بيان المجلس الإسلامي العلمائي حول قرار وزير العدل الأخير: حرية الخطاب الديني أقوى من كل القرارات
في خطوة أمنية صريحة، وقرارٍ سياسيٍ مفضوح، وضمن مسارِ تجنٍّ واضح على ثوابت الشريعة، ومقتضى المصلحة الدينية والوطنية، تؤكّد وزارة العدل والشؤون الإسلامية يوماً بعد آخر على نهجها القاضي بمحاصرة الدين وحركة التبليغ الديني، من خلال قرارها اللاشرعي واللادستوري حول ضوابط الخطاب الديني، والذي ينطلق ليؤسس لهيمنة كاملة على شؤون المساجد والمنابر، ويفرغها من دورها الإسلامي الأصيل، ويجعلها سائرة في ركب سياسات الحكومات ومتطابقة معها. ويصادر الحريات الدينية وحريّة الرأي. وفي الوقت الذي تسعى الأنظمة المتحضّرة لتحرير المفاصل الحياتية المختلفة كالعلم والإعلام وغيرهما عن هيمنة ووصاية الدولة والسياسة، نجد هذا القرار يسعى لتكريس هيمنة ووصاية الدولة على الدين ومنابر التبليغ والإرشاد الديني.
إنّنا ومن منطلق مسؤوليتنا الشرعية والوطنية، نعلن عن رفضنا التام والقاطع لهذا القرار السياسي الجائر، ونرى أنّه تصعيد مقصود، ورغبة جامحة في المزيد من التأزيم للوضع، وتجاوز واضح لرأي علماء الدين في البلد الرافضين لمثل هذه القرارات بشكل قاطع. كما نعلن أنّ مثل هذه القرارات الاستبدادية التي يُراد لها أن تُفرَض على واقعنا الديني، لا قيمة لها عندنا إطلاقاً، وكأنّها لم تكن. مؤكدين على أنّ منابر المساجد والحسينيات ستبقى صروحاً صادحة بذكر الله تعالى، وبخدمة قضايا الأمة وما يحقق مصالحها، قائمة بوظيفتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة للخير والصلاح والإصلاح، في حدود الضوابط الشرعية التي فيها غنى عن القوانين الوضعية. وبإذن الله تعالى لن تتمكن السياسة بظلمها وظلامها أن تحاصر الإشعاعات المسجدية والمنبرية الساطعة، وما ذلك إلا لأنّها من صميم الدين ومنسجمة مع مصالح الإسلام والمسلمين.
إنّ نظرة سريعة لهذا القرار تكشف عن عمق المخطط الرهيب الذي يراد رسمه لحركة المساجد وكلّ مواقع التوجيه الديني، من خلال ما تضمنه من عناوين فضفاضة مفتوحة قابلة للتوظيف السياسي لغرض الهيمنة والوصاية الكاملة على المسجد والمنبر والتوجيه الحكومي لدورهما في الأمّة، حتّى أنّه – أي هذا القرار – يسدّ أبواب الحديث حول هموم الأمة المشتركة، فلن يكون لأحد الحق في الحديث عن فلسطين أو غيرها من جراح الأمّة الدامية، ولا أن يشير ولو تلميحاً إلى الكيان الصهيوني الغاصب، ولا إلى سياسات الهيمنة الأمريكية أو غيرها من دول الاستكبار العالمي، لأنّه لا يجوز التعرض للدول بأسمائها وصفاتها مهما كانت، ولن تكون أحاديث المساجد والمنابر – وفق هذا القرار – إلا تقديساً وتسبيحاً بحمد الأنظمة السياسية وتهليلاً بخالص الولاء لهم، والويل كلّ الويل لمن يتفوّه بكلمة حق في انتقاد سياسة أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر.
ويتناقض هذا القرار مع نفسه بصورة مفضوحة، فهو في الوقت الذي يشير إلى الدفاع عن الثوابت الإسلامية، فإنّه يتغافل عن أنّ من جملة هذه الثوابت عدم تدخل المواقع السياسية في الشؤون الدينية، وهو بفرضه القيود والإملاءات السياسية على الخطاب الديني ينافي أسس التعايش المشترك، ويتنافى مع الخصوصيات المذهبية واحترام التعددية، وهو أبعد ما يكون عن التسامح والتواصل والحوار واحترام الرأي الآخر، ويتعارض تماماً مع احترام حقوق الإنسان كما أقرّتها الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية، وهي الأمور التي يفترض أنّ القرار جاء ليكرّسها. فنحن لا نفهم هذا القرار ولا نجد له موقعاً إلا ضمن سياسات التسلط وقوانين الإرهاب التي يُراد فرضها على الأمة، حتى تعيش خانعة ذليلة أسيرة لسلطة الحكّام وهيمنة السياسات الاستكبارية العالمية.
وأخيراً نسجّل اعتراضنا على تدخّل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في الشأن الديني الأهلي، من خلال الموافقة على هذا القرار، مع أنّه ليس من شأنه التدخّل في مثل ذلك، كما أنّنا ندعو إدارة الأوقاف الجعفرية إلى أن تعلن موقفها الواضح والصريح من هذا القرار.
المجلس الإسلاميّ العلمائيّ
8 صفر 1430هـ
4 / 2 / 2009م