حديث الجمعة199: متابعة الحديث حول آخر توقيع صادر عن الإمام المهديّ عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين…
جاء في التوقيع الصادر عن الإمام المهديّ عليه السلام: «وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ألاّ فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّابٌ مفتر».
ولكي نحدّد معنى المشاهدة في هذا التوقيع نحاول أن نطرح هذا السؤال؟
هل يمكن اللقاء مع الإمام المهديّ عليه السلام في عصر الغيبة الكبرى؟
وهنا يجب أن نتعرّف عن معنى الغيبة الكبرى، وكيف هي؟
حينما نقرأ الأخبار الواردة حول الغيبة يمكن أن نصنّفها إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى:
الأخبار التي تحدّثت عن الغيبة بشكلٍ مطلق…
وتمثّل هذه الطائفة النسبة الأكبر من الأخبار
• قال الإمام الصّادق عليه السلام: «إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها».
• وقال الإمام الصّادق عليه السلام: «إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم».
• عن الإمام الصّادق عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «المهديّ من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلْقا وخُلُقًا، تكون له غيبة وحيرة حتى تضلّ الخلق عن أديانهم فعند ذلك يُقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا».
• وقال الإمام الصّادق عليه السلام: «يأتي على الناس زمانٌ يغيب عنهم إمامهم».
• وفي حديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «التاسع من ولد ابني الحسن الذي يظهر بعد غيبته الطويلة، فيعلن أمر الله، ويظهر دين الله وينتقم من أعداء الله، ويملأ الأرض عدلاً وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا».
• وقال الإمام العسكريّ عليه السلام: «إنّ الإمام وحجّة الله من بعدي ابني سَمِيَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيته – إلى أن قال – إلاّ أنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر».
الطائفة الثانية:
الأخبار التي تحدّثت عن اختفاء شخص الإمام المهديّ عليه السلام عن الأنظار فهو يرى النّاس ولا يرونه..
• قال الإمام الصّادق عليه السلام: «يفقد النّاس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه».
• وفي حديثٍ آخر: «للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما المواسم يرى النّاس ولا يرونه».
• وفي حديثٍ ثالث: «إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون؟.
• وفي حديثٍ رابع: «للقائم منّا غيبة أمدها طويل – إلى أن قال- إنّ القائم منّا إذا قام لم يكن لأحدٍ في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه».
• وفي حديث خامس: «يغيب عن أبصار النّاس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره».
هذه الأخبار وأمثالها وإن كانت مناقشة سندًا، فهي تؤكد أنّ الإمام لا يُرى في عصر الغيبة…
ويحتمل أن يراد بعدم رؤيته عدم معرفته، كما تؤكّد الطائفة الثالثة التالية.
الطائفة الثالثة:
الأخبار التي تحدّثت عن خفاء العنوان هنا – في هذه الأخبار – لا يختفي شخص الإمام المهدي، بل يراه النّاس إلاّ أنّهم لا يعرفونه.
أمّا لماذا لا يعرفونه؟
هل بواسطة الإعجاز الإلهي؟
أم أنّ ذلك ناشئ من تقادم الزمان بالإمام؟
أم لكونه غير مستقر في منطقة واحدة…؟
هذا النمط من الأخبار تفترض أنّ الإمام المهديّ عليه السلام يعيش مع النّاس، ويتحرّك في أوساطهم، ويرونه دون أن يعرف أحدٌ حقيقته وأنّه الإمام المهديّ عليه السلام، إلاّ في حالات استثنائيّة تفرضها المصلحة، وفي حاجةٍ إلى اثباتاتٍ قطعيّة.
من الأخبار التي تؤكّد هذا المعنى:
• عن محمد بن عثمان العمري – السفير الثاني من سفراء الإمام المهديّ عليه السلام- «واللهٍ إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنة، يرى النّاس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه».
• وفي خبر آخر وهو يتحدّث عن الإمام المهديّ: «يجعل الله بينه وبين الخلق حجابًا يرونه ولا يعرفونه».
هكذا توفّرنا على ثلاث طوائف من الأخبار:
الطائفة الأولى وهي التي تملك الرصيد الأكبر من الأخبار تحدّثت عن الغيبة بشكلٍ مطلق…
والطائفة الثانية تحدّثت عن اختفاء شخص الإمام عن الأنظار، فهو يرى النّاس ولا يرونه.
والطائفة الثالثة تحدّثت عن «خفاء العنوان» فالناس يرون الإمام، إلاّ أنّهم لا يعرفونه…
فكيف نتصور اللقاء مع الإمام في ضوء هذه الطوائف من الأخبار؟
للحديث صلة إن شاء الله تعالى..
كيف نفهم ثقافة الاختلاف؟
قلنا في الحديث السابق: إنّ الاختلاف الديني أو الثقافي أو السّياسي له حالتان:
الأولى: الاختلاف غير المشروع وهو الذي يهدّد وحدة الموقف المطلوب شرعًا (المطلوب على كلّ حال)
كما إذا كان الاختلاف يعرض الدين أو الأمة إلى الخطر….
وهذا لا يعني إلغاء القناعات وإنّما أن لا تتحرك بطريقة تؤدي إلى أن التعدّد الذي يضعف الموقف، ويهدّد الدين أو الأمة…
الثانية: الاختلاف المشروع وهو الذي لا يعرض الدين أو الأمة إلى الخطر ويشترط في هذا الاختلاف شرطان:
الشرط الأول: أن تكون القناعات مبنية على أسس علمية سلمية، وليس على أساس من الهوى والعصيان.
الشرط الثاني: أن يكون هذا الاختلاف محكومًا لاداب الاختلاف التي حدّدها الإسلام..
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين