مسؤوليات الغيبة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا وحبيبنا وقائدنا محمدٍ وآله الهداة الميامين المعصومين الطاهرين ، السلام عليكم أيها الأحبة و رحمة الله وبركاته 00
أهنئكم وأهنئ الأمة الإسلامية بهذا الميلاد الأغر ، ميلاد الحجة بن الحسن الإمام المنتظر أرواحنا لمقدمه الفداء
أيها المؤمنون السائرون في خط الإمام المنتظر ( عليه السلام )
ما هي مسئوليتكم و أنتم تعيشون عصر الغيبة ـ غيبة الإمام المهدي ـ ؟ حركة الإمام المهدي ـ كما تعلمون ـ انطلقت في اتجاه ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : ( مرحلة الغيبة الصغرى )
بدأت بولادة الإمام المهدي ( ع ) سنة 255 هجرية ـ أو بوفاة والده الإمام العسكري سنة 260 هجرية و انتهت بوفاة السفير الرابع من سفراء الإمام الحجة ( ع ) .. سنة( 328 هجرية أو 329 هجرية ).
مدة هذه المرحلة : كان الأتباع المنتمون إلى خط الأئمة من أهل البيت (ع) يتواصلون مع (الإمام المهدي عليه السلام ) من خلال عدد من السفراء و الوكلاء و قد مارس دور السفارة في هذه المرحلة و بتعيين من الإمام نفسه كل من :
1. عثمان بن سعيد العمري
2.محمد بن عثمان العمري
3.الحسين بن روح النوبختي
4.علي بن محمد السمري
و بوفاة السفير الرابع ( سنة 328 أو 329 هجرية ) انتهت مرحلة الغيبة الصغرى وانتهى دور ” السفارة ” و ” النيابة الخاصة ” و ذلك بأمر الإمام المهدي (ع) … فمن ادعى ” السفارة ” بعد عصر الغيبة الصغرى , فهو مفترٍ كذاب ملعون على لسان “الإمام المهدي ” .
المرحلة الثانية : ( مرحلة الغيبة الكبرى )
بدأت سنة (328 هجرية أو 329 هجرية ) ولا زالت هذه المرحلة مستمرة وقائمة حتى الآن إلى أن يأذن الله تعالى للإمام المهدي (ع) بالظهور ليملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما وجورا.
المرحلة الثالثة : (مرحلة الظهور وقيام الدولة الإسلامية العالمية بقيادة الإمام المهدي )
أيها المؤمنون 000إننا نعيش في ظل المرحلة الثانية من مراحل حركة الإمام المهدي 000 وهي مرحلة الغيبة الكبرى، ولهذه المرحلة مسؤولياتها ووظائفها، فما هي هذه المسؤوليات والوظائف التي يجب علينا ونحن المنتمين إلى خط الانتظار أن نمارسها ؟ ، ولا شك أنه على ضوء هذه الممارسة والتطبيق يتحدد مستوى (( الوعي )) ومستوى ((الإخلاص )) في التعاطي مع قضية (( الانتظار ))
المسؤولية الأولى :
المسؤولية الإيمانية والعقائدية ، وهذه المسؤولية تفرض علينا أن نؤصّل ” عقيدة الإمام المهدي عليه السلام” في داخلنا، وان نجذّر فينا الإيمان بغيبة الإمام ، وبظهوره ، وبدولته…. وكلما تأصّلت هذه العقيدة ، وكلما تجذر هذا الإيمان ، كانت علاقتنا بالإمام المهدي (ع) أقوى وأعمق وأصلب، جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآلــه وسلم : ” من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته ، فمات ، فقد مات ميتة جاهلية “
وعن الإمام الباقر انه قال : ” يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان ” ، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ” طوبى لمن تمسَّك بأمرنا في غيبة قائمنا ، فلم يزغ قلبه بعد الهداية “
المسؤولية الثانية :
مسؤولية الدفاع عن قضية الإمام المنتظر عليه السلام
قضية الإمام المهدي (ع) تعرضت ـ ولازالت ـ إلى عدة محاولات استهدفت مصادرتها ، وإنهائها0
· المحاولة الأولى :
الإنكار لأصل الفكرة ، ونفي وجودها في الإسلام ، والتشكيك في الروايات والأحاديث التي تناولت مسألة ” الإمام المهدي “.
