حديث الجمعة117 :• غيبة الإمام المهدي المنتظر(الحلقة السابعة): اتجاهان خاطئان • هذه الضجة….ماذا وراءها ؟• لماذا هذا التزوير والافتراء ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد الأنبياء و المرسلين محمد و على آله الطيبين الطاهرين..
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
• غيبة الإمام المهدي المنتظر(الحلقة السابعة): اتجاهان خاطئان
• هذه الضجة….ماذا وراءها ؟
• لماذا هذا التزوير والافتراء ؟
اتجاهان خاطئان:
هناك اتجاهان خاطئان تعاملا مع قضية “الإمام المهدي المنتظر”:
الاتجاه الأول:
إنكار فكرة(المهدي المنتظر):
هذا الاتجاه أنكر الفكرة أساسا، فلا يوجد ضمن التصورات الإسلامية، و المفاهيم الدينية فكرة أسمها “المهدي”،و ا ذا وجد لها ذكر في التراث الإسلامي و الفكر الدينين هي دخيلة على هذا التراث و هذا الفكرـ، و كل الروايات التي تتحدث عن “المهدي” هي روايات ضعيفة و موضوعة و مكذوبة..
أول من تبنى هذا الاتجاه ابن خلدون، ثم تبعه كتاب و مفكرون آخرون…
نلاحظ على هذا الاتجاه:
أولا: هذا الاتجاه يتنافى مع ما يتبناه الغالبية العظمى من علماء المسلمين (السنة و الشيعة) كما برهنت على مصنفاتهم و مؤلفاتهم…و قد أعترف ابن خلدون نفسه بأن الاعتقاد ب”المهدي” مما اشتهر بين كافة المسلمين في كافة الإعصار…
إذا هذا الاتجاه الذي ينكر قضية المهدي هو اتجاه شاذ و لا يمثله إلا قلة لا يعتد بهم في مقابل إجماع المسلمين على أصل الفكرة و إن اختلفوا في التفاصيل…
ثانيا: لقد تصدى عدد كبير من علماء المسلمين (السنة و الشيعة) لمناقشة ابن خلدون و مناقشة المنكرين لأحاديث المهدي…
و ممن تصدى لذلك من علماء السنة:
أبو الفيض الغمادي (الحافظ المجتهد أحمد بن محمد بن الصديق) ألف كتابا في الرد على ابن خلدون اسماه: (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون)، و للكتاب اسم آخر هو (المرشد المبدي لفساد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي) وممن تصدى كذلك الأستاذ عبد المحسن بن حمد العباد-عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة-فله محاضرة بعنوان(الرد على كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي) وهي رد على الرسالة ألفها عبد الله بن زيد المحمود –رئيس المحاكم الشرعية في قطر – أنكر فيها أحاديث المهدي .
ثالثا: هذا الاتجاه يتعارض بكل وضوح مع الحشد الكبير من الأحاديث والروايات الصحيحة والمدونة في أهم المصادر المعتمدة عند المسلمين ، كما أثبتنا ذلك في حديث سابق.
خلاصة القول: أن الاتجاه الأول الرافض لقضية (الإمام المهدي) اتجاه باطل فاسد لا يملك مستندا علميا ولا مبررا تاريخيا.
الاتجاه الثاني:
اتجاه حاول تحريف الفكرة – فكرة الإمام المهدي- :
هذا الاتجاه يؤمن بفكرة (الإمام المهدي) ويسلم بصحة أحاديتها ، فلا مجال للرفض والإنكار ، إلا أن هذا الاتجاه حاول أن يعطي الفكرة مسارا آخر غير المسار الحقيقي لها.
هذه بعض أمثلة سريعة لمحاولات هذا الاتجاه في تغيير مسار فكرة(المهدي) والتصرف في مضمونها ومكوناتها:
المثال الأول:
لقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: (المهدي أسمه اسمي وكنيته كنيتي) وهذا واضح لمن راجع مصادر الحديث المعتمدة ، إلا أن محاولات التحريف تدخلت فأضافت قيدا جديدا على هذا الحديث المتواتر، فأصبح الحديث وفق الصيغة الجديدة – الصيغة التحريفية -)المهدي أسمه اسمي وأسم أبيه أسم أبي)، هذا القيد الجديد لم يرد في الصيغة الصحيحة، ومن الواضح أنه قيد موضوع بغرض إبعاد الفكرة عن تطبيقها الحقيقي وهو(محمد بن الحسن العسكر).
المثال الثاني:
الإدعاء بأن الإمام المهدي من ذرية الإمام الحسن بن علي أبي طالب، وليس من ذرية الإمام الحسين بن علي وهذا محاولة أخرى لإقصاء الفكرة وإبعادها عن مصداقها الحقيقي ، ومن التعليلات الظريفة التي يعتمدها بعضهم في هذا السياق، أن الإمام الحسن المجتبى تنازل عن الخلافة فعوضه الله تعالى بأن جعل(المهدي) من ذريته أما الإمام الحسين فقد طالب بالخلافة فحرم من هذا العطاء تعليل مبتكر ، وهو لا يحتاج إلى تعليق، فالنصوص صريحة وواضحة في كون الإمام المهدي المنتظر من ذرية الإمام الحسين وإذا ضممنا المحاولة الثانية إلى سابقتها نتج لدينا أن المهدي أسمه(محمد بن عبدالله الحسيني) وليس (محمد بن الحسن العسكر) وقد تصدى الكثير من العلماء لإبطال هذا الإدعاء الموهوم.
المثال الثالث:
الإدعاء بأن الإمام المهدي المنتظر شخصية تولد في آخر الزمان ، وليهو الإمام الثاني عشر من أهل البيت الذي ولد سنة(255ه)، وهذا الإدعاء غير صحيح وسوف نناقش الموضوع في لقاء آخر – بإذن الله تعالى -.
هذه الضجة .. ماذا وراءها؟
ضجة صاخبة يحركها أصحابها، تحركها صحافة، تحركها أقلام .. ضد المجلس العلمائي ، ضد الرموز الدينية، ضد المذهب الشيعي .. هذه الضجة بكل إستنفاراتها، بكل شتائمها، لكل إساءاتها .. هذه الضجة ماذا وراءها؟
غبي كل الغباء ، ساذج كل السذاجة، ومخدوع كل الانخداع من يتوهم أنها ضجة بريئة أو تحمل شيئا من البراءة ، فالصحافة التي تنفخ هذه الضجة صحافة مابرحت تنشر (النتن الطائفي) وتزرع (ألفتنة) ، إننا لسنا ضد حرية التعبير، مادام نظيفا ونزيها، ومادامت الأهداف نظيفة ونزيهة، ومادامت الأساليب نظيفة ونزيهة، إلا أن ما تمارسه هذه الصحافة، وما تمارسه هذه الأقلام شيء آخر لا علاقة له بحرية التعبير ، هل أن القذف والتشهير هو جزء من حرية التعبير؟ هل أن تلفيق الأكاذيب وتزوير الحقائق هو جزء من حرية التعبير؟
هل أن القول عن عالم جليل له ثقله ، وله مكانته في هذا المجتمع ، وله عطاءاته الكبيرة أنه (ضال مضل) هو جزء من حرية التعبير؟
لماذا هذا الخلط بين العناوين؟
إنها اللعبة المشبوهة التي وظفت لها هذه الصحافة ووظفت لها هذه الأقلام، وإلا فمتى كانت (جريدة الوطن) غيورة على أوضاع أئمة الجمعة والجماعة، وهي تحمل كل الحقد والعداء لهؤلاء الأئمة ، ولكل أبناء هذا الصف.
أنه لعب بالنار من أجل أهداف مفضوحة، ليس إخلاصا لأئمة الجمعة والجماعة، وليس شفقة عليهم، وليس دفاعا عن حقوقهم، إنها اللعبة الحقيرة لزرع الفتنة بين أبناء الصف الواحد، وإنه الزيت الذي يصب على النار لإشعال الخلافات والصراعات ، ومن المؤسف جدا أن ينجر لعض أخوتنا إلى حبائل هذه اللعبة، ومن المؤسف هذا الاستدراج من بعض أخوتنا وأبنائنا والتي تتهم المجلس بلا دليل ولا برهان، فمتى كان المجلس وراء تلك الحوادث والخلافات ، وهو الذي وظف كل وجوده لحل الخلافات والصراعات في كل مناطق البحرين ، وهو الذي عمل ولا يزال يعمل على توحيد الصف، وجمع الكلمة، ونشر الحب والوءام والصفاء بين الناس.
إننا لا يؤلمنا أن تتهمنا جريدة طائفية حاقدة، لا يؤلمنا أن تتهما أقلام كلها حقد وشنئان ، ولكن أن تأتي التهم من بعض أبناء صفنا فذلك ما يؤلمنا كل الألم ، إن المجلس العلمائي أكبر من هذه المهاترات، ومنذ تأسس هذا المجلس وهو يحمل رسالة الحب و الإخاء و الوحدة بين أبناء هذا الوطن جميعا، لا فرق بين سني و شيعي، و لا فرق بين من ينتمون إليه، و من لا ينتمون، و قد برهنت سيرة المجلس على ذلك…
لا…أيها الأحبة يا أخوة الصف- إن المجلس العلمائي ليس من سياسته، و ليس من قيمه، و ليس من دينه أن يحرض على ضرب أحد أو على إيذاء أحد…
وإذا حدث شيء من ذلك فالمجلس منها بريء كل البراءة وبرفض كل الرفض اعتماد هذا الأساليب، أما أن يقبل الناس بهذا الإمام أو لا يقبلون فهذا راجع إلى قناعاتهم الشرعية وهذه هي الطريقة المعتمدة في المذهب، فلا يفرض إمام على الناس إذا كانوا لا يرضونه ، ولا يجوز أن يمنع الناس من الصلاة خلف إمام قد ارتضوه واقتنعوا به ، فالمجلس العلمائي لم يتدخل في نصب الأئمة أو في عزلهم ، ولا يحق لأي جهة أخرى رسمية أو غيرهم رسمية أن تتدخل في ذلك.
نعود إلى التساؤل المطروح:
لماذا هذه الضجة الصاخبة ضد المجلس الإسلامي العلمائي؟
في قناعتنا أن هناك مشروعا يخطط له في الخفاء يهدف إلى ضرب القوى الفاعلة في الساحة، و لا يشك أحد أن المجلس العلمائي أصبح قوة فاعلة حاضرة و أصبح رقما صعبا في كل المعادلات و في كل الحسابات، إن مسيرة الأحوال الشخصية، و مسيرة الاعتداء على مرقد الإمامين العسكريين، و الندوة الجماهيرية الكبيرة شواهد واضحة تؤكد ذلك…
هناك جهات متعددة باتت تضيق بذلك، فلا بد من محاصرة الوجود المبارك، ولابد من تحريك صحف، وأقلام، وإشاعات، وافتراءات، و ضجات من أجل الإرباك والتشويش والإساءة، ومن أجل إشغال المجلس العلمائي بجدليات بعيده عن اهتماماته الكبرى.
إن المجلس العلمائي يملك درجة كبيرة من الوعي والبصيرة فلن ينجر إلى أجواء المهاترات التهويشات و السجالات والمزايدات والصراعات مهما كان التجني علية كبيرا، غير أن هذا ذلك لا يعني أن يبقى المجلس صامتا لا يدافع عن نفسه بلغة بعيدة كل البعد عن الانفعال، وبعد كل البعد عن ردات الفعل غير المحسوبة و غير المدروسة، سوف نبقى نمارس الخطاب الهادئ و المتوازن و الحكيم، خطاب المحبة، و خطاب الوحدة، و خطاب التهدئة، من دون أن يتخلى هذا الخطاب عن حزمه، و صرامته، و شدته مع العابثين، و المفسدين، و السيئين…
لم يكن المجلس العلمائي يوما ما أداة فتنة، و أداة عبث، و أداة فرقة، و أداة إرهاب، فأهدافه صريحة كل الصراحة، و ممارساته واضحة كل الوضوح، فليتقول المتقولون ما شاءوا، و ليجدَف المجدَفون ما حلى ما التجديف، و ليحرض المحرضون، ويهوش المهوشون، وليفتر المفترون، فلن يغير ذلك من الحقيقة ، ربما يسقط الكثيرون في المنزلقات هذا الاستهداف ، وهذا الظلم، إلا أن جماهير الأمة بما تملك من وعي وبصيرة وصدق وإخلاص، سوف تبقى تحمل كل الولاء وكل الوفاء وكل الدعم، وكل المناصرة لهذا المجلس الذي أحتضن هموم الأمة، وآلامها، وقضاياها .
حمقى أولئك الذين يتصورون أن التشهير بالمجلس وبرموز المجلس سوف ينال من مكانتهم في قلوب الناس العكس هو الصحيح، إن النهج التشهيري قد عزز بقوة التفاف الناس حول المجلس العلمائي، و حمقى أولئك الذين يتصورون أن توجيه النار إلى المجلس سوف يحوله إلى رماد، و ما دروا أنهم حينما يلعبون بالنار سيكونون أول من يحترق بهذه النار….
إننا لا ندعي العصمة للمجلس و لا لأشخاص المجلس فرحم الله من أهدى إلينا عيوبنا، و صحح أخطاءنا، و بصرنا بزلاتنا، و سدد في الدرب خطانا…ما دام ذلك ينطلق من محبة و صدق و إخلاص، و ما دام ذلك ينطلق من وعي و بصيرة…و ما دام يعتمد النزاهة و الموضوعية و الإنصاف، لسنا فوق النقد و المحاسبة، و لسنا فوق النصح و الإرشاد، ولسنا فوق الخطأ والزلل والاشتباه، قلوبنا مفتوحة لأي كلمة صادقة، ولأي حوار جاد وهادف، لقد قلنا كلمتنا في مسألة هامة وخطيرة وهي مسألة” استقلالية المسجد” ولم نفرض رأينا على أحد، فلماذا هذا الاستنفار في مواجهة هذا الرأي أليس هذا هو “الإرهاب” بعينه ضد الرأي والكلمة والموقف، فمن الذي يمارس الإرهاب الفكري، المجلس العلمائي الذي قال رأيه انطلاقا من قناعة فقهية ومن فهم موضوعي ، ولم يفرض رأيه على الآخرين، وترك للناس أن يحملوا مسؤوليتهم في القبول أو الرفض أم هؤلاء الذين أثاروها ضجة صاخبة وضاقوا بهذا الرأي، و حابوه بشتى الأساليب، بالتشهير و القذف، و الإساءة، من خلال صحافة تحمل كل الحقد و العداء، و من كلمات خلال كلمات لا يهمها إلا نشر الفتنة و الفرقة و الخلاف.
لماذا هذا التزوير والافتراء ؟
نكرر القول: لقد طرحنا رأيا آمنا به، و أبدينا تخوفا حقيقا من الهيمنة على خطاب المسجد، ووظيفة المسجد، و ما نشر أخيرا من وجود لائكة لتنظيم شؤون الأئمة و المساجد يؤكد هذا التخوف و يعزز الريبة…فكيف يريد الخطاب الرسمي و المدافعون عن الخطاب الرسمي أن يسحبوا من داخلنا هذا التخوف و هذا الارتياب و الاتجاه واضح في فرض الرقابة الرسمية على المساجد .. وإذا كان المتمون لكادر الأئمة والمدافعون عنه من حقهم أن يعبروا عن قناعاتهم وعن تصوراتهم ونحن لا نرى في ذلك أي غضاضة، فلماذا لا يكون للرافضين والمعارضين الحق أن يعبروا عن قناعاتهم وتصوراتهم وعن تحفظاتهم وتخوفاتهم .. لماذا هذا الضجيج وهذا الصخب؟ ولماذا هذا التهويش والتزوير والافتراء؟ لو كان الأمر حوارا علميا، وجدلا نظيفا، فلا مشكلة، أما أن نتهم بالإرهاب والمصادرة لمجرد أن قلنا : لا لكادر الأئمة، ولمجرد أن تحفظنا ، ولمجرد أن تخوفنا، فمسألة لا تملك أي مبرر…إننا لم نمارس تحريضا أو تشهيرا، و إنما وجدنا أنفسنا أمام مسؤولية فرضت علينا أن نرفض هذا المشروع الخطير و أن تحذر منه، فإن كان موقفنا صائبا فذاك بتسديد الله تعالى و توفيقاته، و إن كان خاطئا فحسبنا أننا أردنا وجه الله، و انطلقنا غيرة على دين الله، و لن نتردد في قبول النصح لمن أثبت لنا خطأ هذا الموقف من خلال الكلمة النظيفة النزيه ومن خلال الدليل والبرهان، لا من خلال الصخب و الضجيج، و لا من خلال السباب و القذف و العدوان.
ربنا أفرغ علينا صبرا و توفنا مسلمين
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين