حديث الجمعة170 :القيمة للتقوى – حادثة كرزكان والتوظيف الطائفي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّّه رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القيمة للتقوى:
قال تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}البقرة197، إذا كان من المهمّ أن نسأل أنفسنا: كم نصلّي؟ وكم نصوم؟ وكم نحج؟ وكم نقرأ القرآن؟ وكم نتصدق؟ وكم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟ وكم نخدم الآخرين؟ وكم نسعى لأعمال الخير؟
فإنّ الأهمّ من ذلك أن نسأل أنفسنا:
كم نملك من تقوى؟ كم نملك من خوف الله؟ كم نملك من ورع عن محارم الله؟ هذا هو السؤال الأعمق والأصعب.
السؤال المنطلق، من هنا يجب أن تبدأ.. فحينما تملك (تقوى الله) فسوف تنطلق بقوة وصدق في كلّ (الآفاق الصالحة)، وسوف تنطلق مع كلّ الطاعات.
وعندها سوف تكون أعمالنا مقبولة، وتكون أعمالنا واعية وفاعلة.
القيمة كلّ القيمة:
– أن نصليّ صلاة المتقين
– أن نصوم صوم المتقين
– وان نحج حج المتقين
– وأن ندعو الله دعاء المتقين
– وان نذكر ذكر المتقين
– وأن نقرأ القرآن قراءة المتقين
– وان نحب ونبغض حب المتقين وبعض المتقين
– وأن نتحرك في مجالات العمل تحرك المتقين
– وليس كلمّا صليّنا فنحن نملك التقوى
– وليس كلّما قرأنا القرآن فنحن نملك التقوى
– وليس كلمّا مارسنا نشاطا دينيا فنحن تملك التقوى
– وليس كلما قدمنا خدمة اجتماعية أو ثقافية أو سياسية فنحن نملك تقوى الله
أيها الأحبة:
لا قيمة لكل الأعمال مهما كان حجمها بلا تقوى الله
– {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }طه132
– {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27
– {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }محمد15
الأعمال كلّ الأعمال خاسرة إذا لم تكن مقرونة بالتقوى والورع.
– جاء في الحديث عن أبي عبدالله أنه قال: وعليكم بالجد والاجتهاد، واعلموا أنه لا ينفع اجتهاد ليس معه ورع.
– عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليجيئن أقوام يوم القيامة لهم من الحسنات كجبال تهامة فيأمر بهم إلى النار فقيل : يا نبي الله أمصلون ؟ قال : كانوا يصلون ويصومون ويأخذ ون وهنا من الليل لكنهم كانوا إذا لاح لهم شئ من الدنيا وثبوا عليه.
– قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يؤمر برجال إلى النار ، فيقول الله عز وجل لملك : قل للنار لا تحرق لهم أقداما ، فقد كانوا يمشون إلى المساجد ، ولا تحرق لهم فرجا فقد كانوا يعفون ، ولا تحرق لهم وجها فقد كانوا يسبغون الوضوء ، ولا تحرق لهم أيديا فقد كانوا يرفعونها بالدعاء ، ولا تحرق لهم السنة ، فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن . قال : فيقول لهم خازن النار : يا أشقياء ! ما كان حالكم ؟ قالوا : كنا نعمل لغير الله عز وجل ، لتأخذوا ثوابكم ممن عملتم له.
إذا كما نعمل الكثير الكثير من الطاعات مّما يوفّر لنا رصيدا كبيرا كبيرا من الحسنات، فيجب أن نحافظ على هذا الرصيد، وان لا نعرضه للضياع، وأن لا نعرضه للخسران والاحتراق .
– (الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)
– (الظلم يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)
– (ولكم لا ترسلوا عليها نار فتحرقوها)
حادثة كرزكان والتوظيف الطائفي:
الحادث وفق كل الاعتبارات والحسابات والتفسيرات حادث مدان، فالاعتداء على الأنفس (صدر من السلطة أم من الناس) فهو أمر مرفوض شرعا وقانونا وله تداعياته وآثاره الخطيرة والمدمرة.
– لن ندخل في جدلية التفسيرات لهذا الحدث، فما نطالب به أن يكون هناك تحقيق نزيه وعادل يكشف كل الملابسات، فما صدر من تصريحات فيها شيء من الاختلاف يثير مجموعة تساؤلات.
– وما نطالب به ثانيا: أن لا نستغرق في الشجب والاستنكار والإدانة، وأن لا نستغرق في الحدث نفسه وأن ننسى البحث عن الأسباب، لا أريد أن أعطي أي تبرير لما حدث أو لما يحدث فما يتصل بإزهاق الأرواح البريئة (حكومية كانت أو شعبية) فذلك مدان ومرفوض بلا إشكال، ولا أقول هذا مدارة أو مجادلة أو تقية وإنما هي القناعة الشرعية التي نؤمن بها، والله شاهد على ما أقول. نعم يجب أن لا ننسى البحث عن الأسباب، التي أنتجت هذا الواقع، ودفعت في هذا الاتجاه. لن يعالج الأمر ألف خطاب وخطاب، وألف استنكار واستنكار، وألف بينة وبينة تدين هذا الطرف أو ذاك الطرف الأمر الأهم أن نضع أيدينا على الأسباب الحقيقية التي تدفع في اتجاه العنف والعنف المضاد.
إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا ( حكومةً وشعباً) وإذا أردنا أن نكون مخلصين لأمن هذا البلد واستقراره، وخيره وازدهاره، فيجب أن نعالج أسباب الأزمات فيما تخلقه من مواجهات عنف غير مبرّر.
فمهما قست الحكومة في عنفها مع الناس، ومهما قسى الناس في عنفهم مع الحكومة، فلن تُحل الأمور بهذا العنف المتبادل.
وواضع أن عنف السلطة هو الأقسى دائما وان مسؤولية السلطة هي الأكبر دائما.
أكرر القول: أنّ (العنف المتبادل) لن يعالج الأمور، (لغة الحوار) هي اللغة القادرة على معالجة الأوضاع، إذا كان الحوار يلامس القضايا في أسبابها الحقيقية، أمّا مع الإصرار على تجاهل هذه الأسباب فإنّ الحوار سيكون حواراً فاشلاً، وسيبقى الأمور تتحرك في اتجاه التعقيد، وفي اتجاه التأزم فالحوار هو الخطوة الأولى، وملامسة الأسباب الحقيقية هو الذي يعطي للحوار جدّيته وفاعليته وصدقتيه.
وهل يكفي أن نلامس الأسباب الحقيقية؟
إنَّ هذه الملامسة خطوة متقدمة وخطوة جريئة، إلا أنّ الخطة الأكثر تقديما، والأكثر جرأة، أن تتحول هذه الملامسة إلى عمل جادٍ وصادقٍ في معالجة الأسباب.
وما نطالب به ( ثالثا): أن لا يوظف حادث كرزكان توظيفا طائفيا، ما حدث في كرزكان لم تتضح هويته بعد، وحتى لو ثبت أنّه بفعل مجموعة من الشباب في المنطقة، فالأمر مبكر أنّ يُدّعى أنّ هناك قصد القتل العمد، ووفق كلّ الاحتمالات لا يصح أن يزج البعد الطائفي في هذا الحادث.
ما صدر من كلمات وبيانات وتصريحات يجنح بعضها إلى محاولة التوظيف الطائفي للحدث، وهذا أمر في غاية الخطورة، وله انعكاساته المدمّرة على أوضاع البلد، وعلى أمنه واستقراره.
من حق أيّ جهة أنّ تشجب، ومن حق أيّ إنسان أن يُندِد، متى ما توفرت القناعة في الشجب أو التنديد، إلا أن إعطاء الحدث صبغة طائفية، فهذا أمر مرفوض كلّ الرفض، وفيه تجني كلّ التجني، ويقود إلى تداعيات صعبة، وإلى تحريضات خطيرة جداً.
من المؤسف جدا أن ينزع البعض ممن تحدثوا حول هذا الحادث إلى ما يدفع إلى (الشحن الطائفي)، وربّما تطرّفت بعض الكلمات إلى أكثر من الشحن أو التحريض .. أقرءوا ما نشر في بعض المواقع الإلكترونية المرخصة رسميا، وأقرءوا ما نشر في الصحف، لتتعرفوا حجم الدفع اتجاه (التأجيج الطائفي).
لا أهدف من هذا الكلام أن أمارس تحريضا في مقابل تحريض، وتأجيجا في مقابل تأجيج وتحشيدا في مقابل تحشيد، فهذا محرّم في منظورنا الشرعي، وإننا نرفض كلّ ما ينتج الفتنه الطائفية، من أيّ طرف صدر، إلا أننا نهدف من وراء الكلام التحذير مما يقوم به البعض من (صنّاع الفتنه) في إعطاء أيِّ حدث لبوسا طائفيا، وفي إعطاء أيِّ اختلاف صبغة طائفية فالأمر ليس كذلك فأبناء هذا الوطن (سنة وشيعة) لا يفكرون بهذه العقلية المقيتة، ولا يحملون في داخلهم نوازع الكراهية والعدوان ضد بعضهم البعض ولا يفتشون عن معارك طائفية تقود البلاد إلى الفساد والدمار والخراب والفوضى، ثم إن أيّ خطاب من خطابات أبناء هذا الوطن العقلاء المخلصين (سنة وشيعة) لا يمكن أن يكون خطابا تحريضيا على العبث بالأرواح، فمتى يكف أولئك (الطائفيون) المتمرسون عن إطلاق الاتهامات الظالمة ضد طائفية معينة وضد علمائها المخلصين لهذا الوطن ولأبناء هذا الوطن… فمتى حرّض علماء هذه الطائفية على القتل حتى يأتي من يقول:” يتصدرون المنابر ويشعلون نار التحريض كلّ جمعة أول كلّ مناسبة.. ومن بعد أن يحد حادث مثل استشهاد الشرطي فإن هؤلاء الذين يعتلون المنابر يتبرءون مما حدث، ويلعنون القتل والحرق” ما هذا الكلام المتجني والذي يشكّل اعتداء ظالما، من مِن العلماء البارزين المعروفين يحرّض على القتل والحرق؟
حينما تحاسب بعض الخطابات أوضاعا خاطئة في هذا البلد لا يعني تحريضا على القتل والحرق، وحينما تحاسب بعض الخطابات تجاوزات تصدر من السلطة لا يعني هذا تحريضا على القتل والحرق، وكم قالت هذه الخطابات أنها ترفض كلّ أساليب العنف، صدرت من السلطة أو من النّاس وكم قالت هذه الخطابات أنّها ترفض كل أشكال الممارسات الضارة بأمن هذا الوطن واستقراه، إلا أنّ هذه الخطابات تصرّ على معالجة الأسباب الحقيقية التي تدفع بعض الشباب إلى ممارسات منفعلة وغاضبة.
إن الشجب والتنديد بهذه الممارسات لن يعالج المشكلة، ما يعالجاها أن نتعرف على الأسباب وان نبحث عن الحلول الحقيقية.
يقول هذا القائل: أنّ ما يحدث هو ” ثمرات الشحن البغيض” ونتيجة اللعب بنار الطائفية المسمومة.
هذا صحيح، ولكن من الذي يمارس (الشحن الطائفي)، ومن الذي يلعل لنار الطائفية المسمومة؟
أليس ما يصدر عن هؤلاء شحن بغيض؟ وهو لعب بنار الطائفية المسمومة؟
أليس ما يطرق بعض الغارقين في وهم الطائفية من قول، وهذا نص القول:”فهذا الجموع المختلفة أصلا من الشباب الثائر يُكرس في روعها وفي وجدانها وفي كلّ خلفياتها الفكرية والإنسانية وأنّها في حالة مواجهة مع النفوذ العربي السني…”
أيّ شحن بغيض أكثر من هذا الشحن، وأي لعب بنار الطائفية المسمومة أكثر من هذا اللعب؟
متى دار في خلد واحد من هؤلاء الشباب – وأن اختلفنا معهم في الأسلوب – أنّهم خارجون لمواجهة (النفوذ السني)؟ ما أسوء هذه الكلمات التي تكرس الحس الطائفي، وتحرض على العدوان الطائفي وربما يصل الأمر (التطهير الطائفي) و ( الإبادة الطائفية)، وفي سياق التفسير الطائفي بحادث كرزكان قرأت هذه العبارات: ” المؤلم حقا هذا الاصطفاف الطائفي من قبل حقوقيين وصحافيين ورجال دين ومثقفين للتبرير للجريمة – يعني حادثة الشرطي – “
كلام فيه كلّ المجانبة للحقيقة، فكلمات الرفض لأسلوب القتل والاعتداء على الأرواح صدرت من علماء كبار بارزين، يقفون – حسب تعبيره هذا الكلام – ضمن الاصطفاف الطائفي.
نعم لكي لا نكون مبررين للجريمة – عند هؤلاء – يجب أن لا ندين القتل والاعتداء على الأرواح الصادرة ضد المواطنين – خارج الدائرة الرسمية – المطلوب أن ندين قتل الشرطي فقط وأن لا ندين قتل (الشاخوري) وغيره ممن ذهبت دمائهم هدرا .. دماء الجميع محترمة وحرام وإزهاقها.
فمن هو الطائفي؟ من يُمايز بن دم ودم؟ أم من يرى أنّ دماء المواطنين جميعا محترمة وحرام الاعتداء عليها وإزهاقها؟
أيها العقلاء المخلصون لهذا الوطن من جميع الانتماءات:
أوقفوا الكلمات التي تؤجج الفتنة الطائفية، وتحّرض على العداء الطائفي، وتؤسس لمعارك طائفية.
– فما أحوج هذا البلد في مرحلة تزدحم بالمؤامرات ضد هذا البلد إلى خطابات الوحدة والتقارب والتآلف والتحاب
– ما أحوج هذا البلد إلى همة حقيقية لإنقاذه من كلّ أزمات واحتقاناته الأمنية والسّياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن كلّ أسباب التوتر والتأزم، ومن كلّ الممارسات الضارة بأمن الوطن والمواطنين صدرت من الحكومة أو من النّاس.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين