خطاب الأربعين: في ذكرى الأربعين يتجدَّدُ الحزنُ العاشورائيّ – هل أنّ موسم عاشوراء يُكرّس الحسّ الطائفيّ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطيّبين الطّاهرين…
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في ذكرى الأربعين يتجدَّدُ الحزنُ العاشورائيّ..
في ذكرى الأربعين تتجدَّدُ الآهاتُ والحسراتُ والعبرات..
في ذكرى الأربعين تتجدَّدُ أحداثُ الفاجعة…
في ذكرى الأربعين يزحفُ الملايين من عشّاق الحسين إلى كربلاء…
الملايين الملايين من عشاقك يا أبا عبد الله في كلِّ بقاع الدّنيا والذين فاتهم الزّمن أن ينصروك يوم عاشوراء وأنت وحيدٌ تنادي هل من ناصر، هذه حناجرهم تصرخ لبّيكَ يا حسين لبّيك يا حسين…
وإنّ قُطّعت أشلاؤهم سوف يبقون ينادون لبّيك يا حسين…
فلنبكِ الحسين…
حينما وقف في ظهيرة عاشوراء يقدّم القرابين على مذبح الشّهادة…
قدّم أصحابًا أوفياءَ، عاهدوا الحسين على الموت..
وقدّم أهل بيتٍ ما لهم على وجه الأرض من نظير…
• مسلم بن عوسجة:
سقط مسلم بن عوسجة مسربلًا بالدّماء..
مشى إليه الحسين ومعه حبيب…
نظر حبيبٌ إلى مسلمٍ نظراتٍ مفجوعة، خاطبه بكلماتٍ مملوءةٍ بالأسى والحزن، طلب منه أن يوصيه…
وكان مسلم في لحظاته الأخيرة، وجاءت وصيّتُه، بصوتٍ خافتٍ ضعيف «أوصيك بهذا – وأشار إلى الحسين – أن تموت دونه» ولفظ أنفاسه الأخيرة…
أبّنه الحسين «رحمك الله يا مسلم…{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}»..
كم أنتم أوفياءُ أوفياءُ يا أنصارَ الحسين…
• عبد الله بن عمير الكلبي:
قاتل دفاعًا عن الحسين، قطعوا يدَهُ، وقطعوا ساقه، أخذوه أسيرًا إلى ابن سعد، فقتله صبرًا…
مشت إليه زوجته وهي تحمل عشق الشّهادة…
جلست عند رأسه تمسح الدّم والتراب عنه، خاطبته بكلماتٍ ممزوجةٍ بالدّموع «هنيئًا لك الجنّة، اسألُ اللهَ الذي رزقكَ الجنّة أن يصحبني معك»..
وما أتمّت كلماتِها، وإذا بعمودٍ يهوي على رأسها، فسقطت مضرّجةً بدمائها، واختلطت دماؤها بدماء زوجها، وهكذا تعانقا على مذبح الشّهادة، ليدخلا الجنّة متصاحبين…
كم أنتم عظماء عظماء يا أنصار الحسين…
• سعيد بن عبد الله الحنفي.. الفدائيّ الصّامد..
صلّى الإمام الحسين الصّلاة الأخيرة في ظهيرة عاشوراء..
انهالت السّهام والنّبال على الحسين…
تقدّم سعيد بن عبد الله الحنفي، وقف أمام الحسين، يستقبل السّهام والنّبال بصدره، فكلّما جاءت السّهام نحو الحسين يمينًا وشمالًا قام سعيد بين يديه…
واستمرّ يتلقّى السّهامَ والنبالَ بنحرِهِ وصدرِهِ حتى أُثخن بالجراحِ وسقط على الأرضِ وهو يقول: «اللّهمَّ أبلغ نبيَّكَ عنِّي السّلام، فإنّي أردتُ بذلك ثوابَكَ في نصرة ذريةِ نبيّك محمدٍ صلّى الله عليه وآله»..
ثمّ التفت إلى الحسين قائلًا: «أوفيتُ يا ابن رسول الله؟»
قال الحسين: «نعم أنت أمامي في الجنّة»
وقضى نحبه…
هنيئًا هنيئًا لكم الجنّة يا عشّاق الحسين…
• وجاء دور الآل…
قدّم الحسين ولدَه عليًّا الأكبر، أولَ قربانٍ من بني هاشم..
شابٌ في السّابعة والعشرين من عمره… أشبه النّاس خَلْقًا وخُلُقًا ومنطقًا برسول الله صلّى الله عليه وآله…
استأذن أباه وبرز إلى القتال، وصال وجال وجندل الأبطال…
جاءه سهمٌ وقع في حلقه، جاءته طعنةٌ رمحٍ في ظهره، هوى سيفُ مُرّة العبدي على رأسه، اعتنق الفرس، حمله إلى معسكر الأعداء، فتسابقت السّيوفُ والرّماح تُمزِّق جسدَه، حتى قطّعوه إربًا إربًا…
لك الله يا حسين وأنت تقف على جسد ولدك المبضّع بالسّيوف، وترسل آهةً مرّةً «على الدّنيا بعدك العفا يا بنيّ…»..
• القاسم بن الحسن:
قربانٌ آخرٌ قدّمه الحسين على مذبح الشّهادة..
غلامٌ في عمر الزّهور، مضى إلى الموت باسمًا، شدّه الشّوق إلى قافلة الشّهداء، توشّح كفن عرسٍ وزفافٍ إلى الجنان، استقبلته سهامٌ ونبالٌ ورماحٌ وسيوف، وكان راجلًا، انقطع شِسع نعله، فانحنى شبلُ الحسنِ يُصلحه، لا يأبه بالرّجال والأبطال… تقدّم إليه لئيمٌ فاجر، ضربه بالسّيف على رأسه، سقط الغلام على الأرض يسبح في الدّماء، وأرسل كلماته إلى الحسين «عمّاه أدركني»، وقف الحسين على رأسه «يعزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يُجيبك… بُعدًا لقومٍ قتلوك».
• وقدّم الحسين أخاه العباس أعظم قربانٍ..
مضى إلى القتال وروح أبيه بين جنبيه..
وماجت الخيل والرّجال، وسيفُ العبّاسِ يحصدُ الرؤوسَ عن الأجساد، واقتحم الرّعبُ قلوبَ الأعداء، واضطربت الأرواح…
وحلّ القضاء المحتوم…
فجاءت ضربة سيفٍ قطعت يمينَ العبّاس، وجاءت أخرى قطعت منه الشّمال..
وانطلق سهمٌ أصاب القِربة..
وسهمٌ آخر استقرّ في إحدى عينيه..
وسهمٌ ثالثٌ أصاب صدره…
وهوى العمود الطائش ففلقَ هامتَه..
انقلب العباس عن ظهر فرسه، مثقلًا بالجراحات ونزف الدّماء… مناديًا «عليك منّي السَّلام أخي حسين..».
كم هي المشاهد ثقيلةٌ ثقيلةٌ على قلبك يا أبا عبد الله…
• وماذا بعد…
قدّم الحسين قربانًا وأيّ قربانٍ، طفلًا رضيعًا، تفتّت كبده من الظّمأ، غارت عيناه من العطش،
وهل رحموا هذا الطّفل الرّضيع؟
أرسل حرملةُ اللعينُ سهمًا ذبح الطّفلَ من الوريدِ إلى الوريد، وهو في حضن أبيه الحسين…
ما أقسى تلك القلوب المتحجّرة، ذبحوا حتّى الطفولة البريئة..
• وبقى الحسين وحيدًا فريدًا..
مضى إلى ميدان القتال…
افترقوا على إمامكم أربع فرق، فرقةٌ بالسّيوف، وفرقةٌ بالرّماح، وفرقةٌ بالسّهام، وفرقةٌ بالحجارة…
وظلّ يُقاتل حتّى أثقلته الجراحات، ونزف الدّماء…
وجاءه حجرٌ أصاب جبهته..
رفع المولى ثوبَه يمسح الدّم، فجاء السّهم المثلّث واخترق قلبَ الحسين..
جلس على الأرض ينوء برقبته…
جاء غادرٌ فاجرٌ شتم الحسين ثمّ ضربه بالسّيف على رأسه…
افترش إمامنا الترابَ تزاحَمت عليه الضّربات والطّعنات وأقبل فرسُ الحسين يدور حوله ويلطّخ ناصيته بدمه…
وتوجّه نحو المخيّم وهو يصهل صهيلًا حزينًا..
خرجت زينب ابنة عليٍّ من الفسطاط ومعها النّساء والأرامل واليتامى إلى جهة المعركة «وإذا بالشّمر اللّعين يجثم فوق صدر الحسين، قابضًا على الشّيبة الطّاهرة والسّيف في نحر الحسين حتّى فصل الرأس المقدّس»..
إنّا لله وإنّا إليه راجعون…
هل أنّ موسم عاشوراء يُكرّس الحسّ الطائفيّ؟
كثرت هذه الأيام مقولاتٌ تتّهم موسمَ عاشوراء بأنّه يُكرّس الحسَّ الطائفيّ، وتتّهم شعارات عاشوراء وخطابات عاشوراء بأنّها تؤجّج الصراع المذهبيّ..
هذه المقولات تُنشر في الصّحف، وفي المواقع الإلكترونيّة..
ما تعليقنا على هذه المقولات؟
نحاول من خلال هذا التعليق أن نتناول عنوان «الطائفيّة» أو «المذهبيّة» وما يحمله هذا العنوان من دلالات، بعضها مقبول، وبعضها مرفوض..
نعالج ذلك ضمن النقاط التالية:
أوّلًا:
لا إشكال في أنّ الانتماء إلى الطائفة أو المذهب لا يُعبّر عن حسٍّ طائفيّ أو حسٍّ مذهبيّ مرفوضين فهذا الانتماء حقٌّ مشروع، فمن حقّ أيّ إنسانٍ أن يختار انتماءه إلى الطائفة أو المذهب وِفْق القناعات التي يُؤمن بها.
ومن حقّ أيّ إنسان أيضًا أن يدافع عن انتمائه وقناعاته.
ومن حقّ الآخرين كذلك أن يُحاوروه ويُناقشوه في هذا الانتماء، وفي هذه القناعات، بشرط أن يكون الحوار والنقاش وِفْق الأسس الصحيحة، والأصول العلميّة.
وهنا ننبّه إلى أنّ خيار الانتماء ليس حقًّا مطلقًا…
إذا أراد إنسانٌ أن ينتمي إلى منظّمة إرهابيّة، تُهدّد أمن الأوطان، وتنشر الرّعب والقتل والدّمار، وتسفك الدّماء، وتهتك الأعراض…
فهل هذا الحقّ تُقرّه الشّرائع والقوانين؟
وهل يُسمح في مجتمعٍ ينتمي إلى الإسلام، ويُؤمن بقِيَم الدّين أن تتشكّل انتماءاتٌ تُسيئ إلى الإسلام وإلى الدّين وإلى القرآن؟
هل يُسمح في مثل هذا المجتمع أن تقوم مؤسّسات تنشر الدّعارة والعهر والفساد الأخلاقيّ؟
ثانيًا:
ولا إشكال أيضًا في أنّ المطالبة بالحقوق الخاصّة بالطائفة أو المذهب لا يُمثِّل حراكًا طائفيًّا أو مذهبيًّا مرفوضًا…
إذا كان في الوطن الواحد طوائف ومذاهب، وحدث ظلمٌ وجورٌ وحيفٌ على طائفةٍ أو مذهبٍ فيما هي الحقوق العامّة أو الخاصّة، فهل من حقّ أبناء الطائفة أو المذهب أن يُطالبوا بحقوقهم، وأن يواجهوا الظّلم والجور والحيف، وأن يرفضوا سياسات التمييز الطائفيّ أو المذهبيّ؟
طبعًا من حقّهم ذلك، بصفتهم مواطنين لهم كلّ حقوق المواطنة العامّة والخاصّة…
لا يصحّ أن نعتبر هذه المطالبة ممارسة طائفيّة أو مذهبيّة مرفوضة…
نعم نحن نؤكّد على وجوب اعتماد الوسائل المشروعة في المطالبة بالحقوق…
وهذا يعني ضرورة أن تُوفّر الدولة كلّ الوسائل والأدوات المشروعة للمطالبة بالحقوق… بشرط أن تكون الوسائل والأدوات حقيقيّة، وليست مجرّد عناوين شكليّة لا تُسمن ولا تُغني من جوع…
إذا قالت الدّولة لديكم برلمان من خلاله يمكن أن تُطالبوا بحقوقكم…
ولديكم صحافة من خلالها يمكن أن تُطالبوا بحقوقكم…
ولديكم منابر من خلالها يمكن أن تُطالبوا بحقوقكم…
ولديكم قنوات تواصلٍ مع الدولة يمكن من خلالها أن تُطالبوا بحقوقكم…
ولديكم فعّاليات سياسيّة من خلالها يمكن أن تُطالبوا بحقوقكم…
يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحًا ومقبولًا إذا كانت هذه الوسائل والأدوات حقيقيّة، وليست شكليّة…
إذا كان البرلمان مؤسّسًا بطريقةٍ لا تسمح له أن يُمارس دورًا تشريعيًّا حقيقيًّا، فهل يمكن اعتباره وسيلةً للمطالبة بالحقوق؟
إنّنا نطالب ببرلمان:
• له صلاحيّة تشريعيّة كاملة وليست ناقصة…
إنّ إعطاء مجلس الشّورى حقّ التشريع يتنافى مع الصلاحيّة الكاملة لمجلس النوّاب…
• يتشكل من خلال انتخاباتٍ حقيقيّة:
– توزيعٌ عادلٌ للدوائر الانتخابيّة..
– ممارسةٌ انتخابيّةٌ نزيهة..
• يحكمه دستورٌ حقيقيّ..
عندها يمكن للسّلطة أن تقول: لديكم برلمان، فمن خلاله طالبوا بحقوقكم…
وأمّا الصحافة:
فلِكي تكون وسيلةً حقيقيّةً للمطالبة بالحقوق، فيجب أن لا تكون محكومةً لقوانين تُصادر قدرتها على التعبير عن هموم المواطنين وحقوقهم، وقدرتها على محاسبة الوضع السّياسيّ الحاكم، ومحاسبة المسؤولين مهما كانت مواقعهم… وأن تكون مفتوحةً لكلّ الأقلام التي تُطالب بحقوق النّاس…
عندها يمكن للسّلطة أن تقول: لديكم صحافة من خلالها طالبوا بحقوقكم…
وأمّا المنابر:
– فإن كانت دينيّة، فالدولة جادّة في تكبيلها بألف قيدٍ وقيد… مرّة من خلال مشروع كادر الأئمّة وأخرى من خلال «ضوابط الخطاب الدينيّ»، وثالثةً بمنعها من التعاطي مع الشّأن السِّياسيّ…
ثمّ لو مارست هذه المنابر دورها الحقيقيّ، فكم هي استجابة السّلطة لخطاب المنابر؟
– وإن كانت سياسية، فحظّها أسوء من المنابر الدينيّة… وتبقى أصواتها لا تجد إصغاءً من قِبَل السّلطة..
وأمّا قنوات التواصل مع الدّولة:
فهي بين قنواتٍ مغلوقة، أو قنواتٍ مفتوحة إلّا أنّها عاجزة عن حلحلة أكثر الأزمات والتعقيدات، والمشاكل التي يعاني منها النّاس.
أخشى ما نخشاه أن تغيب الوسائل المشروعة للمطالبة بالحقوق، فتتحرّك البدائل الضّارة بأوضاع البلد، فمطلوبٌ من السّلطة لكي تحمي هذه الأوضاع من الانفلات والاضطراب أن تسعى جادّةً وصادقةً لتفعيل دور الأدوات والوسائل المشروعة، وإعطائها حضورها الحقيقيّ، وأن تُصغي إلى الأصوات المطالبة بالحقوق، وأن تُعالج الأزمات والتعقيدات.
ثالثًا:
من خلال النقطة الأولى أكّدنا أنّ الانتماء إلى الطائفة أو المذهب حقٌّ مشروع…
ومن خلال النقطة الثانية أكّدنا أنّ المطالبة بحقوق الطائفة أو المذهب هو الآخر حقٌّ مشروع..
فما المقصود – إذًا – بالحسِّ الطائفيّ أو المذهبيّ المرفوض؟
المقصود به هو ممارسة الشّحن والتحشيد من أجل إنتاج الصّراعات الطائفيّة أو المذهبيّة والتي لها أثارها المدمّرة على أوضاع المسلمين..
ولعلّ هذا الشّحن الطّائفيّ أو المذهبيّ المتعصّب هو أحد أهم الأسباب التي أنتجت حركات التطرّف والإرهاب والعنف، وهناك محاولاتٌ للخلط بين مفهوم الإرهاب ومفهوم المقاومة…
يُحاول البعض أن يُلبس الإرهابَ ثوبَ المقاومة كما يحدث في العراق…
فهل أنّ تلك التفجيرات التي تُدمّر المساجد وبيوت العبادة والحسينيّات والمؤسّسات، وتقتل الشيوخ والنساء والأطفال والأبرياء، وتنشر الرّعب، وتبعث بالأمن والاستقرار، يمكن أن تصنّف ضمن عنوان المقاومة؟
كما يُحاول البعضُ أن يتّهم بعضَ حركات المقاومة بالإرهاب، هناك من يتّهم حزب الله، وحماس، والجهاد وقوى وطنيّة نظيفة بأنّها حركاتٌ إرهابيّة..
رابعًا:
بعدما أوضحنا المعنى المرفوض للطائفيّة والمذهبيّة نعود للمقولات التي تتّهم موسم عاشوراء وخطاب عاشوراء وشعارات عاشوراء بأنّها تؤسّس للتّحشيد الطائفيّ والمذهبيّ المرفوض..
فهل هذا الكلام صحيح؟
إنّ الأهداف الكبرى لموسم عاشوراء ولخطاب عاشوراء ولشعارات عاشوراء هي أهدافٌ توحيديّة، ترفض بشدّة أيّ شكلٍ من أشكال التأزيم في العلاقات بين المسلمين، لأنّ ثورة الإمام الحسين ثورةٌ توحيديّه في أهدافها ومبادئها وقيمها وشعاراتها…
العناوين الكبرى التي عبّرت عنها ثورة الإمام الحسين (ع):
• الإسلام.
• الدّين.
• القرآن.
• الحقّ.
• العدل.
• الإصلاح.
• مواجهة الظّلم.
• مواجهة الفساد.
• الجهاد.
• الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر…
فهل في هذه العناوين ما يمزّق وحدة الأمّة، وما يؤسّس لفتنٍ طائفيّة أو مذهبيّة؟
أنا أقول لكم: أين تكمن المشكلة لدى هؤلاء الذين أثاروها ضجّةً مفتعلةً ضدّ عاشوراء وموسم عاشوراء وخطاب عاشوراء وشعارات عاشوراء؟
المشكلة لدى هؤلاء أنّ موسم عاشوراء استحضارٌ لمعركة الحسين ويزيد، الحسين ثار ضدّ يزيد، ويزيد نموذجٌ لحاكمٍ ظالمٍ، جائرٍ، مستبدٍّ، فاسدٍ، فاسقٍ، هاتكٍ للحرمات، عابثٍ بكلّ المقدّرات، متلاعبٍ بثروات المسلمين، و… و….
المطلوب لدى هؤلاء أن ينتهي هذا الاستحضار التاريخيّ..
المطلوب لدى هؤلاء أن يُغلق ملف يزيد بن معاوية..
ولماذا يجب أن يُغلق ملف يزيد؟
هل أنّ هؤلاء الذين يُحاولون غلق هذا الملف يعتقدون أنّ يزيد رجلٌ نظيفٌ وشريفٌ ونزيهٌ وعادل؟
ربّما يوجد من يعتقد ذلك، ربّما يوجد بعض الذين انمسخت عقولهم وقلوبهم وضمائرهم، فينبرون للدّفاع عن يزيد…
قبل سنواتٍ صدر كتاب بعنوان «أمير المؤمنين يزيد بن معاوية المفترى عليه»
هذا النّمط من الممسوخين لا يحفل بهم التاريخ…
إلاّ أنّني أعتقد أنّ أكثر الذين يحاولون إغلاق ملف يزيد لا يؤمنون بنظافة ونزاهة يزيد…
غير أنّ طائفةً منهم يعتقدون توهّمًا أنّ فتح هذه الملفّات التاريخيّة ربّما أجّجت فتنًا طائفيّة ومذهبيّة…
وطائفةٌ أخرى يخشون أن يتّسع فتح ملفّات التاريخ وفي هذا إساءة إلى رموزٍ وشخصيّات…
وطائفةٌ ثالثة – وهم المعنيّون بحديثي هنا – هؤلاء مسكونون بهاجس الخوف من فتح ملف يزيد وأمثاله من حكّام الجور في التاريخ، لأنّ ذلك سوف يفتح ملفّات كلّ الحكّام الظّلمة في العصر الحاضر، وهذا ما يُقلق الكثير من الأنظمة الحاكمة، ممّا دفعها إلى اصطناع خطاباتٍ ذات طابعٍ دينيّ تتحدّث عن مخاوف طائفيّة ومذهبيّة…
إنّ فتح ملف كربلاء يفضح جرائم كلّ الذين صنعوا مجزرة كربلاء:
• رأس النّظام يزيد بن معاوية وجميع أركان نظامه من أمثال عبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد…
الأمر الذي يفتح ملفّات كلّ الحكام الظّلمة، وملفّات أركان أنظمتهم في كلّ عصر.
• عملاء النّظام من أمثال شمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وحرملة بن كاهل وأضرابهم ممّن باعوا دينهم وضمائرهم الممسوخة للنّظام الحاكم طمعًا في الجاه والمال والمناصب..
الأمر الذي يفتح ملفّات كلّ العملاء لأنظمة الحكم في كلّ عصر.
• علماء البلاط المستأجرون من قِبَل النّظام أمثال شريح القاضي الذي أصدر فتواه بمشروعيّة قتال الإمام الحسين (ع)..
الأمر الذي يفتح ملفّات كلّ الذين يوظّفون الدّين ويوظّفون فتاوى الدّين في خدمة الحكّام والأنظمة..
• كلّ الذين خذلوا الحسين (ع)..
– الذين وقفوا على التل…
– الذين حملوا شعار «لزوم المحراب…»
فاتّهام الموسم العاشورائيّ بالطائفيّة وراءه ما وراءه..
تذكرون الضّجة التي حرّكها البعض ضدّ لافتةٍ عاشورائيّةٍ لأنّها تحدّثت عن فسطاطين:
فسطاط الحسين وفسطاط يزيد أو عن نهجين: نهج الحسين ونهج يزيد، بدعوى أنّ هذا النّمط من الحديث يؤجّج الفتن الطائفيّة والمذهبيّة..
هذا كلامٌ باطلٌ لا أساس له من الصّحة…
فحينما نتحدّث عن فساط الحسين أو نهج الحسين لا نتحدّث عن الشّيعة، ففيهم الكثير ممّن يُحسب على فسطاط يزيد أو نهج يزيد، لأنّهم يُمارسون الظّلم والفساد والانحراف…
وحينما نتحدّث عن فساط يزيد أو نهج يزيد لا نتحدّث عن السنّة، ففيهم الكثير ممّن يُحسب على فسطاط الحسين أو نهج الحسين لأنّهم يُحاربون الظّلم والفساد والانحراف.
فلماذا هذا التهويل والتشويش والمغالطات؟
لا أعتقد أنّ هناك مسلمًا يملك كرامة الانتماء للإسلام سنيًّا كان أو شيعيًّا لا يفخر بانتمائه إلى فسطاط الحسين ونهج الحسين.. فالحسين ليس ملكًا لطائفةٍ أو مذهب…
ولا أعتقد أنّ هناك مسلمًا يملك كرامة الانتماء للإسلام سنيًّا أو شيعيًّا يعتزّ بانتمائه إلى فسطاط يزيد ونهج يزيد..
فالذين يثيرون الضّجيج حول شعارات الموسم العاشورائيّ هم الذين يُريدون تأجيج الفتن الطائفيّة والصّراعات المذهبيّة.
وإذا وُجد من يُحاول أن يُعطي لموسم عاشوراء أو خطابات عاشوراء أو شعارات عاشوراء صبغةً تُكرّس الحسّ الطائفيّ البغيض، وتؤجّج الصّراع المذهبيّ المقيت، فنحن ضدّ ذلك، ونعتبره خروجًا عن نهج الحسين التوحيديّ، وعن خطاب عاشوراء التوحيديّ، وعن شعارات عاشوراء التوحيديّة…
أيّها الأحبّة:
حذارِ حذارِ من الانجرار إلى الصّراع الطائفيّ والمذهبيّ، وما ينتجه هذا الصراع من فتنٍ وعداوات، وصداماتٍ قد تؤدّي إلى الاحتراب والاقتتال وإلى سفك الدّماء، وهتك الأعراض…
وإذا كان هناك من يعمل على إنتاج هذا الصّراع نتيجة جهلٍ أو تعصّب، أو بدوافع مشبوهة، فيجب على كلّ المخلصين التصدّي لهذه المحاولات، فمتى ما اشتعل فتيل الفتنة الطائفيّة أو المذهبيّة فإنّ النّار سوف تُحرق الأخضر واليابس…
نسأل الله تعالى أن يحمي هذه الأمّة من فتنٍ عمياء يُخطِط لها أعداء الإسلام، ويُنفّذها جهلة ومتعصّبون أو عملاء مزروعون في أوساط المسلمين.
وأكرّر إنّ الذين يُطالبون بحقوقهم المشروعة وبالأساليب المشروعة ليسوا طائفيّين أو مذهبيّين أو فئويّين، وليسوا صُنّاع فتنٍ وصراعات، وليسوا عملاء للخارج…
فيجب أن لا تُختلط العناوين، وهو ما تُحاول أن تلعبه أنظمة الحكم والسّياسة في الكثير من بقاع الأرض…
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين..