حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 219: متابعة لحديث الدعاء (نماذج من التوسّل المشروع) (3) – ماذا وراء هذا التهويل؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين…


الحديث مستمرٌ حول الدعاء…
قلنا: لا يصحّ التوجّه بالدعاء إلاّ إلى الله تعالى كما أكّدت الآيات والروايات..
في دعاءٍ للإمام الصادق (ع): «اللهمّ إنّي بك ومنك أطلب حاجتي، ومن طلب حاجة إلى النّاس فإني لا أطلب حاجتي إلاّ منك وحدك لا شريك لك».
وأمّا ما يرد على ألسنة بعض الناس من توجهٍ في الدعاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وإلى الأئمّة عليهم السّلام وإلى بعض الأولياء، فإن كان هذا ينطلق من اعتقادٍ بأنّ هؤلاء هم مصدر العطاء والمنع بمعزلٍ عن الله سبحانه، أو أنّهم شركاء مع الله تعالى فهذا أمرٌ باطلٌ ومحرّمٌ قطعًا…
وإن كان ينطلق من اعتقادٍ بأنّ الله تعالى وحده هو مصدر العطاء والمنع، وما هؤلاء إلاّ وسائط ووسائل إلى الله سبحانه، فالمسألة تختلف تمامًا، ولا يصحّ أن نتّهم هذا النّمط من الدعاء بالشرك كما هو شائع على لسان بعض الفرق..


ورغم ذلك فنحن ننصح بالابتعاد عن هذا النمط من الأسلوب ذرءًا للإشكالات والشبهات..
نعم التوسّل إلى الله بالأنبياء والأئمّة والأولياء فهو أمرٌ سائغٌ بلا إشكال…


وهنا نشير إلى نماذج من التوسّل المشروع:
النموذج الأول:
التوسّل بأسماء الله الحسنى وبصفاته العليا:
تقرأون في مطلع دعاء كميل:
«اللهمّ إنّي أسألك برحمتِك التي وسعت كلَّ شيء..
وبقوّتِك التي قهرت بها كلّ شيء، وخضع لها كلُّ شيء، وذلّ له كلُّ شيء…
وبجبروتِك التي غلبت بها كلَّ شيء…
وبعزّتِك التي لا يقوم لها شيء…
وبعظمتِك التي ملأت كلَّ شيء…
وبسلطانِك الذي علا كلَّ شيء…
وبوجهك الباقي بعد كلّ فناء كلِّ شيء…
وبأسمائِك التي ملأت [غلبت] أركان كلّ شيء…
وبعلمِك الذي أحاط بكلِّ شيء…
وبنورِ وجهِك الذي أضاء له كلّ شيء….
يا نورُ يا قدّوس يا أول الأولين ويا آخر الآخرين…
اللهمّ اغفر لي الذنوبَ التي تَهتِكُ العِصَم، اللهمّ اغفر ليَ الذّنوب التي تُنْزِل النقم…إلخ».


النموذج الثاني:
التوسّل بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل بيته:
• جاء في دعاءٍ للإمام زين العابدين عليه السّلام في الصحيفة السّجادية: «فأسألك بك وبمحمدٍ وآله صلواتك عليهم أن لا تردّني خائبًا».
• وجاء في دعاءٍ آخر في الصحيفة السّجادية: «اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بالمحمديّة الرفيعة والعلويّة البيضاء وأتوجّه إليك بهما أن تعيدني من شرّ [كذا وكذا]».


النموذج الثالث:
التوسل بالصّلاة على محمدٍ وآل محمد [صلّى الله عليه وآله]:
• جاء في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«ما من دعاءٍ إلاّ من بينه وبين السّماء حجاب حتى يصلّي على النبيّ صلّى الله عليه وآله وعلى آل محمدٍ صلّى الله عليه وآله فإذا فعل ذلك خرق ذلك الحجاب ودخل الدّعاء، فإذا لم يفعل ذلك رجع الدّعاء».
• وقال صلّى الله عليه وآله:
«صلواتكم عليّ إجابة لدعائكم وزكاة لأعمالكم».
• وقال صلّى الله عليه وآله:
«من عسرت عليه حاجة فليكثر بالصّلاة عليّ فإنّها تكشف الهموم والغموم، وتكثر الأرزاق وتقضي الحوائج».
• وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «كلّ دعاء محجوب عن السّماء حتى تصلّي على محمدٍ وآله».
• وقال أمير المؤمنين عليه السّلام:
«إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة فابدأ بمسألة الصّلاة على رسوله (صلّى الله عليه وآله) ثمّ سل حاجتك، فإنّ الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى».
• وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السّلام: ألا أبشّرك؟
قال: بلى بأبي أنت وأمّي لم تزل مبشّرًا بكلّ خير.
قال [صلّى الله عليه وآله]: أخبرني جبرئيل آنفًا بالعجب.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: وما الذي أخبرك يا رسول الله؟
قال [صلّى الله عليه وآله]: أخبرني أنّ الرّجل من أمّتي إذا صلّى عليّ وأتبع بالصّلاة عليّ أهل بيتي فتحت له أبواب السّماء وصلّت عليه الملائكة سبعين صلاة، ثمّ تحاتّ عنه الذّنوب كما تحاتّ الورق من الشّجر، ويقول الله تبارك وتعالى: لبّيك عبدي وسعديك، يا ملائكي أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة وأنا أصلّي عليه سبعمائة صلاة… فإذا صلّى عليّ ولم يتبع بالصّلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السّماء سبعون حجابًا، ويقول الله جل جلاله: لا لبّيك ولا سعديك، يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه، إلاّ أن يلحق بالنبيّ عترته فلا يزال محجوبًا حتى يلحق بي أهل بيتي».


نلاحظ في الأدعية المأثورة عن المعصومين أنّ هيكلة الدعاء في الغالب تكون على النحو التالي:
يبدأ الدعاء بالثّناء على الله تعالى والإقرار له بالربوبيّة ويعقّب الثناء الصّلاة على محمدٍ وآل محمدٍ صلّى الله عليه وآله…
وبعد الصّلاة يأتي طلب الحاجات…
نذكر مثالاً على ذلك دعاء يوم الجمعة للإمام زين العابدين عليه السّلام..
يبدأ الإمام هذا الدعاء بالحمد والثّناء على الله سبحانه:
«الحمد لله الأوّلِ قبل الإنشاءِ والإحياء، والآخِر بعد فناء الأشياء…».
ويستمرّ في الثّناء على الله سبحانه…
ينتقل بعد ذلك إلى الإقرار بالشّهادتين «أنّي أشهد أنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك ولا عديل ولا خُلْفَ لقولك ولا تبديل، وأنّ محمدًا صلى الله عليه وآله عبدك ورسولك…» ويثنى على رسول الله صلّى الله عليه وآله…
وبعد ذلك يقول: «صلّ على محمدٍ وآل محمد واجعلني من أتباعه وشيعته، واحشرني في زمرته، ووفّقني لأداء فرض الجمعات، وما أوجبت عليّ فيها من الطّاعات، وقسمت لأهلها من العطاء في يوم الجزاء إنّك أنت العزيز الحكيم».


وهكذا نجد الإمام زين العابدين في أغلب أدعيته لا يقدّم طلباته وحاجاته إلاّ بعد أن يصلّي على محمدٍ وآل محمد [صلّى الله عليه وآله]:
1- «فصلّ على محمدٍ وآله الطّاهرين وافعل بنا ما أنت أهله في الدّين والدّنيا والآخرة إنّك على كلّ شيء قدير».


2- في دعائه لنفسه وأهل ولايته كرّر الإمام زين العابدين الصّلاة على محمدٍ وآل محمد في كلّ جملة: «يا من لا تنقضي عجائب عظمته صلّ على محمدٍ وآله واحجبنا عن الإلحاد في عظمتك…
ويا من لا تنتهي مدّة ملكه صلّ على محمدٍ وآله واعتق رقابنا من نقمتك…
ويا من لا تفنى خزائن رحمته صلّ على محمدٍ وآله واجعل لنا نصيبًا في رحمتك…
ويا من تنقطع دون رؤيته الأبصار صلّ على محمدٍ وآله وادننا إلى قربك…».
وهكذا يستمرّ في الدّعاء إلى نهايته مكرّرًا الصّلاة على محمدٍ وآل محمدً أربع عشرة مرّة، في أربع عشرة جملة..
وإذا تتبّعنا أدعية الصحيفة السّجادية نجد هذا النهج واضحًا…
3- وفي دعاء الإمام الصّادق (ع): «وأسألك بفضلك ورضوانك أن تصلّي على محمدٍ وأهل بيته وأن تجعل لي في عامي هذا إلى بيتك الحرام سبيلا حجّة مبرورة مستَقبله زاكية خالصة لك…».


ماذا وراء هذا التهويل؟
حينما تتحوّل الوطنيّة والولاء للوطن عناوين للمزايدة الرخيصة، وكلمات للإعلام الكاذب، تُهدر كلّ القيمة الحقيقيّة للوطن، وتموت المعاني الكبيرة للوطنيّة…
من حقّ أيّ إنسانٍ أن يعبّر عن حبّه وعن ولائه للأرض والوطن، ولكن أن يُسوِّق الاتهامات كما يحلو له وأن يُخوِّن كما يشاء فهذه جريمة في حقّ الوطن…
في هذه الأيام سباقٌ محمومٌ في كيل التّهم لأتفه الأسباب كلمة تصدر ببراءةٍ تامّة بعيدة كلّ البعد عن الحسابات السياسيّة تتحوّل إلى «مؤامرةٍ كبرى» و«خيانةٍ عظمى» في حقّ الوطن، وتطبّل وتزمّر صحف المزايدات الرخيصة وتنادي بالويل والثّبور، وتتباهى باكتشاف خطوط التآمر والخيانة والولاء للخارج…
وحتى لو تمتمت شفتا إنسانٍ بذكر الله تعالى لقال تجّار الوطنيّة الكاذبون إنّ هذا الإنسان يشتم الوطن ويشتم النّظام…


إلى أين تتجه الأمور إذا بقيت لغة التخوين والتآمر هي اللغة السائدة في هذا البلد؟
كلمة بريئة لا تخرج عن سياق أدب المجاملات – هذا إن صدرت – تخلق فزعًا ورعبًا وضجيجًا وصخبًا ويتداعى حماة الوطنيّة المزايدون لمواجهة الخيانة العظمى لهذا الوطن…
لقاءات عاديّة هنا أو هناك تتحوّل في نظر المزايدين إلى لقاءات تآمرٍ وخيانة، وتدخّلٍ في شؤون البلد…
إذا بقيت هذه اللغة هي السائدة، وبقي هذا التهويل هو الحكم، فالويل كلّ الويل لهذا الوطن…
ماذا وراء هذا التهويل؟
ليست المسألة سذاجة في الفهم، وخطأ في التفسير، وخلل في الرؤية، أخشى ما نخشاه أن يكون وراء هذا التهويل مشروع اجتثاث لرموزٍ ولشخصيّاتٍ ولكياناتٍ لها وجودها وثقلها في هذا البلد، ومشروع تدميرٍ لطائفةٍ كبيرة لها تاريخها في هذا الوطن…
نتمنّى أن لا تكون وراء هذا التهويل دوافع في هذا المستوى، إلاّ أنّ الإصرار وحجم التهويل يضعنا في شكٍّ وريبة وخشيةٍ حقيقيّة…
نتمنّى من كلّ قلوبنا أن لا تكون هذه الهواجس صادقة فنحن قلقون كلّ القلق أن تعطى هذه القضايا الصغيرة هذا التضخيم وهذا التهويل…
من حقّ البعض أن يقول أنّ هذه الزوبعات والتهويلات تهدف إلى التغطية على أمور وفضائح باتت ترعب المواطنين وتهدّد أوضاع هذا البلد.
غريبٌ كلّ الغرابة أن تكون كلمة إن صدرت فهي صادرة عن عفوية، وأسوء احتمال أن يُقال أنّها غير ملائمة، أو أنّها غلطة هذا إن لم نحسن الظّن أمّا أن تتحوّل إلى موقفٍ يهدف إلى هدر كرامة وشرف البحرين فهذا كلام وراءه ما وراءه…
خمسة وعشرون مليار دينار تُسرق من أموال الدولة لا يُشكّل هدرًا لكرامة البحرين!!!
أكبر عمليّة نهبٍ للثروات العامّة لا تُشكّل هدرًا لكرامة البحرين!!!
أكثر من 150 كيلو متر مربع من أراضي البحرين مسلوبة لا يشكّل هدرًا لكرامة البحرين!!!
أخطر فسادٍ وأسوء فضيحة لا يُشكّل هدرًا لكرامة البحرين!!!
تجنيسٌ مرعبٌ يهدّد النسيج التاريخي والحضاري لشعب البحرين لا يُشكّل هدرًا لكرامة البحرين!!!!
تمييزٌ مذهبيّ يُغذّي روح الطائفيّة المدمّرة، ويمزّق اللحمة الوطنيّة لا يُشكّل هدرًا لكرامة البحرين!!!
مشروعاتٌ تروّج للفسق والفجور والدّعارة وتعبث بقيم البلد وأخلاقه لا تُشكّل هدرًا لكرامة البحرين!!!
والحديث طويلٌ وطويل…
نحن مع كرامة هذا البلد، مع استقلاله مع أمنه واستقراره وضدّ كلّ محاولات العبث بهذه الكرامة، وهذا الاستقلال، وهذا الأمن والاستقرار…
ونحن ضدّ كلّ أشكال المزايدة الكاذبة، وكلّ أشكال التهويل الزائف…
كفى مزايدة، وتهويلاً، وتحريضًا، فهذا يقود البلد إلى منزلقاتٍ خطيرة، ومنحدراتٍ مرعبة، ومساراتٍ مدمّرة…

Show More

Related Articles

Back to top button