متابعة الحديث حول آخر توقيع صادر عن الإمام المهديّ عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطاهرين…
يستمرّ بنا الحديث حول غيبة الإمام المهديّ عليه السلام..
قلنا: أنّ الإمام المهديّ غاب غيبته الكبرى سنة 329هـ، وبغيبته انتهت «السفارة والنيابة الخاصة» فلا يدّعيها إلاّ مفترٍ كذّاب، هذا ما أجمع عليه علماء الشيعة الإماميّة منذ بداية الغيبة الكبرى حتى الآن..
فلم يسجل لنا التاريخ أنّ أحدًا من الفقهاء الأجلاّء المعتمدين ادّعى «السفارة والنيابة»، هذا التاريخ بين أيدينا فهل قرأنا أو سمعنا أنّ فقيهًا معروفًا معتمدًا ادّعى ذلك؟
وقد شهد التاريخ الشيعي أعدادًا كبيرة جدًا من الفقهاء العظماء الأجلاّء المشهورين فما حدّثت أحدهم نفسه أن يدّعي السفارة والنيابة الخاصة..
وبعضهم قريبًا جدًا من عصر الغيبة الصغرى…
لنأخذ مثلاً: الشيخ الصدوق مؤلف كتاب «من لا يحضره الفقيه» أحد الكتب الأربعة الأساسية عند الشيعة وهي:
– الكافي للشيخ الكليني (عاصر الغيبة الصغرى).
– من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق.
– التهذيب للشيخ الطوسي.
– الاستبصار للشيخ الطوسي.
فالشيخ الصدوق أحد أعلام الطائفة الكبار بلغت مصنّفاته ثلاثمائة مصنّف، ولد سنة 306هـ أي أدرك من الغيبة الصغرى ما يقرب من 12 سنة، وتوفي سنة (381هـ) أي أدرك من بداية الغيبة الكبرى ما يقرب من اثني وخمسين سنة…
ومن الأخبار الثابتة والصحيحة والمشهورة أنّ الشيخ الصدوق وُلد بدعاء الإمام الحجّة عليه السلام، ذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة:
أنّ علي بن الحسين بن بابويه والد الصدوق [وهو من أعاظم فقهاء الشيعة وقد عاصر الغيبة الصغرى] لم يرزق ولد فكتب إلى الحسين بن روح النوبختي السفير الثالث أن يسأل الإمام الحجّة أن يدعو الله أن يرزقه أولادًا فقهاء فجاء الجواب: أنّك سترزق ولدين فقيهين وفعلاً رُزق ولدان فقيهان محمد والحسين (الصدوق وأخوه الحسين) وكانا يفتخران بأنّهما ولدا بدعاء الحجّة.
هذا الرجل الفقيه العظيم لم يدّعِ السفارة والنيابة رغم اشتهاره وجلالة قدره ومكانته الكبيرة في الطائفة..
وهكذا جميع فقهاء الطائفة الأجلاّء الكبار أمثال: الشيخ المفيد والسيد المرتضى، والشيخ الطوسي… وامتدادًا إلى الفقهاء المتأخرين.. وقد عاصرنا بعضًا منهم كالسيد الحكيم والسيد الخوئي والسيد الخميني والسّيد الصدر، ولم نسمع أنّ أحدهم ادّعى السفارة أو النيابة..هذا هو تاريخ الفقهاء والعلماء الأخيار الصالحين…
وفي المقابل نقرأ في التاريخ عن أدعياء للسفارة لا يملكون أيّ رصيدٍ في الطائفة وهم شخصياتٌ ساقطةٌ منبوذةٌ ومرفوضةٌ وربما استطاعوا أن يضلّلوا بعض المغفّلين والأغبياء والجهّال من النّاس، وربما كوّنوا لهم كياناتٍ زائفة، وتنظيماتٍ مشبوهة وربما تحوّلوا إلى مذاهب…
وأنا هنا أتحدّث عن أدعياء السفارة ولا أتحدّث عن أدعياء المهدويّة، والذين لنا معهم حديثٌ آخر، وكثيرًا ما تحوّل أدعياء سفارة إلى أدعياء مهدويّة بل أدعياء نُبوّة ، وقد يصل الأمر إلى أدعاء ألوهيّة…
المذهب البابي والبهائي في إيران بدأ بادّعاء شخصٍ أنّه الباب للإمام المهديّ (النائب والسفير)، ثمّ انتقل إلى مرحلةٍ أخرى فادّعى أنّه الإمام المهديّ، ثمّ انتقل إلى مرحلةٍ ثالثةٍ فادّعى أنّه نبيّ، وقد أُنزل عليه كتاب، وأخيرًا ادّعى الأُلوهيّة.
من هنا نفهم لماذا تشدّد التوقيع الصادر عن الإمام المهديّ في تحذير الشيعة من الركون إلى هؤلاء الأدعياء «أدعياء النيابة والسفارة».
والخطوات التي يعتمدها هؤلاء الأدعياء:
أولاً: يتظاهرون بمظاهر الأولياء والصالحين والعبّاد والزّهاد، ويمارسون بعض الأوراد والأذكار ليخدعوا بذلك السدّج والبسطاء والمغفّلين.
وربما استعملوا الشعوذة والسحر وادّعاء المكاشفات والمشاهدات، وكثيرًا ما يتحدّثون عن الرؤى والمنامات، كما يهتمّون ببعض العلوم الغريبة كعلم الحروف والعزائم وتسخير الأرواح والجن، والرياضات النفسيّة، وبعض قضايا العرفان…وهكذا يهيّئون الأرضيّة لخطواتٍ لاحقة…
ثانيا: دعاوى التشرّف بلقاء الإمام المهديّ عن طريق المنامات، وهنا يدخلون إلى عقول البسطاء من عشّاق الإمام المهديّ، إنّ الأحلام والمنامات أحد وسائلهم لاجتذاب الناس وخاصةً النساء، وتستمرّ هذه الرؤى والمنامات الكاذبة، وتُروّج وتُنشر فينخدع بها من لا يملك بصيرة بالدين ويتأثّر بها السدّج والأغبياء، وربما سقط في تأثيراتها بعض المتعلّمين الغافلين عن الدوافع والأهداف والأغراض المشبوهة، وهكذا يتمكّن أولئك الأدعياء من بعض القلوب الجاهلة والغافلة والمخدوعة…
ثالثًا: تتحوّل اللقاءات المكذوبة مع الإمام المهديّ عليه السلام من لقاءاتٍ عبر الرؤى والمنامات إلى لقاءاتٍ مباشرةٍ، وتبدأ هذه اللقاءات قصيرة وعاجلة، وفي أوقاتٍ متباعدة، ثمّ تكثر وتتقارب…
ولا تحمل في البداية أيّ تكليف، وإنّما هي لقاءات تشريفيّة، هكذا يزعم هؤلاء الأدعياء الذين خدعوا أنفسهم وخدعوا الآخرين، حتى صدّقوا هم أكذوبتهم، وآمنوا بأسطورتهم، ولكي يتمكّنوا أكثر من قلوب الناس لا تكون هذا اللقاءات مع الإمام إلاّ بعد صلاة الليل أو بعد أداء بعض الأعمال في الأماكن المقدّسة (كأن يكون اللقاء الأول في حرم الإمام الحسين، في حرم أمير المؤمنين، عند الكعبة) وفي الحالات التي لا تتيسّر هذه البقاع المعظمة يتمّ اللقاء في أيّ مكانٍ…
ورغم أنّ هذه المرحلة ليست مرحلة أيّ مهمةٍ تكليفيّة إلاّ أنّ هؤلاء الأدعياء الكذبة يبدأون يمرّرون أخبار هذه اللقاءات إلى بعض النّاس لتهيئة الكوادر الأولى لهذه الحركات والدعوات، ويبدأ الالتفاف حولهم.
رابعًا: وفي مرحلةٍ رابعةٍ يصدر التعيين الرسمي من قبل الإمام المهديّ، ليكون هذا المدّعي الخادع هو الوسيط بين الإمام وشيعته، وربما تبدأ المهمة بتكليفاتٍ محدودة، ولأفرادٍ محدودين كأن يأمره الإمام أن يحمل سلامه إلى فلانٍ وفلانٍ وفلان، وأن يبلّغهم حبّ الإمام ودعائه لهم… وهنا ينبهر هؤلاء ويزداد ارتباطهم بهذا المدّعي ويقوى انشدادهم إليه، حيث كانوا محلّ نظر وعناية الإمام عليه السلام، وكثيرًا ما يتمّ ذلك بعد أن يكلّفهم مدّعي الرؤية والنيابة بأعمالٍ وعباداتٍ تجعلهم محلّ عناية الإمام…
بهذه الأساليب الماكرة والخادعة يتشكّل جهاز الدعوة لهذا النائب الكاذب ثمّ تتّسع مساحة التكليف لتمتدّ أكثر وتكسب أفرادًا أكثر…
وربما اقتصر التكليف على بلدٍ معينٍ لا يتعدّاه إلى غيره (فلانٌ سفير الإمام في العراق/ فلانٌ سفيره في إيران/ في البحرين/ في لبنان).
وقد يرتقي بعض الأدعياء الكذّابون على القول بأنّهم سفراء الإمام المهديّ إلى كلّ العالم، كما ادّعى زعيم حركة (أنصار الإمام المهديّ) في العراق حيث قال في بيانه للناس: «فيا أهل العراق إنّ أبي قد أرسلني لأهل الأرض وبدأ بكم وبأمّ القرى النجف وإنّي لمؤَيَّدٌ بجبرائيل وميكائيل وإسرافيل وبملكوت السماوات» هكذا تبلغ الحماقات والادعاءات الكاذبة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين