حديث الجمعة 256: حتميَّة الخلاص – ماذا بعد الحوار؟ – تساؤلٌ وقلق
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آله الهداة الميامين، وبعد نتناول أكثر من عنوان:
حتميَّة الخلاص
إنَّ خروج الإمام المهديّ المنتظر في آخر الزَّمان من الأمور الحتميَّة كما أكَّدت النصوص الثابتة، وهذا ما دوَّنته كتب المسلمين قاطبة السُّنيَّة والشِّيعيَّة، ولذلك تُعتبر هذه القضيَّة من المسلَّمات الإسلاميَّة، ولا ينكرها إلَّا مَن شذّ…
أسوق نماذج مِن رواياتٍ دوَّنتها المصادر الحديثيَّة المعتمدة لدى المسلمين وأكتفي بذكر ما جاء في المصادر السُّنيَّة:
1- جاء في صحيح الترمذي – أحد صحاح السِّتة المعتمدة لدى السُّنة – عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:
«لا تذهب الدّنيا حتّى يملك العربَ رجلٌ من أهل بيتي يواطِئ اسمه اسمي»[1].
2- وفي حديثٍ للترمذي أيضًا عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله:
«إنَّ في أمَّتي المهديّ… – إلى أن قال – فيجئ إليه رجلٌ فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله…»[2].
3- وفي سنن أبي داوود وسنن ابن ماجه – وهما من الصِّحاح السّتة المعتمدة – عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول:
«المهديّ من عترتي من ولد فاطمة»[3].
4- وفي سنن أبي داوود عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال:
«المهديّ منِّي، أجلَى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا»[4].
5- وجاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل – إمام المذهب الحنبلي – عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«أبشِّركم بالمهديّ، يُبعث في أمتَّي على اختلافٍ من الناسِ وزلازل، فيملأ الأرضَ قسطًا وعدلًا، كما ملئت جورًا و ظلمًا، يرضى عنه ساكن السَّماء وساكن الأرض، يُقسِّم المال صحاحًا، فقال له رجلٌ: ما صحاحًا؟ قال بالسويَّة بين النَّاس، قال: ويملأ الله قلوب أمَّة محمدٍ [صلّى الله عليه وآله] غِنًى، ويسعهم عدله، حتّى يأمر مناديًا فينادي فيقول: مَنْ له في مالٍ حاجة؟ فما يقوم مِن النَّاس إلَّا رجل، فيقول [المهدي]: ائتِ السدَّان – يعني الخازن – فقل له: إنَّ المهدي يأمرك أن تعطيني مالًا، فيقول له: احث، حتّى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم فيقول: كنتُ أجشع أمَّة محمد [صلّى الله عليه وآله] نفسًا، أو عجز عنِّي ما وسعهم، قال: فيردَّه فلا يُقبل منه، فيقال له: إنَّا لا نأخذ شيئًا أعطيناه…»[5].
6- وجاء في كتاب عقد الدّرر للمقدسي الشافعي عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول:
«ويح هذه الأمَّة من ملوكٍ جبابرة، كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلَّا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التَّقي يصانعهم بلسانه، ويفرُّ منهم بقلبه فإذا أراد الله أن يعيد الإسلام عزيزًا قصم كلّ جبَّار وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمَّة بعد فسادها… يا حذيفة لو لم يبق من الدّنيا إلَّا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يملك رجلٌ من أهل بيتي تجرى الملاحم على يديه ويظهر الإسلام لا يخلف وعده وهو سريع الحساب»[6].
7- وجاء في صحيح البخاري عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنّه قال:
«كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم»[7].
وقد أجمع شرَّاح البخاري أنَّ هذا الإمام الذي ينزل عيسى بن مريم في أيامه هو الإمام المهدي الذي يظهر في آخر الزَّمان، فينزل نبيّ الله عيسى بن مريم فيصلِّي خلفه ويشترك معه في قتال الدَّجّال، والدَّجّال رمزٌ لكلِّ القوى الكافرة المعادية للإسلام، وإذا كان البخاري لم يصرِّح في هذا الحديث باسم الإمام المهدي، إلَّا أنَّ شرَّاح البخاري صرَّحوا بذلك، كما أنَّ هذا الحديث ورد في مصادر أخرى مصرَّحًا فيه باسم الإمام المهدي، حيث جاء بهذه الصِّيغة:
«كيف أنّتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم المهديّ منكم».
وقصة نزول نبيّ الله عيسى بن مريم آخر الزَّمان من المسلَّمات الدينيَّة، وكذلك صلاته خلف الإمام المهدي…
• جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنَّه قال: سمعت النبيَّ صلّى الله عليه وآله يقول:
«لا تزال طائفة من أمَّتي يقاتلون على الحقِّ، ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى بن مريم [عليه السَّلام] فيقول أميرهم: تعال صلِّ لنا فيقول: لا، إنَّ بعضكم على بعضٍ أمراء تكرمة الله هذه الأمة»[8].
• وفي عقد الدّرر للمقدسي الشَّافعي، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام، في قصَّة الدَّجّال قال (عليه السَّلام):
«ويدخل المهديّ بيت المقدس ويصلِّي بالنَّاس إمامًا، فإذا كان يوم الجمعة وقد أقيمت الصَّلاة نزل عيسى بن مريم بثوبين مشرقين حمر، كأنَّما يقطر من رأسه الدّهن، رَجْلُ الشَّعر، صبيح الوجه، أشبه خلق الله عزَّ وجلَّ بأبيكم إبراهيم خليل الرَّحمن (عليه السَّلام) فيلتفت المهديّ فينظر عيسى، فيقول لعيسى: يا ابنَ البتولِ صلِّ بالنَّاس، فيقول: لك أقيمت الصَّلاة، فيتقدَّم المهديّ فيصلِّي بالنَّاسِ ويصلِّي عيسى خلفه ويبايعه…».
• وفي مصادر أخرى:
«بينما هو والمؤمنون معه في بيت المقدس… فيضع عيسى يده بين كتفيه ثمَّ يقول له: تقدَّم فصلِّ فإنَّها لك أقيمت، فصلَّى بهم إمامهم وإمام عيسى…».
ماذا بعد الحوار؟
تباينت المواقف من الحوار…
فموقفٌ متفائل كلَّ التفاؤل، يرى في هذا الحوار خشبة الخلاص من مأزقٍ أثقل أوضاع هذا الوطن، وأرهق المواطنين، فلا خيار إلَّا الحوار الذي يشارك فيه كلّ الأطياف والمكوِّنات، وتُعالَج من خلاله محاور كثيرة تتَّسع لكلِّ قضايا النَّاس السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والحقوقيَّة، ثمَّ إنَّ في هذه اللقاءات إنعاشًا لأجواء التلاحم والتواصل في مواجهة ما أنتجته الأزمة من مشاحناتٍ قطَّعت الأواصر والعلاقات بين أبناء الوطن الواحد…
وموقفٌ آخر متشائِم كلَّ التشاؤم، لا يرى في ما يجري حوارًا قادرًا على إنقاذ البلد من مأزقه الصَّعب، ولا يرى فيه مخرجًا من أزمةٍ مُزمنةٍ أوقعت الوطن في منعطفاتٍ خطيرة، ما يجري مصادرةٌ لمطالب شعبٍ، وهموم وطنٍ وتشتيتٌ لقوى معارضة، ودفعٌ في اتِّجاه مزيدٍ من التأزّم والخلاف، فلا يوجد أيّ مؤشرٍ يطمئن النَّاس، ويمسح ما في داخلهم من قلقٍ وشكٍّ وخوف…
وموقفٌ ثالث متحفِّظ تتصارع في داخله حوافز الأمل والرَّجاء، وهواجس اليأس والقنوط، يتمنَّى أن يكون الحوار منتِجًا وفاعلًا ومحقِّقًا لمصالح النَّاس، إلَّا أنَّ المشهد تحاصره الكثير من المشوِّشات والإشكالات والتناقضات ممَّا يربِك الآمال والتمنِّيات…
وإذا كان الموقف ممَّا يجري يحمل هذا التباين، فإنَّ مبدأ الحوار لا يسع أيّ طرفٍ أن يتحفَّظ عليه، وإذا كان هناك رفضٌ أو شكٌّ أو تحفّظ فيتَّجه نـحو الصِّيغة المطروحة، وليس نـحو المبدأ..
ومع هذا التباين، فهنا سؤالٌ يفرض نفسه:
• وماذا بعد ذلك؟
سمِّي ما يجري حوارًا أو تفاهمًا وطنيًّا أو مسرحيَّة، أو خدعةً أو استهلاكًا أو استهدافًا، أو… أو…
فالسؤال: ماذا بعد كلّ هذا؟
والجواب يحمل أحد احتمالين:
• الاحتمال الأول: أن يتحقَّق انفراجٌ يُرضي الشَّعب..
• الاحتمال الثاني: أن لا يتحقَّق انفراجٌ يُرضي الشَّعب..
وماذا يعني الانفراج؟
البعض يرى الانفراج في عودة الأمور إلى ما قبل الرابع عشر من فبراير…
هذا ليس انفراجًا، وهل كانت تلك الأحداث إلَّا تراكماتٍ لأزماتٍ ومآزق عاشها هذا الوطن…
وفريقٌ آخر يرى الانفراج استجابة لمطالب الشَّعب المعيشيَّة، ولبعض همومه السِّياسيَّة، ممَّا يخفِّف من معاناته وأزماته…
هذا ليس انفراجًا، ما دام لا يُلامس المفاصل الحقيقيَّة لأزمة الوطن…
وفريقٌ ثالث يفهم الانفراج إصلاحاتٌ سياسيَّة جذريَّة تتناسب وتتجاوب مع إرادة وطموحات هذا الشَّعب، وتتلاءم مع متغيِّرات العالم في اتِّجاه الديمقراطيَّة الحقيقيَّة.
فالحديث عن الانفراج السِّياسي الحقيقي ليس حديثًا للتَّرف السِّياسي، والاستهلاك الإعلامي، وليس حديثًا للتخدير وإسكات فورات الشعوب…
الحديث عن الانفراج السِّياسي الحقيقي حديثٌ عن إصلاحاتٍ جذريَّةٍ تطال السُّلطات الثلاث التشريعيَّة والتنفيذيَّة والقضائيَّة…
حديثٌ عن دستورٍ يستجيب لكلِّ هموم ومطالب الشَّعب…
حديثٌ عن برلمانٍ كامل الصَّلاحيَّات…
حديثٌ عن حكومة منتخبة تمثّل إرادة الشعب…
حديثٌ عن قضاءٍ عادلٍ مستقلٍ كلَّ الاستقلال…
حديثٌ عن انتخاباتٍ محكومةٍ لدوائر عادلةٍ وفق المعايير الدوليَّة المعتمدة…
حديثٌ عن أمنٍ وأمانٍ يجذِّران الشعور عند المواطن بالاطمئنان على نفسه وماله وعرضه ومعتقده وقيمه وأخلاقه…
حديثٌ عن انتهاء كلِّ أشكال التمييز والفساد الإداري والفساد المالي والفساد الأخلاقي…
حديثٌ عن انتهاء الظّلم والعبث بحقوق المواطن وحرِّيته وكرامته…
حديثٌ عن تطهير البلد من كلِّ الأوضاع الشاذَّة التي تتناقض مع دين وقيم هذا الشَّعب….
تساؤلٌ وقلق:
نشرت الصحافة قبل أيامٍ رسالةً موجّهة من وزارة العدل والشؤون الإسلاميَّة والأوقاف إلى إدارة الأوقاف الجعفريَّة تطلب منها وثائق الملكيَّة الخاصَّة بما هو مسجَّل لديها من أملاكٍ حكوميَّةٍ متعلِّقة بدور العبادة (جوامع/ مساجد/ مصلَّيات/ مآتم/ مقابر ) و ذلك استعدادًا لتحويلها إلى إدارة شؤون الأملاك الحكوميَّة بوزارة الماليَّة..
و هنا نتساءل:
هل أنَّ الأملاك المذكورة بعد أن تمَّت وقفيَّتها (جوامع ومساجد ومآتم ومقابر) تبقى أملاكًا حكوميَّة؟!، والمعروف في الفقه الإسلامي السنّي والشيعي أنَّ الوقوفات الشرعيَّة تخرج عن ملكيَّة أصحابها الواقفين (أفرادًا أو جمعيَّات أو حكومات)، وأمَّا الإشراف على شؤون هذه الوقوفات فيرجع إلى أولياء الوقف المنصوص عليهم في صيغة الوقف، فلا معنى أن تبقى الأماكن الموقوفة منشآت حكوميَّة…
ثمَّ إنَّ الوقفيَّات لها خصوصيات فقهيَّة مذهبيَّة فيما هي أحكامها والتصرف فيها وفي أموالها…
فالرسالة الموجَّهة إلى إدارة الأوقاف الجعفريَّة تُثير الكثير من التساؤلات والمخاوف، وننتظر حتى تتَّضح لنا الصورة أكثر لنقول كلمتنا حول هذا الموضوع…
الهوامش
[1] الترمذي: سنن الترمذي 3/ 343، ب44 (ما جاء في المهدي)، ح2313. (ط2، 1403هـ – 1983م، دار الفكر، بيروت – لبنان)
[2] المصدر السابق: ح 2333.
[3] السجستاني، سنن أبي داوود 2/ 310، كتاب المهدي، ح 4284. (ط1، 1410هـ – 1990م، دار الفكر، بيروت – لبنان)
[4] المصدر السابق: ح 4285.
[5] أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل 3/ 37، مسند أبي سعيد الخدري. (دار صادر، بيروت – لبنان)
[6] المجلسي: بحار الأنوار 51/ 83، الثامن والعشرون. (ط2 المصحّحة، 1403هـ – 1983م، دار الوفاء، بيروت – لبنان)
[7] البخاري: صحيح البخاري 3/ 1271، باب نزول عيسى بن مريم (ع)، ح 3376. (دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان)
[8] مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم 2/ 158، باب نزول عيسى بن مريم، ح 350. (1992م، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان)