حديث الجمعة 225: مسؤوليّة التحرّك في مواجهة المنكرات – لماذا يترك النّاس الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؟
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصّلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وآله الطاهرين..
مسؤوليّة التحرّك في مواجهة المنكرات:
أصبح مقلقًا ومرعبًا ومخيفًا هذا الانتشار الفاضح للمنكرات والموبقات والفواحش في هذا البلد المسلم، الذي يؤمن الغالبيّة العظمى من أبنائه بالإسلام، والدّين والقِيَم، والأخلاق…
نعم في هذا البلد أصبحت الدّعارة، وأصبحت الخمرة، وأصبحت الفواحش مظاهر بارزة ومخجلة… حتى أصبحت البحرين تنافس أشهر الدول في الدّعارة والفسق والفجور…
قد يغضب البعض حينما نتحدّث عن البحرين بهذه اللغة، كون هذا يُسيئ إلى سمعة هذا البلد العريق بأصالته وتاريخه وقِيَمه…
وإنّه لمفارقة فاضحة أنّ هؤلاء الذين يغضبون لهذا النّمط من الحديث، كونه يُسيئ لسمعة البحرين النظيفة، هؤلاء هم الذين يُلوِّثون سمعة هذا البلد وهذا الشّعب حينما يُصرّون على بقاء الأوضاع الفاسدة والفاسقة، وتحت عناوين التسامح والانفتاح والحرّية والسياحة…
أن تنتشر الخمرة مظهرٌ من مظاهر التسامح…
أن تحتضن البحرين سوقًا للدّعارة والمتاجرة بالجنس مظهرٌ من مظاهر السّياحة…
أن يُترك للمنكرات تتحرّك من كلّ موقعٍ مظهرٌ من مظاهر الحرّية…
أن تنطلق ألوان الممارسات العابثة بالقِيَم مظهرٌ من مظاهر الانفتاح…
ما أسوء هذا التسامح الذي يفتح الأبواب لكلّ الخبائث أن تقتحم هذا البلد بلا ضوابط ولا قيود…
وما أسوء هذه السّياحة التي تنشر الموبقات من أجل إثراء المترفين والمتخمين بالمال الحرام..
وما أسوء هذه الحرّية التي تُسمِّم أجواء هذا الوطن بكلّ القبائح والمنكرات..
وما أسوء هذا الانفتاح الذي يسمح للفساد أن يتحرّك كما يشاء…
أمام هذا الواقع اللا أخلاقي ما هي المسؤوليّة؟
يمكن أن يُصنّف النّاس في التعاطي مع هذا الواقع اللا أخلاقي إلى عدّة أصناف:
(1) الذين يدعمون هذا الواقع اللا أخلاقي ويروّجون له، ولا يجدون حرجًا في التباهي بهذا الدّعم والترويج بل ويعتبرونه – كما تقدّم – سمة من سمات التسامح، والانفتاح والحرّية، والنهوض بالسّياحة..
وهنا ينتظم:
– إعلامٌ فاسق.
– وصحافةٌ فاضحة.
– وجمعيّاتٌ تُروّج لثقافة الفساد.
– ومؤسّساتٌ تُدافع عن الدّعارة.
– وأقلامٌ تتبنّى الدّعوة إلى الانحراف.
– وتجارٌ لا يهمّهم إلاّ الرّبح وإن كان حرامًا.
ألا بئس ما يصنع هؤلاء العابثون بالقيم والأخلاق
{الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} الأعراف:51.
(2) وفصيل ثاني من النّاس يُداهنون الواقع الفاسد، ويُداهنون المفسدين والعابثين والمُروّجين للانحرافات والمنكرات.
هؤلاء لا يسقطون في ممارسة المعاصي والترويج لها إلاّ أنهم يداهنون ويجاملون العصاة والمروِّجين للمعصية، هذه المداهنة قد تقود إلى التورّط بالمعاصي…
• ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السّلام:
«لا تُرخِّصوا لأنفسكم فتذهب بكم الرّخص مذاهب الظّلمة، ولا تُداهنوا فيهجم بكم الإدْهان على المعصية».
• وفي حديثٍ آخرٍ له عليه السّلام:
«لا تداهنوا في الحقِّ إذا ورد عليكم وعرفتموه فتخسروا خسرانًا مبينًا».
• وفي حديثٍ ثالثٍ له عليه السّلام:
«اعلموا رحمكم الله أنّكم في زمانٍ القائل فيه بالحقِّ قليل، واللّسان عن الصّدق كليل، واللازم للحقِّ ذليل، أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الإدْهان».
واعلموا أيّها المؤمنون أنّ المداهنين لأهل المعاصي والفجور يشملهم ما يشمل العصاة والفجّار من العذاب الإلهي.
• قال الإمام الباقر عليه السّلام:
«أوحى الله إلى شعيب النبيّ: إنّي معذبٌ من قومك مائة ألف، أربعين ألفًا من شرارهم، وستين ألفًا من خيارهم فقال: يا ربِّ هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي».
(3) وفصيلٌ ثالثٌ من النّاس لم يُمارسوا المعاصي ولم يُداهنوا أهل المعاصي… إلاّ أنّهم ضعفاء في مواقفهم، بقوا صامتين متفرّجين، لم يقولوا كلمة، ولم يُنكروا منكرًا، ولم يدفعوا باطلاً، ولم يواجهوا فسادًا، هذا النّمط من النّاس هم الذين لا يأمرون بمعروفٍ ولا ينهون عن منكرٍ ضعفًا وخورًا واسترخاءً وطلبًا للرّاحة، وربّما خوفًا، وحفاظًا على مصالح دنيا، ومتاع حياة…
لقد استحقّ الذين كفروا من بني إسرائيل اللّعنة لأنّهم كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه..
• قال الله تعالى:
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} المائدة: 78.
• وقال نبينا الأكرم صلّى الله عليه وآله:
«لا زال النّاس بخيرٍ ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعانوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات وسُلِّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصرٌ في الأرض ولا في السّماء».
• وخطب صلّى الله عليه وآله فقال:
«يا أيّها النّاس! إنّ الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أناصركم».
• وقال أمير المؤمنين عليه السّلام:
«لا تتركوا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فيتولّى عليكم شراركم ثمّ تدعون فلا يُستجاب لكم».
لماذا يترك النّاس الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؟
ربّما خوفًا على حياتهم أو خوفًا على أرزاقهم ووظائفهم..
لهذا جاءت الأحاديث التي تُطَمئِن الآمرين والنّاهين:
• قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا يدفع رزقًا، ولا يُقرّب أجلاً».
• وقال أمير المؤمنين عليه السّلام:
«اعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لم يقرِّبا أجلاً، ولم يقطعا رزقًا».
• وقال الإمام الصّادق عليه السّلام:
«إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لم يقرِّبا أجلاً، ولم يُباعدا رزقًا».
وربّما يكون وراء هذا الإحجام عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: ضعف الإرادة، والخوف من النّاس:
وفي هذا وردت الآيات والرّوايات المحذِّرة:
• قال تعالى في سورة المائدة، آية 44:
{فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}.
• وقال تعالى في سورة التوبة، آية 13:
{فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ}.
• وقال تعالى في سورة الأحزاب، آية 39:
{وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}.
• وقال تعالى في سورة البقرة، آية 150:
{إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي}.
• وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«لا يحقِّرنّ أحدُكم نفسَه، قالوا: يا رسول الله: وكيف يحقِّر أحدنا نفسَه؟
قال صلّى الله عليه وآله: يرى أنّ عليه مقالاً، ثمّ لا يقول فيه، فيقول الله عزّ وجلّ يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشيت النّاس، فيقول [الله]: فإيّاي كنتَ أحقَّ أن تخشى».
• وقال صلّى الله عليه وآله:
«إنّ الله عزّ وجلّ ليبغض المؤمن الضّعيف الذي لا دين له، فقيل له: وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال صلّى الله عليه وآله: الذي لا ينهى عن المنكر».
وربّما يكون التخلّي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب حبّ الرّاحة وطلب السّلامة….
وكيف يرتاح مؤمنٌ وهو يُشاهد المعاصي والمنكرات؟!
• في الحديث:
«لا تحلّ لعينٍ مؤمنةٍ ترى الله يُعصي فتطرف حتّى يُغيّره».
وأدنى مراتب الإنكار: أن يتألّم القلب… وإلاّ كان الإنسان ميّت الأحياء..
• في حديث لرسول الله صلّى الله عليه وآله وقد صنّف المنكرين للمنكر فقال:
«ومنهم منكرٌ للمنكر بيده ولسانه وقلبه، فذلك استكمل خصال الخير…
ومنهم منكرٌ للمنكر بلسانه وقلبه، تاركٌ له بيده، فذلك خصلتان من خصال الخير تمسّك بهما، وضيّع خصلةً واحدةً وأشرفها…
ومنهم منكرٌ للمنكر بقلبه، تاركٌ له بيده ولسانه، فذلك ضيّع شرف الخصلتين من الثلاث وتمسّك بواحدة…
ومنهم تاركٌ له بلسانه وقلبه ويده فذلك ميّت الأحياء».
فالعجب كلّ العجب من مؤمنٍ صادق الإيمان يطمع في الرّاحة… وهو يُشاهد أحكام الله مستباحة، وقِيَم الدّين منتهكة…
ثمّ هل يمكن أن يتوفّر المؤمن على راحةٍ حقيقيّةٍ في هذه الدّنيا؟
• جاء في حديثٍ:
«أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السّلام:
يا داوود إنّي وضعت خمسةً في خمسةٍ، والنّاس يطلبونها في خمسةٍ غيرها فلا يجدونها:
وضعت العلم في الجوع والجهد، وهم يطلبونه في الشّبع والرّاحة فلا يجدونه..
وضعت العزّ في طاعتي، وهم يطلبونه في خدمة السّلطان فلا يجدونه..
ووضعت الغنى في القناعة، وهم يطلبونه في كثرة المال فلا يجدونه..
ووضعت رضاي في سخط النّفس، وهم يطلبونه في رضا النّفس فلا يجدونه..
ووضعت الرّاحة في الجنّة وهم يطلبونها في الدّنيا فلا يجدونها..»
فالرّاحة في شكلها الأكمل والخالية من كلّ المنغصات لا توجد إلاّ في الجنّة…
• في الحديث عن الإمام زين العابدين عليه السّلام:
«والرّاحة لم تُخلق في الدّنيا ولا لأهل الدّنيا، إنّما خُلقت الرّاحة في الجنّة ولأهل الجنّة».
• وفي الحديث للإمام الصّادق عليه السّلام قال لأصحابه:
«لا تتمنّوا المستحيل! قالوا: ومن يتمنّى المستحيل؟! فقال: أنتم ألستم تمنّون الرّاحة في الدّنيا؟
قالوا: بلى، فقال: الرّاحة للمؤمن في الدّنيا مستحيلة».
• وقال الإمام الصّادق عليه السّلام:
«لا راحة لمؤمن على الحقيقة إلاّ عند لقاء الله وما سوى ذلك ففي أربعة أشياء:
– صمت تعرف به حال قلبك ونفسك فيما يكون بينك وبين باريك…
– وخلوة تنجو بها من آفات الزّمان ظاهرًا وباطنًا.
– وجوع تُميت به الشّهوات والوسواس والوساوس.
– وسهر تنور به قلبك، وتنفي به طبعك، وتزكّي به روحك».
نتابع الحديث – إن شاء الله – حول الأمر بالمعروف والنّّهي عن المنكر.