لمحات من سيرة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)
لمحات من سيرة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)
بطاقة الهوية:
كنية: أبو الحسن
اسم الأم: حميدة
الولادة: 7 صفر 127ه
الشهادة: 25 رجب 183ه
مدة الإمامة: 35 سنة
قاتله: هارون الرشد
مكان الدفن: الكاظمية
إمامته:
ترعرع الإمام موسى بن جعفر في حضن أبيه أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فنهل منه العلوم الإلهية وتخلق بالأخلاق الربانية حتى ظهر في صغره على سائر إخوته، وقد ذكرت لنا كتب السيرة أن مناظرة حصلت بينه وبين أبي حنيفة حول الجبر والاختيار بيّن له فيها الإمام على صغر سنه بطلان القول بالجبر بالدليل العقلي ما دعا أبا حنيفة الى الاكتفاء بمقابلة الابن عن مقابلة الإمام الصادق وخرج حائراً مبهوتاً.
عاش الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) مدة إمامته بعد أبيه في فترة صعود الدولة العباسية وانطلاقتها، وهي فترة تتّسم عادة بالقوّة والعنفوان، واستلم شؤون الإمامة في ظروف صعبة وقاسية، نتيجة الممارسات الجائرة للسلطة وعلى رأسها المنصور العباسي، ومما أوقع الشيعة في حال اضطراب إدَِّعاء الإمامة زوراً من قبل أحد أبناء الإمام الصادق (عليه السلام) وهو عبد الله الأفطح وصار له أتباع عُرفوا بالفطحية، كما كان هناك الإسماعيلية الذين اعتقدوا بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السلام) الابن الأكبر للإمام الصادق مع أنه توفي في حياة أبيه، ولكن هذه البلبلة ساعدت في الحفاظ على سلامة الإمام الفعلي وهو الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، حيث اشتبه الأمر على الحكام العباسيين فلم يتمكنوا من تحديد إمام الشيعة ليضيقوا عليه أو يقتلوه، وهو ما أعطى الإمام الكاظم فرصة أكبر للقيام بدوره الإلهي كإمام مسدد للإمامة.
منزلته:
يعتبر الإمام في عقيدة الشيعة هو وعاء الوحي والرسالة، وله علامات وميزات خاصة لا يتمتع بها سواه فقد فرض الإمام الكاظم نفسه على الواقع الشيعي وترسخت إمامته في نفوس الشيعة، حيث جسّد الإمام الكاظم (عليه السلام) دور الإمامة بأجمل صورها ومعانيها، فكان أعبد أهل زمانه وأزهدهم في الدنيا وأفقههم وأعلمهم. وكان دائم التوجّه لله سبحانه حتى في أحرج الأوقات التي قضاها في سجون العباسيين حيث كان دعاؤه “اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك وقد فعلت فلك الحمد” كما احتل الإمام (عليه السلام) مكانة مرموقة على صعيد معالجة قضايا العقيدة والشريعة في عصره. حيث برز في مواجهة الاتجاهات العقائدية المنحرفة والمذاهب الدينية المتطرفة والأحاديث النبوية المدسوسة من خلال عقد الحلقات والمناظرات الفكرية مما جعل المدينة محطة علمية وفكرية لفقهاء ورواة عصره يقصدها طلاب العلوم من بقاع الأرض البعيدة فكانوا يحضرون مجالسه وفي أكمامهم ألواح من الإبنوس (نوع من الخشب) كما ذكر التاريخ..
تخرّج من مدرسة الإمام الكاظم (عليه السلام) في المدينة، والتي كانت امتداداً لمدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) واستمراراً لمدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) الكثير من العلماء والفقهاء في مختلف العلوم الإسلامية آنذاك..
الإمام (عليه السلام) والسلطة:
عاصر الإمام الكاظم (عليه السلام) من خلفاء العباسيين المنصور والمهدي والهادي وهارون الرشيد، وقد اتسم حكم المنصور العباسي بالشدّة والقتل والتشريد وامتلأت سجونه بالعلويين حيث صادر أموالهم وبالغ في تعذيبهم وتشريدهم وقضى بقسوة بالغة على معظم الحركات المعارضة … وهكذا حتى مات المنصور، وانتقلت السلطة إلى ولده المهدي العباسي الذي خفّف من وطأة الضغط والرقابة على آل البيت عليهم السلام مما سمح للإمام الكاظم (عليه السلام) أن يقوم بنشاط علمي واسع في المدينة حتى شاع ذكره في أوساط الأمة.
وفي خلافة الهادي العباسي الذي اشتهر بشراسته وتضييقه على أهل البيت عليهم السلام، قام الحسين بن علي أحد أحفاد الإمام الحسن (عليه السلام) بالثورة على العباسيين فيما عرف فيما بعد بثورة “فخ” وسيطر على المدينة واشتبك مع الجيش العباسي في قرية “فخ” قرب مكة ولكن انتهت المعركة بفاجعة مروّعة، وحملت الرؤوس والأسرى إلى الهادي العباسي الذي راح يتوعد ويهدّد بالإمام الكاظم (عليه السلام) فقال بصدده: “والله ما خرج حسين إلاّ عن أمره ولا اتبع إلا محبته لأن صاحب الوصية في أهل البيت، قتلني الله إن أبقيت عليه”. ولكن وبحمد الله لم تسنح الفرصة له بذلك إذ مات بعد وقت قصير، فانتقلت السلطة إلى هارون الرشيد الذي فاق أقرانه في ممارسة الضغط والإرهاب على العلويين.
إزاء هذا الأمر دعا الإمام أصحابه وأتباعه إلى اجتناب كافة أشكال التعامل مع السلطة العباسية الظالمة التي مارست بحق العلويين ظلماً لم تمارسه الدولة الأموية ودعاهم إلى اعتماد السرية التامة في تحركهم واستخدام التقية للتخلص من شر هؤلاء الظلمة، ومع كل هذا الحذر فقد عصف بقلب هارون الرشيد الحقد والخوف من الإمام (عليه السلام) فأودعه السجن وأقام عليه العيون فيه لرصد أقواله وأفعاله عسى أن يجد عليه مأخذاً يقتله فيه. ولكنهم فشلوا في ذلك فلم يقدروا على إدانته في شيء، بل أثّر فيهم الإمام (عليه السلام) بحسن أخلاقه وطيب معاملته فاستمالهم إليه، مما حدا بهارون الرشيد إلى نقله من ذلك السجن إلى سجن السندي بن شاهك بغية التشديد عليه والقسوة في معاملته.
ورغم شدة المعاناة التي قاساها الإمام (عليه السلام) في ذلك السجن فقد بقي ثابتاً صلباً ممتنعاً عن المداهنة رافضاً الانصياع لرغبات الحاكم الظالم.
زوجاته وأولاده (عليه السلام) :
كان غالب زوجات الإمام(عليه السلام) من الإماء، لذلك لم يذكر أولاد من غيرهن وكان له منهن أولاد كثيرون أبرزهم علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، وإبراهيم وكان يكنى به والعباس والقاسم وإسماعيل وجعفر وهارون والحسن ومن بناته فاطمة المعصومة المدفونة في قم المقدسة.
سجنه وشهادته (عليه السلام) :
لقد تعرض الإمام الكاظم (عليه السلام) للسجن عدّة مرات من قبل الحكام الجائرين ولم يتركوه يمكث في سجن واحد وإنّما تنقّل في سجون عديدة والسرّ في اضطرارهم إلى نقله من سجنٍ لآخر هو إنّهم كلّما وضعوه في سجن يصبح مدير ذلك السجن بعد فترة من الزمن مريداً ومتعاطفاً للإمام (عليه السلام) إلى أن اضطروا أن يغيبوا خبر الإمام (عليه السلام) عن الناس بأن هيئوا قبّتين وجعلوه في قبة وسيروا الأخرى خالية حتى يموهوا على الناس فأمر بالقبة التي فيها الإمام (عليه السلام) إلى البصرة والأخرى إلى الكوفة ليعمي على الناس أمر الإمام (عليه السلام). وقد لاقى ما لاقى من هذا السجن حيث سلّموه (عليه السلام) بيد عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور وهو حفيد المنصور الدوانيقي وكان شخصاً ماجناً مُعاقراً للخمر ومن عشاق الرقص والغناء وقد احضروا الإمام إلى سجن البصرة في سنة (178هـ) ثم بعد فترة أصبح السجّان محبّاً ومريداً للإمام (عليه السلام). مما اضطرّهم لنقل الإمام (عليه السلام) إلى بغداد بأمر هارون الرشيد فسلموه بيد الفضل بن الربيع وهذا الأخير وبعد فترة أصبح أيضاً من محبّي الإمام ومريديه مما اضطره أن ينقل الإمام (عليه السلام) إلى الفضل بن يحيى البرمكي وهكذا فعل الأخير. مما أغاظ هارون أيضاً وأصبح الفضل بن يحيى من المغضوب عليهم عند هارون. إلاّ أن والده يحيى البرمكي تعهّد بأن يغسل عار ولده وذلك عن طريق إمتثال جميع أوامر هارون. فاقتنع الأخير بكلام يحيى فسلّم إليه الإمام (عليه السلام) فأخذه يحيى وسلّمه إلى سجّان آخر وهو السندي بن شاهك الذي يُقال إنه لم يكن مسلماً أصلاً وقد مرّت أشدّ الظروف وأصعبها على الإمام (عليه السلام) في سجن هذا الجلاّد حيث لم يذق الإمام بعد ذلك طعم الراحة وكان هذا الجلاد يتميّز بأنه ينفّذ كل الأوامر وما يؤمر به بدقة بالغة وقساوة عجيبة فقام بوضع الإمام في زنزانة في سرداب مظلم وقيّده بالسلاسل الحديدية الثقيلة وبدأ بالتخطيط لمحاولة القضاء عليه (سلام الله عليه). إلى أن حان الوقت الذي بفي به يحيى البرمكي للظلمة هارون وأعوانه فذهب يحيى إلى السندي بن شاهك وأعطاه سمّاً فتّاكاً قد هيّأه وأمره أن يدسّه في طعام الإمام (عليه السلام) وأعطاه بقية التوجيهات والتعليمات اللازمة فقام هذا الشقي بتعبئة هذا السمّ في حبّات التمر بشكلٍ خاص وقدّمه فأكل منه الإمام وقام السندي على الفور باستدعاء العلماء والقضاة وعدول المؤمنين وكل مَن هم مورد ثقة عند الناس وجمعهم في مكانٍ ثم أخرج الإمام إليهم وقال: أيُّها الناس انظروا إلى الشيعة كيف يروّجون الإشاعات بأننا نعامل الإمام مُعاملة سيئة في السجن ونعرضه لمختلف أنواع التعذيب وهذا موسى بن جعفر إمامكم سالم تماماً ولم يحدث له أي مكروه. وما أن أتمّ السندي كلامه حتى قال الإمام (عليه السلام) أمام الجميع: إنّه كذّاب، ولم يبقَ من عمري سوى يومين أو ثلاثة» فأفشل الإمام بهذا الكلام خطتهم ثم إنّ علي بن سويد اتصل بالإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وهو في طامورة السندي ابن شاهك فسأله: سيّدي متى الفرج لقد ضاقت صدورنا قال له الإمام: «الفرج قريب ياابن سويد» قال: متى سيّدي؟ قال: «يوم الجمعة ضحى على الجسر ببغداد». يقول عليّ بن سويد: جئتُ في ذلك اليوم إلى جسر الرصافة وإذا بجنازة مطروحة والمنادي يُنادي: هذا إمام الرافضة قد مات حتف أنفه فانظروا إليه فجعل الناس يتفرّسون في وجهه. يقول علي بن سويد: جئت لأنظر إليه وإذا به سيّدي ومولاي موسى بن جعفر (عليه السلام) فأخذ علي بن سويد بالبكاء والنحيب عند رأس الإمام بينما هو كذلك إذ مرّ به طبيبٌ نصراني كانت بينهما صحبة فقال له ابن سويد: أقسمت عليك بالمسيح إلا ما رأيت سبب موت.