حديث الجمعة263: الأثر الرابع من آثار أكل الحرام(عدم استجابة الدعاء) – وطنٌ يغتالُ كفاءاتِه العلمية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة المعصومين…
الأثر الرابع من آثار أكل الحرام:
عدم استجابة الدعاء…
وقبل الحديث عن الأسباب التي تشكِّل (موانع) تحول دون استجابة الدعاء، أذكر هذه المقدّمات:
المقدّمة الأولى:
لقد حثَّت الآيات والروايات على ممارسة الدعاء:
• قال تعالى:
﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ…﴾. (الفرقان/ 77)
• وقال تعالى:
﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً…﴾. (الأعراف/ 55)
• وقال تعالى:
﴿قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾. (الإسراء/ 110)
• وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدِّين ونور السماوات والأرض»[1].
• وقال صلّى الله عليه وآله:
«أفضل العبادة الدعاء فإذا أذن الله للعبد في الدعاء فتح له باب الرحمة، إنّه لن يهلك مع الدعاء أحد»[2].
• وقال صلّى الله عليه وآله:
«يدخل الجنّة رجلان كانا يعملان عملًا واحدًا، فيرى أحدهما صاحبه فوقه، فيقول: يا ربِّ بما أعطيته وكان عملنا واحدًا؟ فيقول الله تبارك وتعالى: سألني ولم تسألني»[3].
المقدّمة الثانية:
إنّ الله تعالى قد تكفّل إجابةَ الدعاء..
• قال تعالى:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾. (غافر/ 60)
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ…﴾. (البقرة/ 186)
﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾. (النمل/ 62)
• وفي وصيّة أمير المؤمنين عليه السَّلام لابنه الحسن عليه السَّلام:
«اعلم أنّ الذي بيده خزائن ملكوت الدَّنيا والآخرة وقد أذن لدعائك، وتكفّلَ لإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه مَنْ يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى مَنْ يشفع لك إليه… ثمّ جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألتِهِ، فمتى شئت استفتحت بالدعاءِ أبوابَ خزائنِه»[4].
المقدّمة الثالثة:
على المؤمن أن يُلحَّ في الدعاء مُوقنًا بالإجابة وإن تأخَّرت..
• قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«رحم الله عبدًا طلب من الله تعالى حاجةً فألحَّ في الدعاء استجيب له أو لم يستجب، وتلا هذه الآية ﴿وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا﴾[5]»[6].
• وقال الإمام الصادق عليه السَّلام:
«لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمةٍ من الله عزّ وجلّ ما لم يستعجل فيقنط ويمسك الدعاء – قلت – كيف يستعجل؟ قال: يقول: قد دعوتُ منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة»[7].
• وقال عليه السَّلام:
«إنّ العبد ليدعو فيقول الله عزّ وجلّ للملكين: قد استجيب له، ولكن احبسوه بحاجته فإنّي أحبّ أن أسمع صوته، وإنّ العبد ليدعو فيقول تبارك وتعالى:عجلّوا له حاجته فإنّي أبغض صوته»[8].
• وفي الحديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام:
«فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة»[9].
المقدمة الرابعة:
إنّ للدعاء آدابًا وشروطًا أذكر منها:
(1) اختيار الأوقات الشريفة للدعاء:
• الأسحار.
• ما بين الطلوعين.
• وقت الزّوال.
• ليلة الجمعة ويومها.
• ليلة القدر… إلخ.
(2) اختيار الأماكن الشريفة:
• المسجد الحرام.
• المسجد النبوي.
• المشاهد المشرَّفة.
• بيوت الله (المساجد).
(3) خصوصيات الداعي:
• مستوى المعرفة بالله…
• مستوى الإخلاص لله تعالى..
• مستوى التقوى..
• مستوى حضور القلب.
(4) كيفيّة الدعاء:
أولًا: مقدّمات الدعاء:
• الطهارة.
• الاستقبال.
• الصدقة.
ثانيًا: افتتاح الدعاء:
• بذكر الله والثناء عليه.
• والصلاة على النبي وآله (صلّى الله عليه وآله).
ثالثًا: رفع اليدين أثناء الدعاء.
رابعًا: الإلحاح والإيقان بالإجابة (كما تقدّم).
خامسًا: الاجتماع في الدعاء.
سادسًا: التعميم في الدعاء.
سابعًا: الدعاء للآخرين.
ثامنًا: تسمية الحاجة «إنّ الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، ولكنّه يحبّ أن تبث إليه الحوائج»[10].
وبعد هذه المقدّمات نحاول أن نتناول (الأسباب المانعة) مِن إجابة الدعاء…
وطنٌ يغتالُ كفاءاتِه العلمية:
لا يفخر وطنٌ بقدر ما يفخر بكفاءاتهِ وعقولِهِ العلميّة، أمّا أن يمارسَ وطنٌ اغتيالًا متعمّدًا لهذه الكفاءاتِ والعقولِ فهو مِن أسوءِ ما يُنسبُ للأوطان.
هل يحدثُ هذا؟
نعم في وطنِنا هذا الغنيّ بكفاءاتهِ وعقولِه العلميّة..
كيف تمُارسُ عمليّةُ الاغتيالِ المتعمّد لهذه القدرات العلميّة؟
رأينا كيف أنَّ عددًا من خيرة الأكاديميينَ والأساتذةِ الجامعيين والذين أعطوا عُصارة خبراتهم العلميّة مِن أجل صنع أجيال هذا الوطن… كان جزاؤهم ما كان حيث طالهم ظلمٌ فاحشٌ، فانهار كلُّ تاريخهم في خدمة هذا الوطن بين عشيَّةٍ وضحاها..
ورأينا كيف أنّ كوادرَ طبيةً امتلكت شُهرةً متقدّمةً جدًا، وأعطتْ الكثيرَ الكثير من أجلِ هذا الشعب، وبذلتْ وبذلت، وسهرتْ وسهرتْ، مخلصةً كلّ الإخلاص لهذا الوطن، لا ترجو جزاءً ولا شكورًا إلّا من الله سبحانه… هذه الكوادر قد حصلت وسامَ شرفٍ من النظام، حيث حكم عليها أن تتبوأ موقعها بين قضبان الزنزانات والسجون..
وإذا أضيف إلى ذلك عددٌ كبير من رموز دينٍ وعلمٍ وثقافةٍ وسياسةٍ طالتهم أقسى الأحكام…
فكم هي كارثة هذا الوطن كبيرة وفادحة؟!
وأيّ اغتيالٍ للعقول والكفاءات والقدرات أشدّ من هذا الاغتيال؟!
ولقد استنكرت منظماتٌ دوليةٌ حقوقيةٌ أشدّ الاستنكار ما حدث في هذا البلد..
إنّ اغتيال العقول العلمية من أسوء الاغتيالات ممّا يضع بلدنا في قائمة البلدان المتخلّفة جدًا، والفاقدة لأبسط مقوّمات التقدّم والحضارة..
كم أثّرت هذه المواقف تجاه الكوادر التعليمية، والكوادر الطبية، والرموز الناشطة، والعلماء، ورجال الثقافة، وبقية أبناء الشعب.. على سمعة هذا البلد الذي نتمنّى أن يبقى اسمه شامخًا وكبيرًا…
لماذا الإصرارُ على الاستمرار في هذا الاتجاه؟
إذا استمرت الأوضاع في هذا الاتِّجاه فالوطن في طريق الانتحار…
فالنصيحة النصيحة أن يتحرّك خيارٌ غير هذا الخيار، أن يتحرَّك الرشد السِّياسي.. لا نريد لهذا الوطن أن ينتحر، لا نريد لهذا الشعب أن يحترق، لا نريد للعقول والكفاءات أن تدفن.
الخيار الآخر هو الرشدِ والتعقلِ والحكمة، خيارُ الإصلاحِ الحقيقي، خيارُ المصالحةِ الصادقةِ مع الشعب، خيارُ الاستجابة للمطالب العادلة المشروعة..
نقولها بكلّ صدقٍ ومحبّةٍ: لا بد أن يخرج هذا الوطن من هذا الواقع المأزوم، لكي يعيش أبناؤه أمنًا وأمانًا، وراحة واستقرارًا، وعزةً وكرامة…
ليس مخلصًا للوطن مَنْ يحارب هذا الخيار، أيّ ولاءٍ هذا الذي يدفع في اتِّجاه الانتحار، وفي اتِّجاه الدَّمار، وفي اتِّجاه اغتيال العقول والكفاءات، وفي اتِّجاه البطش والقمع والقتل، وفي اتِّجاه الثأر والانتقام؟!!
الولاء الحقيقي هو الذي يحتضن الوطن همًّا حقيقيًا صادقًا، وهذا الهمً هو الذي يبحث عن الخيارات التي تنقذ الوطن من أزماتِه القاتلة، ومن مآلاته المدمِّرة، وليس إلّا الإصلاح السِّياسي الجادّ الذي يستجيب لمطالب الشعب كلّ الشعب، هو الذي ينقذ الوطن…
والإصلاح السّياسي ليس شعاراتٍ تُطلق، وليس إعلامًا صاخبًا مضلِّلًا، وليس ترقيعاتٍ باهتة، الإصلاح السّياسي حَراك جادّ وصادق لمواجهة كلّ الواقع الخاطئ الذي أنتج الأزمة التي تحاصر هذا الوطن…
فما لم يبدأ الحراك وفق خارطة طريق واضحة، ومتّفق عليها، فالأوضاع إلى مزيدٍ من التأزيم والتعقيد والانفجار…
إنّ خارطة الطريق لإنقاذ الأوضاع في حاجةٍ إلى مناخاتٍ صالحة، ومَنْ يضع هذه المناخات؟
السّلطة أوّلًا، السَّلطة أوّلًا، السَّلطة أوّلًا، ثمَّ يأتي دور الشارع…
قالوا: ليهدأ الشارع حتى يبدأ حَراك الإصلاح..
نحن مع هدوء الشارع، ولكنَّ السلطة هي القادرة أن تصنع كلّ الهدوء في الشارع، ليس عن طريق القمع والبطش، فهذا يصاعد من الغضب والفوران والتأجّج والغليان، وإنّما عن طريق الاستجابة لمطالب الشارع ما دامت المطالب عادلة ومشروعة..
الهوامش:
[1] الحر العاملي: الوسائل 7/ 38، أبواب الدعاء، ب8، ح3. (ط2، 1414هـ ، مؤسّسة آل البيت، قم – إيران)
[2] الريشهري: ميزان الحكمة 2/ 869، حرف الدال، الدعاء، الدعاء سلاح الأنبياء. (ط1، 1416هـ ، قم – إيران)
[3] الحر العاملي: الوسائل 7/ 24، أبواب الدعاء، ب1، ح7.
[4] الريشهري: ميزان الحكمة 2/ 868، حرف الدال، الدعاء.
[5] (مريم/ 48)
[6] الكليني: الكافي 2/ 475، كتاب الدعاء، باب الإلحاح في الدعاء، ح6. (ط4، 1365ش، دار الكتب الإسلامية، طهران – إيران)
[7] الحر العاملي: الوسائل 7/ 55، أبواب الدعاء، ب17، ح3.
[8] المصدر السابق: 7/ 62، ب21، ح3.
[9] الكليني: الكافي 2/ 473، كتاب الدعاء، باب الإقبال على الدعاء، ح1.
[10] الكليني: الكافي 2/ 476، كتاب الدعاء، باب تسمية الحاجة في الدعاء، ح1.