حديث الجمعة 194: إعداد الكوادر القياديّة لمرحلة الغيبة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين….
إعداد الكوادر القياديّة لمرحلة الغيبة:
يستمر بنا الحديث حول هذا العنوان…
قلنا في الحديث السابق: إنّ من أهمّ التمهيدات لمرحلة غيبة الإمام المهديّ: «إعداد الكوادر القياديّة المؤهلة» كون هذه المرحلة لتشهد فراغًا من «حضور الإمام المباشر».
وقد مارس الأئمّة القريبون من مرحلة الغيبة عدّة إجراءات من أجل إعداد هذه الكوادر القياديّة..
من هذه الإجراءات:
(1) احتضان مجموعة من الكفاءات ورعايتها رعاية خاصة مركزه لتأهيلها علميًا وروحيًا وسلوكيًا وقياديًا، طرحنا نموذجًا «عثمان بن سعيد العمري».
(2) إيجاد مستوياتٍ كفوءةٍ تلتف حول هذه الكوادر فالقيادة في حاجةٍ إلى عددٍ من المستويات الكفوءة والموثّقة من قبل الأئمّة (ع).
وظيفة هذه المستويات:
أ- إعطاء دعم ومساندة للقيادة.
ب- يشكّلون جهازًا استشاريًا للقيادة.
ت- حلقات وصل بين القيادات العليا والقواعد الشعبيّة……
فالهيكليّة التي اعتمدها الأئمّة لمرحلة الغيبة الصغرى (لا نتحدّث هنا عن مرحلة الغيبة الكبرى فإنّها هيكليّة أخرى)
• الإمام قمة الهرم القيادي..
• السفير: ويتواصل مباشرة مع الإمام..
• الوكلاء: الوسطاء بين السفير والقواعد الشعبيّة في أكثر الحالات، لا يعني هذا أن السفير لا يلتقي القواعد الشعبيّة..
• القواعد الشعبيّة المنتمية إلى خطّ الأئمّة (ع)..
(3) ربط القواعد الشعبيّة بالقيادات المؤهلة، صدرت توصيات وتوجيهات من قبل الأئمّة تؤكّد على أتباعهم ضرورة الانقياد للنواب والوكلاء المعينين، والحذر من «أدعياء النيابة»..
سنتناول في موقع آخر من مواقع هذه الحديث «ظاهرة أدعياء السفارة والنيابة»..
بعد هذا العرض، نتناول نموذجًا آخر من «الكوادر القياديّة التي أعدّها الأئمّة لمرحلة الغيبة، هذا النموذج هو «محمد بن عثمان بن سعيد العمري» وقد عاصر الإمامين العسكري والمهدي… وكان له منزلة عظيمة عندهما..
• روى الشيخ الطوسي بسنده إلى أحمد بن إسحاق أنّه سأل الإمام الحسن العسكري عليه السلام: من أعامل، وعمن آخذ، وقول من أقبل؟
نلاحظ أنّ هذا الفقيه الكبير يكرّر هذا السؤال على الإمام العسكري بعد أن سبق وأن طرحه على الإمام الهادي، وهذا يؤكّد على حقيقتين مهمّتين:
الحقيقة الأولى: أنّ الإنسان مهما كان مستواه العلمي يجب أن ينطلق في حركته من توجيهات الإمام، فمن هذه التوجيهات يستمد شرعية الانطلاق والحركة والمواقف.
الحقيقة الثانية: الخضوع والتسليم للمواقع القياديّة التي يحدّدها الإمام…..
ماذا قال الإمام الحسن العسكري لأحمد بن إسحاق الفقيه الكبير؟
أجابه بقوله: «العمري وابنه ثقتان فما أدّيا فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنّهما الثقتان المؤمنان».
وهكذا أصبح عثمان بن سعيد العمري السفير الأول للإمام المهدي، توّلى السفارة من سنة (260هـ) حتى سنة (265هـ)، وتولى السفارة بعده بأمر من الإمام المهدي ابنه محمد بن عثمان من سنة (265هـ) حتى سنة (305هـ) أيّ مدة أربعين سنة (أطول السفراء مدة)، وبعده عيّن الإمام المهدي الحسين بن روح النوبختي سفيرًا ثالثًا…..
في حياة السفير الثاني بدأت التهيئة للحسين بن روح
• يقول أبو جعفر بن علي الأسود (من الوكلاء الذين يشكّلون حلقة بين السفير والناس): «كنت أحمل الأموال إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فيقبضها منّي، فحملت إليه يومًا شيئًا من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين، فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي [الحسين بن روح النوبختي]»
وكان الشيعة وفي مقدمتهم كبار الفقهاء يسلمّون لأوامر الإمام ولا ينكرون ذلك حتى لو جاء الأمر خلاف توقعاتهم..
• روى الشيخ الطوسي عن جعفر بن أحمد بن متيل [من أبرز المعتمدين المقربين إلى محمد بن عثمان حتى أنّه في آخر عمره لا يأكل طعامًا إلاّ ما أصلح في منزل جعفر بن أحمد وكان شيوخ الشيعة لا يشكون أنّه الخلف لمحمد بن عثمان]
«لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري الوفاة كنت جالسًا عند رأسه أسأله وأحدثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه، فالتفت إلىّ ثمّ قال: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح.. (قال): فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني، وتحولت إلى عند رجليه».