كيف يجب أن نتعاطى مع الشأن السياسي من خلال موسم عاشوراء؟
لماذا يصر بعض المسكونين بهوس الطائفية على اتهام الخطاب العاشورائية بأنه خطاب طائفي؟
إننا لا ننفي وجود كلمات هنا أو هناك في الجانب الشيعي أو في الجانب السني تمارس الشحن الطائفي، وتمارس التأجيج المذهبي، إلا أن هذه الكلمات لا تمثل الخطاب الشيعي ولا تمثل الخطاب السني.
لا يطلب من الخطاب الشيعي أن لا يتحدث عن قناعاته المذهبية وأن لا يدافع عن نفسه، ولا يطلب من الخطاب السني أن لا يتحدث عن قناعاته، وأن لا يدافع عن نفسه.
المطلوب هذا الخطاب أو ذاك الحطاب أن لا يتحول إلى خطاب يعادي الآخر، ويحارب الآخر، ويكفر الآخر.
هناك مساحة مشتركة كبيرة وكبيرة وكبيرة بين الخطابين، وبتعبير أصح هناك خطاب واحد، هو خطاب الإسلام، وخطاب القرآن، وخطاب الدين، وهناك وجهات نظر متعددة في فهم هذا الخطاب، لا مشكلة في أن تتعدد وجهات النظر، ولكن يجب أن لا يتحول هذا التعدد إلى خلافات وعداوات وصراعات، ليكن لكل قناعته، ولكل رؤيته، ويجب أن تبقى أخوة الإسلام وإخوة الدين.
كم نحن جميعا في حاجة أن نفهم بعضنا البعض بعيدا عن التشويشات التي يصنعها من يريد لهذه الأمة أن تتمزق، وان تتحارب.
أعود مرة أخرى إلى خطاب هذا الموسم، وإلى مظاهر هذا الموسم، فنحن لا نريد لهذا الخطاب، ولا لهذا المظاهر أن يتحولا إلى أداة تمارس الاستفزاز ضد الآخرين، وإذا شكلت بعض الخطابات أو بعض المظاهر شكلا من أشكال الاستفزاز أو التحريض أو الإساءة فعلى الأحبة من أبناء الموسم العاشورائي أو الموسم الأربعيني أن يتجنبوا ذلك ، لأننا نريد لهذا الموسم أن يحمل رسالة الحب والوءام والتقارب، لا أن يحمل رسالة الكراهية والعداوة والتنافر.
وفي الوقت ذاته ندعو إخوتنا من أتباع المذاهب الأخرى أن لا يتحسسوا من خطاب عاشوراء ومن مظاهر عاشوراء، فمأساة الحسين مأساة أدمت قلوب كل المسلمين وأبكت كل العيون.
لنأخذ مثالا نقرأ من خلاله أسلوب التعاطي مع الموسم:
كيف يجب أن نتعاطى مع الشأن السياسي من خلال هذا الموسم؟
هنا من يفرض إقحام الموسم في الشأن السياسي، باعتبار أن هذا الإقحام يضع الموسم (خطاب الموسم – فعاليات الموسم ) في مواجهة النظام، وهذا يربك حركة الموسم، دور الموسم، أهداف الموسم، فيجب أن يترك الشأن السياسي للجمعيات السياسية وللمتصدين للشأن السياسي.
هناك من يدعوا بقوة إلى إقحام الموسم في الشأن السياسي، فغياب الموسم عن هذا الشأن يعد مصادرة كبيرة لأهم أهداف عاشوراء فالحسين إنما ثار من أجل مواجهة النظام الحاكم الظالم المستبد، فيجب أن يمارس موسم عاشوراء دور التصدي والمواجهة للأنظمة الحاكمة المستبدة.
وهنا فريق ثالث يرى أن هذا الموسم يجب أن يكون له دور سياسي سلمي لا ينجر إلى المواجهة والتصعيد مع النظام، ولا يمارس خطابا تأجيجا وتحريضيا يضعه أمام حالة من التأزم مع الحاكم.
هذه خيارات ثلاث… فأي الخيارات الثلاثة نتبنىّ؟
نضع رؤيتنا من خلال النقاط التالية:
1) أن نحافظ على الطابع الحسيني لهذا الموسم، بمعنى أن تنطلق كل المراسيم والفعاليات والخطابات وهي مصبوغة بالصبغة الحسينية.
هناك من يحاول أن يصادر هذا الطابع وهذه الصيغة، وهذا اتجاه مرفوض.
خطاب المنبر يجب أن ينطلق من عاشوراء الحسين حتى وهو يريد أن يعالج كل القضايا والموضوعات.
خطاب الموكب يجب أن يكون خطابا حسينيا حتى وهو يتناول قضايا الساحة وهمومها.
شعارات الموسم يجب أن تكون حسينية حتى وهي تنفتح على كل أوضاع الأمة.
2) من مسؤوليات هذا الموسم أن يتصدى لقضايا الأمة الروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية، مع المحافظة على النقطة الأولى وهي أن يكون التصدي مطبوعا بالصبغة الحسينية، حتى لا يصادر الحس الحسيني في ضمير الأمة، وفي وعي الأمة، وفي حركة الأمة.
3) فيما يتصل بالتصدي السياسي يجب أن يكون خاضعا لمجموعة ثوابت:
أولا:
أن يصر خطابنا السياسي على طرح المطالب العادلة لأبناء هذا الشعب:
– من مطالبنا العادلة: شراكة سياسية حقيقية، تفرض اعتماد دستور مقبول متوافق عليه، وتفرض حياة برلمانية غير مزورة، وتفرض إنهاء كل أشكا الفساد الإداري والمالي.
– من مطالبنا المبدئية والتي تتصدر الأولويات: الحفاظ على هوية هذا البلد الإسلامية، والتصدي لأشكال العبث بالدين والقيم والأخلاق.
– من مطالبنا: إنهاء حالة التميز المذهبي ، هذه الحالة التي أصبحت واقعا مرعبا يهدد وحدة الشعب، وأمنه واستقراره، ومهما حاول الخطاب الرسمي أن يصر على النفي فالواقع أكبر برهان على هذا التمييز في كل المؤسسات والمواقع والسياسات، ولسنا في حاجة إلى أن نسوق أمثلة وشواهد.
– من مطالبنا: المعالجة العاجلة والحقيقية لأزمة العاطلين، وأزمة السكن، وكل أشكال الأزمة المعيشية لدى المواطنين، فالخطابات الاستهلاكية لن تشبع الجائعين ولن تكسو العراة، ولن تخفف آلام البؤساء والمحرومين والذين يعيشون في العراء بلا مأوى ولا سكن.
– من مطالبنا: تحريك كل الملفات العالقة، ونؤكد على خطورة ملف التجنيس، وملف البندر.
ملف التجنيس يشكل هاجسا مخيفا يهدد أوضاع هذا الوطن، ويدفع به في اتجاه مآزق أمنية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية، وهذه حوادث المجنسين المتكررة أكبر شاهد على ذلك.
ملف البندر يحمل آثار مدمرة إذا لم يعالج بجدية وإنصاف، ولا زال الموقف الرسمي مصرا على تجاهل هذا الملف، وما حدث في مجلس النواب أخيرا يؤكد توجه الحكومة ونوابها لحماية المتورطين الذين كشف أسمائهم تقرير البندر، وإلا فلماذا هذا الإصرار على إسقاط استجواب طالب به نواب وهو مستكمل لكل الشروط الدستورية، المسالة واضحة كل الوضوح إنه الموقف الرسمي المفروض على برلمان أريد له أن يكون خاضعا لوصاية السلطة وأن يكون أداة لقراراتها، وواجهة لسياستها، ويجب أن لا يفوتنا في هذا السياق أن نطالب بإطلاق سراح المعتقلين، فالمحاكمات المقررة يشوبها الكثير من الإشكالات، وإذا صح ما يتداول على لسان المعتقلين ولسان أهالي المعتقلين من تجاوزات وانتهاكات واعتداءات وممارسات مشينة، واخذ اعترافات تحت القهر والضغط والتعذيب، فما قيمة محاكمات تبتني على كل ذلك؟
ثانيا:
أن يكون التصدي السياسي سواء أكان من خلال الجمعيات السياسية أو الفعاليات السياسية أو الخطابات السياسية، أن يكون هذا التصدي متوفرا على بعدين أساسين:
البعد الأول: امتلاك الشرعية من خلال:
1. اعتماد الرؤية الفقهية المعذرة شرعا.
2. اعتماد الولاية الشرعية فيما يحتاج إلى ولاية من شؤون السياسة.
البعد الثاني:
امتلاك الفهم السياسي القادر على قراءة الواقع الموضوعي في كل مكوناته وحاجاته وضروراته وملابساته.
إن غياب احد البعدين يضع التصدي السياسي في مساراته الخاطئة وربما المنحرفة.
ثالثا:
خيار التصدي السياسي: في التصدي السياسي تتعدد الخيارات:
1. المشاركة في مشروع السلطة
2. المقاطعة لمشروع السلطة مع اعتماد الأسلوب السلمي ( وتتعدد أساليب المقاطعة)
3. المقاطعة لمشروع السلطة مع اعتماد أسلوب المواجهة ( وتتعدد مستويات المواجهة)
ومن أجل تحديد خيار التصدي السياسي نحتاج إلى:
1. امتلاك الشرعية من خلال:
– اعتماد الرؤية الفقهية المعذرة.
– اعتماد الولاية الشرعية فيما يحتاج إلى ولاية.
2. امتلاك الفهم السياسي القادر على تحديد الخيار الأصلح.