كيف نهيئ أنفسنا في خط الإنتظار؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى آله الهداة المعصومين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الأحبة في الله.
إننا نعيش في عصر “الانتظار” انتظار الظهور المبارك لقائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هذا الظهور الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
عن الإمام الباقر (ع) قال:
“العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير، كمن جاهد والله مع قائم آل محمد صلى الله عليه وآله بسيفه.
ثم قال: بل والله كمن جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله بسيفه.
ثم قال الثالثة: بل والله كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في فسطاطه.
عن مسعدة قال: كنت عند الصادق (ع) إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متكئا على عصاه، فسلم، فرد عليه أبو عبد الله الجواب. ثم قال: يابن رسول الله ناولني يدك لأقبلها. فأعطاه فقبلها ثم بكى.
ثم قال أبو عبد الله: ما يبكيك يا شيخ
فقال: جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول: هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبر سني، ورق جلدي، ودق عظمي، واقترب أجلي، ولا أرى فيكم ما أحب، أراكم مقتولين مشردين، وأرى أعداءكم يطيرون بالأجنحة، وكيف لا أبكي؟
فدمعت عينا أبي عبد الله (ع) ثم قال:
يا شيخ إن أبقاك الله حتى ترى قائمنا كنت في السنام الأعلى، وإن حلت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلى الله عليه وآله، ونحن ثقله.. قال صلى الله عليه وآله (إني مخلف فيكم الثقلين….)
فقال الشيخ لا أبالي بعد ما سمعت هذا الخبر.
والسؤال الهام جدا والذي يجب أن نطرحه على أنفسنا، ونحن نعيش هذا العصر الذي غاب فيه إمامنا أرواحنا فداه.
كيف نهيئ أنفسنا لكي نكون في خط الانتظار؟
الشرط الأول:
أن نعيش التواصل مع الإمام من خلال الأدعية والأذكار والزيارات.
هل نكتفي بالدعاء والبكاء لنكون في عداد المنتظرين لظهور مولانا الإمام القائم؟
لا نشك أن الدعاء والبكاء مطلوب في عصر الغيبة، وقد ورد الحث على ذلك في الأحاديث والروايات.
(1) ورد الإكثار من هذا الدعاء: “اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا”
(2) وورد أنه من قال بعد صلاة الفجر وبعد صلاة الظهر ” اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم” لم يمت حتى يدرك القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله.
(3) وورد الإكثار من هذا الدعاء في غيبة القائم (ع): اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك، الله عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ظللت عن ديني. اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني”
(4) دعاء الغريق: عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام “ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى، ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق. قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: تقول: “يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك” فقلت: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك. قال: إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك: “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”.
(5) دعاء العهد: روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “من دعا إلى الله تعالى أربعين صباحا بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه تعالى من قبره وأعطاه الله بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة” (الدعاء مذكور في كتب الأدعية وأوله: اللهم رب النور العظيم ورب الكرسي الرفيع…).
ويذكر في سيرة الإمام الخميني رضوان الله عليه أنه كان له التزام خاص بتلاوة دعاء العهد، وقد التزم بذلك حتى في أيام مرضه الأخير.
(6) دعاء الندبة: ويستحب أن يدعى به في يوم الجمعة.
(7) السلام على صاحب الأمر وزيارته في كل يوم وخاصة بعد صلاة الفجر.
أيها الأحبة…
هذه الممارسات من “الأدعية والأذكار والزيارات” رغم ما تحمله من أهمية كبيرة، حيث تصنع في داخلنا حالة الانصهار الروحي والوجداني مع الإمام الحجة أرواحنا فداه وهذا الانصهار عنصر مهم من عناصر الانتظار.
أقول رغم هذه الأهمية، فإن الاكتفاء بهذه الممارسات وحدها لا تجعلنا في عداد المنتظرين لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه.
فكيف نكون من المنتظرين؟
الانتظار له شروط كثيرة!
الشرط الثاني:
الارتباط النفسي والروحي والوجداني مع الإمام المنتظر، بمعنى أن يكون الإمام (ع) حاضرا دائما في قلوبنا، في مشاعرنا، في وجداننا، في أحاديثنا، في لقاءاتنا، في محافلنا.
ومن الوسائل لتعميق هذا الارتباط والالتحام الروحي والوجداني مع الإمام عجل الله فرجه: المواظبة على قراءة الأدعية والأذكار والزيارات التي ورد التأكيد عليها، وقد أشرنا إلى بعضها.
وهذا الارتباط الروحي والنفسي مع الإمام المنتظر له ثمرات كبيرة منها:
(1) يخلق الأمل في داخلنا، فلا نصاب باليأس والإحباط، رغم ما يعانيه واقعنا من إرهاصات ومحن وفتن وتحديات صعبة.
(2) الارتباط بالإمام المنتظر يملؤنا بالقوة والعزيمة والصمود والثبات، فرغم المواجهات القاسية، واستنفار القوى الطاغوتية ضد المؤمنين إلا أن المرتبطين بالإمام المنتظر لا يصابون بالضعف والانهزام.
(3) هذا الالتحام يخلق عندنا حالة الانضباط والاستقامة، فحينما نعيش إحساسا نفسيا عميقا بأن الإمام المنتظر يعيش معنا، يرقب مسيرتنا، يتألم حينما يرانا نمارس أي لون من ألوان الانحرافات أو المخالفات أو التجاوزات الشرعية, إن شعورنا بأن هذه المخالفات والمفارقات تشكل إزعاجات وتألمات عند إمامنا وقائدنا يجعلنا نراقب تلك الممارسات والسلوكيات والتصرفات بالشكل الذي يمنحها رضا الإمام وارتياحه.
الشرط الثالث:
الترقب الدائم لظهور الإمام عجل الله فرجه.
وهنا يطرح سؤال:
لماذا الترقب الدائم، وظهور الإمام (ع) مرهون بعلامات معينة، فمتى توافرت تلك العلامات أمكن تحديد زمن الظهور.
والجواب: إن علامات الظهور على قسمين:
أ- العلامات العامة
ب- العلامات الخاصة.
أما العلامات العامة فمؤشراتها واضحة: ظهور الفتن، وانتشار الفساد، وتفاقم الانحرافات، وسيطرة الظالمين، وسفك الدماء، وتأجج الحروب، وتقارب البلدان، و إلى آخر تلك العلامات.
أما العلامات الخاصة فهي مقترنة أو قريبة من زمن ظهور الإمام عليه السلام، وهذه العلامات قد تفاجئنا مفاجأة، لذلك تأتي ضرورة الترقب الدائم والتوقع المستمر.
ولذلك جاء في بعض الأحاديث أن “الله يصلحه ـ يعني الإمام ـ في ليلة”
الشرط الرابع:
الاستعداد الدائم:
وماذا نعني بالاستعداد الدائم؟
نعني بذلك:
أولا:
أن نعد أنفسنا إعدادا روحيا عاليا، لأن اللقاء مع الإمام المنتظر يحتاج إلى “مستوى عال من الروحانية والإيمان والإخلاص لله، وصفاء القلب”
ضرورة أن نمارس “الإعداد الروحي” بشكل مكثف إذا أردنا أن نكون من المنتظرين.
ثانيا:
أن نعد أنفسنا إعدادا فكريا وثقافيا، بدرجة كبيرة. بمعنى أن نتوفر على مستوى من الوعي والفهم والرؤية بمفاهيم الإسلام وأحكامه، تؤهلنا لأن نكون من الكوادر الصالحة للالتحاق بالإمام المنتظر، فالمستفاد من الروايات أن أنصار الإمام أو الممهدين للإمام يملكون درجات عالية من البصيرة والمعرفة والفقاهة في الدين.
ثالثا:
أن نعد أنفسنا إعدادا سلوكيا وعمليا بحيث نعيش “التقوى والورع والالتزام بأحكام الله تعالى”
جاء في حديث عن الأمام الصادق عليه السلام:
“من سره أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر”
فالمنتظرون للإمام (ع) نماذج عالية في التدين والورع والصلاح والطاعة والعبادة.
أصحاب الإمام (ع): أتقياء، صلحاء، أخيار، أبرار، عباد طائعون.
• “إنهم الصلحاء والنجباء”
• “رجال لا ينامون الليل لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل”
• “رهبان في الليل، ليوث في النهار”
رابعا:
• أن نعد أنفسنا إعدادا رسالياً وجهاديا.
• المنتظرون يمثلون الكوادر المتحركة مع الإمام عليه السلام، وهذه الكوادر يجب أن تكون مؤهلة بأعلى مستويات التأهيل: وعيا، وإيمانا، والتزاما، وجهادا.
• الإعداد الرسالي والجهادي يفرض توظيف القدرات الفكرية والنفسية والعملية، وترشيد الإمكانات والكفاءات والطاقات في خدمة الإسلام والدين.
لماذا هذا اللون من الإعداد الرسالي العالي جدا؟
لأن الإمام المنتظر (ع) وكوادره المؤهلة سوف يخوضون معارك جهادية صعبة مع القوى الكافرة في العالم وهي المعبر عنها في الروايات بـ” الدجال”، ومع القوى الانحرافية في داخل الأمة وهي المعبر عنها في الروايات بـ”السفياني”.
• فالذين يعيشون الطموح والشوق للانضمام إلى كوادر الإمام الجهادية، يجب عليهم أن يمارسوا تدريبا عمليا مكثفا على أساليب التصدي والمواجهة والصراع مع تلك القوى الكافرة والقوى الانحرافية.
• ولا شك أن هذا اللون من الإعداد فيه من العناءات القاسية، والابتلاءات الصعبة، والتضحيات الكبيرة، ما لا يتحمله إلا المؤمنون الصادقون الذين أعطوا وجودهم لله تعالى وانصهروا في خط الأيمان، فهم الجديرون بشرف الانتظار وهم المؤهلون للقاء الإمام المهدي (ع) حين الظهور.
أما الخائرون، الخانعون، اليائسون، الراكدون، المستسلمون، المترفون، الخائفون، المنهزمون, فهم ليسوا في خط الانتظار، فخط الانتظار هو خط الموقف، وخط التحدي، وخط المواجهة والثبات، والصمود والكلمة الجريئة، والعمل الرسالي والدور الجهادي.
الشرط الخامس:
الارتباط الفعلي بقيادة الإمام المنتظر (ع) وذلك من خلال الارتباط العملي بخط “الفقهاء العدول الصالحون المؤهلون” وبخط العلماء الممثلين لخط الفقهاء. والقيادة الفقهائية هي القيادة النائبة عن الإمام المنتظر في عصر الغيبة الكبرى والتي بدأت سنة (328هـ أو 329هـ) حيث انتهت الغيبة الصغرى التي بدأت سنة (265هـ). وكان الإمام يمارس وظيفته في عصر الغيبة الصغرى من خلال “السفراء الأربعة” وبوفاة السفير الرابع (علي بن محمد السمري) انتهت الغيبة الصغرى و انتهت السفارة، فمن ادعى السفارة بعد ذلك فهو “ملعون كذّاب” كما جاء في الروايات الثابتة الصحيحة.
الوظائف الرئيسية للفقهاء المؤهلين:
(1) الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية.
(2) القضاء.
(3) الولاية.
وهنا ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول:
يضيق دائرة الولاية ويحددها ضمن:
القضاء , رعاية شؤون القاصرين , إدارة شؤون الأوقاف العامة التي ليس لها متول خاص الأمور الحسبية.
الاتجاه الثاني:
يعطي للفقهاء بالإضافة إلى الأمور السابقة صلاحية إقامة الحدود في عصر الغيبة الكبرى.
الاتجاه الثالث:
يوسع دائرة ولاية الفقيه , فيعطى للفقيه الولاية الشرعية العامة في شئون المسلمين, فالفقيه المؤهل له الحاكمية والسلطة العامة على الناس في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والتنظيمية والحياتية بشكل عام…
الشرط السادس:
التوطئة العملية لظهور الإمام المنتظر (ع) وتتمثل في:
1- تهيئة كوادر مؤهلة كافية للانتماء لحركة الإمام المنتظر عليه السلام.
2- تهيئة أرضية وقاعدة صالحة تدعم حركة الإمام المنتظر عليه السلام.
3- تهيئة الأجواء الفكرية والنفسية لاستقبال الإمام عليه السلام.
4- تعميق وترسيخ مبدأ الرفض لكل الكيانات المناقضة للإسلام , والعمل على قيام كيانات تطبق الإسلام.
• (( يخرج ناس من المشرق يوطئون للإمام المهدي)).
• (( يخرج رجل من المشرق يوطئ لآل محمد (أو يمكن لآل محمد) وجب على كل مؤمن نصرته (أو قال إجابته) )).
• (( رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق يجتمع معه قوم كزبر الحديد , لا تزلهم الرياح العواصف ولا يملون من الحرب, ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقيين))
والخلاصة
أن المنتظرين هم الذين يهيئون أنفسهم لأن يكونوا ” أنصاراً للإمام”
وأنصار الإمام يتوفرون على مجموعة خصائص:
(1) خصائص روحية.
(2) خصائص فكرية.
(3) خصائص عملية.
(4) خصائص رسالية.
• كيف يلتحق الأنصار بالإمام المهدي(ع) حينما يظهر في مكة المكرمة؟
الرأي الأولى:
يصلون ويلتحقون بالإمام في مكة المكرمة بشكل إعجازي
• ” يجتمعون في ساعة واحدة”.
• ” تطوى لهم الأرض طياً”.
• ” يسيرون في السحاب نهاراً”
• ” يفقدون من فرشهم فيصبحون في مكة”.
الرأي الثاني:
يصلون إلى مكة بطريق السفر الاعتيادي.
فقد جاء في بعض الروايات أنه ينادى باسم المهدي(ع) في شهر رمضان , ويكون ظهوره في العاشر من محرم فيكون موسم الحج هو الفرصة الطبيعية لتوافد أنصار الإمام (ع) وعلى ضوء هذا الرأي تفسر الروايات باستخدام الوسائل الحديثة للنقل.