حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 211: متابعة لحديث التقوى (عقدة الحسد عند إبليس)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين…


عقدة الحسد عند إبليس:
قلنا إنّ إبليس امتنع عن السجود لآدم لوجود عدّة عُقدٍ في داخله تناولنا في حديثنا السابق «عقدة التكبّر والأنانيّة»، وهنا نتحدّث عن «عقدة الحسد عند إبليس».
إنّ إبليس حسد آدم لما أعطاه الله من تكريمٍ حيث أمر الملائكة أن يسجدوا له، إلّا أنّ إبليس تمرّد على أمر الله تعالى تكبّرًا وحسدًا، فاستحقّ الطّرد واللعنة.
• قال الإمام الصّادق عليه السلام:
«الحاسد مضرٌّ بنفسه قبل أن يضرّ بالمحسود كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة، ولآدم الاجتباء والهدى والرفع إلى محل حقائق العهد والاصطفاء، فكن محسودًا ولا تكن حاسدًا، فإنّ ميزان الحاسد أبدًا خفيفٌ بثقل ميزان المحسود، والرّزق مقسوم، فماذا ينفع الحسدُ الحاسدََ، وماذا يضرّ المحسودَ الحسدُ، والحسد أصله من عمى القلب، والجحود بفضل الله تعالى، وهما جناحان للكفر، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد، وهلك مهلكًا لا ينجو منه أبدًا، ولا توبة للحاسدِ لأنّه مصرٌ عليه معتقدٌ به مطبوعٌ فيه…».


• وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب».
فحذارِ حذارِ أيّها الإنسان من «لوثة إبليس» فالحاسد في خطى إبليس يسير، ومآله إلى الطّرد واللعنة كما آل إلى ذلك إبليس…


وهنا أنبّه إلى أمرين:
الأمر الأول: ليس من الحسد «التنافس فيما هو خيرٌ وصلاح».
قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} المطففين: 26.
فالتنافس حينما يكون تسابقًا من أجل الوصول إلى مواقع متقدّمة عند الله تعالى، فهو عملٌ مشروع، وأمّا إذا كان تسابقًا من أجل الوصول إلى مواقع متقدّمة عند الشيطان فهو عملٌ محرمٌ ومذموم…
ثمّ إنّ التنافس المشروع يفترض أن لا يتمنّى الإنسان زوال ما عند الغير من مواقع متقدّمة إذا كان في ذلك صلاحٌ للغير، وإلّا سقط الإنسان في مزالق الحسد…


أن يتمنّى الإنسان ما عند الغير ممّا هو خيرٌ وصلاحٌ أو يتمنّى التفوّق عليه، من دون أن يحمل في داخله أيّ رغبةٍ في زوال ما عند الغير أو نقصانه، فهو عملٌ مشروع، ومع وجود تلك الرغبة أصبح ذلك تنافسًا غير مشروع…
إنّ الكثير من التنافسات المتحرّكة في السّاحة الدينيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والسِّياسيّة غالبًا ما تحمل معها «العمل على إسقاط الآخر» وهذا يبرز واضحًا في المنافسات الانتخابيّة، فلغة التشهير والتسقيط والقذف والاتهام هي اللغة السائدة في مثل هذه الأجواء، هذا اللون من التنافس عملٌ غير مشروع.


وقد يتساءل البعض: إنّ الدعوة إلى أشخاص معيّنين أو جهاتٍ معيّنة في عمليّات الانتخاب السِّياسي أو الثقافيّ أو الاجتماعيّ، ألا يُعدّ ذلك نفيًا وإلغاءً للآخرين، ممّا يضع التنافس في سياقاته غير المشروعة؟
إنّ هذه الدّعوة ما دامت تُعبّر عن قناعاتٍ واختيارات تعتمد أسسًا مشروعة، وليست استجاباتٍ لأمزجة وأهواء وعصبيّات، فلا مشكلة فيها، ولا داعي لاعتبارها شكلًا من التحيّز اللا مشروع… نعم حينما يترافق هذا الاختيار مع إساءاتٍ واتّهاماتٍ للآخرين فهو تنافسٌ غير مشروعٍ.


ثمّ إنّ التأكيد على مجموعةٍ من الصّفات والمميّزات والمكوّنات الدينيّة والثقافيّة والأخلاقيّة والسِّياسيّة والتي تفرضها القناعات المدروسة، في مقابل التحذير من صفاتٍ أخرى تُشكّل خطرًا على المسار الدينيّ والثقافيّ والسِّياسيّ، هذا اللون من التأكيد والتحذير عملٌ مشروعٌ ما دام يُعبِّر عن خياراتٍ مشروعة، وما دام الحديث في سياق العناوين وليس في سياق الأشخاص.


الأمر الثاني: وليس من الحسد كذلك أن يتمنّى الإنسان زوال نعمةٍ إذا كان في وجودها فسادًا وضررًا وشرًّا، فإذا كان الثّراء أو الجاه أو المنصب يدفع بالمرء إلى التعالي والكبرياء والغرور والفساد والانحراف، فمن الإخلاص له أن نتمنّى زوال ذلك الثّراء والجاه والمنصب خوفًا عليه من تلك الانزلاقات.


نخلُص إلى القول أنّ هناك ثلاثة عناوين:
العنوان الأول: الحسد وهو عُقدةٌ شيطانيّةٌ تختزن مشاعر سيّئة تجاه الآخرين وتجاه ما يملكون من خصائص وصفاتٍ صالحة وخيّرة.


العنوان الثاني: التنافس الشّريف، وهو تسابقٌ من أجل امتلاك مقاماتٍ شريفة ونبيلة وِفق معايير الدّين والقيم النظيفة، مع اعتماد الوسائل المشروعة.


العنوان الثالث: الغِيرة وهو شعورٌ يحمل حبّ الخير للآخرين، وربّما دفع إلى تمنّي زوال النعم عمّن يُحبّ لأنّ في ذلك خيرٌ وصلاحٌ له.


 

Show More

Related Articles

Back to top button