حديث الجمعة241: حول الوضع الامني الراهن في البلاد – 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين، محمدٍ وآله الهداة الميامين..
في بداية هذا الحديث نرفع أكفَّ الضراعة سائلين المولى العليَّ القدير أن يتغمَّد شهداءنا الأبرار بوافر الرَّحمة والمغفرة والرضوان، وأن يمنَّ على جرحانا بالشفاء العاجل، وأن يخلِّص أبناءنا الباقين في السجون، وأن يمنح إخوتنا الذين صبروا وتحمّلوا عناءات الاعتقال أعظم الأجر والثواب، وأن يثبّت أقدام الصامدين المطالبين بالحقوق العادلة.
لسنا دعاة عنفٍ وتطرّفٍ وإرهاب..
إننّا – عبر تاريخٍ طويلٍِ – ضحايا هذا العنف والتطرّف والإرهاب، إنّنا ضدّ كلّ المشروعات التي تدمّر الإنسان والحياة، والأمن، والأمان، وتدمّر البلدان والأوطان.
إنَّ شعبنا عاش تاريخًا من المعاناةِ والقهر والحرمان، وتاريخًا من المصادرة والإقصاء والتمييز.
ورغمَ كلّ هذا.. ضغطنا على كلّ جراحاتنا، وأوجاعنا، وآلامنا، وحرماننا، وعناءاتنا، وعذاباتنا ووقفنا بكلِّ حبٍّ، وصدقٍ، وإخلاصٍ مع المشروع السّياسي منذ انطلاقته، لأنّنا شعب طيّب، لا يحملُ في داخله الحقد، والضغينة، والكراهية، ورغبة الثأر والانتقام..
إلاّ أنّنا تفاجأنا وفي وقتٍ مبكرٍ من ولادةِ المشروع بانقلابٍ خطير، أوجد لنا صدمةً عنيفةً، فانهارت وعُود ومواثيق، وضاعت كلمات وخطابات..
صبرنا، وصبرنا، وتحمّلنا، حُبًا لهذا الوطن، وحرصًا على أمنه واستقراره ولأنّنا دعاة سلمٍ ومحبّة، ودعاة وحدة وتقارب.
ارتفعت الأصواتُ الصادقةُ المخلصةُ تطالبُ بإصلاحِ الأوضاع، وتصحيح المسارِ السّياسي، وإنهاءِ كلِّ الأزمات والاحتقانات..
وكان الجواب مزيدًا من التأزيم، ومزيدًا من الاحتقان، ومزيدًا من البطش…
وفرَضَ الخيارُ الأمني نفسه علىَ كلِّ الخيارات…
واستمرّت أصواتنا مطالبةً بالحوارِ، وبحّت الأصوات، واختنق الأملُ في داخلنا..
وقلنا الكلمة في وقتها مخاطبين السلطة: إنّ أخشى ما نخشاه حينما يموت الأمل في الإصلاح أن يتفّجّر الغضب، ويتمرّد الصبر..
وكم تمنّينا أن يكون القريبون من الحاكم ناصحين، وليسوا محرّضين، ولا محشّدين، وإلاّ لما وصلت الأمور إلى ما آلت إليه من الغليان والانفجار..
وتحرَّكت المحاولات تلو المحاولات لإنقاذ الوضع، إلّا أنّ القبضة الأمنية بكلّ عنفها، وقسوتها، وبطشها أسقطت كلّ المحاولات، وأغلقت كلّ الأبواب، فامتلأت السجون والزنزانات، بفعل حبكات التآمر، وحكايات الإرهاب..
وهكذا لم يعد شعبنا قادرًا على الصبر والتحمّل، فقد أثقلته المعاناة، وأرهقته القيود، وأتعبته سياسات الحرمان.
وحدث الانفجارُ الغاضب، ليس مجرّد محاكاةٍ لفورات الغضب في المنطقة، وليس سباقًا مع ثورات الشعوب، صحيحٌ أنّ تلك الفورات، وتلك الثورات لها إلهاماتها وتأثيراتها، غير أنّ شعبنا في البحرين له تاريخه في الصمود والتحدّي والعطاء من أجل قضاياه العادلة..
نعم حدث الانفجار الغاضب..
وكان المطلوب أن يمارس النظام درجةً عاليةً من الحكمة في التعامل مع هذا الانفجار، ودرجةً عاليةً من ضبط النفس، في مواجهته أصواتٍ ارتفعت تطالب بحقوقٍ عادلةٍ، ارتفعت تصرخ من معاناة القهر والحرمان.
إلّا أنّ الردَّ جاء بلا رحمة… وسقط شهيد وآخر، وكانت مذبحة الخميسُ الدامي، وتضرّج دوار اللؤلؤة بدماء الشهداء، وامتلأت المستشفيات بالجرحى، وأرعبت النساء والأطفال، واشتدّ البطش والفتك.
وما كان كلّ ذلك ليكسر غضبة الجماهير، بل اشتدّ الغضبُ والتحدّي والفوران…
وعند هذا المنعطف فلا خيار إلاّ الاستجابة لمطالب الشعب، فلم يعد خيارُ العنفِ والفتكِ والبطشِ وسفكِ الدماء قادرًا أن يعالج الأوضاع، وأن يُسكتَ الأصوات، والصرخات..
هذه اللغة ليست لغة شحنٍ، وتحريضٍ وتحشيدٍ، وليست لغة الفتنةٍ، والفوضى، والاحتراب..
إنّها لغة مخلصة تريد لهذا الوطن الخير، والصلاح، والأمن والاستقرار..
تريد لهذا الشعب أن ينعم بالحريّة، والعدل، والكرامة.
مضى تاريخٌ على هذا البلد، والنظام يتعامل مع هذه اللغة بروح الشك، والريبة، والاتهام، وكنّا نعيش – في داخلنا – المرارة، والألم، والمعاناة..
فما أحوج اللحظة الراهنة إلى قراءة جديدة، ومراجعة جديدة، فالمتغيّرات التي فرضت نفسها على كلّ الواقع الاجتماعي والسّياسي والثقافي، لم تعد تسمح بالتراجع إلى الوراء، وإلى منظورات الماضي، ولم تعد خياراتُ الأنظمة قادرةً أن تقهر إراداتِ الشعوب، وكلّما تأزّمت العلاقة بين الأنظمة والشعوب، فالرهانُ رهانُ الشعوب..
فالأنظمة الحاكمة في التاريخ الراهن بين خيارين:
· الخيار الأول: أن تتصالح مع شعوبها تصالحًا حقيقيًا..
· الخيار الثاني: أن تفقد شرعيّتها، وبالتالي لا يبقى مبررٌ لبقائها..
فما عادت «الترقيعات السّياسية» قادرة أن تتلاءم مع الواقع الجديد الذي فرض نفسه على عالمنا، وما عادت «الترميمات الشكلية» قادرة على أن تصنع الشعوب..
وفي ظلّ هذه المعطياتِ والمتغيّراتِ تأتي قراءتنا للمشهد الراهن في البحرين لتأكّد:
أوّلاً:
ضرورة ولادة واقع سياسي جديد، يستجيب لطموحات الشعب، وتطلّعاته العادلة، فما لم يحدث تغيير جذري في الهيكليّة السّياسية يمنح الشعب رضًى واطمئنانًا، وينقذ البلد من مآزقه الصعبة فإنّ صرخات الغضب سوف تستمر، فمن الحكمة كلّ الحكمة أن تتّجه كلّ الإرادات لإنتاج نظامٍ سياسي يتناغم مع المتغيّرات والمستجدّات التي فرضت نفسها على كلِّ المنطقة، فالحذر كلّ الحذر من إضاعة الوقت في صياغاتٍ مستهلكة و«ماركات» مزوّرة، الفرصة سانحة لإعادة النظر في كلّ الحسابات.
ثانيًا:
ضرورة أن تستمر المطالبة بالحقوق حتى نهاية الشوط، ومن خلال كلّ الوسائل السلميّة التي تعبّر عن حضاريّة هذا الشعب وأخلاقيّته.
ربّما يقال: لكي تتوفّر أجواء ملائمة للتفكير في إنتاج الواقع السّياسي الجديد، يجب أن يصمت الدّوار، وأن تقف المسيرات، وأن يهدأ الغضب في الشارع، وأن تسكت الاحتجاجات..
ويقابله كلامٌ يقول: هذا خطأٌ كبير وفادح، يجب أن يبقى الزخمُ والغضب..
إلاّ أنّ هذا لا يعني الدعوة للفوضى والصخب، والانفعالات المنفلتة، فذلك مضرّ كلّ الضّرر بمطالب الشعب العادلة..
ربّما يوجد مَن يريد للموقف أن ينفلت، أن ينزع للفوضى، أن يندفع في اتجاهٍ غير محسوب.. هذا لا يمثّل إرادة الجماهير الواسعة التي تصرّ أن تبقى مُطالبةً، وغاضبةً، ولكن بطريقةٍ غير منفتلة، وطائشة..
وحينما نؤكّد على ضرورة أن تستمر المطالبة بالحقوق حتى نهاية الشوط فهذا يعني:
1- أنّنا نرفض أيّ مساسٍ بحقِّ التعبير عن المطالب العادلة، ما دام شعبنا يمارس التعبير بأساليب سلمية وحضارية، ومقبولة دوليًا، وإنّ أيّ تعدٍّ على هذا الحقّ فهو انتهاكٌ صارخٌ يجب أن يُدان، ثمّ إنّ النزوع للعنف في مواجهة الأصوات المطالبة بالحقوق أمرٌ له نتائجه المدمّرة، ولن يكون قادرًا أن يُسكت الأصوات، بل سوف يؤجّج الغضب، وهذا ما تشهده السّاحة في ما مضى من أيام، ولا زالت تشهده هذه الأيام.
2- إنّنا نرفض أيّ مساومةٍ على حساب المطالب العادلة لشعبنا، إنّ أيّ صفقةٍ تبيع هذه المطالب بأثمان بخسةٍ تعدّ خيانةً عظمى لن تنساها الأجيال وعقوبة الله أشدّ وأقسى…
ثالثًا:
لا يجوز التفريط في دماء الشهداء، ويجب ملاحقة الجناة الذين قتلوا الأرواح البريئة المظلومة وبأساليب في غاية البشاعة والفظاعة، إنّ محاولات التبرير والتبرئة محاولات مرفوضة، وتعبّر عن موت الضمير، وانمساخ القيم..
ربّما يردّد البعض مقولة التسامح، وعفا الله عمّا سلف، وضرورة أن ننسى الماضي، من أجل أن نؤسِّس لواقعٍ جديدٍ تحكمه روح المحبّة والعفو والتسامح…
هذا كلامٌ صحيح، إلاّ أنّ التسامح، والعفو عن الجناة المحترفين، سفّاكي الدماء أمرٌ لا تبرّره شرائع السّماء، ولا مبادئ العدل، ولا دساتير وقوانين الدول…
رابعًا:
يجب أن لا تتحوّل جدليّة «الشعارات» إلى معترك واحتراب، فيفقد الموقفُ صلابته، وتضيع الأهداف، وتتشطّر الإرادات ..
إذا استطعنا أن نتّفق على شعاراتٍ موحّدة فهذا أمرٌ مطلوب، أمّا إذا كانت هناك قناعاتٍ متعدّدة تفرض الشعارات فيجب:
1- أن لا تتساقط الشعارات بمعنى أن يُسقط بعضها بعضًا، ما دامت جميع الشعارات تتمركز حول هدفٍ واحدٍ وهو «الدفاع عن حقوق الشعب العادلة».
2- أن تكون لغة الشعارات مهذّبة، وراقية، وحضاريّة، فلسنا ضعفاء حتى نضطّر إلى لغة السبّ، والقذف، والابتذال، هكذا علّمنا الإسلام، وقيم القرآن، وتوجيهات الرسول صلّى الله عليه وآله، وتوجيهات الأئمّة الأطهار.
3- الابتعاد عن لغة المزايدات فهي لغة قاتلة، ومدمّرة للأهداف والمطالب، ما أحوج المرحلة إلى درجةٍ عاليةٍ من الإخلاص لله تعالى، ربّما نتحدّث عن تغييراتٍ إقليميّة، وعن ثوراتٍ شعبيّة، وعن مواقف دوليّة، وعن… وعن… إلاّ أنّه لا نصرَ ولا قوّة ولا عزّةَ إلاّ من الله، ومن طلب النصر والقوّة والعزّة من غير الله كان من أخسر الخاسرين…
هذا لا يعني أن لا نعتمد الوسائل الطبيعيّة، من أجل الوصول إلى تحقيق المطالب والأهداف، يقول الله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) الإعداد ضرورة، التخطيط ضرورة، استثمار الفرص ضرورة، وتبقى الثقة بالله، وبتأييد الله، وبنصر الله، هي الأساسُ في غلبة وانتصار المؤمنين (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ).
وكلّما اشتدّ الصدقُ والإخلاص لله تعالى كنّا أقرب إلى تأييد اللهِ ونصره، فالحذر الحذر أن يطيش بنا الهوى وحبُّ الذات في زحمةِ الضجيج والفوران، وفي زحمةِ المزايدات والشعارات فننسى الله، فنكون ممّن نسيهم الله (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ).
الأكثر صدقًا مع الله، هو الأكثر نكرانًا للذّات، وإن كان الأكثر عطاءًا وجهادًا، وثباتًا، وحضورًا، وما يدرينا لعلّ جنودًا مجهولين هم أخلص لله، وأصدق مع الله، وأكبر تأثيرًا منَّا بكلّ خطبنا وضجيجنا، وعناويننا…
وما يدرينا لعلّ دعوةً خاشعةً، متضرعةً، باكيةً من شيخٍ كبيرٍ متهجِّدٍ في جوف الليل هي سبب النصر والتأييد من الله سبحانه…
إنّنا في حاجةٍ إلى الحضور الكبير، إلى الموقفِ القوي، إلى الصوت العالي، إلى التحدّي الصلب، إلى الإرادة، إلى العنفوان، …
بشرط أن يكون كلّ ذلك محصّنًا بالإخلاص لله تعالى، ومشحونًا بحبّ الله، والثقة بالله، والشوق إلى رضوان الله…
خامسًا :
لا نؤمنُ بحوارٍ لا يستجيب لمطالب الشعب العادلة…
ولا نؤمن بحوارٍ لا يضعنا أمام مساراتٍ واضحة…
ولا نؤمن بحوارٍ لا يملك مكوّناتٍ للنجاح…
ربّما ترتفع أصواتٌ ترفض مبدأ الحوار من الأساسِ، كون الذاكرة مشحونة بتجارب فاشلة للحوار مع النظام، ممّا خلق عقدةً من أيّ حوار، أو لقاء، أو تفاهم…
وكون الثقة قد اهتزّت في زحمة الاحتقانات، والتشنّجات، والتوتّرات، والتأزّمات…
ثمّ لا معنى لحوارٍ بالنسبة لمن يحمل شعارًا برحيل النظام…
هذه قناعاتٌ وخياراتٌ تشكلّت في السّاحة ولا يحقّ لأحدٍ مصادرتها، ما دامت تعتمد أدواتٍ سلميّة.
غير أنّ السّاحة تحتضن قناعاتٍ وخياراتٍ أخرى تؤمن بالحوار، وهذه الأخرى أيضًا لا يحقّ لأحدٍ مصادرتها.
إنّ المخاضاتِ السّياسية في أصعب منعطفاتها قد تشهد انقساماتٍ حادّة، إذا لم يتقن إدارتها وتوجيهها، فإنّ نتائجها تكون خطيرة على الأهداف والمطالب…
وإذا آمنّا بالحوار فيجب أن نتوفَّر على كلّ مكوّنات النجاح لهذا الحوار، من مناخات، ومبادئ، وضمانات، لأنّ فشل الحوار سوف يقود إلى نتائج كارثيّة…
سادسًا:
إنّ المرحلة بكلّ تداعياتها السّياسية والدينيّة مرشّحة لتوظيفاتٍ طائفيّة ومذهبيّة في غاية الخطورة، ربّما يحاول البعض أن يقلّل من هذه الهواجس والمخاوف، كون أبناء هذا الوطن بكلّ مكوّناتهم عاشوا تاريخيًا من المحبّة والأخوّة والوءام، فلا يمكن لأوضاعٍ سياسيّة طارئة أن تستدعي صراعاتٍ واحتراباتٍ طائفيّة ومذهبيّة…
صحيح أنّ اللّحمة الدينيّة والوطنيّة بين أبناء هذا الشعب في غاية الصلابة والقوّة والمتانة، إلاّ أنّ لعب السّياسة، ومكائد أعداء الإسلام، لها قدرتها أن تؤجّج الفتن بين الطوائف والمذاهب، وعلى ذلك شواهد وشواهد، وقد سالت دماء، وهُتكت أعراض، وهُدّمت مساجد ودور عبادة، ودُمّرت مراقد أولياء، و …. و …..
مطلوبٌ أن لا نبالغ في الهواجس والمخاوف إلاّ أنّ التقليل منها ربّما يدفعنا إلى التهاون والتساهل …
يجب أن نرفع أصواتنا عالية في مواجهة أيّ تحشيدٍ طائفي أو مذهبي يهدّد وحدة هذا الوطن، ربّما نختلف سياسيًا، ربّما تتعدّد القناعات إلاّ أنّ هذا لا يبرّر أن نتحارب طائفيًا أو مذهبيًا، هذا الاحتراب إذا انطلقت شرارته – لا سمح الله – فإنّ ناره سوف تحرق الأخضر واليابس في هذا البلد الصغير، ولن يكون هناك رابح، فالجميع سيكونون خاسرين…
فرحمةً بهذا الوطن، وبهذا الشعب من أيّ فتنةٍ طائفية أو مذهبيّة، وإذا كانت هناك مصالح لدى البعض أن يوظّفوا هذه الورقة الخطيرة، فيجب أن تتوحّد المواقف السّنية والشيعيّة في التصّدي لذلك، من خلال مزيدٍ من التلاحم والتقارب والتآلف، ومزيدٍ من الإصرار على الوحدة…
أسفنا كثيرًا لما حدث في بعض المدارس…
إنّنا نرفض بقوةٍ أن يتغذّى أبناؤنا وبناتنا، وطلابنا وطالباتنا بالشحن الطائفي والمذهبي، وهم الأجيال الواعدة لمستقبل هذا الوطن، يجب أن يحاسب كلّ الذين يُغذوّن هذا الشحن شيعة كانوا أو سنة…
وهنا نخاطب كلّ القائمين والقائمات على شؤون المدارس، وكلّ المدرّسين والمدرّسات، وجميع أولياء الأمور، وجميع العلماء والخطباء وكلّ قوى المجتمع الدينيّة والثقافيّة والسياسيّة أن يحموا أجيال هذا الوطن من الانزلاق في منزلقات الصراع الطائفي والمذهبي…
وفي الوقت ذاته لا يسعنا إلاّ أن نُثمّن للمدرّسين والمدرّسات ما بذلوه من مساعي طيّبة، ومن وقفةٍ شجاعة في التعبير عن موقفهم المشرِّف اتجاه الوطن، كما ونرفض بشدّة ما يتعرّضون إليه من ضغطٍ وإساءة من قبل وزارة التربية، ومن قبل الإعلام الرسمي…
ولا يمنعنا هذا من التأكيد على ضرورة الحفاظ على انتظام واستمرار الدراسة في مدارسنا، وإبعاد أجوائها عن تداعيات المشهد السّياسي، مع كلّ تقديرنا وإكبارنا لموقف طلابنا وطالباتنا الوطنية الصادقة.
إذا كانت التداعيات السّياسية قد خلقت أجواءً لبعض التنفُّسات الطائفيّة والمذهبيّة فيجب أن يتحمّل القائمون على الشأن السيّاسي مسؤوليّتهم في محاصرة هذه التنفُّسات، حتى لا يكون ذلك ذريعة في ضرب الأهداف الوطنيّة، والتشويش على مطالب الشعب العادلة…
وهنا نؤكّد على ضرورة أن ترتفع الأصوات القويّة الداعية إلى الوحدة ونبذ كلّ الخطابات والشعارات والممارسات التي تدفع في اتجاه الشحن الطائفي المدمّر.
و أخيرًا :
نطالب بالإفراج الفوري عن باقي السجناء لتوفير مناخات الحوار.. ولتعزيز الثّقة..
إن بقاء بعض أبنائنا في السجون أمرٌ يقلقنا جدًا، فإذا كانت هناك رغبة جادّة في الاتجاه بالبلد نحو الأمن والاستقرار، ونحو التغيير الحقيقي، فيجب أن تتحرّك كلّ الخطوات الصادقة التي تطمئن أبناء هذا الشعب، وتؤسّس لواقع سياسي جديد، ينهي كلّ أسباب التأزّم والاحتقان..
إنّ أيّ خطوةٍ في الاتجاه الصحيح تساهم في إنقاذ البلد من مأزقه الصعب، ومن أوضاعه المأزومة..
و آخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين