نص كلمة العلّامة السيد عبدالله الغريفي في الاعتصام العلمائي لواقعة إعتقال النساء
نص كلمة العلّامة السيد عبدالله الغريفي في الاعتصام العلمائي
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغويّ الرّجيم، بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمّد وعلى آله الهداة الميامين المعصومين.
هذه كلمة قصيرة جدًّا..
أحبّتي في الله، شكر الله سعيكم وتقبّل هذا الحضور وجعله الله في ميزان أعمالكم يوم الحساب.
سؤال يطرح دائمًا: إلى أين تسير الأمور في هذا الوطن؟ هل تسير إلى المجهول؟ وماذا بعد هذا البطش والقتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض وحرق المساجد؟ ماذا بعد هذا؟ إلى أين تتّجه الأمور في هذا الوطن؟ إلى الأسوأ؟ لا أريد أنْ أكرّس اليأس والتشاؤم إلّا أنّ التفاؤل غير المبرر جهل وحماقة، كما أنّ التشاؤم الذي يُكرِّس اليأس هزيمة وانتحار، إلى أين تسير الأمور؟ قلناها ولا زلنا نقولها، الخيار الأمني خيار فاشلٌ فاشلٌ فاشل (1)، خيار يُكلِّف الوطن أبهظ الأثمان من دماء وأعراض وانتهاكات، خيار يقود الوطن إلى أسوء المآلات المدمّرة المرعبة.
نقولها وبكلِّ صراحة: ما لم يتصالح النظام مع شعبه وما لم يعِشْ أبناء هذا الشعب شعورًا بالأمن والاطمئنان فهو وطنٌ بئس الوطن. في حديث لأمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «بئس الأوطان ما لا تأمن فيه القُطّان(2)»، أبناء الوطن إذا كانوا لا يأمنون على مُقدّساتهم، وعلى شعائرهم، وعلى مساجدهم وعلى حسينيّاتهم، ولا يأمنون على أنفسهم، ولا يأمنون على أعراضهم، ولا يأمنون على أرزاقهم فأيُّ وطن يكون هذا؟ أيُّ وطن هذا؟ نحن مطالبون بالولاء للوطن وبالحبِّ للوطن، ولكنّ الوطن والقائمين على الوطن مطالبون أنْ يوفّروا لأبناء الوطن كلَّ حقوقهم، أنْ يُوفِّروا لهم كرامة وحريّة. وطنٌ لا كرامة فيه ولا حرية وطنٌ لا قيمة له (3).. وطنٌ لا أمنَ فيه ولا أمانَ بئس الوطن.
سيبقى الوطن في قلوبنا ونبقى ندافع عن الوطن؛ لأنّنا أهل دين، وكما قال سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم بما معناه: من يملك الدين لا يخون الوطن. ونحن أبناء دين وأبناء قيم وأبناء رسالة، لا يمكن في يوم من الأيام أنْ نخون الوطن، إلّا أنّنا نقول الكلمة الصريحة، نقول الكلمة الصادقة، نقول الكلمة الجريئة؛ لأنّ الكلمة الخرساء خيانة للوطن. أنْ نصمت، أنْ نسكت هذا خيانة لوطننا، الكلمة الخرساء كلمة تدمِّر الوطن، كما الكلمة المنافقة كلمة تدمِّر الوطن، الكلمة التي تنافق كلَّ الواقع الخاطئ وكلَّ الواقع الفاسد وكلَّ السياسة الظالمة كلمةٌ تدمِّر الوطن، وكذلك الكلمة الهوجاء كلمةٌ تدمِّر الوطن.. إنّنا نريد الكلمة الصريحة الجريئة الصادقة التي تعبِّر عن صدق وإخلاص لهذا الوطن.
هل هناك بادرة أمل لإنقاذ الوطن من هذا المأزق الصارخ، والأمور تسير إلى مزيد من التأزيم وإلى مزيد من التعقيد إلى مزيد من الاحتقان؟ أنْ تُعتقل نساء، أنْ يُعتدى على أعراض، أنْ تُنتهك حُرُمات، أمرٌ في غاية الشناعة، وسوف تكون له تداعيات خطيرة وخطيرة.. ما اعتاد شعبنا أنْ يسكت أمام انتهاكات الأعراض، شعب تشرَّب القيم وتشرَّب الإيمان وتشرّب الغيرة لا يمكن أنْ يصمت أمام انتهاك عرض. عمل سوف يقود إلى غليان وغليان وغليان..
إذا كنتم تريدون لهذا الوطن أنْ يعيش الهدوء والاستقرار والأمن والأمان فخفِّفوا من هذا الوضع أنهوا هذا الوضع، إننا نناصح، لسنا محرِّضين إنّما هي الكلمة الصادقة.. الكلمة الناصحة نقولها للحاكم؛ لأنّنا نعيش غيرة على هذا الوطن وحبًّا لهذا الوطن، لذلك نقول الكلمة الناصعة الناصحة، الكلمة الصادقة، الكلمة الجريئة: لتتوقف أعمال العنف والقمع والبطش، الأمن هو أمن المواطن، يوم لا يأمن المواطن على دينه وعلى نفسه وعلى ماله وعلى عرضه، فأيُّ أمن في هذا الوطن؟.
يقولون استقرّ الأمن في البلد، أيُّ أمن هذا؟ وموجات العنف والبطش والملاحقات وحرق المساجد، بل وحرق البيوت والاعتداء على النساء واعتقال النساء، أيُّ أمن هذا؟ أيُّ استقرار هذا؟ نقولها وبكلِّ جرأة وصراحة إنّ أخشى ما نخشاه أنْ تنفلت الأوضاع (4). لا زال شعبنا يمارس مواقفه بكلِّ سلمية، وبكلِّ عقلانيّة، وبكلِّ حكمة، وأخشى ما نخشاه – إنْ شاء الله لا يكون ذلك – أنْ تنفلت الحكمة، وأنْ ينفلت العقل، والمآلات صعبة والمآلات مرعبة والمآلات مخيفة، إننا ومن هذا الملتقى الطيّب وهذا الاعتصام الكريم الذي عبّرتم من خلاله عن الحدّ الأدنى من الواجب تجاه بناتنا ونسائنا وتجاه ما يحدث لأبناء شعبنا، أقول هذا الحد الأدنى من الواجب، أنْ نجتمع أنْ نعتصم أنْ نُندِّد أنْ نطالب، هذا هو الحد الأدنى من النقاش، ومن هذا المنطلق وباسمكم جميعًا نرفع الصوت عاليًا: نطالب بإطلاق سراح النساء المعتقلات وبإطلاق سراح كلِّ السجناء (5).
أيّها الأحبة: أكرّر الشكر مرّة ثانية لكم، سائلًا المولى القدير أنْ يوفِّقنا جميعًا أنْ نكون في مستوى المسؤولية وفي مستوى الكلمة وفي مستوى الموقف في هذا الوضع المأزوم والخطير، والذي يجب أنْ يكون لحوزاتنا حضورها الحقيقيّ الفاعل، وأن يكون لعلمائنا حضورهم الحقيقيّ الفاعل، ويوم يكون الحضور للعلماء ويوم يكون الحضور للحوزات لا شك سيكون الحضور الواعي، الحضور الحكيم، الحضور البصير، الحضور المخلص. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والتسديد والتأييد والرعاية، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(1) هتاف الجماهير: «هيهات منا الذلة» و«لن نركع إلّا لله».
(2) أيْ القاطنون في الوطن.
(3) هتاف الجماهير: «هيهات منا الذلة».
(4)هتاف الجماهير: «معكم معكم يا علماء».
(5) هتاف الجماهير: «نطالب بالإفراج عن المساجين».