في ليلة الأربعين:تحية إكبار وإجلال لزوار الحسين – لسنا دعاة عنف وصدام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية إكبار وإجلال لزوار الحسين عليه السلام:
نرفع تحية إكبار وإجلال لتلك الحشود المليونية الزاحفة إلى كربلاء الصمود والبطولة في أربعين أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام ، تحية إكبار إلى تلك القلوب العاشقة إلى مثوى الإمام الحسين عليه السلام، تحية إكبار وإجلال إلى زوّار الإمام الحسين عليه السلام، الذين ازدحمت بهم كربلاء، وهم يستعيدون ذاكرة عاشوراء هناك حيث وقف السبط الحسين وحيدا فريدا لا ناصر له ولامعين…
الآل عانقوا ثرى كربلاء، والصحب الكرام افترشوا التراب مضرجين بالدماء ولم يبقى مع الحسين إلا عليل كابد الآلام، وإلا نساء وآلهات ثاكلات نادبات، وإلاّ صبية وصبايا صارخات باكيات ظامئات.
هناك في يوم عاشوراء حيث استسقى الحسين عليه السلام لطفل رضيع تلظى قلبه ظمأ إلى قطرة ماء فرماه حرملة بسهم ذبحه من الوريد إلى الوريد.
هناك في يوم عاشوراء حيث ازدحمت الجيوش على ابن فاطمة، والسيوف مشدودة إلى نحر الحسين، والسهام تنتظراللحظة لتمزق قلب الحسين، والخيول تتهيأ لترض صدر الحسين.
هناك في عاشوراء أصاب الحجر الغادر جبهته الحسين عليه السلام.
هناك في اليوم عاشوراء وقع السهم المثلث في قلب الحسين عليه السلام.
هناك في يوم عاشوراء هوى سيف طائش على رأس الحسين فخر السبط على خده الأيمن يفترش التراب.
هناك في يوم عاشوراء، وفي لحظة اهتز فيها العرش، وأظلمت الدنيا، وهبت ريح حمراء، وإذا بالشمر اللعين يجثم فوق صدر الحسين عليه السلام وسيفه المشأوم يعمل في نحر الحسين حتى حز الرأس الشريف.
هناك في يوم عاشوراء تزاحموا على سلب الحسين عليه السلام .
هناك في يوم عاشوراء أوطأوا الخيل صدر الحسين عليه السلام.
هناك في يوم عاشوراء هجموا على خيام النبوة، وامتدت الأيدي الآثمة تنهب المتاع، وتسلب النساء والأطفال، ثم أشعلوا النار في الخيام.
هكذا يستعيد زوّار الأربعين وهم يطأون أرض كربلاء ذاكرة عاشوراء، وأحداث عاشوراء .
فتحية إكبار وإجلال إلى زوار الحسين عليه السلام في الأربعين قلوبنا مشدوة إلى هناك، نسأل الله أن يشركنا.
ومن هنا أيضا نرفع تحية إكبار وإجلال إلى الشهداء الأبرار الذين امتدت إليهم أيدي الغدر واللؤم والخيانة لتغتالهم وهم في طريق الشوق إلى كربلاء الحسين عليه السلام، فمباركة هذه الدماء الطاهرة، ومباركة هذه الأرواح الزاكية التي التحقت بقافلة الشهداء في كربلاء، ومهما حاول الحاقدون أن يسكتوا صوت الحسين عليه السلام فسوف يبقى الحسين صرخة في وجه الطغاة والمستكبرين وفي وجه كل الحاقدين، وسوف يبقى عشاق الحسين عليه السلام يعطون الدماء رخيصة من أجل الحسين عليه السلام.
في ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام:
من أهم أهداف الذكرى الحسينية أن نحاسب أوضاع السّاحة وإلا تحولت الذكرى إلى تاريخ يعطلّ انتماءنا للحاضر.
الحسين علّمنا أن نقول: لا للظلم، لا للفساد، لا للانحراف.
الحسين علمنا أن نكون دعاة إصلاح ودعاة بناء، ودعاة تغيير.
الحسين علمانا أن نكون الحاضرين في كلّ قضايا الأمة، القضايا الروحية، الأخلاقية، العقائدية، الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، الأمنية.
انطلاقا من هذا الفهم للتعاطي مع ذكرى الإمام الحسين، فسوف أتناول في هذا اللقاء عنوان يلامس بعض أوضاع السّاحة:
• لسنا دعاة عنف وصدام:
كما تحاول بعض أقلام الفتنة أن تروّج، وأن تحرّض، إننا لسنا دعاة عنف وصدام ومواجهات مع الأنظمة الحاكمة، نحن طلاّب حقوق، حقوق مواطنة، يوم تصادر حقوقنا كمواطنين في هذا البلد أو ذاك البلد فسوف نصرخ نطالب بحقوقنا، وسوف نرفع أصواتنا ضد الظلم والاستبداد ومصادرة الحقوق، كما يصرخ الآخرون، وكما ترتفع أصوات الآخرين، لماذا يطالب الآخرون بحقوقهم لايتهمون، وحينما نطالب بحقوقنا أصبحنا أعداء الأنظمة الحاكمة، وأصبحنا خائنين للأوطان، وأصبحنا دعاة فتنة.
