حديث الجمعة 220: الدعاء وخصوصيّة الزّمان والمكان (4) – في ذكرى استشهاد السيد الصدر (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين…
الدعاء وخصوصيّة الزّمان والمكان:
أبواب الدعاء لا تغلق في أيّ زمان وفي أيّ مكان…
قال تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي» البقرة / 186.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم؟
قالوا: بلى
قال [صلّى الله عليه وآله]: تدعون ربكم بالليل والنّهار فإنّ سلاح المؤمن الدعاء»
إلاّ أنّ للأزمنة خصوصيّة، وكذلك للأمكنة، ممّا يوفّر أسبابًا لاستجابة الدّعاء.
وهذه إشارة إلى ما ورد في خصوصيّة الأزمنة والأمكنة فيما يخصّ الدّعاء:
(1) خصوصيّة بعض الشّهور:
1- خصوصيّة شهر رمضان (شهر الله تعالى):
• جاء في خطبة النبيّ صلّى الله عليه وآله المعروفة حول شهر رمضان: «أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب».
2- خصوصية شهر شعبان (شهر رسول الله صلّى الله عليه وآله):
وقد وردت روايات تؤكّد فضل هذا الشّهر وثواب الأعمال فيه، وتؤكّد الدعاء والاستغفار والصيام.
3- خصوصية شهر رجب (شهر أمير المؤمنين عليه السّلام):
• قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «رجب شهر الاستغفار لأمّتي، فأكثروا فيه الاستغفار، فإنّه غفور رحيم، ويُسمّى الرّجب الأصبّ لأنّ الرّحمة على أمّتي تُصبّ صبًّا فيه فأكثروا من قول (أستغفر الله وأسأله التوبة)».
4- خصوصيّة شهر ذي الحجّة:
وهو شهرٌ عظيم، وقد ورد التأكيد على فضل العبادة وخاصّة العشرة الأوائل منه…
• وقد رُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: «ما من أيامٍ؛ العمل فيها أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من أيام هذه العشر…».
(2) خصوصيّة بعض الليالي والأيام:
1- خصوصية ليلة القدر (الليلة التي نزل فيها القرآن):
• «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ…» القدر/ 1-3.
والروايات متواترة في التأكيد على فضل الدعاء في هذه الليلة…
2- خصوصية ليلة عرفة ويوم عرفة..
3- خصوصية عيد الفطر وعيد الأضحى..
4- خصوصية يوم الغدير..
5- خصوصية يوم عاشوراء..
6- خصوصية ليلة النصف من شعبان..
7- خصوصية ليلة الجمعة ويوم الجمعة:
• عن النبيّ صلّى الله عليه وآله:
«يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله، وأعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى… وفيه ساعة لا يسأل الله عزّ وجلّ فيها أحد شيئًا إلاّ أعطاه ما لم يسأل حرامًا».
• وعن أمير المؤمنين أنّه قال:
«ليلة الجمعة ليلة غرّاء، ويومها يوم أزهر، ومن مات ليلة الجمعة كُتب له براءة من ضغطة القبر، ومن مات يوم الجمعة كُتب له براءة من النّار».
• وعن الإمام الباقر عليه السلام:
«إنّ الله تبارك وتعالى لينادي كلّ ليلة جمعة من فوق عرشه من أول الليل إلى آخره ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه؟ ألا عبدٌ مؤمن يتوب إليّ من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه؟ ألا عبد مؤمن قد قتّرت عليه رزقه يسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسع عليه؟ ألا عبد مؤمن سقيم يسألني أن اشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه؟ ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه فأخلّي سربه؟ ألا عبد مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فانتصر له وآخذ له بظلامته؟ قال: فما يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر».
• وقال الإمام الصّادق عليه السّلام:
«من وافق منكم يوم الجمعة فلا يشتغلن بشيءٍ غير العبادة، فإنّ فيها يغفر للعباد، وتنزل عليهم الرحمة».
• وقال الإمام الصّادق عليه السّلام:
«في الرجل يريد أن يعمل شيئًا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا قال: يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة، فإنّ العمل يوم الجمعة يُضاعف».
• وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«من صلّى عليّ يوم الجمعة مائة صلاة، قضى له ستين حاجة، ثلاثون للدنيا، وثلاثون للآخرة».
• وقال الإمام الصّادق عليه السّلام:
«ما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصّلاة على محمد وآله».
(3) خصوصية السّاعات:
1- وقت السحر:
• قال تعالى: «وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» الذّاريات/ 18
– السحر: ثلث الليل الأخير، وأفضل السحر ما قرب من الفجر..
– وقيل السحر: السدس الأخير من الليل.
• عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرّضا عليه السّلام: يا ابن رسول الله [صلّى الله عليه وآله] ما تقول في الحديث الذي يرويه النّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال:
«إنّ الله تبارك وتعالى ينزل في كلّ ليلة جمعة إلى سماء الدنيا؟ فقال [عليه السلام]: لعن الله المحرِّفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك، إنّما قال: إنّ الله تبارك وتعالى يُنزل ملكًا إلى السّماء الدنيا كلّ ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل، فيأمره فينادي: هل من سائلٍ فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، ويا طالب الشّر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محلّه من ملكوت السّماء، حدّثني بذلك عن جدي عن آبائه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله».
2- ما بين الطلوعين (طلوع الفجر وطلوع الشمس):
• قال الإمام الباقر عليه السّلام:
«إنّ من السّحر إلى طلوع الشمس، يفتح أبواب السّماء، ويقسم فيها الأرزاق وتقضى فيها الحوائج العظام».
3- قبل طلوع الشّمس وقبل الغروب:
قبل طلوع الشمس وقبل الغروب:
• قال تعالى: «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ» طه/ 130.
• وقال تعالى: «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ» ق/ 39.
• وعن الإمام الصّادق عليه السّلام في قول الله تعالى «وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ»، قال عليه السّلام:
«هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهو ساعة استجابة الدعاء».
• وعن الإمام الباقر عليه السّلام قال:
«إنّ إبليس يبثّ جنود الليل من حين تغيب الشّمس وتطلع، فأكثروا ذكر الله في الساعتين وتعوّذوا بالله من شرّ إبليس وجنوده، وعوّذوا صغاركم في هاتين السّاعتين، فإنّهما ساعتا غفلة».
وكتب الأدعية حافلة بأذكار مستحبّة قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها.
ومن قصار الأدعية والأذكار:
أ- أن تقول عشر مرات قبل طلوع الشمس وقبل غروبها: «لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، ويميت ويحيي وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قدير».
• فعن الإمام الصّادق عليه السّلام من قال ذلك كانت كفارة لذنبه في ذلك اليوم…
ب- أن تقول عشر مرات قبل طلوع الشمس وقبل غروبها: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر».
• عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
«إنّ في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها يسكنها من أمّتي من أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السّلام، وصلّى بالليل والناس نيام… ثم قال [صلى الله عليه وآله]: يا علي أو تدري ما إطابة الكلام؟ من قال إذا أصبح وإذا أمسى (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله اكبر) عشرًا».
ج- أن تقول عشر مرات قبل طلوع الشمس وقبل غروبها: «أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين، وأعوذ بالله أن يحضرون إنّ الله هو السميع العليم».
د- وقد أكّدت الروايات أنّ في هذا فضلاً عظيمًا..
أن تصلي على محمدٍ وآله عند الطلوع وعند الغروب.
• في بعض الأحاديث:
«أنّ من صلى على رسول الله وآله عشرًا إذا أصبح وعشرًا إذا أمسى أدركه صلى الله عليه وآله عند فاقته وحاجته»
هـ- عن الإمام الباقر عليه السلام:
«من كبر مائة تكبيرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كتب الله له من الآجر كأجر من أعتق مائة رقبة».
و- يُستحب أن يقرأ قبل طلوع الشمس: سورة الإخلاص وسورة القدر، وآية الكرسي
فعن أمير المؤمنين عليه السّلام: «من قرأها منع ماله مما يخاف».
ز- وقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
«من أصبح أو أمسى ولا يذكر أربعة أخاف عليه زوال النعمة:
(أوّلها) الحمد لله الذي عرفني نفسه ولم يتركني ولم يتركني عميان القلب.
(والثاني) يقول: الحمد لله الذي جعلني من أمّة محمدٍ صلى الله عليه وآله ولم يجعلني من سائر الأمم.
(والثالث) يقول: الحمد لله الذي جعل رزقي في يديه ولم يجعل رزقي في أيدي الناس.
(والرابع) يقول: الحمد لله الذي ستر ذنوبي ولم يفضحني بين الخلائق [الناس]».
4- عند الزوال:
• عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: «إذا زالت الشّمس فتحت أبواب السّماء وأبواب الجنان واستحبّ الدعاء، فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صالح».
في ذكرى استشهاد السيد الصدر:
الشهيد السيد محمد باقر الصدر أحد أبرز المراجع العظام في هذا العصر، وواحد من أكبر المفكرين المبدعين المتميّزين، ومن القادة الرّبانيين الذين حافظوا على مسيرة الرسالة، وحصّنوا حركة الأجيال في مواجهة كلّ التحدّيات…
إنّ وجود القيادة المرجعيّة ضرورة لحماية الإسلام، ولترشيد وحراسة الواقع الديني بكلّ أبعاده الفكريّة والفقهيّة والروحيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة….
فالفقهاء مراجعٌ للدين وليسوا مراجع فتوى فقط، وما الفرق بين مرجع الدين ومرجع التقوى، مرجع الفتوى هو الذي يمارس دور الإفتاء فقط، أي بيان أحكام الدين، ولا تتجاوز وظيفته ذلك، أمّا مرجع الدين فهو الذي يمارس دور القيادة للأمّة، ويضعها دائمًا في خطّ الدين، والدين عقيدة، وفكر، وفقه، وأخلاق، واقتصاد، واجتماع، وسياسة، وإلى آخر مساحات الحياة..
فمرجع الدين مرجعٌ للعقيدة، للفكر، للفقه، للأخلاق، للاقتصاد، للاجتماع، للسياسة، لكلّ مساحات الحياة التي تحتاج إلى توجيه الدين ورؤية الدين…
إنّ حضور القيادة المرجعية في حركة الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ قد أفزع القوى المعادية للدين، ولذلك انطلقت هذه القوى بكلّ مخطّطاتها وأدواتها ومشروعاتها ومؤامراتها في مواجهة القيادة المرجعيّة…
وقد سلكت هذه القوى مجموعة أساليب من محاربة القيادة المرجعيّة، وفي تجميد دورها وحركتها في واقع الأمّة، وخاصّة الواقع السياسيّ والاجتماعيّ.
من أخطر الأفكار التي يروج لها أعداء الدّين، ومنذ زمنٍ طويل أنّ القيادات المرجعيّة والدينيّة ليست معنية بالشّأن السياسيّ والاجتماعيّ، فذلك متروكٌ للقوى السياسيّة والاجتماعيّة الفاعلة في السّاحة، وليس فقط ممنوع على القيادات الدينيّة أن تمارس أدوارًا سياسية واجتماعية، بل ممنوع عليها كذلك أن تقول كلمة في الشّأن السياسيّ والاجتماعيّ… وهذا يعني تجميد دور الدين وقيادات الدّين في أخطر مفاصل الحياة، وبعبارةٍ أكثر قبولاً عند الناس «تحييد دور القيادة المرجعيّة».
ربّما تتخذ القيادة المرجعيّة والدينيّة موقفًا حياديًا في الشّأن السياسيّ لضرورات استثنائيّة، إلاّ أنّ هذا لا يُشكّل الأصل في موقف هذه القيادة، الأصل أن تحدّد القيادة الدينية الرؤى والمواقف وخاصّة حينما تكون الأمّة أمام بعض الخيارات الخطرة جدًا، ربّما لا يكون هناك خطر على دين الناس ومصالحهم وربّما تتكافأ الخيارات، وحينئذٍ لا يشكل موقف الحياد أيّ خطر، ما دام هذا الحياد فيه مصلحة أكبر..
وما دام هذا الحياد يحمي وحدة الصف…
إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك في كثير من الأحيان، حيث يكون حياد القيادة الدينيّة سببًا في تيه وانحراف مواقف الناس أو في ضياع مصالحهم وحقوقهم أو في نشوء الصراعات والخلافات والتمزّقات…
أن تختار القيادات المرجعيّة والدينيّة الحياد أو الصّمت أو الحسم أمرٌ يخضع لقناعات هذه القيادات، والقناعات ليست أمرًا مزاجيًا وذاتيًا بقدر ما هو وظيفة تفرضها المسؤوليّة الشرعيّة، وهذه الوظيفة تشكّل من خلال:
• رؤية فقهيّة بصيرة.
• وفهم موضوعيّ رشيد..
• وسلوك محكوم للتقوى..
حينما تغيب الرؤية الفقهيّة البصيرة تكون المواقف والقرارات بعيدة عن معايير الدّين..
وحينما يغيب الفهم الموضوعيّ الرشيد ترتبك الرؤية الفقهيّة..
وحينما يتحكّم هوى النفس تنحرف القناعات..
وهنا نؤكّد على ضرورة أن تتوفّر الأدوات الصحيحة لإنتاج الرؤية الفقهيّة البصيرة، والفهم الموضوعيّ الرشيد…
وإنّنا مع أيّ دعوة صادقة لاعتماد الصيغ الصحيحة لتنضيج الرؤى الفقهيّة والسياسيّة من خلال اللقاءات والتشاورات المؤهلة..
إنّنا مع أيّ دعوة صادقة تهدف إلى إبعاد الساحة عن الصراعات والخلافات والتمزقات، ما دام ذلك وفق ضوابط الشّرع والدّين….
نتابع الحديث إن شاء الله تعالى لنطرح الشهيد السيد الصدر نموذجًا لقيادة مرجعيّة شكّلت حضورًا واضحًا وكبيرًا في كلّ حركة الواقع الفكريّ والرّوحيّ والاجتماعي والسياسي..