حديث الجمعة192: من ملامح عصر الإمام العسكري – يوم الشراكة المجتمعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين…
من ملامح عصر الإمام العسكري:
(1) اشتداد الضغط السّياسي والأمني:
مارست السلطة الحاكمة دورًا تعسفيًا قاسيًا ضدّ الإمام الحسن العسكري عليه السّلام وضدّ أتباعه وشيعته…
ولعلَّ من أسباب اشتداد الضغط السّياسي والأمني في تلك المرحلة والتي بدأت بعصر الإمام الهادي عليه السّلام واستمرّت في التصاعد والاشتداد هو ظهور المؤشّرات على اقتراب ولادة الإمام المهديّ، الذي بشرّت به الأخبار وأنّه الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، وهو الذي يزيل أنظمة الجور والاستبداد، وعلى يديه ينتهي حكم المتسلّطين الظالمين..
ولذلك ضاعف حكّام تلك المرحلة ممارساتهم الاستبداديّة التعسفيّة الضاغطة…
ومن تلك الممارسات التي قامت بها ضدّ الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:
1- تشديد الرقابة الأمنيّة على حركة الإمام وعلى كلّ اتصالاته وعلاقاته…
2- أمر المعتز العباسي بتسفير الإمام العسكري إلى الكوفة خوفًا من اتساع دائرة تأثيره…
وقد أنتقم الله من المعتز فهلك على يد الأتراك حيث قتلوه شرّ قتلة، يقول ابن الأثير: «فدخل عليه جماعة من الأتراك فجرّوه برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه وأقاموا في الشمس….»
واستمروا في تعذيبه، ومنعوه من الطعام والشراب ثلاثة أيام، ثم ادخلوه سردابًا وسدّوا بابه إلى أن مات…
3- وجاء المهتدي العباسي وكانت سياسته ضدّ الإمام وشيعته استمرارًا لمن سبقه، فتصدّى للإمام وشيعته، ولاحقهم وتجسّس عليهم، وصادر أموالهم وطاردهم ونكّل بهم، ومارس معهم كلّ أساليب الإرهاب.
4- اعتقال الإمام والتضييق عليه في السجن..
لما رأى المهتدي أنّ كلّ الوسائل التي اعتمدها ضدّ الإمام لم تحدّ من نشاط الإمام واتساع شعبيته أمر بسجنه والتشديد عليه في السجن…
5- وجاء دور المعتمد العباسي، وتابع مع الإمام وشيعته سياسة القمع والإرهاب والملاحقة والمصادرة وقد بدا للمعتمد أن يغيّر سياسته مع الإمام وشيعته فاعتذر للإمام عمّا صدر ضدّه وضدّ أتباعه من ممارسات قاسية وجائرة وظالمة، إلاّ أنّه سرعان ما عاد إلى سياسة العنف والإرهاب واستمرّ في التضييق على الإمام، وأصدر أمرًا باعتقاله ووضعه في أحد السجون…
وهكذا استمرت الأساليب القمعيّة ضد شيعة الإمام وأتباعه:
– المراقبة الأمنيّة الشديدة.
– الاعتقالات والسجون.
– الاغتيالات والإعدامات…
6- وأخيرًا ضاق المعتمد درعًا بالإمام عليه السّلام فأقدم على اغتياله إذ دسّ له السّم – كما تقول بعد الروايات – واستشهد سلام الله عليه وعمره لم يتعدّ الثامنة والعشرين..
(2) ومن ملامح تلك المرحلة التي عاصرها الأئمّة المتأخرون «الجواد والهادي والعسكري» أنّها المرحلة الممهدّة لغيبة الإمام المهديّ، ولذلك مارس هؤلاء الأئمّة وبالأخص الإمام العسكري إعدادًا مكثفًا للمرحلة الجديدة والغريبة على الذهنية الشعبية المنتمية إلى مدرسة الأئمّة عليهم السّلام، فلم يحدث لأحدٍ من أئمّة أهل البيت السابقين أن غاب واختفي، إلاّ التغيب الذي مارسته أنظمة الحكم في زجّ بعض الأئمّة في أقبية السجون..
ما هي الأساليب المعتمدة للتهيئة لمرحلة الغيبة:
مارس الأئمّة المتأخرون وبالأخصّ الإمام العسكري مجموعة من الأساليب من أجل التهيئة للمرحلة الجديدة غير المألوفة..
من هذه الأساليب:
أولاً: فرض حالة من التكتّم الشديد على ولادة الإمام المهديّ عليه السّلام، وطبيعة المرحلة تفرض هذه الإجراءات، حيث أنّ السلطة الحاكمة ونظرًا لوجود المؤشرات على قرب ولادة الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت وهو الموعود حسب الأخبار بإنهاء حكم الظلمة في الأرض، استنفرت – أي السلطة الحاكمة – أجهزتها لمراقبة هذا الحدث الجديد، وشدّدت الرقابة على بيت الإمام العسكري عليه السلام، إلاّ أنّها لم تفلح في اكتشاف الأمر، فقد كانت الإجراءات المحكمة والدقيقة التي اعتمدها الإمام العسكري لإحاطة ولادة الإمام المهدي بالكتمان الشديد استطاعت أن تسقط كلّ محاولات السلطة….
ورغم كلّ الإجراءات التكتميّة لإخفاء ولادة الإمام المهديّ إلاّ أنّ الإمام العسكري أطلع الصفوة من أخصّائه وأصحابه بهذا الخبر الكبير……
ثانيا: صدرت رواياتٌ مكثفة تتحدّث عن ظاهرة «الغيبة واختفاء الإمام» حتى لا تشكّل الغيبة صدمة في الذهنيّة الشيعيّة، وقد دوّنت هذه الروايات في مجموعة من المصنّفات لعلماء كبار من أتباع مدرسة أهل البيت، وبعض هؤلاء العلماء توفي قبل حدوث الغيبة مما يؤكّد صحة هذه الروايات….
فالفضل بن شاذان المتوفى سنة (257هـ) أو سنة (260هـ) وهو من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) كما له روايات عن الإمام الرضا عليه السلام، قد ألف كتابه المعروف (الغيبة) دوّن فيه الكثير من أحاديث الغيبة وجاء بعده علماء أجلاّء ثقات معتمدون ودوّنوا تلك الأخبار في مصنفاتهم المعروفة من هؤلاء:
1- ثقة الإسلام الكليني في كتابه الكافي.
2- الشيخ الصدوق في الكثير من مصنفاته.
3- الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة في كتابه (الغيبة).
4- الشيخ المفيد المشهور في عدة من كتبه.
5- وآخرون كثيرون…
نتابع الحديث..
يوم الشراكة المجتمعية:
نتمنى أن تنطلق شراكة مجتمعيّة حقيقيّة تدفع في اتجاه التواصل الجاد لحلحلة الأوضاع المتأزّمة، من خلال حواراتٍ صادقةٍ ومنتجة، وإلاّ كانت مجرد عناوين للاستهلاك السّياسي والإعلامي…
الشراكة المجتمعيّة إذا أريد لها أن تكون شراكة قادرة أن تمارس دورًا فاعلاً في خدمة قضايا الوطن يجب أن تؤسس وفق مبادئ وقيم تتفق عليها جميع القوى الدينيّة والسّياسية والمجتمعيّة، وأن تنفتح السلطة انفتاحًا صادقًا على هذه الشراكة.
هذا العنوان جميلٌ وجذّابٌ ومغري، إلاّ أنّ المعاني الحقيقية لهذه العناوين حينما تتحول إلى عطاءات حقيقيّة تتحرّك على الأرض، حينما يجد الناس أنّها ساهمت في التخفيف من معاناتهم وعذاباتهم، وأزماتهم، وقلقهم وشكهم….
أمّا إذا أصبحت أدوات تخدير، ووسائل تهدئة، فسوف يكفر بها أبناء الشعب، كما كفر بمثيلاتها من عناوين، ظلت أملاً يتطلع إليه المعذبون المحرومون، ثم تحولت إلى سرابٍ كاذب، ووهمٍ خادع….
لقد تعب أبناء الشعب من الوعود والتطمينات، ومن الخطابات والكلمات، ومع كلّ هذا التعب والعناء لا زال النّاس ينفتحون على أيّ مشروع يلّوح لهم بالأمل من جديد، وكم استغل بعض العابثين بحقوق الشعب هذه الطيبة عند الناس، وهذا الصفاء والطهر…
لا نشك أنّ أبناء هذا الوطن بكلّ مذاهبهم وانتماءاتهم هم أخوة متحابون، رغم محاولات بعض المأسورين للهوس الطائفي البغيض والذين ما فتأوا يزرعون الفتنة ليل نهار، لا يتورعون من السب والقذف والتشهير والتحريض، ولن يهدأ لهم بالٌ إلاّ إذا وجدوا نار الفتنة تحرق الأخضر واليابس في هذا البلد، نسأل الله أن يردّ كيد هؤلاء في نحورهم ليبقى أبناء هذا الوطن أخوة متحابين….
ندعو إلى شراكة مجتمعية تؤالف بين القلوب، وتصافي بين النفوس، وتقارب بين المواقف، وتوحّد بين الإرادات، لتكون المصالح واحدة، والحقوق واحدة، والمشروعات واحدة…
وإذا كان للشراكة المجتمعيّة دورها في تعزيز الوحدة والتقارب والتآزر والتآلف، وفي ترسيخ الأمن والاستقرار، فإنّ هذا الدور لن يتحقق إلاّ إذا ساهمت كلّ مكوّنات الوطن في هذه الشراكة، وإلاّ إذا فتحت السلطة حواراتٍ صادقةٍ من أجل معالجة كلّ الأزمات وفتح كلّ الملفات….
ما تمّ أخيرًا بين الوفاق ووزارة الداخليّة خطوة نأمل أن تكون جادة، وان تستمرّ في اتجاه خطواتٍ أكبرٍ وأهم، فعسى أن تستطيع هذه الخطوات أن تعيد الثقة التي أصابها كلّ التصدّع والانهيار وما لم يعاد إنتاج الثقة من جديد فإنّ الأوضاع سوف تزداد سوءًا وتدهورًا وتأزمًا واحتقانا، ولا يعلم بالنتائج إلاّ الله، إنّ عودة الثقة في حاجة إلى نيةٍ صادقة، وعزمٍ وتصميمٍ من كلّ الأطراف، إلاّ أنّ السلطة هي الطرف المعني قبل بقية الأطراف في المبادرة إلى التعبير عن هذه الثقة..
لقد عبّر الناس كثيرًا وفي عدّة منعطفاتٍ عن ثقتهم بالسلطة، إلاّ أنّ خيبات الأمل كانت تلاحقهم دائمًا، مطلوبٌ من السلطة وهي قادرة كلّ المقدرة أن تجرّب انتاج الثقة بشكلٍ حقيقيٍّ وصادق، حينما تنفتح على هموم النّاس وقضاياهم، وتبادر مبادرات جادة لإنقاذ الوضع من أزماته المرعبة، وحينما تؤسّس لمشروعاتٍ منقذة وجادّة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين