العلامة الشهيد السيد احمد الغريفي: أهداف الثورة الحسينيّة
لــو جئنا نستجلي الأهـــداف التي مـــن أجلـــــها ثـــــار الإمـام الحسين (ع)، ولم يبايع ليزيد بن معاوية لوجدنا أنّ أهمّ هدفٍ كـان يسعى الإمـام الحسين (ع) إلى تحقيقه إنّما هو تبنّيه الأمّة، وإيقاظها، وتحميلها المسؤوليّة في مقاومة الظلم والجور، وإزاحة الطغيان والمنكر، ذلك لأنّ الأمّة كلّ الأمّة تتحمّل مسؤوليّة ما يفعله حكّامها من جور واستبداد وتسلّط وطغيان، لأنّها هي التي سمحت لهؤلاء بتولِّي شؤونها، وجعلت في أيديهم أزمّة أمورها، فهي بالتالي المسؤولة عمّا يجنيه هؤلاء.
فكأنّ الإسلام قد عرّف الأمّة بدورها الرّساليّ الذي يجب عليها القيام به، وهو طاعة الله سبحانه، ورسوله(ص)، وأولياء الأمر بعد الرّسول (عليهم الصّلاة والسّلام)؛ ليأخذوا بها نحو الخير والصلاح، ونحو سعادة الدنيا والآخرة، ولكنّ الأمّة حين رضت بتولية الأمر لغير أهله الذين أهّلهم الله تعالى لهذا الأمر تكون قد جنت على نفسها، يقول الإمام الحسين (ع) : (وكنّا أهله، وأولياءه، وأوصياءه، وورثته، وأحقّ الناس بمقامه في النّاس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا، وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحق علينا ممّن تولاه).
ولم يكن سكوت الأئمّة عليهم السلام عن حقّهم، والمطالبة بمنصبهم إعراضًا منهم عن حقّهم، وقبولًا بما صار إليه أمر الأمّة، وإنّما كانوا ينتظرون مِن الأمّة أنْ تستيقظ، وتُعيد الحقّ إلى أهله، ولكنّ الأمر تمادى بالأمّة إلى الحدّ الذي وصلت إليه الحال الذي سمح بتقلّد شخصٍ من رعاع الأمّة، وأراذلها شؤون المسلمين ممّا يعني أنّ الحال قد وصلت إلى درجةٍ لا يمكن السكوت عليها، ولا التّغاضي عنها، فإنّ السُّنة قد أميتت، وكما قال الإمام الحسين (ع) ، بل وصل الأمر إلى أنْ طُلب من الإمام الحسين (ع) ، وهو سبط رسول الله(ص)، وسيّد شباب أهل الجنّة أنْ يُبايع يزيد، وأنْ يعترف بشرعيّة حكمه، وهذا ما رفضه الإمام الحسين (ع) أشدّ الرّفض، وقاومه أشدّ المقاومة: (أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النّبوّة، ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة بنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يُبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة، والبيعة).
وهكذا يتجلّى لنا أنّ الحسين (ع) بعد أنْ وصل الحال إلى هذه الدرجة التي لا تُطاق، ولا تقبل المساومة، أعلن الثورة، إذ كيف يقبل الحسين (ع) بأنْ يُذعن، ويبايع يزيد بن معاوية، وهل معنى ذلك إلّا القضاء على الإسلام، ومحو آثاره لذلك قال (ع) عندما أشار عليه (مروان بن الحكم) بمبايعة يزيد: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السّلام إذ قد بُليت الأمّة براعٍ مثل يزيد، ولقد سمعت جدّي رسول الله (ص) يقول الخلافة محرّمة على أبى سفيان).
فالواجب الإسلاميّ هو الذي دفع الإمام الحسين (ع) إلى رفض البيعة، بل ولم يكتفِ بهذا الموقف الذي يكلّفه حياته ثمنًا لهذا الرّفض، إذ أنّ النتيجة المعروفة سلفًا لهذا الموقف هو القتل، ويشير إلى ذلك في خطبته المشهورة والتي خطبها عند عزمه على الخروج من مكة: (خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخِير لي مصرعٌ أنا لاقيه كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأنَ منّى أكراشًا جوفًا، وأجربةً سغبًا لا محيص عن يومٍ خُطَّ بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه، ويوفّينا أجور الصابرين…).
والحسين (ع) مع علمه بهذا المصير المحتوم لكن ذلك لا يمنعه من الخروج، وإظهار عدم الرّضا، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، قال (ع) : (إنّي لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا مفسدًا، ولا ظالمًا وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (ص) أريد أنْ آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي (ص)، وأبي عليّ بن أبي طالب، فمَن قبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحقّ، ومَن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين..).