حديث الجمعة181: ذكرى شهادة الإمام الصّادق (ع) – لا زال قرار المساجد قائمًا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين…
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مرّت في هذا الأسبوع ذكرى شهادة الإمام الصّادق (ع) وبهذه المناسبة أودّ أن أتناول هذا العنوان:
• الإمام الصّادق عليه السّلام يحاور أصحاب الاتجاهات المتعددة دينيًا ومذهبيًا وثقافيًا…
وقبل أن أعرض لنماذج من هذه الحوارات أحاول أن أضع بعض الملامح لحوارات الإمام الصادق (ع).
1) إنّها حوارات متنوعة، حوارات مع الزنادقة والملحدين، حوارات مع أصحاب الأديان الأخرى، حوارات مع أصحاب المذاهب.. بل ويحاور الإمام الصاّدق علماء في الطبيعة والفلك والطب.
2) الانفتاح والشفافية: كان الإمام الصّادق يحاور بروح منفتحة شفافة، وليس بروح منغلقة متشنّجة، وهذا هو منهج الإسلام في الحوار.
3) الهادفيّة والجدّية: فلا يحاور الإمام الصّادق (ع) حوارات استهلاكيّة ضائعة، وإنّما من أجل أهداف نظيفة واضحة، من أجل الوصول إلى الحقيقة.
4) الأسلوب النظيف في الحوار: فما كان الإمام الصّادق يلغي الآخر في الحوار حتى لو كان الآخر يمثّل الباطل والانحراف والخطأ.
وما كان الإمام الصّادق (ع) يسيء إلى محاوريه من خلال ألفاظ غير نظيفة..
وهذا هو منهج الإسلام…
• ((وإنّا أو إيّاكم لعلى هدىً أو في ضلالٍ مبين)).
• ((ادعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)).
• ((ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن..)).
نماذج من حوارات الإمام الصّادق:
أطرح نموذجين من حوارات الإمام الصاّدق (ع) ونموذجًا من حوارات تلامذة الإمام الصّادق(ع).
(1) حوار الإمام الصّادق (ع) مع أحد الملحدين:
– الإمام الصّادق (ع): أتعلم أنّ للأرض تحتًا وفوقًا؟
– قال المنكر لوجود الله: نعم.
– الصّادق (ع): فدخلت تحت الأرض؟ قال: لا.
– الصّادق (ع): فهل تدري ما تحتها؟ قال: لا أدري.
– الصّادق (ع): صعدت إلى السّماء؟ قال: لا.
– الصّادق (ع): أفتدري ما فيها؟ قال: لا.
– الصّادق (ع): فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفها؟ قال: لا.
– قال الصّادق (ع): فالعجب لك لم تبلغ المشرق، ولم تبلغ المغرب، ولم تنزل تحت الأرض، ولم تصعد إلى السّماء، ولم تخبر ما هنالك فتعرف ما خلفهنّ وأنت جاحد بما فيهنّ، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟ قال: ما كلّمني بهذا غيرك…
واستمر الإمام في حواره مع هذا الملحد حتى آمن على يدي الإمام الصّادق (ع).
(2) حوار الإمام الصّادق (ع) مع أبي حنيفة حول القياس:
– يا أبا حنيفة بلغني أنّك تقيس؟
– قال: نعم.
– قال له الإمام الصّادق (ع): انظر في قياسك إن كنت مقياس:
• أيّهما أعظم عند الله القتل أو الزّنا؟
– قال: بل القتل.
– قال الإمام الصّادق (ع): فكيف رضى في القتل بشاهدين ولم يرض في الزّنا إلّا بأربعة؟
• ثم قال له: الصّلاة أفضل أم الصّيام؟
– قال: بل الصّلاة أفضل.
– قال عليه السّلام: فيجب على قياسك قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصّلاة في حال حيضها دون الصّيام، وقد أوجب الله تعالى عليها قضاء الصّوم دون الصّلاة.
• ثم قال له: البول أقذر أم المني؟
– قال: البول أقذر.
– قال الإمام الصّادق (ع): يجب على قياسك الغسل من البول دون المني، وقد أوجب الله تعالى الغسل على المني دون البول.
لا تقس – يا نعمان – فإنّ أول من قاس إبليس حين قال: ((أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين)).
وقد أشتهر عن أبي حنيفة قوله: (لولا السّنتان لهلك النعمان) وهما السنتان اللتان حضر فيهما درس الإمام الصّادق (ع).
(3) حوار هشام بن الحكم مع زعيم المعتزلة عمرو بن عبيد:
يقول هشام: دخلت البصرة، وأتيت المسجد فإذا أنا بحلقة كبيرة، وإذا بعمرو بن عبيد، والناس يسألونه فاستفرجت الناس فأفرجوا لي..
ثم قلت: أيّها العالِم أنا رجلٌ غريب أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال: سل.
قلت: ألك عين؟ قال: يا بني أيّ شيء من هذا السؤال؟
قلت: هذه مسألتي.. قال: سل وإن كانت مسألتك حمقى.
قلت: ألك عين.. قال: نعم.
قلت: فما تصنع بها.. قال: أرى بها الألوان والأشخاص.
قلت: ألك أنف؟.. قال: نعم.
قلت: فما تصنع بها.. قال: أشمّ به الرائحة.
قلت: ألك لسان؟.. قال: نعم
قلت: فما تصنع به.. قال: أتكلّم به.
واستمر هشام يطرح أسئلته: ألك أذن؟ ألك يدان؟ ألك رجلان؟.. ألك، ألك؟ وعمرو بن عبيد يجيب..
ثم قال له هشام: ألك قلب؟ قال: نعم – فما تصنع به.
قال: أميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح. قال هشام: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال: لا.
قال هشام: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟
قال: يا بني إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته ردّته إلى القلب، فيستيقن بها اليقين ويبطل الشّك.
قال هشام: فإنّما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟
قال: نعم.
قال هشام: لا بد من قلب وإلّا لم تستيقن الجوارح؟
قال: نعم.
قال هشام: يا أبا مروان إنّ الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إمامًا يصحّح لها الصحيح وينفي ما شكّت فيه، ويترك هذا الخلق كلّه في حيرتهم وشكّهم واختلافهم، لا يقيم لهم إمامًا يردّون إليه شكّهم وحيرتهم، ويقيم لك إمامًا لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك.
فسكت عمرو ولم يقل شيئًا…
لا زال قرار المساجد قائمًا..
القرار الصّادر عن وزارة العدل في شأن المساجد والحسينيات لا زال قائمًا.. ولازال الرفض الصاّدر من العلماء قائمًا.. فإلى أين تنتهي الأمور؟
لقد بُذلت شتّى المحاولات الهادئة لمعالجة هذا الأمر، وآخرها العريضة الموقّعة من قبل عددٍ كبيرٍ من العلماء وطلاّب الحوزات الدينيّة والمرفوعة إلى وزير العدل مع طلب اللقاء للتحاور حول هذه المسألة، ولم يصدر أيّ تجاوب رسمي مع هذه الرغبة..
لا أدري لماذا تُصرّ وزارة العدل على هذا الموقف؟
قد يقال: من حقّ الدولة أن تشرف على جميع شؤون البلد..
نعم من حقّ الدولة ذلك، لا يناقش فيه أحد.. ولكن ماذا يعني الإشراف هنا؟
إن كان يعني الأمور الإجرائيّة التنظيميّة حتى لا يكون فوضى في عمليات البناء والعمران، فوزارة البلديات هي الجهة المعنيّة بهذا الشأن، وهي بالفعل تمارس هذا الدور منذ سنين طويلة…
ثم إنّ إدارات الأوقاف – وهي تابعة للدولة – كانت هي المتصدّية لتقدير حاجات وضرورات المناطق إلى المساجد والحسينيّات..
فما هي الحاجة إلى وزارة العدل؟
إلّا إذا كان هناك هدف التحكم والرقابة والهيمنة على شؤون المساجد والحسينيّات وهذا ما يثير القلق والريبة والهواجس من صدور القرار المذكور..
قد يقال: لماذا تتوجسون وتسيئون الظن في هذه الوزارة التي لا تهدف إلّا إلى الخير ومصلحة أبناء هذا الوطن بكلّ انتماءاتهم ومذاهبهم وطوائفهم؟
نتمنى أن تتحرك السّياسة المنصفة التي لا تعرف التمييز حتى تنزرع في داخلنا الثقة بكلّ مؤسسات الدولة..
إلّا أنّ السّياسة المتحرّكة في الواقع تؤكّد شيئًا آخرًا.. لو كنّا نعيش سياسات وزاريّة مبرّأة من كلّ أشكال التمييز، لما تكوّنت في داخلنا هذه الهواجس والمخاوف..
لا زلنا نأمل أن تتراجع الوزارة عن هذا القرار، لما له من تداعيات ليست في صالح هذا الوطن، فلا ترهقوا هذا الشعب بمزيد من الاحتقانات والتأزّمات والتوترات..
ألسنا نشهد هذه الأيام حراكًا دينيًا ووطنيًا من أجل التقارب والوحدة ونبذ الطائفيّة والتعصب والفتن الهوجاء؟ إنّ قرارًا من هذا النوع لا ينسجم تمامًا مع هذا الحراك ولا ينسجم مع هذا التوجه..
وإذا استمرت الوزارة على هذا الموقف فإنّنا نطالب الجهات القادرة على إلغاء هذا القرار أن تتدخل لمصلحة هذا الوطن ولدرء الفتنة والتأجّج والتوتر..
وحتى لا تتحرك الأمور بطريقة أخرى، كون الأمر يمثّل بُعدًا مفصليًا في نظرنا، لا يمكن السّكوت عليه، وإن كلّف غاليًا…
والحمد لله ربّ العالمين