التهيئة لمرحلة الإمام المهديّ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين..
التهيئة لمرحلة الإمام المهديّ:
في سياق التهيئة لهذه المرحلة مارس الأئمّة القريبون منها (الجواد/ الهادي/ العسكري) مجموعة خطواتٍ مفصليّةٍ ومهمةٍ وضروريّةٍ… من هذه الخطوات:
(1) الروايات المكثفة التي تتحدّث عن «ظاهرة الغيبة والاستتار»..
وقد أشرنا إلى ذلك في حديثنا السابق وهذه الخطوة ضروريّة جدًا لتهيئة الذهنيّة لهذه الظاهرة الجديدة غير المألوفة في حياة الأئمّة عليهم السَّلام.
(2) تكثيف ظاهرة «الوكلاء» للأئمّة.
أخذ الأئمّة من المرحلة المتأخرة يكثّفون من ظاهرة «الوكلاء» والذين انتشروا في كلّ المناطق والبلدان التي يتواجد فيها الشيعة المنتمون إلى مدرسة الأئمّة من أهل البيت وهذا التكثيف لظاهرة الوكلاء يرجع إلى سببين:
السبب الأول: الاتساع الكبير للقاعدة الشيعيّة (أتباع الأئمّة).. ورغم الحصار السّياسيّ والمذهبيّ الذي كانت تمارسه أنظمة الحكم في العهدين الأمويّ والعباسيّ ضدّ الأئمّة وضدّ أتباعهم وشيعتهم فقد ازداد أتباع أهل البيت، ولذلك يؤكّد الدارسون لتاريخ الأئمّة أنّ عهد الأئمّة من أبناء الرّضا عليه السّلام (الجواد والهادي والعسكري) قد اتّسم باتساع رقعة انتشار التشيّع، وهذا فرض أن يكون للأئمّة وكلاء في كلّ البلدان التي تواجد فيها أتباعهم وشيعتهم، لأنّ التواصل مع الإمام مباشرة أصبح صعبًا وعسيرًا.
السبب الثاني: التهيئة لنظام النيابة والوكالة في عصر الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه السلام، حيث سيكون هذا النظام هو «البديل» لوجود الإمام وحتى لا يتفاجأ الشيعة بهذه الطريقة مارس الأئمة المتأخرون القريبون من عصر الإمام المهديّ نظام النيابة بشكلٍ مكثّف لتدريب أتباعهم وشيعتهم على هذا الأسلوب، وليألفوا وجود الواسطة بينهم وبين الإمام…
(3) إعداد كوادر قياديّة مؤهّلة لتملأ الفراغ نتيجة غياب الإمام المهديّ…
وقد مارس الإمامان الهادي والعسكري دورًا كبيرًا في إعداد هذه الكوادر حتى لا تبقى السّاحة فارغة حينما يغيب الإمام، مما يدفع ببعض أصحاب الأطماع المنحرفة ليملأوا ذلك الفراغ، هذا ما جعل الأئمّة يخطّطون بدقة لتحصين خطّ القيادة من عبث العابثين في تلك المرحلة الخطيرة جدًا، وعند ذلك المنعطف في تاريخ المسيرة الشيعيّة المنتمية إلى مدرسة الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام…
وقد استطاع الأئمّة عليهم السّلام أن يوفّروا عددًا كافيًا من تلك الكوادر القياديّة المؤهّلة والتي تمتلك مجموعة مؤهلات أساسيّة:
• المؤهّل الإيمانيّ الصلب لأنّ المرحلة في حاجة إلى مستويات صُلبة الإيمان بخطّ الأئمّة الأطهار، لا تسقط أمام التحديات والإغراءات والمساومات.
• المؤهّل العلميّ والثقافيّ الكبير لتكون قادرة على تغطية حاجات المرحلة ومتطلباتها… وإلاّ تاهت المسيرة وانحرفت.
• مؤهّل التقوى والورع في أعلى الدرجات والمستويات، لتوفير القدوات الصالحة في ظلّ غيبة الإمام المعصوم….
هكذا حرص الأئمّة على إنتاج هذه الكوادر القياديّة الصالحة والقادرة على تحمّل المسؤوليّات كما تفرضها حاجات المرحلة..
ومن النماذج التي أعدّها الأئمّة لتلك المرحلة:
1- عثمان بن سعيد العمريّ ويقال له (السمّان) لأنّه كان يتّجر بالسمن تغطية لمهمته الخطيرة جدًا..
كان الشيعة إذا حملوا إلى الإمام العسكري رسائل أو أموالاً بواسطة عثمان بن سعيد العمري يضعها في جِراب السمن وزقاقه، ويوصلها إلى الإمام…..
وقد أعطى الإمامان الجواد والعسكري عثمان بن سعيد العمري ثقة كبيرة جدًا.
يقول أحمد بن إسحاق القمّي «من الفقهاء الأجلاء الثقات المعتمدين»: دخلت على أبي الحسن عليّ بن محمد [الإمام الهادي] صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيّأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت، فقول مَنْ نقبل وأمر مَنْ نمتثل؟
فقال لي صلوات الله عليه: «هذا أبو عمرو [عثمان بن سعيد] الثقة الأمين، ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه…».
يقول أحمد بن إسحاق – نفسه – فلمّا مضى أبو الحسن [الإمام الهادي] عليه السّلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السّلام ذات يوم فقلت له عليه السّلام مثل قولي لأبيه [الإمام الهادي]
فقال لي: «هذا أبو عمرو [يعني عثمان بن سعيد العمري] الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّى إليكم فعنّي يؤديه».
وجاء في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: أنّ جماعة من شيعة اليمن دخلوا على الإمام الحسن العسكري عليه السّلام يحملون له بعض المال من الحقوق، فاستدعى الإمام عثمان بن سعيد العمري وقال له: «امض يا عثمان فإنّك الوكيل والثقة المأمون على مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال».
هكذا أعدّ الأئمّة (عثمان بن سعيد العمري) لمهمّةٍ خطيرةٍ جدًا، وهي مهمّة (السفارة) عن الإمام المهدي عليه السّلام، وهكذا تمَّ تعينه (أول سفير) للإمام المهدي حينما بدأت الغيبة الصغرى فلم يشكّ الشيعة في ذلك، وسلّم له كبار الفقهاء والعلماء الأجلاء.
للحديث صلّة إن شاء الله تعالى