الإمام الحجة المنتظر (ع)من وحي الذكريات

متابعة الحديث حول آخر توقيع صادر عن الإمام المهديّ (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين..


لا زلنا مع التوقيع الصادر عن الإمام المهديّ عليه السلام، والذي أعلن فيه انتهاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى، وذلك في سنة 329هـ، السنة التي مات فيها السفير الرابع علي بن محمد السمري، وهكذا انتهت النيابة الخاصة [السفارة] فلا يدّعيها إلاّ مفترٍ كذّاب حسب ما جاء في التوقيع حيث يقول الإمام عليه السلام: «فقد وقعت الغيبة التامّة فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورًا وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصّيحة فهو كذّاب مفترٍ ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم».
هذا المقطع من التوقيع الشريف يتناول مجموعة نقاط مهمّة جدًا، يجب أن يستوعبها أتباع مدرسة الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام، والقائلين بإمامة الإمام المهديّ عليه السلام (الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام)
هذه النقاط المهمّة هي:
(1) انتهاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى – كما ذكرنا قبل قليل- وبهذا تنتقل الشيعة إلى مرحلةٍ أكثر تعقيدًا وأكثر صعوبة..


لقد مرّ الشيعة في علاقتهم بأئمّتهم عليهم السلام بثلاث مراحل:


المرحلة الأولى: مرحلة حضور ووجود الإمام بينهم، يتواصلون معه، ويتشرّفون بلقائه والاستفادة من علومه وتوجيهاته…
وفي هذه المرحلة عاش الأئمّة حالتين:
الحالة الأولى:
ولم تتوفّر إلاّ للإمام أمير المؤمنين عليه السلام في فترةٍ تاريخيّةٍ محدودة، هذه الحالة التصدّي للسلطة والحكم وتسلّم الخلافة..
الحالة الثانية:
وقد عاشها جميع الأئمّة عليهم السلام، وهي حالة الإقصاء عن موقع السلطة والحكم والخلافة.
عقيدتنا أنّ الأئمة من أهل البيت عليهم السلام لهم ثلاث صلاحيات:
أ‌- صلاحية الإمامة السّياسية بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم..
ب‌-  صلاحية الإمامة الفكريّة والفقهيّة
ج- صلاحية الإمامة الروحيّة والاجتماعيّة…
فالصلاحية الأولى لم يتمكن الأئمّة من ممارستها، باستثناء الإمام أمير المؤمنين في مدّة زمنيّة محدّدة…
والصلاحية الثانية مارسها الأئمّة عليهم السلام، وإن كان النظام الحاكم قد صادر هذه الصلاحية وأوجد لها بدائل فيبقى الأئمة يشكلون مرجعية فكرية وفقهية لأتباع مدرستهم..
والصلاحية الثالثة احتفظ بها الأئمّة من أهل البيت، رغم محاولات الأنظمة مصادرتها بقي الأئمة قدوة روحيّة متميّزة لكلّ المسلمين، وبقي الأئمّة نماذج لا تضاهى عند الناس جميعًا…
نقرأ في التاريخ هذه الحادثة التي تؤكد الموقع الروحي والاجتماعي الذي يحظى به الأئمّة في نفوس المسلمين، حينما حج هشام بن عبد الملك وطاف وأراد أن يستلم الحجر الأسود فلم يقدر على استلامه من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه ينتظر، ثم أقبل الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام فأخذ يطوف، فكان إذا بلغ موضع الحجر انفرجت الجماهير وتنحى الناس حتى يستلمه لعظم معرفتهم بقدره ومكانته على اختلاف بلدانهم وانشعاباتهم…
فأثار ذلك استغراب حاشية هشام بن عبد الملك، فتوجهوا له بالسؤال عن هذا الشخص الذي حظي بكلّ هذا التقدير بما لا يحظى به هشام فتجاهل هشام وقال لا أعرفه….
وهنا سجل الفرزدق الشاعر المشهور موقفه الجريء من خلال قصيدته المعروفة
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
   والبيت يعرفه والحلّ والحرم
إلى آخر القصيدة..


المرحلة الثانية:
مرحلة غياب الإمام غيابًا ليس تامًا كما حدث للإمام المهديّ عليه السلام أثناء الغيبة الصغرى والتي استمرت ما يقرب من سبعين سنة….
وكانت العلاقة بين الإمام وشيعته تتمّ بواسطة سفراء خاصين معينين من قبل الإمام نفسه، فمن خلال هؤلاء السفراء والنواب المعينين تصدر الأوامر والتوجيهات والإجابات عن الاستفتاءات والتساؤلات، وفي هذه المرحلة حدثت دعاوى كاذبة للسفارة والنيابة ولكنّها باءت بالفشل وافتضح أصحابها شرّ افتضاح، فالقاعدة الشيعيّة كانت محصّنة كلّ التحصين، وتملك كفاءاتٍ علميّة كبيرة ومتميّزة، فما كان من السهل اختراقها وخداعها…..
من الظرائف في هذا المقام….
إنّ الحسين بن منصور الحلاج أحد الذين أدعو النيابة كذبًا وزورًا، فأراد الله تعالى أن يفضحه ويخزيه… فكتب أي الحلاج إلى أبي سهل النوبختي «من شيوخ الشيعة المعروفين وكان عالمًا كبيرًا جليلاً» كتب إليه يذكر له مزاعمه في السفارة…….
فكتب له أبو سهل – ما مضمونه- أنّي على استعداد أن أصدّق دعواك، ولكنّي أطلب منك شيئًا واحدًا وهو أنّي متورط بكثرة الشيب في رأسي وقد أعجزني استعمال الخضاب، وافتضحت مع نسائي..
فيا صاحب الدلائل والبراهين اجعل لحيتي سوداء فإنّي طوع يديك وقائلٌ بقولك….. وعندها افتضح الحلاج، وصيره أبو سهل النوبختي أضحوكة وأحدوثة على ألسن النّاس…
وهكذا يفتضح دائمًا أصحاب الدعاوى الكاذبة.

Show More

Related Articles

Back to top button