حديث الجمعة218: آدابه الدعاء وشروطه (2) – حظر الخمر وإرهاق الدخل الوطني (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين…
للدعاء آدابه وشروطه:
لكي يحقّق الدعاء أهدافه الأخرويّة والدنيويّة يحتاج إلى توفير مجموعة آدابٍ وشروط، مطلوبٌ من الدّاعي أن يحرص كلّ الحرص على معرفتها وعلى الالتزام بها، وكلّما ارتقت درجة المعرفة، ودرجة الالتزام كان الدّعاء أقدر على تحقيق أهدافه.
قلنا: أنّ للدعاء أهدافًا أخرويّة وأهدافًا دنيويّة..
فأمّا الأهداف الأخرويّة فتتمثّل في عدّة عناوين:
– الفوز برضوان الله وغفرانه..
– الخلاص من غضب الله وشديد عقابه..
– الفوز بالجنان والخلاص من النيران..
– صحبة الأبرار ومجانبة الفجّار..
نقرأ في القرآن الكريم هذا النّمط من الأدعية:
• «رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
• «وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ».
• «رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ».
• «أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ».
• «رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا».
• «وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».
• «وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ».
وأمّا الأهداف الدنيويّة فعناوينها مفتوحة لكلّ حاجات الإنسان والحياة بشرط أن تكون أغراضًا مشروعة…
– طلب الرّزق..
– طلب الصّحة..
– طلب الخير..
– طلب الأمن..
– طلب العلم..
– طلب الذّرية..
– طلب العزّة والقوّة..
– طلب النصر على أعداء الله..
– إلى آخر قائمة الطلبات الدنيويّة..
نقرأ في القرآن الكريم:
• «وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ».
• «وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ».
• «رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ».
• «وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ».
• «رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ».
• «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ».
• «رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا».
• «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا».
• «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
• «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ».
نخلص إلى القول أنّ الدعاء لجوء إلى الله تعالى في قضاء حوائج الدنيا والآخرة..
ولا يصح اللجوء في الدعاء إلى غير الله تعالى،
• «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ».
• «وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ».
هنا يطرح إشكالٌ على الشّيعة: أنّهم يتوجّهون بالدعاء إلى أئمّتهم ويطلبون منهم قضاء الحوائج، كما يُشاهَد في المشاهد المشرّفة..
ولنا حول هذا الإشكال عدّة ملاحظات:
الملاحظة الأولى:
هذا الإشكال لا يخصّ الشّيعة، فهو يشمل الكثير من المسلمين السنّة والشّيعة، فنجد في السنّة من يتوجّه بالدعاء إلى عبد القادر الكيلاني وإلى البدوي، وإلى السيّدة زينب في القاهرة… وأنا أقرّر هذا لا لأصحّح هذه الظّاهرة، وإنّما للقول أنّ الإشكال يتوجّه إلى السنّة والشّيعة، فلا معنى لاتهام الشّيعة فقط…
الملاحظة الثانية:
رغم أنّ هؤلاء النّاس من السنّة والشيعة لا يعتقدون أنّ هؤلاء الأولياء بيدهم الحياة والموت والخير والشّر، والنفع والضّر، والصّحة والمرض والعطاء والمنع، وإنّما ذلك بيد الله تعالى وحده وما الأولياء إلا وسائل إلى الله تعالى، ويأتي الكلام عن معنى «التوسّل» وكيفيّة التوسّل، وهل هو مشروع؟…
أقول رغم ذلك فإنّ أسلوب التوجّه المباشر في الدّعاء إلى غير الله تعالى أمرٌ يضعنا أمام إشكالاتٍ ومنزلقاتٍ واتّهامات، ثمّ لا نجد في المأثور من الأدعية الصحيحة ما يؤيّد هذا الأسلوب، نعم أن نتوسّل إلى الله بأنبيائه وأوليائه فهذا أمر آخر….
فبدلاً من أن نقول: يا رسول الله أعطنا، شافنا، انصرنا، نقول: اللهم إنا نسألك ونتوسل إليك بنبيك وحبيبك وصفيك محمد، وبآله الهداة الميامين أن تعطينا أن تشافينا، أن تنصرنا…
أو نقول: يا رسول الله إنّنا توسّلنا وتوجّهنا بك إلى الله في قضاء حوائجنا..
وكذلك يا أمير المؤمنين، يا فاطمة، يا أبا عبد الله…
وإن كان الأسلوب الأول هو الأبعد عن الإشكالات والشّبهات… وقد ورد استعماله في الأدعية المأثورة، كما سنبيّن ذلك…
وأكرّر القول بأنّ الذين يتوجّهون في الدّعاء إلى الأنبياء والأولياء ليسوا مشركين قطعًا، لأنهم لا يعتقدون أنّ هؤلاء الأنبياء والأولياء شركاء مع الله في الخلق والرزق والعطاء…
إلاّ أنّ هذا الأسلوب يضعهم في سياق الشّبهة والاتهام، وما أحرانا أن نبتعد عن مواطن الشبهة والاتهام، خاصة وأنّنا لا نجد هذا النمط من الدعاء في المأثور عن رسول الله صلّى الله عليه وآله والمأثور عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام…
وقد ورد عن أئمّتنا عليهم السلام: «كونوا لنا زينًا ولا تكون لنا شينًا»
أمّا موضوع «التوسّل» فيأتي الحديث عنه إن شاء الله تعالى..
حظر الخمر وإرهاق الدخل الوطني:
ارتفعت الأصوات المناهضة لقانون حظر الخمور، كون هذا الحظر يُعرّض اقتصاد البلد إلى كارثةٍ كبرى، فالخسائر المقدّرة – كما يقولون- تبلغ مليون دينار في السنّة، فالخمر من أهم مصادر الدخل الوطني، فهل من مصلحة هذا الوطن والذي يُعدّ أضعف بلدٍ في الخليج أن نُعرّضه إلى هذه الانتكاسة الاقتصاديّة نتيجة حظر الخمور، فإنّ منع الخمور سوف يصيب السياحة بنكسةٍ مرعبةٍ ففنادق بلا خمرة، وملاهي بلا خمرة، لا يمكن أن تجلب سوّاحًا إلى البلد…
فرفقًا بالسياحة يا دعاة الحظر والمنع للخمور…
وغدًا سترتفع أصوات تطالب بمنع النساء [الشريفات!] الوافدات من أقطار الدنيا من أجل عرض أجسادهن في سوق الدعارة [النظيفة!] والتي هي سمة تميّز هذا البلد العريق…
فالويل لبلدٍ تتعطّل فيه الملاهي والمراقص والفنادق والسياحة، لأنّ قوام كلّ ذلك خمرة معتقة، وراقصة فاضحة، ومغنّية ماجنة، وداعرة مبتذلة…
فإلى أين تريدون بهذا البلد أيّها المتطرّفون المتشدّدون؟
أبعد هذه القفزات الكبيرة التي أوصلت البحرين إلى مصاف الدول المشهورة بالدعاة واجتذاب تجار الخمور تريدون أن يعود البلد إلى عصر التخلّف والبداوة والتأخّر؟
هذا هو منطق المتباكين على أوضاع البلد بعد أن ارتفع صوتٌ بحضر الخمور…
فماذا نقول لهؤلاء؟
أولا:
ألا يخجل هؤلاء أن يتحدّثوا بهذا المنطق في بلد يدين بالإسلام، ويؤمن بقيم القرآن…
إنّه امتهانٌ وإساءةٌ لشعب البحرين، لو كان هذا الحديث في لندن أو في باريس أو في موسكو، فربما يكون أمرًا عاديًا، أمّا أن يكون الحديث في أوطاننا الإسلاميّة فأمرٌ في غابة القبح، وإنّه لجرأة وقحة في محاربة ثوابت الإسلام وضروراته، وما ذلك إلاّ لأنّ أنظمة الحكم في أوطاننا الإسلاميّة هي التي بدأت بانتهاك حرمات الإسلام، ومقدّرات الدّين، وإلاّ لما تجرّأ هؤلاء الوقحون على إطلاق هذه الصيحات النشاز المعادية لأحكام الإسلام وقِيَمه ومسلّماته.
ثانيًا:
إنّ بلدًا يقوم اقتصاده على الدّخل الحرام، على المال الحرام، على العمل الحرام، على الخمور والفجور والفسق والدّعارة بلدٌ معرّض لأن يُصاب بانتكاساتٍ وكوارث مروّعة، ومعرّض لانهياراتٍ وأزماتٍ مرعبة… وما هذه الأزمات الماليّة التي تهزّ العالم إلاّ نتيجة هذا الانغماس في متاهات العبث بالقِيم وبالأخلاق والأديان…
فليحذر هؤلاء السادرون في الغي والتيه والعصيان أن يزجّوا هذا البلد في المنحدرات المدمّرة من أجل حفنةٍ من المال المغموس بالعار والشنار..
ثالثًا:
ثمّ لو قارنّا بين أرباح ماديّة وخسائر معنويّة، فأيّ الخيارين نقدّم؟ ما قيمة ملايين ومليارات الدنانير إذا أنتجنا شعبًا مدمّر القيم، ممسوخ الأخلاق، غارقًا في المنكرات، مخمورًا، عابثًا، فاسقًا، فاجرًا…
هل نوفّر أموالًا لشعبٍ، لكي يصرفها في البارات والملاهي، وفي الدّعارة والعبث والفجور؟
إنّ شعبنا المسلم في البحرين على استعدادٍ أن يعيش الجوع والعراء والحرمان وأن يبقى دينه، وأن تبقى قيمه، وأن تبقى هويّته الإيمانيّة…
لن يبيع دينه، وقِيَمه، وهويّته من أجل حفنةٍ من المال الحرام…
فاخجلوا أيها العابثون بقِيَم هذا الوطن والمروّجون للمنكرات والمحرّمات باسم الاقتصاد والسياحة والازدهار.
رابعًا:
وإذا كان حديث القِيَم والأخلاق لا يعني شيئًا عندكم، فدعونا نحدّثكم وِفق معايير الخسارة الماديّة…
كم هي أضرار الخمرة الماديّة؟
وكم هي أضرار الدعارة؟
1- أمراضٌ فتّاكة مهلكه…
كم تستنزف هذه الأمراض من ميزانيّة الدولة، ومن أموال النّاس؟
اقرأوا الإحصائيّات العالميّة ستجدون أرقامًا مذهلة…
2- حوادث مرور…
كم تزهق هذه الحوادث من أرواح؟
وكم تستنزف من أموال؟
3- جرائم قتلٍ وخطفٍ واعتداء…
كم تكلّف هذه الجرائم ميزانيّة الدول؟
وكم تهدّد أمن الأوطان؟