حديث الجمعةشهر ربيع الأول

حديث الجمعة223: الدعاء وخصوصيّة المكان (6) – كما يتضاعف الثّواب يتضاعف العقاب في البقاع المقدّسة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّد وعلى آله الهداة الميامين…


الدعاء وخصوصيّة المكان:
(1) بيت الله الحرام «أشرف بقعة على وجه الأرض».
• {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}.
• سُئِل أمير المؤمنين عليه السّلام: أين مكّة من بكّة؟.
قال (عليه السّلام): «مكّة أكناف الحرم، وبكّة مكان البيت..
قال: ولم سُمِّيت مكّة؟
قال [عليه السّلام]: لأنّ الله تعالى مكّ الأرض من تحتها أي دحاها.
قال: فلم سمّيت بكّة؟
قال عليه السّلام: لأنّها أبكت عيون الجبّارين والمذنبين».
• وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله:
«أعظم المساجد حرمةً وأحبّها إلى الله، وأكرمها على الله تعالى المسجد الحرام».
وقد ورد في الرّوايات أنّ الصّلاة في المسجد الحرام تُعادل مائة ألف صلاة…
وفي بعض الرّوايات تعادل ألف ألف صلاة..
فالمسجد الحرام أفضل موقعٍ للصّلاة والدّعاء.
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: «أكثروا من الصّلاة والدّعاء في هذا المسجد – يعني المسجد الحرام-.
أمّا بيت الله الحرام «الكعبة» فيقع في وسط المسجد الحرام…
وبيت الله الحرام أول بيتٍ وُضع للعبادة كما تقدّم في قوله تعالى: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ».
قال الإمام الباقر عليه السّلام: «ما خلق الله عزّ وجلّ بقعةً في الأرض أحبّ إليه منها – ثمّ أومأ بيده نحو الكعبة – ولا أكرم على الله عزّ وجلّ منها…».
وذكرنا – في حديثنا السّابق- أنّ في بيت الله والمسجد الحرام مواطن لها خصوصيّة في العبادة والدّعاء، وتحدّثنا عن أربعة مواطن:


(1) الحجر الأسود: والذي عبّرت عنه الأحاديث بأنّه «يمين الله»، وأنّ من صافحه فقد صافح الله عزّ وجلّ.


(2) الحطيم: «ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة» وسُمِّي حطيمًا لأنّه تتحطّم عنده الذّنوب.


(3) المستجار: «الموضع الموازي لباب الكعبة في الجهة الخلفيّة» وهو موضعٌ يُستحبّ فيه الإقرار بالذّنوب، فمن أقرّ بذنوبه في هذا الموضع وطلب العفو من الله غفر له.


(4) الرّكن اليماني: وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يستلمه ويُقبّله، وفي الحديث أنّ الرّكن اليماني بابٌ من أبواب الجنّة لم يُغلقه الله منذ فتحه.


نتابع الحديث حول بقيّة المواطن ذات الخصوصيّة في بيت الله:
(5) مقام إبراهيم عليه السّلام:
سُئِل الإمام الصّادق عليه السّلام عن قول الله عزّ وجلّ: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ}: ما هذه الآيات البيّنات؟
قال [عليه السّلام]: «مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثّرت فيه قدماه، والحجر الأسود، ومنزل إسماعيل».
وفي الحديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام: «إنّ الله فضّل مكّة وجعل بعضها أفضل من بعض، فقال: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}.


(6) حجر إسماعيل:
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: «الحجر بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر، وقبر إسماعيل».
وحجر إسماعيل من مواطن الصّلاة والدّعاء.
يقول طاووس الفقيه: رأيت في الحجر زين العابدين عليه السّلام يُصلّي ويدعو: «عُبيدُك ببابك، أسيرك بفنانك، مسكينك بفنائك، يشكو إليك ما لا يخفى عليك..».


(7) زمزم:
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: «إنّ إبراهيم عليه السّلام لمّا خلّف إسماعيل بمكّة عطش الصّبي، فكان فيما بين الصّفا والمروة شجر، فخرجَت أمّه حتّى قامت على الصّفا فقالت: هل بالوادي مِن أنيس؟ فلم يُجبها أحد، فمضت حتى انتهت إلى المروة فقالت: هل بالوادي من أنيس؟ قلم تُجب… ثمّ رجعت إلى الصّفا وقالت ذلك، حتى صنعت ذلك سبعًا، فأجرى الله ذلك سُنَّة، وأتاها جبرئيل فقال لها: من أنت؟
فقالت: أنا أم ولد إبراهيم.
قال لها: إلى من ترككم؟ فقالت: أما لئن قلتَ ذلك، لقد قلت له حيث أراد الذّهاب: يا إبراهيم إلى من تركتنا؟
فقال: إلى الله عزّ وجلّ.
فقال جبرئيل عليه السّلام: لقد وكللم إلى كافٍ…
وكان النّاس يجتنبون الممرّ إلى مكّة لمكان الماء، ففحص الصّبي برجلِه فنبعت زمزم…
قال: فرجعت من المروة إلى الصّبي وقد نبع الماء فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة أن يسيح الماء، ولو تركته لكان سيحًا…
وماء زمزم له فضل، ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «ماء زمزم خير ماءٍ على وجه الأرض».
وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: «إذا فرغ الرّجل من طوافه وصلّى ركعتين فليأت زمزم، وليستق منه ذَنوبًا أو ذَنوبين، وليشرب منه، وليصبّ على رأسه وظهره وبطنه ويقول: «اللهمّ اجعله عِلمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاءً من كلّ داءٍ وسقم».


كما يتضاعف الثّواب يتضاعف العقاب:
في البقاع المقدّسة يتضاعف الثّواب كثيرًا…
وكذلك يتضاعف العقاب حينما يُمارس الإنسان المعاصي والذّنوب…
فإنّ شرف تلك البقاع وعظيم حرمتها يجعل أصغر الذّنوب كبيرًا فيها في عقابه عند الله سبحانه وتعالى..


سُئل الإمام الصّادق عليه السّلام عن قول الله عزّ وجلّ {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
قال عليه السّلام: «كلّ الظّلم فيه إلحادٌ حتى لو ضربت خادمك بغير ذنبٍ ظُلمًا خشيت أن يكون إلحادًا»
وفي بعض الأخبار أنّ أدناه الكِبر.


وفي حديثٍ للإمام الصّادق عليه السّلام: «كلّ ظلمٍ يظلمه الرّجل نفسه بمكّة من سرقةٍ أو ظلم أحدٍ أو شيئٍ من الظّلم فإنّي أراه إلحادًا».
فالحذر الحذر من ارتكاب المعاصي والمخالفات الشّرعيّة في البقاع المقدّسة كمكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة والنّجف الأشرف وكربلاء المقدّسة وبقيّة الأماكن الطّاهرة، فإنّ العقاب مغلظٌ ومشدّد…


ويؤسفنا أن نسمع أنّ بعض من يذهبون إلى هذه الأماكن المشرّفة بعنوان الحجّ أو العمرة أو الزيارة يرتكبون مخالفاتٍ أخلاقيّة هابطة، فما أسوء هذه التصرّفات في أماكن شرّفها الله وطهّرها ويدنّسها هؤلاء بأعمالهم الشّائنة القبيحة…


وصلتنا أخبار (إن صحّت) أنّ بعض الشّباب والشّابات من أبناء هذه الطّائفة، وفي مدينة رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد سافروا بعنوان العمرة والزّيارة، مارسوا أعمالّا مخجلة تسيئُ إلى الدّين وإلى سمعة هذا المذهب…
فألبسة فاضحة لا تلتزم بأدنى مراتب الحشمة والعفّة، وجلسات وسهرات مختلطة بين شباب وشابات…
الأمر الذي دفع بعض علماء الشّيعة من أهالي المدينة أن يُوصلوا هذا الأمر إلى بعض علماء البلد، وطالبوهم بالتدخّل لإيقاف هذا العبث والإساءة إلى حرمة هذه البقاع وإلى سمعة هذه الطّائفة…


فهل يعلم أولياء الأمور الذّين تركوا أبناءهم وبناتهم يسافرون وبلا رقابةٍ مستغلّين عنوان العمرة والزّيارة ليُمارسوا هذا النَزَق والطّيش ولينتهكوا حرمة هذه البقاع، وليُسيئوا إلى قدسيّة هذا العنوان، وإلى سمعة هذه الطّائفة.
أنّها مسؤوليّة أولياء الأمور، ومسؤوليّة القائمين على شؤون الحملات، ومسؤوليّة العلماء والمرشدين، ومسؤوليّة كلّ القادرين على إيقاف هذا العبث…


إذا كان هناك إصرارٌ من قِبَل بعض الشّباب والشّابات غير الملتزمين على أن يُمارسوا هذا الطّيش والنَزَق فليحذروا أن يستغلوا العناوين الدّينيّة، والرّحلات العباديّة غطاءً لطيشهم ونزقهم…


إنّنا ندعو إلى اعتماد رقابةٍ أخلاقيّةٍ مشدّدةٍ على رحلات السّياحة الدّينيّة، وأن لا تكون الأهداف الربحيّة مبرّرًا للتهاون والتّساهل، فلا يجوز التّسامح في انتهاك حرمة البقاع المقدّسة، ولا يجوز التسامح في العبث بقيمة العناوين المقدّسة، ولا يجوز التسامح في الإساءة إلى سمعة الطّائفة وإلى سمعة مذهبها…
سنتابع التحرّي حول هذه القضيّة لنحدّد الموقف الذي يفرضه الواجب الشرعيّ…

Show More

Related Articles

Back to top button