حديث الجمعة 145: إغراء الجنس (6)اللباس الشرعي للمرأة- الحوار هو الخيار وليس المحاكمات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد…
فهذه بعض العناوين:
• مواصفات اللباس الشرعي للمرأة:
وضع الإسلام مجموعة مواصفات يجب أن تتوفر في لباس لكي يكون”لباسا شرعيا” و “زيا إسلاميا”، فالمرأة المسلمة الملتزمة هي التي تحافظ على هذه المواصفات في لباسها، وفي زيها، وقد ظهرت في هذا العصر “أزياء متنوعة باسم الأزياء الإسلامية” وكثرت الأسئلة حولها وهل أنها تشكل”لباسا شرعيا”؟
وهل تعتبر المرأة المرتدية لهذه الأزياء ملتزمة بالستر الشرعي؟
وهل حدد الإسلام شكلا معنيا للباس المرأة وهل يمكن أن يتغير شكل اللباس الشرعي من زمان إلى زمان؟
هذه تساؤلات مطروحة في أوساط النساء المتدينات، وفي أوساط الأسر الملتزمة.
في الإجابة عن هذه التساؤلات نقول:
إن الإسلام أكد على ضرورة أن يتوفر”لباس المرأة” على مجموعة مواصفات ومجموعة شروط وضوابط، من خلالها يتحدد الفاصل بين ” الزي الشرعي” و ” الزي غير الشرعي”، وإذا جاز أن تتعدد الأشكال بتعدد الأزمان وتعدد المجتمعات فإنه لا يجوز أبدا أن تسقط المواصفات والشروط والضوابط، فهي من الثوابت التي لا تتغير بتغير الأعصار وتغير الأمصار.
نخلص إلى القول:
إن اللباس الشرعي للمرأة المسلمة له جانبان:
أولا: الجانب الثابت: ويتمثل في المواصفات والشروط والضوابط الشرعية، ولا شك أن هذا الثابت يعبر عن كون هذه المواصفات والشروط والضوابط تحمي قيما ثابتة في حياة المرأة، وفي حياة الأسرة، وفي حياة المجتمع، هذه القيم تشكل حاجة وضرورة لا تتغير بتغير الزمان والمكان.
فالحافاظ على العفاف والطهر والروحي والأخلاقي وتحصين المجتمع في مواجهة عوامل الفساد والفسق والانحراف، وحماية الحياة ضد كل أشكال العبث والتبذل والسقوط، هذه القيم ثابتة يحتاجها الإنسان، وحياة الإنسان في كل زمان وفي كل مكان.
هل أزمة الإنسان في هذا العصر، وهل أزمة المجتمعات في هذا العصر، وهل أزمة الحياة في هذا العصر إلا “سقوط القيم الروحية والأخلاقية”…
فأزمة السياسة والسياسيين أزمة قيم…
وأزمة الحكم والحاكمين أزمة قيم…
وأزمة الثقافة والمثقفين أزمة قيم…
وأزمة الاقتصاد والاقتصادين أزمة قيم…
نكرر القول: أن الضوابط الإسلامية في لباس المرأة، هي ضوابط ثابتة لا تتغير، كونها تعبر عن “قيم ثابتة”
ثانيا: الجانب المتغير: فإذا كان الإسلام يصر على “المواصفات والشروط والضوابط الشرعية” فهو يملك مرونة كبيرة مع “الشكل والطريقة” فلا مشكلة في أن يتغير الشكل، وتتغير الطريقة بتغير الزمان وتغير المكان، مادام هذا الشكل ملتزما بالمواصفات والشروط والضوابط الشرعية التزاما صحيحا…
نعم يفضل الإسلام”الأشكال” الأقوى تجسيدا للمعايير الشرعية، فقد يوجد أكثر من شكل يتوفر على “الضوابط والمعايير الإسلامية” إلا أن بعضها أقوى تجسيدا للضوابط والمعايير، فهو الشكل الأقوى في التجسيد والأفضل في المنظور الإسلامي..
وهنا ألفت إلى مسألة مهمة:
قد يتوفر اللباس على المواصفات الشرعي، إلا أنه يمثل “لباس شهرة”، ولباس الشهرة في المصطلح الفقهي هو اللباس الذي يثير الاستهجان والاستقباح عند عامة الناس في البلد وبتعبير آخر هو اللباس الذي يعرض صاحبه للتشهير والتشنيع وحديث الناس، فلو أن مجتمعنا ملتزما ألف نساؤه “ارتداء العباءة” فظهرت امرأة وارتدت زيا آخر – متوفر على الشروط الشرعية – إلا أن هذا الزي جعلها تمثل ظاهرة شاذة في هذا المجتمع، ومحل تشهير، واستهجان، واستقباح، فهذا الزي يكون “لباس شهرة” وهو محرم حيث يعرض صاحبه إلى الهتك والإذلال ويحرم على المؤمن أن يهتك نفسه وأن يذلها، ولكن إذا أصبح هذا الزي الجديد المتوافر على الشروط الشرعي زيا مألوفا لا يوجب التشهير والاستقباح والاستهجان خرج عن كونه “لباس شهرة” وخرج عن كونه محرما،
يبقى هنا نقطة جديرة بالاهتمام:
إن الكثير من بنات الجيل الجديد من المؤمنات الملتزمات، يتسامحن في دقة تطبيق “المواصفات والمعايير الشرعية” فيما يرتدينه من أزياء، خاصة وأن هذه الأزياء يروج لها بأنها أزياء إسلامية.
مطلوب من بناتنا المؤمنات الملتزمات أن يدققن في تطبيق “الضوابط والمعايير الشرعية” وأن يرجعن إلى ذوي الخبرة ممن يملكون القدرة على التشخيص الدقيق، خشية أن يسقط هذا الجيل من النساء في حبائل الأزياء المتنافية مع ضوابط الشرع.
في الحديث القادم نتناول – بإذن الله تعالى – أهم المواصفات والضوابط والشروط التي وضعها الإسلام في لباس المرأة المسلمة.
الحوار هو الخيار وليس المحاكمات:
لسنا دعاة انفلات، ودعاة فوضى، ولسنا دعاة تعطيل قانون، أما إذا جار القانون، وانحرف التطبيق، فالويل كل الويل لشعب يعبث به هذا الجور، ويقهر حريته هذا الانحراف.
نعم لسنا دعاة انفلات وفوضى وتعطيل، إلا أن الكثير من الأزمات ليس طريقها المحاكمات، وإنما طريقها الحوارات، إن أزمات حادة وصعبة، و متجذرة، إن أزمات أنتجت احتقانات وأنتجت عذابات، إن أزمات طالت كل حياة الناس، إن أزمات معيشيةٍ وأمنٍ وحريةٍ ومصيرٍ، إن أزمات في هذا الحجم لا تحل بالعنف والعصا والقهر، لا تحل بالملاحقات والاعتقالات والمحاكمات.
إنما تحل بالعدل والإنصاف والمعالجة الجادة الصادقة، لا بالشعارات الزائفة والخطابات الخادعة،إنما تحل بالعقل والحكمة والانفتاح والتفاهم والحوار، هذا هو الخيار.
أما البديل فمزيد من الفوضى والانفلات ومزيد من التشنج والانفعال…
أما آن الأوان لتدارك الأمور، وإعادة كل الحسابات… فلن يحسم الأمر اعتقال العشرات و المآت والآلاف، ولن يحسم الأمر محاكمات ومحاكمات، وأخشى ما نخشاه أن يغرق هذا البلد و تهتز كل أوضاعه، ويرتبك كل أمنه واستقراره، وهذا مالا نتمناه أبداً وهذا ما نسعى للحيلولة دونه، وهذا ما نرفضه كل الرفض.
الجميع يتحدث بهذا الحديث، السلطة، الشارع، كل القوى الدينية والسّياسية، والجميع يحمل شعار الوطن والمواطن، ولكن لا زالت المسافة بين الأطراف بعيدة ولازالت الخيار الأسلم والأصلح والأفضل غائبا، ولازال الحوار معطلا.
قالوا لنا: الطريق أمامكم مفتوح، شاركوا في العملية السّياسية، و أطرحوا ما تريدون، وطالبوا بما تريدون، وحاسبوا كما تشاءون وراقبوا كل السياسات، كلام جميل… شاركنا وليس انخداعاً بهذا الكلام، شاركنا ونحن نعلم كلّ العلم كم هو الجور كبير وكبير علينا، شاركنا ونحن نعلم ونعلم بالمطبات والمنزلقات والمراوغات.
قلنا: لنقطع حبل الدعاوى، وحبل الأقاويل والكلمات والشعارات، جربنا طريق المقاطعة فلنجرب طريق المشاركة.
وبدأ الموقف الجدّي، وبدأت المعارضة في مجلس النواب تلوّح في استعمال حقها المشروع في ملاحقة الفساد، وفي ملاحقة المفسدين، وكان الموقف كما رأيتم وسمعتم… لست أنا هنا في صدد الحديث عن موضوع “الاستجواب” الذي طرح أخيرا أمام نواب الشعب فأفشلوه، ولماذا أفشلوه، ولما أرجأوه؟
ومن الذي أفشله ومن الذي أرجأه؟
وهل أن هناك إشارات حمراء أمام النواب؟
هذا حديث لا أريد أن أخوض فيه الآن، ما أردت قوله أنه لا جدية لدى السلطة في حلحلة الأمور، لا من داخل البرلمان ولا من خارجه، نتمنى أن يعاد النظر في هذه السياسة، وأن يحرك الحوار الهادف الصادق حتى لا تتجه الأوضاع إلى الأسوء.
أكرر القول أن الحوار هو الخيار وليس المحاكمات، إذا كان خيار السلطة هو المحاكمات، فإنه خيار فاشل وسوف يعقّد الأمور، وسوف يشوش الأوضاع وليس في هذا دعوة إلى الفوضى والتمرد، ولكن ما نطالب به أن لا توّفر خيارات السلطة مبررات الرفض والممانعة مما قد يؤدي إلى حالات من التمرد والغضب والاستياء.
إذا تحركت الحكومة تحركا صادقا في اتجاه المعالجة الجدية لازمات البلد، وفي طمأنة المواطنين، وفي فتح أبواب التفاهم والحوار، وفي إعطاء العملية السّياسية مسارها لحقيقي، عندها سوف نطالب جميعا بمحاكمة كل المتمردين على القانون، أمّا والأمور ليست في هذا الاتجاه فدعوى تطبيق القانون دعوة زائفة، وأسلوب الاعتقالات والمحاكمات أسلوب فاشل.
نسال الله تعالى أن يحمي هذا البلد من كلّ الأسواء والمخاطر والمحن والفتن، أنّه نعم المولى ونعم المعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين