بيان سماحة العلامة السيد عبد الله الغريفي حول الوضع المتأزم
بيان في ذكرى المولد النبوي
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد للهِ ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين وصحبه المنتجبين…
تمرُّ ذكرى المولد النبوي في هذا العام على شعبنا وهي مصبوغةٌ بالدّم, وتحمل على أكفّها كوكبةً من الشهداء، وأعدادًا كبيرة من الجرحى, هديةً مزجاةً إلى صاحب الذكرى صلّى الله عليه وآله وسلّم…
وحينما يصرُّ شعبنا على التحدّي والصمود, فليس من أجل إنتاج الفتنة والفوضى والتأزيم, وليس بدافع الثأر والانتقام, وليس مجرّد رغبةٍ في محاكاةِ ما يجري في عالمنا من فوراتِ غضب ضدّ أنظمة حكمٍ وسياسة…
وإنّما هو الخيار عندما تجمّدت كلّ الخيارات..
وإنّما هي الإرادة حينما تمرّدت على كلّ القيود..
وإنّما هي الكرامة عندما تحدّت كلَّ ألوان الذلِّ و الاستعباد..
وإنّما هي العزّة حينما انفتحت على شيئٍ من عزّة الله, وعلى شيئٍ من قوة الله, وعلى شيئٍ من كبرياء الله..
فلا تنهزم إرادةٌ موصولة بالله..
ولا تسقط كرامة موصولة بكرامة الله..
ولا تنكسر عزّةٌ مشدودة إلى عزة الله, وقوة الله, وكبرياء الله..
أيّها الأحبّة الأطايب:
في هذه المرحلة المفصليّة من تاريخ شعبنا في البحرين وحيث تسارعت الأحداث, ووصلت الأوضاع إلى غاية التأزّم بعد أن أصبح الشارع ينزف بالدّم, فإنّنا نؤكّد على ما يلي:
أولاً:
الإصرار على مطالب الشعب العادلة, فلا خروج من المأزق إلاّ بتغييراتٍ سياسيّة حقيقيّة تستجيب لمطالب الشعب, وإنّ أيّ تنازلٍ أو مساومةٍ يمثِّل خيانة لن يغفرها الله, ولن تنساها الأجيال..
ثانيًا:
الإصرار على حقِّ المواطنين في التعبير عن مطالبهم العادلة, وقد برهنت الجماهير على درجةٍ عاليةٍ من الانضباط والسلميّة, رغم كلِّ الاستفزازات المدفوعة بروح الفتك والبطش, وكم هو مشهد رائع نقف أمامه إجلالاً وإكبارًا أن تتقدَّم فتاةٌ تحملُ باقةً من الورود والزهور لتسلّمها إلى قوات الشغب والذين ما جفّت أيديهم من دماء المجزرة في دوّار اللؤلؤة في فجر الخميس الدامي, فهل يستحقّ هذا الشعب الطيّب, النبيل, المسالم أن يُواجه بالرصاص, وآلات القتل والبطش الفتك؟!!
وإنَّ زيارةً واحدةً إلى الراقدين في مستشفى السلمانية من الجرحى والمصابين تكشف حجم المأساة..
ثالثًا:
الإصرار على المطالبة بمحاكمة الجناة الذين مارسوا أقسى ألوان القتل والفتك والبطش وبلا رحمة ضدّ أبناء شعبنا المسالم, إنّ مجزرة الخميس الأسود لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة هذا الشعب إلاّ بالقصاص العادل, وإلاّ بمقاضاة أولئك الذين أزهقوا أرواحًا بريئة, لا لشيئٍ إلاّ أنّ أصحابها رفعوا أصواتهم يطالبون بحقوقهم المشروعة.
رابعًا:
الإصرار على شعار الوحدة والتقارب…
إنّ أخطر ما يواجه الموقف في هذه المرحلة أن تتحرّك خطابات التجزئة والتشظّي والشتات بكلّ أشكالها وألوانها وصياغاتها..
إنّ المرحلة تفرض أن تتوحّد كلّ الجهود, وأن تتلاقى كلّ القوى, وأن تتلاحم كلّ المواقف, فالرهان كلّ الرهان، أن يتمزّق الصف, وأن تتناقض الرؤى, وأن تتباين المواقف, وأن تتصارع الخيارات, وأن تتحارب القناعات..
وحينما نتحدّث عن هذا التوحّد لا تتحدّث عن توحّدٍ شيعي في مقابل توحّدٍ سنّي, لا نتحدث عن توحّداتٍ طائفيّة أو مذهبيّة أو سياسيّة متنافية متناقضة, لا مشكلة أن تصاغ توحّداتٍ في داخل الطائفة أو في داخل المذهب أو في داخل الجماعة, ولكنّ المشكلة حينما تتحوّل هذه التوحّدات إلى حالاتٍ متصارعة, متحاربة, متنافية…
إنّ أخطر ما يواجه الموقف في هذه المرحلة, اللعب على وتر الطائفيّة والمذهبيّة, والتناقضات السياسيّة, من أجل إشغال السّاحة بالصراعات والخلافات, الأمر الذي يفرض علينا مزيدًا من الوعي واليقظة والحذر, وعدم الدخول في السجالات والتجاذبات الهامشيّة والصغيرة على حساب الأهداف الكبرى والمصيريّة.
خامسًا:
موقفنا من الحوار مع النظام…
إنّنا نثمّن أيَّ دعوة صادقة للحوار…
إلاّ أنّ الحوار لا يمكن أن يحقّق أهدافه المطلوبة ما لم تتوفّر:
• أرضيّة صالحة للحوار..
• مبادئ وشروط للحوار..
ويجب التوافق على هذه الأرضيّة، والمبادئ والشروط، وإلاّ كان حوارًا فاشلاً، استهلاكيًّا، تخذيريًّا، فما عادت الوعود وحدها كافية لكي تقنع الناس، وتطمئن الشعب، وترضي القوى..
سادسًا:
حذارِ حذارِ من الشائعات التي تتحرّك هنا وهناك لإضعاف الموقف، وإرباك الصورة، وإلهاء الناس، وبثّ الخوف واليأس، وتخدير الإرادة، وربّما تكون هذه الشائعات مطبوخة في مطابخ خاصّة، وربّما هي من نتاج عقولٍ ساذجة، فما أحوج اللحظة الراهنة إلى درجة عالية من الوعي والبصيرة، واليقظة، والحذر..
سابعًا:
حذارِ حذارِ من شعارات تدفع في اتجاه الخلاف والتفرقة والصراع، والمواجهة، خشية أن يضعف الموقف، وتسقط الأهداف، مطلوب أن تتحرّك الشعارات المُوحِّدة القادرة أن تحمي الموقف، وتحفظ الأهداف، وتواجه التحدّيات..
وحذارِ حذارِ من صراعات الزعامة، والصدارة، فالشعب قد أعطى دماءً، وهي أغلى من كلِّ الصراعات، وأقوى من كلّ الزعامات، وأصدق من كلّ الخطابات.
وحذارِ حذارِ من إثْقَالِ السّاحة بالمزيد من العناوين، فما عادت الأوضاع في هذه المرحلة تتحمّل كلّ ذلك، فدماء الشهداء، وأنين الجرحى، وعذابات المعتقلين تخاطبنا جميعًا أن يكون عنواننا الكبير «مطالب هذا الشعب العادلة»، وأن يكون خيارنا جميعًا «الوحدة والتلاحم».
ثامنًا:
مسؤوليّتنا تجاه الشهداء:
• الإصرار على بقائهم في ذاكرة الأجيال.
• الإصرار على بقائهم في وجدان الأجيال.
• الإصرار على بقائهم في وعي الأجيال.
• الإصرار على بقائهم في حركة الأجيال.
مسؤوليّتنا تجاه عوائل الشهداء:
• أن نشاطرهم أحزانهم، وآلامهم، ومعاناتهم.
• أن نتواصل معهم.
• أن نتفقّد أوضاعهم وأحوالهم وحاجاتهم.
• أن نكرّمهم ونعظّمهم..
مسؤوليّتنا تجاه الجرحى:
• الدعاء لهم بالشفاء والعافية.
• زيارتهم وعيادتهم للتعرف على أحوالهم..
• متابعة حاجاتهم، وحاجات أسرهم..
مسؤوليّتنا تجاه السجناء:
• الدعاء الدائم لهم بالفرج العاجل..
• السعي الجاد لإطلاق سراحهم وخلاصهم..
• تفقّد أوضاع أسرهم وحاجاتهم..
• التعريف بمواقفهم، والحديث عن معاناتهم..
وأخيرًا:
نرفع أكفّ الضراعة إلى الله تعالى:
أن يسكن شهداءنا الأبرار في مساكن رحمته في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
وأن يلبس الجرحى أثواب الصحة والعافية..
وأن يمنّ على السجناء والمعتقلين بالفرج العاجل والخلاص من السجون والزنزانات..
وأن يحفظ هذا الوطن من كلّ المحن والشدائد والابتلاءات..
وأن يوحّد كلمتنا، ويجمع شملنا ويدفع عنّا كلّ المكائد والمصائب والأخطار…
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين..
السيد عبد الله الغريفي
17 ربيع الأول 1432هـ
21 فبراير 2011م