في هذا البلد وقفنا بكلّ صدق وإخلاص مع “مشروع الإصلاح السّياسي” وألغينا من ذاكرتنا تاريخا طويلا من القهر والظلم والملاحقة والمصادرة، والإبعاد والسجون، وقلنا بصوت عال: نعم لمشروع الإصلاح، وهل أنّ التصويت على الميثاق كان ليحصل على هذه النسبة العالية جدا، لولا موقف الرموز الدينية والثقافية والاجتماعية من أبناء هذه الطائفة، وجماهيرهم الكبيرة.
من الخيانة للحقيقة وللتاريخ أن ينسى كلّ ذلك ويطلع علينا كلّ يوم من يتهمنا بالتآمر على مشروع الإصلاح، وبالخيانة لهذا الوطن، وتحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان، وتحت عناوين ابتدعتها عقلية صنَاع الفتنة الطائفية، وخطابات التحريض والشحن المذهبي، وبلا رادع ولا وازع، وبلا خجل ولا حياء.
صدر تقرير البندر الأول، وصدر تقرير البندر الثاني، وكانا يحملان معلومات خطيرة جدا، كانا يتحدثان عن مخطط رهيب يهدف إلى مصادرة وإلغاء طائفة بكاملها، ورغم وجود الشواهد الكثيرة المتحركة على الأرض مما يؤكد ممارسات التمييز والمصادرة والإّ أنّنا لم نستعجل القول، والتقينا عاهل البلاد، وطالبنا بالتحقيق حول ما جاء في هذا التقرير المرعب، وكان الجواب هو التطميين، والقول بوجود اتجاه لإجراء تحقيق ومحاسبة ومحاكمة لهذا التقرير، وقلنا: ننتظر النتائج.
ومضت الأيام تلو الأيام، ولم نشهد تحقيقا ولا محاسبة، ولا محاكمة، بل أصبحنا – ونحن الضحية لهذا المخطط – عابثين بأمن هذا البلد واستقراره، ومتآمرين على برامج الإصلاح، ومعادين لأهداف التغيير.
قبل أيام طالعنا حديث لأحد نواب البرلمان – كما نشرت ذلك جريدة العهد العدد 170 الصادرة في 10 صفر 1428هـ – وهي عبارة عن خطبة تحمل عنوان ” يا أهل البحرين استيقظا” وقد تحدث فيها هذا النائب عن اكتشاف “مخططات صفوية”، جاء في خطبته:”خطبتي هذه موجه لكل مسلم مواطن أيا كان مذهبه، وبالذات للحكام ومستشاريهم والمحكومين من الشعب أن يستيقظا من سباتهم ونقول لهم: استيقظوا ، الفتنة الصفوية تعمل ليل نهار لتنفيذ هذه الخطة مع بعض الخفافيش من المصلحين مع التماسيح البشرية ممن يعيشون على أرض هذا الوطن ويأكلون من خيراتها…. إنها الفئة الصفوية التي تريد تحويل البحرين إلى إقليم إيراني ممتد من العراق مرورا بالمنطقة الشرقية إلى البحرين الصفوية”؟
وتحدث عن إقامة الشعائر الدينية وأثرها على البحرين فقال:” لعلنا شاهدنا أيها الأخوة والأخوات في السنوات الأخيرة إغلاق المجمعات التجارية في أيام التاسع والعاشر، ولعلنا شاهدنا بأم أعيننا رفع اللافتات الطائفية في الشوارع…”، وإشارة إلى وجود محاولات لتغيير مناهج الدين في المدارس الابتدائية، والإعدادية في البحرين من أجل خاطر عيون البعض، وأعتبر هذا قمة الضعف لدى بعض قيادات هذا البلد… وتحدث، وتحدث، وختم خطبته بقوله:” استيقظوا استيقظوا من سباتكم ياشعب البحرين قبل أن تنهب منا بحريننا قبل أن نذبح بالطرقات كما تفعل مليشيات بدر هناك في العراق بأخواننا السنة، وبذلك لن ينفعنا الندم،بالاستمرار مع هؤلاء، هو بداية لقتل شعب البحرين وبداية لحرب أهلية، وبداية لسقوط الدولة، أقرأوا التاريخ يا حكام البحرين، وانظروا حولكم ياشعب البحرين، وستذكرون ما أقول لكم، استيقظوا ياشعب البحرين من سباتكم فقد طال رقادكم..”
بهذه الكلمات الموتورة، وبهذه الجمل المشحونة بالكراهية، وبهذه العبارات التحريضية، وبهذه النفس الطائفي يتحدث هذا النائب البرلماني، وفعلا إن أوضاع هذا البلد في خطر مادام أمثال هذا الخطاب هو الذي يتحرك، بلا حساب ولا عقاب.
إذا طالبنا بحقوقنا، قالوا: إنكم طائفيون، وإذا شكونا الحرمان، قالوا: إنكم متآمرون، وإذا مددنا أيدينا، قالوا: إنكم كاذبون، ومع كلّ هذا الظلم والجور علينا فسوف نبقى أوفياء لهذا الوطن مهما جدف المجدفون، ومهما حرض المحرضون، ومهما نعق الناعقون سوف نبقى دعاة وحدة وحب ووءام ولن تستنفرنا أصوات الفتنة، وخطب العصبية وأبواق الطائفية.
سوف نبقى الحريصين الصادقين على أمن هذا البلد واستقراره، وإن جنى علينا المتجنون، واتهمنا المتهمون.
أيها الأحبة:
إذا كانت الفتنة والطائفية تحاول أن تسئ إلى الشعائر الحسينية، وتحاول أن تتهمنا بأنها ممارسات طائفية، وممارسات تثير الفوضى، والارتباك، وتحاول أن تحاربها وأن تعطلها…
• فيجب علينا الإصرار على استمرار هذه الشعائر مهما كلفنا ذلك من ثمن
• ويجب علينا أن نبرهن من خلال خطاب هذه الشعائر أنها ممارسات تحمل شعار الوحدة والإلفه والتقارب
• ويجب علينا أن نؤكد من خلال فعاليات الموسم العاشورائي، والموسم الأربعيني أننا دعاة أمن واستقرار، ولسنا دعاة فوضى واضطراب
• ويجب علينا أن نعطي لإحياء الذكرى الحسينية معناها الإسلامي الكبير، لا أن نسجن الذكرى في الزنزانة المذهبية الضيقة
• ويجب علينا أن ننقي كلّ فعّاليات الإحياء من أساليب التشويه، وأشكال التوهين، التي تسئ إلى شعائر الذكرى
• ويجب علينا أن نحصن أجواء الشعائر من كل ألوان العبث والفساد والانحراف فهناك من يريد أن يخترق هذه الأجواء من خلال سلوكيات فاسقة وفاجرة ومتسيبة.
فيجب على كل الغيارى أن يتصدوا لهذه المحاولات العابثة التي تريد أن تفسد أجواء الشعائر، وجزى الله”اللجنة الأخلاقية” التي تبذل أقصى ما تملك من إمكانات وطاقات من أجل حماية أجواء المواكب الحسينية والتصدي لكل أشكال العبث والإفساد، وخاصة ظاهرة” التجمعات النسائية” وما يحدث من إنفلاتات بين بعض الشباب والشابات.
لقد أصبحت هذه الظاهرة مصدر قلق لدى كلّ الغيارى على نظافة هذه الأجواء العاشورائية والأربعينية، ورغم ما يبدله الشباب المؤمن المتطوع من جهود مشكورة لحماية هذه الأجواء من خلال عمل اللجنة المذكورة إلا أن هذه الجهود لازالت في حاجة إلى مزيد من الدعم والمساندة، وأن عمل اللجنة لازال في حاجة إلى مزيد من التطوير، ولازال عدد المتطوعين في حاجة إلى الرفد.
إن التطوع في هذا المجال يشكّل أعظم خدمة لشعائر الإمام الحسين عليه السلام، ولا شك أن ثوابها يتجاوز الكثير من الممارسات والفعاليات، فما أحرى بعدد من المؤمنين الغيارى على قداسة هذه الشعائر أن ينظموا إلى الكوادر الحسينية المتطوعة وخاصة الشباب والشابات الذين يحملون عنفوان الإيمان وصدق الولاء، وصلابة المبدأ، وطهارة السلوك، وشجاعة الموقف… هؤلاء هم”الطلائع الحسينية” المباركة الذين يحملون رسالة كربلاء، ويدافعون عن قيم عاشوراء.
إن هذا العمل الكبير في حاجة إلى دعم ومؤازرة من كل المواقع: من العلماء، من المثقفين، من الوجهاء، من أصحاب الحسينيات، والمآتم والمواكب، الجمهور العائق للحسين.
ثم إن ظاهرة التجمعات النسائية في الشوارع إثناء سير المواكب الحسينية، بحاجة إلى معالجة جذرية، والتفكير في بدائل تعطي للنساء حضورا حقيقيا في الممارسات العاشورائية لا مجرد الوقوف المتفرج على المواكب والذي لا يحمل أيّ دلائله على المشاركة والمساهمة في الفعّاليات الحسينية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين