا كانت الصَّلاة بتراء مردودة…
• روى البخاري في صحيحه:
في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب/ 56)، قيل يا رسول الله أمَّا السَّلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصَّلاة عليك قال [صلَّى الله عليه وآله]: «قولوا اللهمَّ صلِّ على محمدٍذ وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهمَّ بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد».
وبهذا المعنى وردت أحاديث كثيرة في صحاح المسلمين المعتمدة.
• ورُوي عنه صلَّى الله عليه وآله أنَّه قال:
«لا تصلّوا عليَّ الصَّلاة البتراء… قالوا: وما الصَّلاة البتراء؟ قال صلَّى الله عليه وآله: تقولون اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وتمسكون، بل قولوا: اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ».
• ورُوي عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله أنَّه قال لأمير المؤمنين عليه السَّلام:
«ألا أبشِّرك؟
قال: بلى بأبي أنت وأمِّي فإنَّك لم تزل مبشرًا بكلِّ خير.
قال صلَّى الله عليه وآله: أخبرني جبرئيل آنفا بالعجب…
فقال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): وما الذي أخبرك يا رسول الله؟
قال صلَّى الله عليه وآله: أخبرني أنَّ الرجل من أمَّتي إذا صلَّى عليَّ، وأتبع بالصَّلاة على أهل بيتي، فتحت له أبواب السَّماء، وصلَّت عليه الملائكة سبعين صلاة، ثمَّ تحات عنه الذنوب كما تحاتُّ الورق من الشجر، ويقول الله تبارك وتعالى: لبَّيك عبدي وسعديك، يا ملائكتي أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة وأنا أصلي عليه سبعمائة صلاة…. (ثمَّ قال صلَّى الله عليه وآله) فإذا صلَّى عليَّ ولم يتبع بالصَّلاة عليَّ أهلَ بيتي كان بينها وبين السَّماء سبعون حجابًا، ويقول الله جلَّ جلاله: لا لبَّيك ولا سعديك، يا ملائكتي لا تُصعدوا دعاءه إلَّا أن يُلحق بالنبيِّ عترته… فلا يزال محجوبًا حتى يُلحِقَ بي أهل بيتي…».
فلا أدري لما يصرّ أغلب المسلمين على إلغاء «الآل» في صلواتهم على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله، رغم كثافة الروايات التي تؤكِّد إضافة (الآل)، ومن أظرف ما تقرأ أحيانا كتابًا يسوق هذه الروايات، إلَّا أنّه يصر على حذف (الآل) فتراه يقول: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم [بدون ذكر الآل] لا تصلّوا عليَّ الصَّلاة البتراء…
نسأل الله تعالى أن لا يحرمنا بركات آل محمدٍ صلَّى الله عليه وآله…
ونسأله تعالى أن يجعل ألستنا رطبةً دائمًا بالصَّلاة على محمدٍ وآل محمد، ولا سيَّما في شهر الله الفضيل، وفي الأشهر المباركة كرجب وشعبان…
• في الحديث عن الإمام الصَّادق عليه السَّلام أنَّه قال:
«إنَّ رسول الله [صلَّى الله عليه وآله] قال: شعبان شهري فأكثروا فيه من الصَّلاة عليَّ».
• وقال صلَّى الله عليه وآله في خطبته الرمضانية: «ومن أكثر فيه من الصَّلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين»
ويبقى الإكثار من الصَّلاة على محمَّدٍ وآل محمَّد صلَّى الله عليه وآله، عنوانًا مفتوحًا في كلِّ الأزمان والأوقات.
• قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله:
«إنّ أولى النَّاس بي أكثرهم عليَّ صلاةً».
• وقال صلَّى الله عليه وآله:
«ليردنَّ عليَّ الحوضَ يوم القيامة أقوامٌ ما أعرفهم إلَّا بكثرةِ الصَّلاة عليَّ».
(4) وهكذا يكون شهر شعبان (موسمًا عباديًّا).
– يُعبِّأُنا روحيًّا من خلال الصَّلاة والدعاء والذكر وتلاوة القرآن، والاعتكاف وغيرها من مفردات العبادة…
– ويُعبِّأُنا ثقافيًّا…
– ويُعبِّأُنا سلوكيًّا…
– ويُعبِّأُنا رساليًّا وسياسيًّا وجهاديًّا…
علاقة الشَّأن السِّياسي بالعبادة
ربّما يتساءل البعض: وما علاقة الشَّأن السِّياسي بالعبادة؟
له كلّ العلاقة، فوظيفة الدِّين أن يعالج كلّ شؤون الحياة، فهل يُغفِل أخطر شأنٍ وهو الشَّأن السِّياسي؟
أليس العدلُ روحَ السِّياسة كما في الكلمة عن أمير المؤمنين؟
فمن صميم الدِّين والعبادة الدعوة إلى العدل، ومن صميم الدِّين والعبادة محاربة الظلم، وأيّ ظلمٍ أكبر من الظلم السِّياسي…
فهل يكونُ متديِّنًا صادقًا وعابدًا حقًّا مَنْ لا يحارب الظلم بكلِّ أشكاله؟
وهل يكون متديِّنًا صادقًا وعابدًا حقًّا مَنْ لا يُواجه المنكر بكلِّ أنواعه، ولا يُواجه الفساد بكلِّ ألوانه؟
• ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾. (العنكبوت/ 45)
• ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. (لقمان/ 17)
فالعابدُ كلُّ العابد مَنْ يأمر بمعروفٍ، وينهى عن منكرٍ ويواجهُ ظلمًا، ويحاربُ فسادًا، ويدفع باطلًا..
والعابدُ كلُّ العابد مَنْ يحملُ همَّ المحرومين، وهمَّ المضطَّهدين، وهمَّ المقهورين، وهمَّ المظلومين، وهمَّ المعذَّبين…
• في الحديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله:
«من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلًا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم».
فالحَراكُ السِّياسي المطالبُ بالعدلِ، المحاربُ للظلمِ، المدافعُ عن الحقوقِ، هو من أفضل ألوانِ العبادة لله تعالى…
وهذا لا يعني أنَّ كلَّ حراكٍ سياسيٍّ هو عبادة…
الحَراكُ السِّياسيُّ الذي يُعبِّر عن ممارسة عبادية، وعن ممارسة جهادية هو:
• الحَراكُ الذي يسترشد فقه الدِّين، وضوابط الشَّرع.
• وينطلقُ من وعيٍ وبصيرةٍ وهدى الإيمان.
• ويحملُ رُوحيةَ الدِّين، وأخلاقَ الدِّين، وتقوى الدِّين.
• ويبحث عن رضا الله، وثوابه، وعطائه في كلِّ مواقع حركته.
فمن الجناية على الدِّين أن نعطِّل دوره في مواقع السِّياسة، وفي مواقع الثقافة، وفي المواقع الاجتماعية…
ومن الجناية – كذلك- على الدِّين أن ننسب إليه كلَّ حراكٍ سياسي أو ثقافي أو اجتماعي، ما لم يكن محكومًا بضوابط الدِّين، وتوجيهاتِه، ورؤاه، وأخلاقه…
فالحَراكاتُ السِّياسية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يتجاذبها اتجاهان خطيران:
الاتجاه الأول: يحاول أن يُعطِّل هذه الحَراكات وهذا ما تمارسه أنظمة الحكم والسِّياسية والتي تعمل على محاصرة الدِّين، وإقصائه، وإلغاء دوره في كلِّ الواقع السِّياسي والثقافي والاجتماعي.
الاتجاه الثاني: يحاول أن ينحرفَ بهذه الحَراكات عن منطلقاتها، ومساراتها، وأهدافها، وربّما تزاوج الاتجاهان، فمتى ما فشل الأول وظِّف الثاني، وما نشاهده من محاولات جادَّة للانحراف بمسارات الثورات التي انطلقت في عالمنا العربي هو شاهد واضح على ذلك، وهنا تلعب القوى الاستكبارية، والقوى المعادية لتطلّعات الشعوب دورها المكثَّف من أجل إعادة إنتاج الأنظمة الساقطة من جديد، فبعد ما باءت جهودها بالفشل في إنقاذ الأنظمة التي تفجَّرت ضدَّها الثورة، أعادت الكرَّة من جديد لتدخل على خطِّ الثورات علَّها تتمكَّن من الانحراف بها عن أهدافها والعودة إلى الأنظمة السابقة، وعلَّها تتمكَّن من أن تسرق الثورات.
رحل المحقِّق الكبير الشيخ القرشي
في هذا الأسبوع رحل أحد أعلام الفكر المحقِّق الكبير آية الله الشيخ باقر القرشي، وبرحيله فقدنا فقيهًا، وباحثًا، ومحقِّقًا، وكاتبًا أثرى السَّاحة بعطاءاته ونتاجاته العلمية القيِّمة، والتي تنوَّعت في شتَّى مجالات المعرفة، وقد عنت كثيرًا بدراسة حياة وسيرة النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وآله وسيرة أهل بيته الكرام عليهم أفضل الصَّلوات، حتى بلغت مجلَّدات موسوعته الكبيرة «موسوعة أهل البيت» أكثر من أربعين مجلَّدًا، وهكذا قضى الفقيد العلَّامة القرشي حياةً حافلةً بالعطاء، والعمل العلمي، والجهاد الدؤوب في خدمة الإسلام والدفاع عن خطِّ الأئمَّة من أهل البيت، ليكون نموذجًا للعالم العامل الصَّادق مع الله سبحانه، والمخلص كلّ الإخلاص لدينه وعقيدته ومبادئه، ما عرف الاسترخاء والخمول والركود طيلة حياته، وحتى الأيام الأخيرة من عمره الشريف والذي امتدَّ قرابة التسعين عامًا، وكان عمرًا مباركًا مملوءًا بالجدِّ والاجتهاد في طاعة الله، وفي خدمة دين الله، فشكر الله سعيه، وتغمَّده برضوانه، وأسكنه الفسيح من جنانه، بصحبة الأنبياء والأولياء والصالحين من عباده والفاتحة إلى روحه الطاهرة.
والحمد لله ربِّ العالمين