حديث الجمعة 266: الذنوب وآثارها الخطيرة – لكي تُشارك الحجّاج ثواب الحج – أن نُقاربَ الشأنَ السيّاسي مسؤوليةٌ شرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربِّ العالمين وأفضلُ الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة المعصومين
الذنوب وآثارها الخطيرة:
الذنب هو مخالفة أوامر الله ونواهيه الإلزامية.
تنقسم أوامر الله ونواهيه إلى:
(1) أوامر ونواهي إلزامية (لايجوز تركها):
• مثال الأوامر الإلزامية: (الأمر بالصلاة الفريضية اليومية)
{ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } البقرة 238
{ أَقِمِ الصلاَةَ لِدُلُوكِ الشمْسِ إِلَى غَسَقِ الليْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِن قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } الإسراء 78
– الدلوك: الزوال (منتصف النهار).
– غسق الليل: أول ظلمة الليل / شدة الظلمة في منتصف الليل.
– قرآن الفجر: صلاة الفجر
والنص أحد الأدلة على جواز الجمع بين الظهر العصر وبين المغرب والعشاء.
فالآية حدّدت ثلاثة أوقات:
فالزوال: بداية الوقت للظهر والعصر معًا.
وأول الليل (بناء على التفسير الأول): بداية الوقت للمغرب والعشاء معًا
أو أنّ الوقت من الغروب إلى منتصف الليل مفتوح للفريضتين
والفجر: وقت خاص بصلاة الصبح.
• مثال النواهي الإلزامية: (النهي عن الغيبة)
{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } الحجرات 12
– في تفسير (أن يأكل لحم أخيه ميتًا):
أ- الآية تتحدّث عن كيفية العذاب الأخروي بناء على تجسّم الأعمال في الآخرة، ففي الحديث: ((الغيبة إدام كلاب النار)).
ب- الآية تتحدّث عن حكم الغيبة فهي بمنزلة مَنْ يأكل لحم أخيه في الحكم، فكما هي حرمة أكل لحم الأخ الميّت مشدّدة، فكذلك الغيبة..
ت- الآية تتحدّث عن بشاعة ووحشية الإنسان الذي يمارس الغيبة فهو بمثابة مَنْ (يأكل لحم أخيه وهو ميّت)
(2) أوامر ونواهي غير إلزامية ( يجوز مخالفتها ):
• مثال الأوامر الغير إلزامية: ( الأمر بصلاة الليل )
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
(( عليكم بقيام الليل، فإنّه دأب الصالحين قبلكم، وإنّ قيامَ الليل قربةٌ إلى الله، ومنهاةٌ عن الإثم ))
في القرآن آيات كثيرة تحثّ على صلاة الليل وثوابها العظيم..
• مثال النواهي غير الإلزامية:
– ورد النهي عن الصلاة في اللباس اللباس الأسود ( تستثنى العمامة والرداء) هذا النهي ليس إلزاميًا بل كراهيتًا.
– ورد النهي عن الصلاة في ثوب فيه تماثيل لذوات الأرواح، وكذلك في خاتم عليه صورة ذي روح، أو يصلي ومعه نقود عليها صورة …
هذه النواهي ليست إلزامية .. بل هي كراهيته ( تقلّل الثواب ).
بعد هذه المقدمة يتضح لنا أن الذنب الذي يُعَاقبُ عليه الإنسان ماكان تمردًا على أحكام الشرع الإلزامية (الواجبات والمحرّمات). وأمّا المستحبات والمكروهات فلا يعاقب المكلف على تركها أو على فعلها..
وإن كان فعل المستحبّات وترك المكروهات يعبّر عن درجة عالية من الطاعة والإنقياد، والإلتزام بالمستحبّات يحصّن الإنسان في خط الواجبات، كما أنّ الإلتزام بتركِ المكروهات يحصن الإنسان في مواجهة المحرمات…
لكي تُشارك الحجّاج ثواب الحج:
ما أعظم ثواب الحج، فالحاج يولدُ من جديد..
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
(( أيّ رجل خرج من منزله حاجًّا أو معتمرًا، فكلّما رفع قدمًا، ووضع قدمًا، تناثرت الذنوب من بدنه كما يتناثر الورق مِن الشجر…))
– هكذا تبدأ هذه الرحلة الربانية
– لماذا قال: تناثرت الذنوب من بدنه ؟
(( فإذا ورد المدينة وصافحني بالسلام صافحته الملائكة بالسلام… ))
– سلام العاشقين….
– استلهم وأنت في مدينة الحبيب المصطفى…..
((فإذا ورد ذا الحليفة [مسجد الشجرة] واغتسل طهرّه من الذنوب، وإذا لبس ثوبين جديدين جدّد الله له الحسنات…..))
– فحين نزلت الميقات نويت أنّك خلعت ثياب المعصية ولبست ثوب الطاعة؟
– وحين تجرّدت من مخيط الثياب نويت أنّك تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات ؟
– وحين اغتسلت نويت أنّك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟
– وحين تنظفت نويت أنّك تنظفت بنورة التوبة الخالصة لله؟
– وحين أحرمت نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ محرّم حرّمه الله عز وجل؟
– ثياب الإحرام تذكرنا بالأكفان التي نخرج بها من الدنيا
(( وإذا قال لبيّك اللّهم لبيك أجابه الربّ عز وجل بلبيّك وسعديك، أسمع كلامك وأنظر إليك…))
(( وإذا دخل مكة وطاف وسعى بين الصفا والمروة، وصّلَ الله له الخيرات..))
(( فإذا وقفوا في عرفات، وضجّت الأصواتُ بالحاجات، باهي الله بهم ملائكةَ سبع سماوات، ويقول: ملائكتي وسكّانَ سماواتي، أما تَرَونَ إلى عبادي، أتوني من كلّ فجًّ عميق شُعْثًا غُبْرًا، قد انفقوا الأموالَ، واتعبوا الأبدان؟!
فوعزّتي وجلالي لأهبنَّ مسيأهم بمحسنهم، ولأخرجنّهم من الذنوب كيوم ولدتهم أمهاتُهم… ))
(( فإذا رمَوا الجمار، وحلقوا الرؤوسَ، وزاروا البيت، نادى منادٍ مِن بُطنانِ العرشِ: ارجعوا مغفورًا لكم، واستأنفوا العمل ))
وفي حديث آخر لرسول الله صلّى الله عليه وآله:
(( وماسبّح الحاج مِن تسبيحةٍ، ولا هلّل مِن تهليلةٍ، ولا كبّر مِن تكبيرة، إلاّ بُشِّر بها تَبشيرة ))
قال الإمام الصادق عليه السلام:
(( لمّا حجّ موسى عليه السلام نزل عليه جبرائيل عليه السلام فقال له موسى: يا جبرئيل.. ما لمن حجّ هذا البيت بنيّةٍ صادقةٍ ونفقةٍ طيّبةٍ؟ قال: فرجع إلى الله عز وجل فأوحى الله تعالى إليه: قل له: أجعله في الرفيق الأعلى مع النبيييّن والصدّيقينَ، والشهداءِ والصالحين، وحسُنَ أولئك رفيقًا…))
هذا ثواب الحج، وما أعدّ الله لحجّاج بيته، فهل تطمع أن تشاركهم في الثواب، وإن لم تكن مع الحجيج في عرفات؟
حديثنا القادم – إن شاء الله – يتناول الإجابة عن السؤال…….
أن نُقاربَ الشأنَ السيّاسي مسؤوليةٌ شرعية:
قالوا: لماذا تُقحمون خطابَ الدين في شئون السيّاسية؟
أو لماذا تُقحمون شؤون السيّاسة في خطاب الدين؟
نقول لهم: إنّ مسؤولية خطاب الدين أن يواجه المنكر والفساد.. والظلم السيّاسي أفحش ألوان المنكر والفساد .. يا للعجب:
حينما يَظْلِم كنّاسٌ يجب أن نقول له: لا تظلم ..
حينما يَظْلِم فلاحٌ يجب أن نقول له: لا تظلم ..
حينما يَظْلِم عاملٌ يجب أن نقول له: لا تظلم ..
حينما يَظْلِم زوجٌ زوجته يجب أن نقول له: لا تظلم ..
أمّا أن يَظْلِم مسؤولٌ، وزيرٌ، حاكمٌ، فلا يجوز أن نقول له: لا تظلم، يجب أن نصمت، بل يجب أن نبرّر ظلمه…. أن نبرّر هذا الظلمَ السيَاسيَّ لا يعدّ إقحامًا لخطاب الدين في شئون السيّاسة، أمّا أنْ نواجه ظلم السيّاسة فهو إقحام لخطاب الدين في شئون السيّاسة وهذا لا يجوز….
أيّ منطق هذا ؟ وهل هذا المنطق من الدين؟ وأيّ دينٍ هذا؟
إنّه الدين الذي يصنعه السّاسة والحكّام، وليس الدين الذي أمر به الله تعالى….
دين الله يُحارب الظلم والظالمين، ويأمر بمحاربة الظلم والظالمين
{ والله لا يُحبُّ الظالمين }
{ إنّه لا يُفْلِحُ الظالمون }
{ وقيل بُعْدًا للقوم الظالمين }
{ ولقد أهلكنا القُرونَ مِن قَبْلِكم لمّا ظَلَمُوا }
من حقّ أيّ نظام حاكم أن يدافع عن نفسه، وأن يبرهن أنّه يمارس العدل السيّاسي….
ولكن ليس من حقّه أن يقمع أيّ صوت يحاسب ظلم النظام، ويطالب بإصلاح النظام…
وفي واجهة مَنْ يتحمّلُ مسؤوليةَ التصحيح والرقابة والتصدّي للظلم والفساد والإنحراف هم علماء الدين….
الويلُ كلُّ الويل لخطابِ الدين حينما يكون شيطانًا أخرس..
{إنّ الذين يكتُمونَ ما انزلنا مِن البيِّناتِ والهُدَى مِن بَعْدِ ما بينّاه للنّاسِ في الكِتاب أولئكَ يَلعَنُهمْ اللهُ ويَلْعَنُهم اللاعنون}
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
(( كاتم العلم يلعنه كلّ شيء، حتّى الحوت في البحر، والطير في السماء))
وقال صلّى الله عليه وآله:
(( أيّما رجلٌ آتاه الله علمًا فكتمه وهو يعلمه، لقي الله عز وجل يوم القيامة ملجمًا بلجام من النار))
وقال صلّى الله عليه وآله:
((إنّ النّاسَ إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه))
وقال صلّى الله عليه وآله:
(( لا زال النّاس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإن لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسُلّط بعضُهم على بعضٍ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء)).
إنّ مسؤولية خطابِ الدين أن يتصدى لكلِّ أشكال الظلم، ولكلِّ أشكال المنكر، ولا سيما الظلم السيّاسي، والمنكر السيّاسي، وإنّ التخلّي عن هذه المسؤولية يُعرّض علماء الدين إلى غضب الله وعقابه ونقمته…
لهذا الحديث تتمةٌ إن شاء الله…
وأخر دعوانا أن الحمدلله ربِّ العالمين