·المحاولة الثانية :
الإنكار لولادة الإمام المهدي ، هذه المحاولة تتجه إلى نفي الولادة ، و ادعاء أن الإمام المهدي المبشر به في الأحاديث و الروايات سوف يولد في آخر الزمان.
· المحاولة الثالثة :
و تتجه هذه المحاولة إلى تفريغ قضية الإمام المهدي من مضمونها الأصيل ، و من دلالاتها الكبيرة، و هذه المحاولة تعتمد ” الفهم المغلوط ” لمسألة الانتظار ، و قد كرّس هذا الفهم حالة الشلل و الجمود و الركود في حركة الامة0
وهنا تتحدد مسئوليتنا الكبيرة في التصدي لكل محاولات المصادرة والإلغاء والتحريف لقضية الإمام المهدي عليه السلام … و يجب أن نوّظف كل إمكانياتنا الفكرية الثقافية وفي الدفاع عن هذه القضية ، وحماية مضمونها الأصيل أمام كل محاولات التحريف والتشويه والمصادرة0 وهذا التصدي يفرض علينا أن نعمّق وعينا وفهمنا وثقافتنا بمسألة الإمام المهدي (ع)0
المسؤولية الثالثة :
الالتحام النفسي و الروحي بالإمام المنتظر
لا يكفي أن نرتبط بالإمام المهدي عليه السلام فكرياً وعقيدةً ، بل يجب أن نعيش حالة “الإنصهار والذوبان الروحي و النفسي” مع الإمام المهدي ( ع ) … أن يكون الإمام المهدي حاضرنا في قلوبنا في وجداننا ، في مشاعرنا ، في عواطفنا ، في أحاديثنا ، في لقاءاتنا ، وفي كل وجودنا
و من الوسائل التي تعمق هذا الالتحام الروحي و النفسي و الوجداني :
1.المواظبة على قراءة بعض الأدعية الواردة … كدعاء “العهد” الذي يستحب قراءته بعد صلاة الفجر في كل صباح ، فقد وردت الرواية عن الإمام الصادق (ع) أن من قرأ دعاء العهد أربعين صباحاً ، كان من أنصار القائم ، فإن مات بعثه الله من قبره ، و يعطى بكل كلمة ألف حسنة ، و تمحى عنه ألف سيئة 0
2.المواظبة على زيارة الإمام الحجة في كل يوم .
3. المواظبة على أداء بعض العبادات والأعمال المستحبة وإهداؤها إلى الإمام المهدي عليه السلام .
و لا شك أن هذا الالتحام الروحي والنفسي والوجداني له تأثيراته و ثمراته الكبيرة في حياتنا، فهو يجعلنا نعيش “الأمل” دائماً ، فمهما كانت التحديات ، والمحن والفتن ، والإرهاصات صعبة وقاسية ، فإننا نبقى نعيش الأمل والطموح والثقة، ما دمنا نعيش الإحساس بوجود القيادة المعصومة التي ترعى مسيرتنا ، وترقب كل خطواتنا ، و تتحسس كل آلامنا ثم إن الارتباط الروحي و النفسي بالإمام المهدي يملؤنا بالقوة والعزيمة والثبات والصمود في مواجهة كل التحديات.
أيها الأحبة نحن في عصر التحديات الصعبة ، قوى الاستكبار في العالم قد استنفرت كل إمكاناتها الثقافية ، والإعلامية ، والعسكرية ، والأمنية ، لمحاربة الإيمان و المؤمنين و لمحاصرة الإسلام والمسلمين ، قوى الردة والانحراف والضلال ، وأحزاب الكفر , وتيارات العلمنة ، كلها قد اصطفت في مواجهة خط الإيمان وخط الالتزام هنا تكون الحاجة كبيرة وكبيرة جداً أن نملك إرادة التحدي ، وإرادة الرفض وإرادة الصمود والثبات في مواجهة حالات الانهزام ، والتراجع ، والسقوط واليأس ، والإحباط انتماؤنا إلى خط القيادة المعصومة ، قيادة الأمام المهدي ( ع ) شكّل الضمانة لحماية مسيرتنا من التيه والضياع والانحراف وشكّل الضمانة لحماية مواقفنا من الاهتزاز والارتباك.
