موسم الحج: الحلقة الأولى: بين موسمين مـن مواسم الله تعـالـى
عشنا من خلال شهر الصّيام موسمًا من مواسم الله ونستقبل من خلال شهر الحجّّ موسمًا آخر من مواسم الله، وبين الموسمين الربّانيّين تشابهٌ كبيرٌ:
1- موسم الصّيام دورة روحيّة مكثّفة، وموسم الحجّّ دورة روحيّة مكثـــّـفة، وفي كلّتا الدورتين نتعبّأ إيمانيًا وروحيًا بأقصى درجات التعبئة وبأعلى درجات الشحن.
الدورتان غنيتان بروافد التعبئة الإيمانيّّة، وبروافد الشحن الرّوحيّّ.
وأهمّ هذه الروافد: الصّلاة، الدّعاء، الذّكر، التلاوة، الصّيام، الطواف، السعي، الوقوف بعرفات، الدروس الرّوحيّّّة، الأجواء الربّانيّة، إلى آخر الروافد والمحطات.
2- شهر الصّيام موسم ثقافي كبير، وشهر الحجّّ موسم ثقافي كبير، في كلا الموسمين نتزود بثقافة الإيمان، وفكر العقيدة من خلال المحاضرات والبرامج والدروس والخطب والكلمات، فالموسمان حافلان بالعطاء الفكري والثقافي، بكلِّ تنوعاته وألوانه الفقهيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة.
3- شهر رمضان موسم الدعوة والتبليغ، والفعاليات والنشاطات الرساليّة، وكذلك شهر الحجّّ، فالموسمان فرصةٌ كبيرةٌ لتفعيل الطّاقات والقدرات والكفاءات في خدمة الإسلام والدين والقيم والعقيدة.
4- شهر رمضان شهر الضِّيافة الربّانيّة، وشهر الحجّّ شهر الضِّيافة الربّانيّة، فالصّائمون ضيوف الله كما جاء في خطبة النَّبيّ 4: «هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله».
وكذلك الحُجّاج هم «ضيوف الرّحمن» جاء في الحديث عن أبي عبدالله (ع) قال: «الحاجّ والمعتمر وفد الله إن سألوه أعطاهم وإنّ دعوه أجابهم وإن شفعوا شفّعهم وإن سكتوا ابتدأهم… ».
والضِّيافة الربّانيّة في شهر رمضان وفي شهر الحجّّ لها شروطها ومؤهلاتها والتي من أهمها:
أ- طهارة القلب والرّوح.
ب- الإخلاص وصدق النيّة.
ج- التوبة والإقلاع عن المعاصي والذّنوب والمحرّمات.
د- أداء الحقوق (حقوق الله وحقوق النّاس).
هـ- تصفية الخلافات والعداوات.
و- الاشتغال بالطاعات والصالحات.
5- في الصّيام مجموعة محظوراتٍ وممنوعاتٍ (تسمّى المفطرات) تقوّي في داخلنا إرادة الإيمان والتقوى والالتزام وإرادة التَّحدي والمواجهة، وفي الحجّّ مجموعة محظورات وممنوعات (تسمّى محرّمــات الإحــرام) تقــوّي في داخلنا إرادة الإيمان والتقوى والالتزام وإرادة التَّحدي والمواجهة.
• قال الصّادق (ع): قال النَّبيّ4: «… فإذا صمت، فانوِ بصومك كفّ النفس عن الشّهوات، وقطع الهمَّة عن خطوات الشياطين».
• قال أبو عبد الله (ع): «إذا أصبحت صائمًا فليصم سمعك وبصرك عن الحرام، وجارحتك وجميع أعضائك عن القبيح… » .
• لمّا رجع مولانا زين العابدين(ع) من الحجّّ استقبله الشِّبلي، فقال(ع) له: «حججت يا شبلي؟ قال: نعم يا ابن رسول الله، فقال (ع): أنزلت الميقات وتجرّدت عن مخيط الثّياب واغتسلت؟ قال: نعم، قال: فحين نزلت الميقات نويت أنَّك خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟ قال: لا، قال: فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك، نويت أنَّك تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟ قال: لا، قال: فحين اغتسلت نويت أنَّك اغتسلت من الخطايا والذّنوب؟ قال: لا، قال: فما نزلت الميقات، ولا تجرّدت عن مخيط الثياب، ولا اغتسلت، ثم قال: تنظّفت، وأحرمت، وعقدت بالحجّ؟ قال: نعم، قال: فحين تنظّفت وأحرمت وعقدت الحجّّ، نويت أنَّك تنظّفت بنورة التوبة الخالصة لله تعالى؟ قال: لا، قال: فحين أحرمت نويت أنَّك حرمّت على نفسك كلّ محرّم حرّمه الله؟ قال: لا، قال: فحين عقدت الحجّّ نويت أنَّك قد حللت كلَّ عقد لغير الله؟ قال: لا، قال: له (ع): ما تنظّفت، ولا أحرمت، ولا عقدت الحجّّ…. ».
6- الصائم الحقيقيّ يولد ولادةً جديدةً والحاجّ الحقيقيّ يولد ولادةً جديدةً.
• عن أبي جعفر(ع) قال: قال رسول الله 4 لجابر بن عبد الله «يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وِردًا من ليله وعفّ بطنه وفرجه وكفّ لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر، فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث؟! فقال رسول الله 4: يا جابر ما أشدّ هذه الشُّروط !؟ » .
• قال رسول الله 4: «من صام شهر رمضان وختمه بصدقة وغدا إلى المصلّى بغسلٍ رجع مغفورًا له».
• قال أبو عبد الله (ع): «الحُجّاج يصدرون على ثلاثة أصناف، صنفٌ يُعتق من النّار، وصنفٌ يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمَّه، وصنفٌ يُحفظ في أهله وماله، فذاك أدنى ما يرجع به الحاجّ» .
7- للصّائمين عيدٌ يفرحون فيه وهو (عيد الفطر)، وللحُجّاج عيدٌ يفرحون فيه وهو (عيد الأضحى).
الصّائمون يفرحون في عيد الفطر لأداء فريضة الصّيام، ولقبول الأعمال، وللانتصار على الشيّطان.
• قال أمير المؤمنين (ع): «إنّما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه وكلّ يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد».
والحُجّاج يفرحون في يوم الأضحى لأنّهم قطعوا أهمّ الأشواط في رحلة الحجّّ المباركة، وقيل لهم انصرفوا فقد غفر الله لكم..
8- شهر رمضان يعمّق علاقتنا بالقرآن، ففي هذا الشهر نزل القرآن.
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} البقرة: ١٨٥
{ ِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} القدر:1
ولذلك جاءت الرِّوايات تؤكّد استحباب قراءة القرآن والإكثار من تلاوته في شهر رمضان.
• عن أبي جعفر(ع) قال: «لكلّ شيء ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان».
• عن علي (ع) قال: إنّ رسول الله 4 خطبنا ذات يوم فقال: «من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور… ».
وكذلك أيام الحجّ، ومواقع الحجّّ تُعمّق علاقتنا بالقرآن، فإذا كان شهر رمضان يذكّرنا بزمان نزول القرآن فإنَّ مواطن الحجّّ تذكّرنا بمواقع نزول القرآن، فغار حراء، وربوع مكة المكرمة وأجواء المدينة المنورة، وكلّ مسارات الحركة في تلك الديار، إنّها جميعًا تذكّرنا بمهابط الوحي ومواطن نزول القرآن.
ولذلك جاءت الرِّوايات تؤكّد استحباب ختم القرآن في مكة، وختم القرآن في المدينة.
9- بعد كلّ موسم صيام يجب أن نقف وقفة نقدٍ ومحاسبة لنتعرف من خلالها على مستوى التعاطي مع هذا الموسم.
وكذلك بعد كلِّ موسم حجٍ يجب أن نقف وقفة نقدٍ ومحــاســبةٍ لنتعـَّـرف من خلالها على مستوى التعاطي مع هذا الموسم.
وهكذا يجب أن نقف وقفة نقدٍ ومحاسبةٍ بعد كلِّ صلاة، وبعد كلِّ دعاء، وبعد كلِّ تلاوة، وبعد كلِّ طاعة، هذه الوقفة تفتح عقولنا على العبادة، وعلى فهم العبادة، وعلى عطاءات العبادة، فقيمة العبادة بمقدار ما تصنع التقوى في حياتنا، وبمقدار ما تصوغ الاستقامة في سلوكنا، وبمقدار ما تقرّبنا إلى الله تعالى.
• قال رسول الله 4: «من لم تنههُ صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلَّا بُعدا» .
• قال أمير المؤمنين (ع): «كم من صائم ليس له من صيامه إلَّا الظمأ والجوع، وكم من قائمٍ ليس له من قيامه إلَّا (السهر و) العناء» .
• عن الصّادق عن آبائه 2 أنّ النَّبيّ 4 قال: «من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن» .
• عن رسول الله 4 في حديث قال: «… ومن قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى فيقول: يا ربِّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى.. ».
• «ما يُعبَأُ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورعٌ يحجزهُ عن معاصي الله، وحلمٌ يملكُ به غضبهُ، وحسنُ الصحابة لمن صَحِبهُ».