حديث الجمعة 260: لكي تتخلّص مِن الكسل العبادي – الناصحون للوطن
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين…
لكي تتخلّص مِن الكسل العبادي:
الكسل العبادي حالة من الاسترخاء والضجر في ممارسة العبادة..
• قال تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى﴾. (النساء/ 142)
والذي ينتج خشوعًا وانصهارًا وذوبانًا مع العبادة..
• قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾. (المؤمنون/ 1-2)
وهناك نص قرآني يجمع بين النوعين من العبادة:
﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾. (البقرة/ 45)
والسؤال الذي يطرح:
كيف نتخلّص من الكسل العبادي وكيف نعطي لعبادتنا خشوعًا وانصهارًا وذوبانًا؟
المسألة ليست مجرد قرار يفرض نفسه على صلاتي وعبادتي، والخشوع ليس أمرًا متكلّفًا، وقد أضغط على جوارحي في الصلاة لتكون خاشعة، إلّا أنّ ذلك لا يصنع خشوعًا حقيقيًّا، ما دام القلبُ لا يعيش الخشوع «إذا خشع القلب خشعت الجوارح».
لكي نتخلَّص مِن الكسل العبادي، يجب أن نتعرَّف على العوامل التي تؤدِّي إلى هذا الكسل، وبعد ذلك نمارس عملية التحرُّر من تلك العوامل.
أهم العوامل التي تنتج الكسل العبادي:
العامل الأول: قسوة القلب..
• ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾. (الحديد/ 16)
هكذا حينما تقسو القلوب يموت الخشوع، ولا يقف الأمر عند هذا، بل ينزلق الإنسان في خطِّ الانحراف عن الدين والابتعاد عن منهج الله ﴿وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾. (الحديد/16)
وإذا تحجَّرت القلوب لم تعد تُصغي إلى وعظٍ أو نُصحٍ أو إرشاد، أو إنذار..
• ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾. (الأنعام/ 43)
وعندها تحلّ عليهم لعنة الله..
• ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾. (المائدة/ 13)
• وفي الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«إنّ أبعدَ النّاسِ من الله القاسي القلب»[1].
• وقال صلّى الله عليه وآله:
«مِن الشَّقاءِ جمود العين، وقسوة القلب، والحرص في طلب الدنيا، والإصرار على الذنب»[2].
• وقال الإمام الباقر عليه السَّلام:
«ما ضُرب عبدٌ بعقوبةٍ أعظم من قسوة القلب»[3].
وكيف تتشكَّل القسوة في القلوب؟
لذلك أسبابٌ كثيرةٌ منها:
السبب الأول:
ارتكاب الذنوب والمعاصي:
• قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. (المطفِّفين/ 14)
• وقال أمير المؤمنين عليه السَّلام لرجلٍ شكى إليه جمود العين:
«ما جفَّت الدموع إلَّا لقسوة القلوب، وما قست القلوبُ إلَّا لكثرة الذنوب»[4].
• وجاء عن الإمام الباقر عليه السَّلام:
«ما مِن عبدٍ إلَّا وفي قلبه نكتة [يعني نقطة] بيضاء، فإذا أذنب ذنبًا خرج في النكتةٌ نكتةٌ سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يُغطِّي البياض، فإذا تغطَّى البياضُ لم يرجع صاحبه إلى خيرٍ أبدًا وهو قول الله عزّ وجل: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (المطفِّفين/ 14)» [5].
• وفي حديثٍ للإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«وكان أبي عليه السَّلام يقول: ما مِن شيئٍ أفسد للقلب مِن خطيئة، إنَّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله»[6].
• وقال عليه السَّلام:
«إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتةٌ سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت حتَّى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدًا»[7].
فالذين يمارسون الذنوب والمعاصي لا يمكن أن تخشع قلوبهم لذكر الله.. ولا يمكن أن يجدوا لذَّة العبادة «كيف يجد لذة العبادة من لا يصوم عن الهوى»[8].
فلكي نعيد لقلوبنا الخشوع، ولعباداتنا الروحانية فلنبدأ بالتحرّر مِن المعاصي والذنوب كبائِرها وصغائرها…
نتابع الحديث إن شاء الله تعالى..
الناصحون للوطن:
ربّما يدَّعي الكثيرون أنَّهم ناصحون للوطن، ولكن ليس كلّ مَنْ يدَّعي النصح للوطن يكون صادقًا، هناك مَنْ يتاجر بالشعارات، وليس من حقِّ أحدٍ أن يحاسب النوايا، وأن يتَّهم الدوافع، فما في الصدور مِن مختصَّات الخالقِ وحده…
• ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. (هود/ 5)
• ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾. (غافر/ 19)
• ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. (الملك/ 13)
مِن حقِّنا أن نحاسب ما صدر عن الناس من كلماتٍ وخطاباتٍ وأفعالٍ وممارسات، وأمّا ما يستتر خلفها من نوايا ودوافع فالوصول إليه أمر عسير، لذلك من الجناية كلّ الجناية أن نطلق عبارات (التخوين) لنلصقها بهذا أو ذاك لمجرَّد أنّه قال كلمةً لا ترضي النظام أم مَنْ يوالي النظام، أن نحاسبَ الكلمةَ، أن ندينها، أن نخطِّئها، أن نجرِّمها، أمرٌ لا مشكلة فيه إذا كانت معايير المحاسبة والإدانة، والتخطئة، والتجريم صحيحة، والأدلة مشروعة، أمّا مسألة (التخوين) بدوافع سياسيّة بحتة، أو بدوافع مزاجيّة، أو بدوافع طائفيّة، ففي ذلك جناية كبرى، وإساءة عظمى للكثير من أبناء الوطن…
نعود لمسألة النصح للوطن، وبعيدًا عن محاسبة النوايا والدوافع، فهل كلّ مَنْ يدّعي النصح للوطن يكون ناصحًا بالفعل؟
إنّ النصح للوطن له معايير، وليس من هذه المعايير (الموالاة والمعارضة للنظام الحاكم) فربَّ موالٍ لا يكون ناصحًا، وربَّ معارضٍ يكون من أخلص الناصحين للوطن، فمن الظلم أن نصنِّف النَّاس في ضوء (الموالاة والمعارضة) ليتحوَّل كلّ موالٍ للنظام وطنيًا غيورًا على مصلحة وطنه، ويتحوَّل كلَّ معارضٍ خائنًا منكرًا لمصلحة الوطن…
ما هي معايير النصح للوطن؟
مِن هذه المعايير هذان المعياران:
المعيار الأول:
أن يحمل المنتمي للوطن هموم وطنه…
من هذه الهموم (أمن الوطن)، وأمن الوطن لا يعني فقط أمن السلطة والنظام، بل يعني في الدرجة الأولى (أمن المواطن) بمعنى أن يعيش المواطن إحساسًا كاملًا بالأمن والأمان على نفسه، وعرضه ورزقه، ودينه.
وإلّا فكيف يكون الوطن آمنا، والمواطن لا يشعر بالأمن حينما تكون حياته مهدّدة، وحينما عرضه مهدّد، وحينما يكون رزقه مهدّد، وحينما يكون دينه مهدّد…
نحن هنا نتحدّث عن المعيار، وأمّا الواقع والتطبيق فأمرٌ تحكمه الوقائع المتحرِّكة على الأرض…
من هموم الوطن (الهمُّ السِّياسي)…
فيما يعنيه من توفّر (إصلاحاتٍ سياسيَّةٍ حقيقيَّةٍ) تتناسب مع طموحات الشعوب التي بدأت تثور على كلِّ أشكال الظلم السِّياسي، وما عادت تقتنع بالتغييرات الشكليّة الترقيعيّة، فمن لا يعيش هذا الهمَّ الكبير بكلِّ صدقٍ وإخلاص، فليس ناصحًا حقيقيًا لوطنه، فكيف يكون ناصحًا لوطنه من لا يهمّه أن تتغيَّر الأوضاع السِّياسية المتخلِّفة وفق كلِّ المعايير الدولية المعترف بها..
لم تعد محاسبة الواقع السِّياسي فيما هو الصحيح وفيما هو الخطأ أمرًا عسيرًا وغامضًا، الَّا لمن يريد أن يغلق عقله، ووجدانه، وبصره… فمطالب الشعوب أصبحت واضحة كلّ الوضوح، فأيّ نظام سياسي لا تتجسَّد فيه إرادة الشعب، فهو نظام مرفوض، وهو ينتج أزمات، وهو نظام فاقد للشرعيَّة، فمن الخير كلّ الخير لأنظمة الحكم أن تراجع كلّ حساباتها، وحتى لا تكلّف نفسها، وتكلّف شعوبها أثمانًا باهضةً جدًا…
ومِن الخير كلّ الخير لأنظمة الحكم أن تبادر لإصلاح أوضاعها الخاطئة لكي لا تدخل في معتركاتٍ صعبة مع الشعوب..
وينتظم ضمن هموم الوطن (الهمّ الديني والأخلاقي) فليس غيورًا على وطنه مَنْ لا يغضب حينما يُمسُّ الدين وحينما تُمسُّ القيم والأخلاق..
وليس ناصحًا لوطنه مَنْ يبقى صامتًا وهو يشاهد أحكام الدين، ومبادئه، وقيمه تُنتهك، وتحارب، وتصادر، حينما يشاهد بلده سوقًا كبيرة للموبقات والفواحش، والمنكرات، والمراقص، والملاهي الماجنة، ومقصدًا للداعرات وبائعات الهوى… كلّ ذلك تحت عناوين السِّياحة، والانفتاح، وازدهار الاقتصاد..
ما تقدّم بعض هموم، يضاف إليها هموم أخرى كثيرة، فغير ناصحٍ لوطنه مَنْ لا يحمل هذه الهموم بكلّ عناءاتها الضاغطة.. إنّ غيابها يعبّر عن تبلّدٍ في الحسّ الوطني..
المعيار الثاني:
النصح للحاكم والمحكوم…
فالناصح لوطنه لا يساوم ولا يداهن في قول الكلمة الناصحة للحاكم والمحكوم.
هناك من يصمت كلّ الصمت، فلا تسمع منه كلمة نصح لحاكمٍ أو محكوم، فهذا شيطانٌ أخرس.
وهناك مَنْ وظَّف خطابه الديني والسِّياسي في نقد المحكوم بحقِّ أو باطل، إلَّا أنّك لا تسمع منه كلمة نقدٍ أو نصحٍ للحاكم والسلطة والنظام… مِن الإنصاف أن نقول للحاكم أحسنت إذا أحسن، إلّا أنّه من الظلم للحاكم وللحكم وللوطن أن نسكت عن الأخطاء، إنّها الخيانة العظمى، ألم نقرأ في تاريخ الإسلام عن مواقف جريئة واجهت حاكمين في حجم الخلفاء الراشدين، امرأة تقاطع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وتصحّح له، فيقول بكلّ شفافية: «أصابت امرأة وأخطأ عمر» فهل في رجال الدِّين والسِّياسة من يقول ذلك للحاكمين، وهل في الحاكمين مَنْ يحمل تلك الشفافية ويعترف بأخطائه؟
وفصيلٌ ثالث مِن أصحاب الخطاب الديني والسِّياسي يملك الجرأة في نقد الحكم والسلطة، إلَّا أنّه لا يملك الجرأة في نقد أخطاء الشارع، وإن كان مِن الظلم كلّ الظلم أن نساوي بين أخطاء الحكّام وأخطاء المحكومين، والأكثر ظلمًا وفحشًا أن نبصر أخطاء المحكومين ونعمى عن أخطاء الحاكمين…
فإذا أردنا الخير كلّ الخير لأوطاننا:
• فعلينا (أولًا) أن نمارس النقد والمناصحة للحاكمين، وأن لا نساوم ولا نداهن لكي لا تتكرّس أخطاء الأنظمة، ممّا يقود الأوطان إلى كوارث مدمِّرة…
• وعلينا (ثانيًا) ان نكون الناصحين الموجِّهين لمسارات الشارع من أجل أن تترشَّد المواقف، فيما يخدم مصالح الشعوب والأوطان… وحينما نتحدَّث عن شارع فإنَّنا نتحدَّث عن جمهورٍ وقوى سياسيَّة ناشطة أيضًا.
و آخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
الهوامش:
[1] النوري: مستدرك الوسائل 12/ 93، كتاب جهاد النفس، باب تحريم قسوة القلب، ح4. (ط2، 1408هـ – 1988م، مؤسسة آل البيت (ع)، قم – إيران)
[2] الحر العاملي: الوسائل 16/ 46، أبواب جهاد النفس، باب تحريم قسوة القلب، ح6. (ط2، 1414هـ، مؤسسة آل البيت (ع)، قم – إيران)
[3] ابن شعبة الحراني: تحف العقول، ص 296. (ط2، 1404هـ ، جماعة المدرسين، قم – إيران)
[4] الحر العاملي: الوسائل 16/ 45، أبواب جهاد النفس، باب تحريم قسوة القلب، ح5.
[5] الكليني: الكافي2/ 273، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح20. (ط4، 1365ش، دار الكتب الإسلامية، طهران – إيران)
[6] الكليني: الكافي2/ 268، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح1.
[7] الكليني: الكافي2/ 271، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح13.
[8] النوري: مستدرك الوسائل 12/ 115، كتاب جهاد النفس، باب تحريم اتباع الهوى، ح13.