حديث الجمعة 157: الحج فريضة ربانية – ما أحوجنا إلى الكلمة الفاعلة – هل أكون طائفيا حينما أطالب بحقي المشروع؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه بعض عناوين:
العنوان الأول: الحج فريضة ربانية
مع بداية شهر شوال تبدأ أشهر الحج (شوال وذو القعدة و ذو الحجة)، ويبدأ الخطاب الإلهي يتوجه إلى كلّ مسلم بالغ عاقل مستطيع أن يشدّ الرحل إلى بيت الله سبحانه وتعالى.
إنها حجة الإسلام الواجبة في العمر مرة واحدة، تجب هذه الحجة إذا توافرت شروط ثلاث:
(1) البلوغ: فلا يجب الحج على غير البالغ، وإذا حج فحجه صحيح يثاب عليه، إلاّ أن هذا لا يسقط عنه حجة الإسلام إذا أصبح من البالغين.
(2) العقل: فلا يجب الحج على المجنون
(3) الاستطاعة: التوفر على الإمكانية المالية، والإمكانية البدنية، وعناصر أخرى يذكرها الفقهاء في مناسكهم.
فمتى توفرت الشروط المذكورة وجب المبادرة إلى الحج، وإذا تخلف الإنسان عن هذه المبادة كان عاصيا آثما مستحقا للعقاب.
قال تعالى: ” وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”( آل عمران97)
إن ترك الحج إن كان (إنكاراً) لأصل الفريضة فهو كفر وارتداد – إذا كان الإنكار غير مستند إلى شبهة –وأمّا نرك الحج – مع الاعتراف بثبوته – فهو معصية كبيرة، ولذا ورد التعبير في لسان الرواية عن هذا الترك بأنه كفر فهو يعني (الكفر العملي) وليس (الكفر العقيدي).
وقد شدّدت الأحاديث على وجوب المبادرة لأداء هذه الفريضة متى توّفرت الشروط، وارتفعت الموانع الشرعية.
جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله “يا عليّ تارك الحج وهو مستطيع كافر يقول الله تبارك وتعالى(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) يا عليّ من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا”.
وجاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: ” من مات ولم يحج حجة الإسلام، ولم يمنعه من ذلك حاجة تحجف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا”.
وسئل الإمام الصادق عليه السلام عن رجل له مال لم يحج حتى مات؟ قال: “هذا ممن قال الله عزوجل “وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى”(طه124)، قلت أعمى؟! قال نعم أعمى عن طريق الخير.
نتابع الكلام في لقاء قادم – إن شاء الله –
العنوان الثاني: ما أحوجنا إلى الكلمة الفاعلة
ما أحوجنا إلى الكلمة .. الكلمة التي تدعو إلى الحب والمودة والتآلف والتقارب، الكلمة التي تدعو إلى الحوار والتفاهم، الكلمة التي تتحدث عن الحقوق والهموم، الكلمة التي تنتقد وتنصح وتصحّح، الكلمة التي ترفض الباطل والفساد والانحراف والظلم والاعتداء.
ولكن: هل القيمة أن تتحرك الكلمة؟
أن تتحرك الكلمة أمرٌ مهم ومهم جدا… لم ينتشر الفساد والمنكر والعبث بالقيم والأخلاق والمبادئ والحقوق إلا لأن الكلمة غائبة، لان الكلمة منهزمة، لان الكلمة خانعة.
إذن يجب أن تتحرك الكلمة، أن تكون الكلمة جريئة، أن تكون الكلمة واعية، أن تكون الكلمة صادقة.
ولكن تبقى القيمة الكبيرة أن تتحول الكلمة إلى فعل، وإلى عمل، وإلى حركة، الكلمة ليست هدفا، إنما وسيلة إلى هدف، الهدف الفعل والعمل والحركة، فهل انتقلت الكلمة من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل؟
نسمع في خطاب الكثيرين من الدينيين والسياسيين نداءات إلى الوحدة والتقارب والحوار والتفاهم، ونبذ التعصب والتطرف ونبذ التقاذف والتراشق، ونبذ الطائفية البغيضة، ولكن لا نجد مصداقا واضحا يترجم عمليا هذه النداءات، حتى أصبح الناس يرون في هذا اللون من الخطاب دجلا وتضليلا وخداعا، ومتاجرة بالشعارات والعناوين.
من السهل جدا أن تتحرك الخطابات والكلمات والشعارات، فهي لا تكلف كثيرا من العناء، ولا تكلف كثيرا من الشجاعة، ولا تكلف كثيرا من البراعة الأدبية والخطابية.
التحدي الحقيقي كيف نتحول إلى دعاة وحدة حقيقيين، وإلى دعاة حوار حقيقي، التحدي الكبير أن نسيطر على الأنانيات في داخلنا، أن لا يملكنا هو الشهرة والأضواء الإعلامية، التحدي الصعب أن نكون عاملين فاعلين، أكثر من أن نكون قوّاليين وخطابيين.
فما أقبح عند الله وعند عباد الله أن تكون الخطابات للاستهلاك، للمتاجرة، للتضليل، للخداع، للتلاعب بالمشاعر، للعبث بالقضايا والهموم.
ما أقبح عند الله، وعند عباد الله أن تكون الكلمات أقوالا بلا أفعال ” كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ” (الصف 3). لنفكر دائما كيف نطبقّ ما نقول، وكيف نترجم ما نطرح.
أنا لا أشك أن التطبيق ليس بسهولة القول، وان الترجمة العملية ليس بسهولة الطرح النظري، ولكن حينما تكون النوايا صادقة، وحينما تكون العزائم واثقة، وحينما تكون الخطط بصيرة، فسوف يتحرك التطبيق الجاد، وسوف تتحرك الترجمة الصادقة، وسوف تتحرك الممارسة الفاعلة.
ولا ننسى أن تأييدات الله سبحانه وتوفيقاته لن تتخلى عن تلك الرغبات المخلصة وتلك الهمم الصادقة.
العنوان الثالث: هل أكون طائفيا حينما أطالب بحقي المشروع؟
من المؤسف أنّنا في هذا البلد ضحية الممارسات الطائفية، وضحية التمييز الطائفي، وضحية السياسة الطائفية، ومع ذلك نتهم بالطائفية.
هناك إصرار لدى بعض مؤسسات السلطة على ممارسة التمييز الطائفي، وهذا بلا إشكال يرشح الأوضاع إلى خلافات وصراعات طائفية.
يوم من الأيام طالبنا بتعديل المناهج وتقدمنا إلى وزارة التربية بتقرير كامل يتضمن كل الملاحظات على (مناهج الدراسة) وما فيها من (إساءات مذهبية) وما فيها من (إنحيازات مذهبية) ، وعدونا خيرا وأكدوا لنا الرغبة لدى الوزارة في تصحيح هذا الوضع، وسوف تعاد صياغة المناهج، وسوف تؤخذ الملاحظات بعين الاعتبار.
وكنا نتوقع أن تشكّل لجنة مشتركة لإعادة كتابة المناهج بما يحفظ الحقوق للجميع، وفعلا تشكلت لجنة من (عشرين شخصا) أو أكثر، وليس فيها من الشيعة إلا واحد فقط، يبدوا أن الكفاءات الشيعية معدودة في هذا البلد…!!!
أم أنّ الاستنفارات الطائفية التي حركتها مجموعات الحقد الطائفي كانت بالمرصاد لإسقاط أيّ محاولة خير لإصلاح أوضاع المناهج وقلنا عسى أن تكون هذه اللجنة منصفة وإن غبنا عنها .. ما دامت الوعود قد أكدتّ لنا أن هنا رغبة جادة في تعديل المناهج وتصحيح الأوضاع.
وصدرت مناهج جديدة للمرحلة الأولى، ولم يحدث فيها أيّ تغيير جوهري، وأما لبقية المراحل فأعيدت طباعة المناهج نفسها القديمة، ماذا يعني هذا؟ هل هذا التوجّه الذي يؤسس لإلغاء التمييز الطائفي؟ وهل أكون طائفيا حينما أعبر عن أسفي ورفضي لهذه السياسة؟ وهل أكون طائفيا حينما أطالب ببعض مواقع للعبادة في مناطق محرومة من مساجد ومحرومة من حسينيات؟ وهل أكون طائفيا حينما أدعوا إلى إلغاء التمييز في الوظائف؟ هذه بعض حقوقي كمواطن على هذه الأرض. للحديث صلة قي الأسبوع القادم – إن شاء الله –
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين