حديث الجمعة 264: أسباب مانعة من استجابة الدعاء – في ذكرى رحيل الشهيد السَّيد أحمد الغريفي – الطائفيَّة أخطرُ سلاحٍ فتَّاكٍ في مواجهة حراكات الشّعوب – تدهور صحة الأستاذ حسن المشيمع
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطاهرين المعصومين…
أسباب مانعة من استجابة الدعاء:
السبب الأول:
عدم توفّر شروط الدعاء:
تقدّمت بعض شروط الدعاء ومنها:
أ- المعرفة بالله تعالى.
ب- الإخلاص لله تعالى.
ج- حضور القلب.
فغياب هذه الشروط أو بعضها يشكِّل سببًا مانعًا من استجابة الدعاء.
• قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«يقول الله عزّ وجل: مَنْ سألني وهو يعلم أنِّي أضرّ وأنفع استجيب له»[1].
• وقال الإمام الصّادق عليه السَّلام – وقد سأله قومه: ندعو فلا يستجاب لنا؟!-:
«لأنّكم تدعون مَنْ لا تعرفونه»[2].
كثيرون يتوجَّهون بالدعاء إلى الله ولكنَّهم يحملون في داخلهم قناعةً بأنَّ الذي يحقِّق مطالبهم هم البشر..
يدعو المريض وهو يعتقد أنَّ الطبيب هو الذي يشفيه..
وفي آخر القرآن على لسان نبي الله إبراهيم عليه السَّلام: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾. (الشعراء/ 80)
ويدعو الجائع وهو يعتقد أنّ النّاس يطعمونه ويسقونه..
وفي القرآن على لسان نبي الله إبراهيم (ع): ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾. (الشعراء/ 79)
ويدعو الإنسان طالبًا الرزقَ والحاجاتِ وهو يحسبُ أنَّ ذلك بيد حاكم أو تاجر أو صاحب موقع…
والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ﴾. (الذاريات/ 58)
والله تعالى يقول: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. (سبأ/ 36)
والله تعالى يقول: ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ…﴾. (الأعراف/ 188)
فليكن توجّه الإنسان وهو يدعو خالصًا إلى الله تعالى..
صحيح أنّ هناك أسبابًا طبيعية، إلّا أنّ الله هو مُسبّب الأسباب..
• ورد عن الإمام الصّادق عليه السَّلام في تفسير قوله تعالى:
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾. (يوسف/106)
أنّه قال: «هو قولُ الرجل لولا فلان لهلكت، لولا فلان لأصببتُ كذا وكذا، ولو لا فلان لضاع عيالي، ألا ترى أنّه جعل [لله] شريكًا في ملكه يرزقه، ويدفع عنه؟
– قال -: فيقول؟ لولا أنّ الله مَنَّ عليَّ بفلانٍ لهلكت؟
قال: نعم لا بأس بهذا..»[3].
فمن موانع إجابة الدعاء (عدم معرفة الله تعالى):
• عن الإمام الصّادق عليه السَّلام في قوله تعالى ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَليُؤْمِنُواْ بِي…﴾. (البقرة/ 186) قال: «يعلمون أنّي أقدر على أن أعطيهم ما يسألوني»[4].
ومن موانع إجابة الدعاء (عدم حضور القلب):
• قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«لا يقبل الله عزّ وجل دعاء قلبٍ لاهٍ»[5].
• وقال صلّى الله عليه وآله:
«اعلموا أنّ الله لا يقبل دعاءً عن قلبٍ غافل»[6].
• وعنه صلّى الله عليه وآله: – وقد سئل اسم الله الأعظم -:
«كلّ اسم من أسماء الله أعظم، ففرّغ قلَبكَ من كلّ ما سواه وادعه بأيِّ اسمٍ شئت»[7].
• وقال الإمام الصّادق عليه السَّلام:
«إذا اقشعرَّ جلدك ودمعت عيناك، ووجل قلبك، فدونك دونك فقد قصد قصدك»[8].
• وقال عليه السَّلام:
«إذا رقّ أحدكم فليدعو فإنّ القلب لا يرق حتى يخلص»[9].
في ذكرى رحيل العلّامة السَّيد أحمد الغريفي:
تمرّ بنا هذه الأيام ذكرى رحيل العلّامة الشهيد السَّيد أحمد الغريفي تغمَّده الله بوافر الرَّحمة والرِّضوان، وهو نموذج لعالمٍ ربَّاني أخلص لله تعالى، وذاب في حبِّه وجاهد من أجل دينه، وربَّى جيلًا رساليًّا مبدئيًّا لا يزال يمارس دوره الفعَّال الكبير في السَّاحة مستلهمًا توجيهات أستاذه ومربِّيه…
من الوفاءِ لهذا الرجل الكبير أن نجذِّر حضوره في ذاكرة الأجيال، وفي وجدانها، وفي كلِّ حراكها الروحي والثقافي والاجتماعي والسِّياسي، فما أحوج المسيرة إلى أن تتغذَّى من عطاءات هذا النفر الذي أعطى وضحَّى من أجل الإسلام ومبادئ الدِّين والقيم الرِّسالية…
تميَّز العلَّامة السَّيد أحمد الغريفي بمجموعةٍ من الخصائص البارزة:
1- هو واحد من تلامذة الشهيد السيد محمد باقر الصَّدر، وكان محلَّ عنايةٍ خاصَّةٍ من قِبل أستاذه الشهيد الصَّدر، ممَّا أثَّر كثيرًا في بناء شخصيَّته الرِّسالية المتميِّزة، فمدرسة الشهيد الصَّدر خرَّجت الكثير من العلماء الرِّساليين الواعين…
2- هو واحد من العلماء الذين استطاعوا أن يزاوجوا بكفاءةٍ بين المنهج الحوزوي الأصيل، ومعطيات الدراسة الأكاديميَّة الحديثة، وهذا واضحٌ كلّ الوضوح في نتاجاته وعطاءاته العلميَّة والثقافيَّة والتبليغيَّة.
3- وقد تنوَّعت فعَّالياته ونشاطاته الرِّساليَّة: فهو أستاذ حوزةٍ، حضر لديه عددٌ من الدارسين لعلوم الحوزة..
وهو داعيةٌ مبلِّغٌ يملك كفاءة خطابيَّة، وكفاءة حواريَّة، وكفاءة كتابيَّة، ممَّا أهَّله أن يكون له دور رساليٌ فاعلٌ في توعية الشباب، وإنتاج جيلٍ مثقَّف بثقافة الإسلام، ومفاهيم القرآن، ورؤى الدِّين…
وهو مربِّي روحي وأخلاقي، استطاع من خلال مواعظِه وتوجيهاته، ودروسه، ومحاضراته أن يحصِّن أعدادًا كبيرة مِن الشباب في مواجهة المشروعات التغريبيَّة أللا أخلاقيَّة التي غزت هذا الوطن، وهدَّدت قيمه وأخلاقه وأصالته الإيمانيَّة…
وهو ناشطٌ اجتماعي، له حضوره الفاعل في أوساط النَّاس يتحسَّس همومهم، وآلامهم، ويتصدَّى لمعالجة مشكلاتهم، ويستجيب لحاجاتهم، فأحبّوه وذابوا فيه، وكان رحيله فاجعة كبرى لهم، بكوه بدموعٍ غزيرة، وقلوبٍ والهة، وشيَّعوه تشييعًا مهيبًا…
وأخيرًا ما كان انشغاله الحوزوي والعلمي والثَّقافي والاجتماعي مانعًا له من التعاطي مع الهمِّ السِّياسي، فهو متابعٌ شغوفٌ لأحداث السَّاحة العربيَّة والإسلاميَّة والعالميَّة، في مرحلةٍ كان أغلب الحوزويِّين يعيشون العزوف عن التعاطي مع شؤون السِّياسة…
تغمَّده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنَّاته، وحشره مع الأبرار والأولياء والصَّالحين…
الطائفيَّة أخطرُ سلاحٍ فتَّاكٍ في مواجهة حِراكاتِ الشّعوب:
الأنظمة الحاكمة في أوطاننا العربيَّة والإسلاميَّة تواجه حَراكات الشعوب من خلال ثلاثة خيارات:
(1) الخيار السّياسي، فيما يعنيه من اعتماد العقل والحكمة في التعاطي مع الحَراكات الشعبيَّة، وتفهُّم مطالبها العادلة وأهدافها المشروعة، والدخول معها في حواراتٍ جادَّةٍ وهادفة، وحقيقيَّة، ممَّا يجنِّب الأوطان الكثير من الأثمان الباهضة والمُكْلِفة… وهذا الخيار هو الخيار الصائب الصحيح.
(2) الخيار الأمني، فيما يعنيه من اعتماد العنف والبطش والقمع، ممَّا يكلِّف الأوطان أثمانًا من أرواحٍ ودماءٍ ومواجهاتٍ، وصداماتٍ، وصراعاتٍ، ثمَّ إنَّ هذا الخيار لا يعالج المآزق السِّياسية، بل يزيد من تعقيدها وتأزيمها ممّا يبقي غضب الشعوب وفورانها…
(3) الخيار الطائفي، فيما يعني من تحريك الصراعات بين مكوّنات الشعوب، ولقد فهمت الأنظمة الحاكمة أنَّ خياراتها العسكريَّة والأمنيَّة، فاشلة في إسكات الشعوب بل تدفع في اتِّجاه المزيد من الغضب والتحدِّي، لذا أتقنت هذه الأنظمة (اللعبة الطائفيّة) كلَّ الإتقان لإجهاض الحَراكات والثورات الشعبيَّة.. وهذا أخطر سلاحٍ فتَّاكٍ تعتمده أنظمة السِّياسة والحكم…
ما يحدث في هذا الوطن من تصعيدٍ طائفي مُرعب أمرٌ تقف خلفه دوافع ليست بريئة، فالإصرار على توظيف (الشَّحن الطائفي) محاولة مقصودة من أجل تشويه أيّ تحرّك يطالب بالإصلاح السِّياسي…
شاهدوا الإعلام مِن حولنا – لا أتحدَّث عن إعلامنا المحلِّي فدوره واضحٌ ومكشوف – أتحدَّث عن الإعلام الخليجي والعربي، هذا الإعلام حينما يتكلَّم عن الثورات التي تشهدها عدد من البلدان العربيَّة، يعتبرها ثورات شعبيَّة تعبِّر عن مطالب عادلة ومشروعة، إلَّا ما يحدث في البحرين فهو حَراك طائفي بغيض…
لماذا هذا الكيل بأكثر من مكيال؟!
إنَّه الظّلم الفاحش، مِن حقِّ أيّ إنسانٍ أن يحاسب حَراكًا هنا أو حراكًا هناك، إذا كان ذلك وفق معايير نزيهة، أمَّا أن نخوَّن، ونتَّهم، ونجرَّم بدوافع طائفيَّة فأمرٌ في غاية السُّوء والقبح والفحش…
لماذا كلُّ الحَراكات نظيفة، ونزيهة، وشريفة..
إلَّا حَراك هذا الشعب، فهو طائفي، وخائن، وعميل للخارج؟!!!
أقْنَعُوا مُكوِّنًا كبيرًا وكريمًا من مكوِّنات الشعب أنَّ هذه الحَراك في هذا البلد هو حَراكٌ يستهدفه إنَّه بُهتانٌ كبير، ما فكَّر أحدٌ ممَّن تحرَّك في الشارع، ما فكَّر إطلاقًا أن يستهدف طائفة هي في القلب والوجدان منَّا…
الحَراك يُطالب بإصلاحاتٍ سياسيَّة، ولا يستهدف العداء لأيّ مكوّنٍ من مكوِّنات الوطن، ومتى ما وجدنا حَراكًا على هذه الأرض يمارس عداءً طائفيًا، فمسؤوليّتنا جميعًا أن نتصدَّى لهذا الحَراك، وأن نوجِّهه، وأن نوقفه، بل وأن نجرِّمه…
تدهور صحة الأستاذ حسن المشيمع:
لقد شاع خبر تدهور صحة الأستاذ حسن المشيمع وكون حياته مهدّدة بالخطر…
وهذا أمر يبعث على القلق الشديد جدًا، لذا فإننا نطالب بالإفراج الفوري عنه، كيّ يتوفر له العلاج العاجل وبشكلٍ طبيعيّ…
وتتحمل السلطة المسؤولية الكاملة تجاه ما يحدث للاستاذ، نسأل الله له الشفاء العاجل، وأن يفرّج الله عن كافة الأسرى والسجناء
الهوامش:
[1] الصدوق: ثواب الأعمال، ص 153. (ط2، 1368ش، منشورات الشريف الرضي، قم – إيران)
[2] النوري: مستدرك الوسائل 5/ 191، أبواب الدعاء، ب15، ح3. (مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، بيروت – لبنان)
[3] المجلسي: بحار الأنوار 69/ 99، ج3 من كتاب الإيمان، ح27. (ط2، 1403هـ -1983م، مؤسّسة الوفاء، بيروت – لبنان)
[4] المصدر السابق: 90/ 323، ب17، ح37.
[5] الريشهري: ميزان الحكمة 2/ 875، حرف الدال، موانع الإجابة. (ط1، 1416هـ ، دار الحديث، قم – إيران)
[6] المصدر السابق.
[7] المصدر السابق.
[8] المصدر السابق.
[9] المصدر السابق.