المسؤولية الرابعة :
من أهم وأصعب مسؤولياتنا في عصر الغيبة هو “انتظار ظهور الإمام المهدي” وقد أكدّت الروايات والأحاديث هذه المسؤولية :
– قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( أفضل العبادة انتظار الفرج ))
– وقال الأمام الباقر عليه السلام : (( رحم الله عبداً حبس نفسه علينا ، رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقال له أحد أصحابه : فإن مت قبل أن أدرك القائم ؟ فقال عليه السلام : القائل منكم إن أدركت القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله و سلم نصرته ، كالمقارعة معه بسيفه ، و الشهيد معه له شهادتان ) ، و عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليه السلام قال :” تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده ….. يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته ، المنتظرين لظهوره أفضل أهل كل زمان ، لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ، ما صادرت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (ص) بالسيف ، أولئك المخلصون حقاً ، وشيعتنا صدقاً ، و الدعاة إلى الله سراً و جهراً ”
معنى وشروط الانتظار :
والسؤال الكبير المطروح هنا : ماذا يعني الانتظار ؟ … هل الانتظار مجرد الإكثار من الدعاء لتعجيل الفرج ؟ هل الانتظار مجرد القيام و وضع الأيدي على الرؤوس حينما يذكر القائم من آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم.؟ هل الانتظار هو مجرد التضرع و البكاء حينما نقرأ دعاء الندبة ، و حينما نتوجه بالزيارة إلى الإمام الحجة (ع)، لا شك أن هذه الأمور ضرورية ، و هي تعمق علاقتنا الروحية بالإمام المنتظر و لكنها لا تعني تمام الانتظار ، الانتظار الذي هو أفضل العبادة ، الانتظار الذي هو بمنزلة الجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه و على آله.. فماذا يعني الانتظار ؟
هل الانتظار هو اعتزال الساحة ، و التخلي عن المسؤوليات الرسالية ، و الفعاليات الجهادية في عصر الغيبة هذا فهم مغلوط و خاطئ للانتظار هذا الفهم الذي عاش – ولا يزال يعيش – في بعض الذهنيات هو السبب في إصابتنا بالشلل والركود ، هو السبب في انحسار أدوارنا الاجتماعية و السياسية هو السبب في هذا الغياب والضمور والانكماش .
وهناك فهم منحرف و خطير يتجه إلى تفسير الانتظار بأنَه العمل على توفير الأجواء الفاسدة لتهيئة الشرط الموضوعي لظهور الإمام و هو ” امتلاء الأرض بالجور و الظلم و الفساد ” فماذا يعني الانتظار إذاً .؟
لكي نكون من المنتظرين حقاً يجب أن نتوفر على الشروط الآتية :
الشرط الأول :
أن تعيش الترقب الدائم لظهور الإمام المهدي عليه السلام ….
قد يقال : لماذا هذا الترقب الدائم ، وظهور الإمام (ع) مرهون بعلامات معينة ، هي التي تحدد وقت الظهور ؟ ونجيب على ذلك : إن علامات الظهور على قسمين :
(1)العلامات العامة .
(2)العلامات الخاصة .
أما العلامات العامة فمؤشراتها واضحة ، الفتن ، وانتشار الفساد ، وتفاقم الانحرافات ، وسيطرة الظالمين ، وسفك الدماء ، والحروب …… و …. و … إلى آخر العلامات .
أما العلامات الخاصة فهي مقترنة أو قريبة من ظهور الأمام (ع) ، وهذه العلامات قد تفاجئنا مفاجئة ، لذلك ضرورة الترقب الدائم ، والتوقع المستمر .
الشرط الثاني
الاستعداد الدائم ، وهذا الاستعداد يفرض علينا عدة أمور :
· الأمر الأول :
أن نبني أنفسنا بناءً روحيا ً قوياً ، وأن نقوي إيماننا ، وعلاقاتنا بالله تعالى ، وإخلاصنا للعقيدة والمبدأ ، وأن نطهر قلوبنا من الحقد والغش ومن كل التلوثات لنكون بذلك مؤهلين لانتظار الإمام (ع) .
·الأمر الثاني :
أن نعد أنفسنا فكرياً وثقافياً ، فأنصار الإمام (ع) يملكون درجات عالية من البصيرة ، والوعي ، والفهم ، والمعرفة , والرؤية ،وهذا يفرض أن نمارس عملية التثقيف الدائم لأنفسنا من خلال اعتماد مختلف وسائل الثقافة والمعرفة لنكون مؤهلين لانتظار الإمام (ع) .
· الأمر الثالث :
أن نعد أنفسنا سلوكياً وعملياً .. أن نعيش أعلى درجات التقوى والورع ، والالتزام ، والاستقامة ، والطاعة الدائمة لله تعالى … عن الإمام الصادق (ع) أنـُه قال : ” من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر ، وليعمل بالورع ، ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ” ، فالمنتظرون نماذج عالية في التدين والتقوى والورع والصلاح … أنصار الإمام المهدي (ع) – كما جاء في الروايات هم “الصلحاء النجباء ” و هم العباد الخاشعون لله تعالى : ورد في بعض النصوص و هي تتحدث عن أصحاب القائم (ع) : ” رجال لا ينامون الليل لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل ” و في نص آخر: “رهبان في الليل ، ليوثٌ في النهار ”
· الأمر الرابع :
أن نعد أنفسنا رسالياً و جهادياً …أن نوظف قدراتنا الفكرية والنفسية والعملية ، في خدمة الإسلام ، في الدعوة إلى الله تعالى في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، أن نكون النشطين في ممارسة الفعاليات الإسلامية ، والدينية , والاجتماعية والسياسية أن نكون القادرين على التصدي والمواجهة لكل القوى المعادية للإسلام , والدين ، والإيمان ، والقيم والفضيلة أن نملك الاستعداد للتضحية والشهادة في سبيل الله تعالى و كما تعلمون أن الإمام المهدي وأنصاره سوف يخوضون معارك جهادية صعبة مع القوى الكافرة في العالم المعبر عنها في الروايات ( بالدجال ) ، و مع قوى الارتداد و الانحراف في داخل الأمة و هي المعبر عنها في الروايات ( بالسفياني ) .
فالذين يعيشون الطموح و الشوق للانضمام إلى كوادر الإمام المهدي (ع) الجهادية يجب أن يؤهلوا أنفسهم عملياً لهذه الأمة الخطيرة … أما الخائرون ، الخائفون ، اليائسون ، الراكدون ، المستسلمون ، الخائنون ، المنهزمون ، المترفون ، فهم ليسوا في خط الانتظار فخط الانتظار هو خط الموقف ، و خط التحدي ، و خط المواجهة والثبات ، والكلمة الجريئة ، والعمل الرسالي ، والدور الجهادي .
الشرط الثالث :
الارتباط الفعلي بقيادة الإمام المنتظر ، ويتم هذا الارتباط في عصر الغيبة ، من خلال الارتباط بالقيادة النائبة ، الممثلة في ( الفقهاء الصالحين المؤهلين ) .
الشرط الرابع
الإعداد والتهيئة والتوطئة لظهور الإمام المهدي عليه السلام …..وذلك من خلال :
تهيئة الكوادر المؤهلة للانتماء لحركة الإمام المنتظر …. وهذه التهيئة لا تتم من خلال الأجواء السرية المغلقة … وإنما في الأجواء العلنية المفتوحة …. وذلك بالتوفر على “العناصر ” الأساسية التي جاءت في الشرط الثاني ، وكذلك التوفر على بقية الشروط ….
2-تهيئة الأرضية والقاعدة الصالحة لدعم حركة الأمام المنتظر ( ع ) .
3-تهيئة الأجواء الفكرية والنفسية لاستقبال الإمام المنتظر ( ع ) .
4-تهيئة الأجواء السّياسية لظهور الإمام المهدي ( ع ) .
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله ، وتذل بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك ، والقادة إلى سبيلك ، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة .